|
حديث عابر لا يخصني
ابراهيم الماس
الحوار المتمدن-العدد: 4415 - 2014 / 4 / 5 - 20:25
المحور:
الادب والفن
آدم لم يحتمل عزلته على الأرض فأتهم حواء بضياع الفردوس !
ارتمى مساء آذار على راحتيه المبللتين بالوحشة ، متأخراً جلس على مصطبةٍ خشبها : ربيع قديم لشجرة ما ، وتحت مظلةٍ مكسورةٍ حدث ان صارت قبرها المعلّق بالهواء ، في وسط ساحةٍ تفيض بوحدته ، تشهد ما يتردد في داخله من اشياء ساعة يحاول ان يستعيد ما يشبه نفسه تماماً ، بهدوئه المعتاد يتخلص من فوضى الاحاديث العرضية التي تلطخ يومه الأكثر من . . . ! السماء معبأة بالغيوم حد : قطرة . . قطرتان . . حتماً ستمطر هذا المساء ولكن ما يزال هناك وقت للاغتسال بقدسية الهواء المثقل برائحة الأرض . الساعة الحادية عشر تقريباً . المدينة محشوة بالبسطاء الى اخرها ، هناك من يرتب سريره في هذه اللحظة ، وهناك من اختبأ بشعر زوجته ونام ومن يفكر ماذا سيعد للغد و و و . . . . ربما هو الوحيد الذي اشتهى ان يتمشى على جسر نينوى القديم ، رغم انه يعرف عاقبة مشتهاه المحرّم في هذا الزمن المتسخ بالموت ولكن لا بأس بالحلم حتى ولو بأشياء اصغر من ذلك . لم انسَ ولا انسى ولا اريد ان انسى طبعا بأنني انسان يحق لي ان احلم مثلما يحق لي ان اتنفس الهواء الحر واصرُّ على ان اجمّل الاشياء من حولي ، كأن اقول لنفسي وانا اعبر صباح كل يوم من الجسر الثالث : ما اجمل الماء الممزوج بالشمس وظلال الشجر على حصباء الجزر الصغيرة حيث مالا يعد من العصافير المنهكة بإعطاء هذه المدينة تغريدها المفقود في المواسير المستعدة لإيجاد حيزاً لها في صدر الحياة . شيء رائع ان تفاوض الوهم فتتمنى ان تصبح شجرة منتصف الجريان او اي شيء اخر لا يتدخل بما يفعله البشر . الريحُ تهب . . اذهب مع الحفيف ، يجرحني الموج . واقول لقلبي : انتَ سيّد اللحظة العابرة الى الماضي بلا انقطاع ، حمّلها ما تشاء ودسّ في جيوبها وصيتك التي تمليها على فترة العبور الى الرقدة الأخيرة . بلا احد ، يغير مجرى الخيبات المتعاقبة ويخيب ظن الكدر ، يتحايل على المه العميق ، ليس الخطأ خطأه انما تراكمات المضي الغاص بالدم والشهوة والمصائب الموزعة بلا تساوي على البشر . المكان عقابه الجميل / القبيح / المر / الحلو ومسرح كينونته وفرحه الغامض وعذابه العالي حيث حصّته من الحيرة والسؤال : هل ثمّة جدوى غير هذا البكاء الحديث ؟ ليس من الضروري ان ترتدي قميصا جديداً او ان تأكل وجبة فاخرة ولا طبعا ان تقف بوجه ارادة اكبر من يديك ، بل ــ مرغماً ــ ان ترقص حين يرحل الجميع لتمنح الأخرين فرصةً لممارسة الاشياء التي لم تستطع ان تجد لها مكاناً في النهارات كلها . وان تجعلهم يعاودون ذلك السحر الكبير : صوتك , رفضك وكل النوافذ التي أطليت منها على البحر / الضوء . أين تمضي ؟ وأنت محاصرٌ بالاتساع المطلق ، بنقائك المجروح بالحواجز الكونكريتية ، تلم اخبار الدنيا لتستدل على نفسك فيها ويستبيحك الاخر ، اراك ساعةً تفتّش بين اللحاء عن مكان لانتمائك ، واخرى تخبو وحيداً على حافة النسيان ، تمزّق القادم بأظفار انتظارك لشيء قد يحدث ، ولا يحدث ، تعانق كل ما هو بعيد عن متناول ايامك المرتبكة امام الوداع الفوضوي البطيء ، ودائما . . دائما ترتب ما يصوغ دربك حسب الاحتمال . تخمش المجردات بــ :
تعال معي يا ظلاً بلا احد ، سر بصوتي الى نهايات الصراخ لنردد معاً : يا نهر الفسفور في صحاري الرماد : سنواتي الحادة كخنجر يركض في لحم الافتراض الأميبي ، يا مانحا للموت صفاته وللحياة اسمها ، هي ذي نزلت من وراء الغيم ساحرةً مليئةً بالضوء على ارض اوروك ، فعد على اصابعها عشرين عاما من الحمام ، في اليوم التاسع فاض الفرات واغرق الاعشاش في الادغال ، وقبل يومين اتذكر الظهيرة : اسير معكِ ، نقطع سوق " السراي " خائفين وفرحين اكثر ، نقف عند بائع الالبسة او نشترى زيت شعر ، نشرب الشاي ونتجه صوب " الغابات " والحكمةُ تشدّني الى امّي وتقول : لا تكن كثيراً كي لا تسقط في شَرَك الأشياء فتضيع في الهواء والشجر .
* * *
في الأول من نيسان كان الندى يجرح حديد الجنود الذاهبين الى حتفهم !
* * * تدعّكت ابواب الالمنيوم وارتطمت على الجدران في ( مجمع الفاروق ) خرج الاف من الطلاب متجهين ــ رغم صراخ الجنود بمواسيرهم المصوبة من خلف الهمرات ــ الى (المستشفى الجمهوري العام ) بعد نودي في المساجد على التبرع بالدم ! وكانت " الزنجيلي " نثار ازقة في مهب النار
*** بعد الطوفان لو اكون جواركِ عيناكِ وحدهما تتسعان لفوضاي ساعة المطر . . !
على نهر الضوء والأشياء لم يجد ما يفعله صاح : يا ايها العشب ما اجملك هكذا يرتاح اكثر .. ثم عاد الى نفس الهدوء .
*** في هذا العام اصبح عمره ثلاثة وعشرين موجة ماعدا الموت الصغير المتكرر الممزق بالكوابيس ، طبعاً ، متنقلاً بين القرية والمدينة يدرس الأدب الانكليزي ولسوء المصادفات انه امام ( الأرض اليباب ) فلا بد من قول شيء للأستاذة عن الحداثة ، فهو لا يجد اكثر ايلاماً من : خلف الجدران . . الجدران ثمة ــ دائماً ــ بذرة للنقاء العظيم !
***
كان يردد : الازقة قضبان تحاصرني ! يهمس بصمت لا يسمعه الا من جرب الركض حراً في برية بكر ، تخمشه الريح الخفيفة على المرتفعات المعشبة ، يضنيه الزغب المتفجر تواً . . تأخذه اليوم الى ما وراء الانسان فيشتهي ان يكون شجرة على درب ما ، او حصاة في حقل قمح يذهبها آذار بريشته قبيل الأصيل .
