|
مجتمعات أنسانية أم مفاقس لتفريخ الأرهاب ؟
مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 1254 - 2005 / 7 / 10 - 11:17
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
سؤال مُلِح بات يطرح نفسه بقوة على حياتنا بعد موجة الأرهاب العارمة التي أجتاحت مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة بشكل ملفت للنظر وباتت تشكل تهديداً خطيراً لايمكن السكوت عليه خصوصاً وأنه ( أي الأرهاب ) لايفرق بين شخص وآخر ولايميز بين جنسية وأخرى كما أن قائمة ضحاياه من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ الأبرياء في أزدياد والآتي أعظم أن أستمر التعاطي مع هذا الموضوع الخطير والذي يمس مصير البشرية وفكرة وجودها ببرود وتراخي ولامسؤولية لانزال نلمسها لدى الكثيرين في هذا العالم سواء كانوا شعوباً أو حكومات . لقد أصبح الأرهاب سمة مميزة لشرائح واسعة من مجتمعاتنا وخصوصاً الشباب الذين وبدلاً من أن يكونوا أمل هذه الأمة في الحياة وذخيرتها لبناء مستقبل مشرق تحولوا الى كائنات غريبة مليئة بالحقد والضغينة والكراهية على البشرية جمعاء وأصبح كل همهم قتل أكبر عدد ممكن من البشر وتدمير أقصى ما يمكن تدميره من مظاهر الحضارة التي كانت نتاج قرون من التفكير والعمل والمثابرة لجميع شعوب ومجتمعات الأرض ومنها بالتأكيد الشعوب والمجتمعات التي ينتسب أليها هؤلاء الشباب والتي مُسِخت وشُوّهت خلال العقود الماضية بالشكل الذي جعلها تنتج لنا مثل هؤلاء الشباب الذين أصبحوا خطراً يهدد وجودها قبل أن يهدد وجود غيرها من المجتمعات . فالأرهاب الذي يعشعش في عقول شرائح واسعة من شباب مجتمعاتنا لم يأتي من فراغ وأنما يعود السبب فيه الى تلك المجتمعات المعقدة والمريضة التي أنجبت هؤلاء الشباب والتي تربى وعاش أغلبهم في أجوائها الكئيبة المنغلقة على نفسها سواء في بلدانها أو في بلدان المهجر رافضة أي تماس مع المحيط أو أندماج مع العالم الخارجي الذي تراه أغلب شرائح هذه المجتمعات خاطئاً كافراً نجساً منحلاً رغم أنها تقتات على فتات هذه العالم الخارجي سواء كانت في بلدانها أو في بلدان المهجر والتي ترى في عالمها المتخلف فقط عالماً مثالياً سرمدياً صالحاً.. وألا فما الذي يدفع شباب أغلبهم أكاديمين في مقتبل أعمارهم كمحمد عطا ورفاقه الى التخطيط لأختطاف طائرات مدنية محملة بركاب أبرياء لأستخدامها كقنابل لتنفيذ واحدة من أقذر العمليات الأرهابية في التأريخ ألا وهي جريمة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقتل 6000 أنسان بريء خلال لحظات ؟.. وما الذي يدفع شباب آخرين لايقلّون عن سابقيهم في التحصيل الدراسي والمركز الأجتماعي لتنفيذ جريمتان دنيئتان كتلكما اللتان نفذتا في محطات القطارات في العاصمة الأسبانية مدريد أو في مترو الأنفاق في العاصمة البريطانية لندن راح ضحيتهما مئات من الركاب الأبرياء معظمهم من طلاب المدارس وموظفوا الدوائر الذين بدأ يومهم بالموت بدل أن يبتدأ بالحياة كما خططوا له وكما كان من المفترض أن يكون ؟.. أو ما الذي يدفع شباب لم يتجاوز بعضهم سن البلوغ لتحَمّل مشقة الذهاب الى العراق لتفخيخ أجسادهم وتفجيرها وسط أسواق العراقيين وبين بيوتهم وقرب مدارسهم وعند مراكز الشرطة التي تحفظ لهم أمنهم ؟.. وأخيراً وليس آخراً ما الذي يدفع شاب ولد ونشأ وتربى وتعلّم في بلد جميل ورائع كهولندا التي آوته وأوت أهله ومنحتهم جنسية مواطنيها الأصليين و وفرت لهم ما لم توفره لهم بلادهم التي جاؤوا منها الى قتل مخرج هولندي من أبناء ذلك البلد ويحمل أسماً وأرثاً لعََلَم من أعلامه بتلك الطريقة الحيوانية البشعة لمجرد أختلافه معه في وجهات النظر بدلاً من أستعمال أسلوب حضاري أنساني للتفاهم بعيداً عن طعنات الخناجر ورائحة البارود ؟.. هذا غيض من فيض لا مجال لذكره في هذه العجالة لكن ما ذُكر قد وفّى وكفّى على ما أظن . أن السبب الذي دفع كل هؤلاء الشباب وغيرهم لفعل ما فعلوه وما يمكن أن يفعلوه في المستقبل هو تلكم النسوة اللاتي هّللن وأولائك الرجال الذين خرجوا يتراقصون في شوارع الكثير من المدن العربية في 11 سبتمبر 2001 فرحين ومُتشفّين بسقوط برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقتل 6000 أنسان بريء كانوا في داخلهما . والسبب هو مساجد ضرار التي أصبحت منتشرة بشكل غريب في جميع أنحاء العالم وبالذات في عواصم الدول الغربية التي توفر نظاماً أجتماعياً متميزاً يتسبب في وقت كبير للفراغ لدى أفراد الجاليات الأسلامية المقيمة