يعود ويعاود السؤال المر : كيف انسلخ عنهم ، اولئك الراكضون مثل ارقام الدعايات والمتشكلون حسب انهيار الاقتصادات ونموها ، اصمت ساعة . . ساعتين . . أثرثر لا كما يثرثر الاخرون ، بطريقتي الشخصية ، انا العاطفي الذي لا اثق الا بما يمليه عليّ فم اللحظة العابرة ، قلبي يطير خلف نسمة وردٍ تطير من ياقة امرأةٍ حسناء / تشتعل بفتنتها واحترق ! الحرب لا تلد الا الحرب و"ميار " ضحكتها زلال وشمس ، اخاطبها كلما اخرني ألأرق : يا نجمة الفجر الاخير ، هنا ، على هذا التناقض الاقدس ، اقول شعركِ واقصد عمري المنحدر على الصخور / الثواني . احبكِ يا غابة التفاح يا حجر البدايات المبهمة يا خضرة الأرض يا ظلم العالم ! دائماً على هذا التداعي ، لأني عرفت مؤخراً ان الصمت اصلح من الحنجرة وان التشرد بلا ارصفة هو اقسى من الشوارع ، واني حين اشعر بالبرد افكر بصيف جسمك ! واني امسك نفسي واقول : ( يا المي كن عاقلاً ) واعيد تعريف البديهيات : المرأة : شقٌ في جدار الزمن ، نهرب منه الى الابدية بما يفيض عنّا من شعور بالملل الكبير وماذا بعد . . ؟ الموهبة : هروبنا جميل والمعذب من الذات حيث الجحيم ولا شيء اخر . . ! . . كان جالساً عند زاوية البيت الحجري القديم ،المطل على الحقول المنبسطة بلا انتهاء وعلا بساطه الاحمر متحررا من كل شيء الا المكان ، يدخل في صحوٍ يتيم ، الأخبار رماد اوجاعنا ، تنثره تمام الساعات على البسطاء ! كان جالساً في مقهى شعبي ، يقلد عادات الناس ويشرب الندم ، كم انفجار علي ان اعبر حتى اصل ( المجموعة الثقافية ) ؟ كم جميلة ستكون معي في الباص ليكون الموت اسهل ؟ اي شظية لا تخطئني و رواية ستفوتني في الليل ــ بعدي ـ عند شباك اول المطر ؟ ماذا يبقى مني في ذاكرة ( ميار ) تلك الجميلة التي اخرتني سبعة انهار حين تحدثت عن حبها لي ؟ اي . . اي . . اي ؟ لن تموت حين تفكر بالموت . لكن من علمني ذلك ؟ هل نسيتُ ذلك الذي كان يضحك قبل موته بــ . . . تماماً قبل موته ولم يجدوا جثته ؟
كان جالساً في حديقة اطراف عينيها .. ميار ، يحدق في النمش الخفيف على صدرها ، ذلك المأخوذ من ريش القبرات في فجر القرى وتلك الشامة في عنقها الشبيه بمساء ريف منقوع ، ويفقد تركيزه ، يخبرها بذلك فتضحك ، كانت تسأله عن النهر الذي يمر بمحاذاة الجبل ولا يعرف كيف يقول لها : كم هو رائع لو نسكب دجلة في كأس ان نكون معاً هناك !
كان على سريره مستيقظاً حين نام القمر ، يخاطب الاغنية التي تقول : ( عيونكم تبرالي نجمة تدور بيه شما تريد .. طافت بروحي حنان وقربت مني البعيد . . )
لا تسكري جرحي بخمر التي رأيتُ على صدرها جزر الحصى فمنذ ذلك اليوم وانا اندم . .
كان جالساً قرب النهر يحلم بــ ميار و يشتهي النوم مع الحصى تحت الجريان ! كان جالساً على مصطبة خشبها : ربيع قديم لشجرة ما ، كسر وحدته سؤال صديقه بعد برهة من جلوسه على المصطبة ذاتها :
ــ ماذا تريد من الحياة ؟ ــ لا ادري تماماً ، لكنني وفي هذه اللحظة بالذات ، احلم ببيت بسيط يطل على نهر ، و امرأة جميلة تفلّ مساء ضفائرها على شبابيك روحي ساعة الريح !
*انتهت *
#ابراهيم_الماس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|