في هذه الدول يتم ملئه بالذهاب الى هذه المساجد والأستماع الى خطب أرهابية مليئة بالحقد والكراهية ضد سكان تلك البلدان الأصليين والتي يلقيها أرهابيون تنكروا بلباس رجال الدين لكسب عقول الشباب العربي الضائع في هذه الدول وغسل أدمغتهم بأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان عن دخول الجنة ولقاء الحور العين عن طريق الأنتحار بحزام ناسف وسط جمع من النساء والأطفال أو بتفخيخ السيارات والقطارات والطائرات وقتل الناس الأبرياء . كما أن السبب هو بعض الشرائح المريضة من الجاليات الأسلامية المنغلقة على نفسها في دول المهجر والتي تعيش في تلك البلدان ضمن أجواء خاصة مريضة بعيدة كل البعد عن الجو العام السوي الذي يعيشه أبناء تلك البلدان مما يولد حالة من الفصام لدى أبناء هذه الشرائح تدفع بهم الى الجنون والهوس وبالتالي الأندفاع وراء دعاوى شيوخ القتل والتكفير . كذلك السبب هو الحكومات ذات النزعة اليسارية في بعض البلدان الأوروبية التي يبدوا أنها لاتزال تفكر بعقلية الحرب الباردة ولاتعي خيرها من شرها والتي تحاول الآن أقامة تحالفات بائسة ولا تليق بمستواها مع دول وحكومات شمولية وديكتاتورية في العالم الثالث أنشأت ورعت وشجعت الأرهاب بل وأوصلته عن قصد لهذه البلدان والتي لم تدخل طرفاً في الحرب ضد الأرهاب والتي تمنعها قوانينها البيروقراطية من أجتثاث الكثير من الأرهابيين الذين يجوبون شوراع مدنها بلحاهم الطويلة وسراويلهم القصيرة دون أن يتعرض لهم أحد كون أغلبهم يمتلك جنسية هذه البلدان في مجاملة غريبة لعقول شيوخهم ظناً منها بأنها ستكون في مأمن من هذا الأرهاب الذي نمى وترعرع في بلدانها في غفلة من أجهزتها الأمنية والمخابراتية والذي بات يعشعش في مجتمعاتها وينخر فيها حتى أصبح من العسير الآن القضاء عليه والتخلص منه بسهولة والذي أخذ يهدد اليوم هذه المجتمعات بشكل جدي كما رأينا في حادث قطارات مدريد وحادث مترو أنفاق لندن وحادث قتل المخرج الهولندي ولاننسى ذكر خلية هامبورغ التي وفرت الجزء الأكبر من الأنتحاريين الذين قاموا بتفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك . هؤلاء هم المسبّبون الحقيقيون لما حدث وما يمكن أن يحدث من جرائم ومجازر بأسم الدين الذي لاتفقه منه هذه المجتمعات شيئاً والبريء من كل مايحدث بأسمه برائة الذئب من دم يوسف فلولا أفكارهم وممارساتهم التي تربّى عليها هؤلاء الشباب والتي زُرعت في عقولهم وباتت جزئاً من تفكيرهم وأصبحت ثقافة عامة و وعياً جمعياً لشريحة واسعة منهم لنشأ هؤلاء الشباب كنظرائهم من شباب باقي أمم الأرض أسوياء محبين للحياة . لم يعد الكلام والقلم وأسلوب الخطابة فعالاً لمواجهة هذا الأرهاب ولتصحيح المفاهيم الصدأة التي تعشعش في عقول شرائح واسعة من مجتمعاتنا.. أذ يتطلب الأمر وقفة دولية جدّية وتعاون حقيقي وفعال بين المثقفين المتنورين ومنظمات المجتمع المدني المتنورة بالأضافة الى كل الحكومات الديموقراطية التي يهمها أن يسود الحب والسلام في العالم للبدء بتحرك فعلي على أرض الواقع عبر التعامل بحزم وأصدار قوانين صارمة تعيق تحرك ونشاط الأرهابيين وبالتالي وأد هذا الأرهاب وأجتثاثه من مجتمعاتنا قبل أن يدمرنا ويدمر الأرض الجميلة التي نعيش عليها .
مصطفى القرة داغي [email protected]
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأعلام المسموم للأخوة والأشقاء
-
حذاري ممن يسعى لتدمير العراق
-
البرلمان العراقي المنتخب وأستحقاقات عاجلة يجب أن تُحسم
-
أنقلاب 8 شباط 1963 وأغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم .. جريمة ت
...
-
ساسة العراق الجديد واللعب مع الكبار
-
كلمة حق بحق قناة الشرقية
-
العراقيون الغيارى يرسمون صورة المستقبل
-
تغيير القناعات .. وتحالفات العراق الجديد
-
الأنتخابات العراقية والتسويق لبعض القوائم الأنتخابية
-
الأنتخابات وتداعياتها على مستقبل العراق
-
هيستيريا الأنتخابات
-
هل الأنتخابات فتوى شرعية أم ممارسة ديمقراطية ؟
-
المهمة الصعبة لمنظمات المجتمع المدني في العراق
-
المواطن العراقي بين الخدمات والأنتخابات
-
ما للملكية و رجالها أضعاف ما عليها وعليهم
-
السلطة بين ثقافة النخبة و ثقافة العوام
-
أبدلوا راية الظلم وشعار الموت .. وأتركوا لنا نشيد موطني
-
المعركة الفاصلة في تأريخ العراق والمنطقة والبشرية جمعاء
-
شعوب أم بذرة فناء
-
الأنتخابات العراقية وحماية الديمقراطية
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|