|
الحمامات الشعبية في أربيل بين الماضي والحاضر
عبدالباقي عبدالجبار الحيدري
الحوار المتمدن-العدد: 4412 - 2014 / 4 / 2 - 23:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
1. بداية ظهور الحمامات الشعبية وتوسعها : تشير أغلب المصادر إلى أن إنشاء الحمامات الشعبية يعود الى العصر الروماني (القرن الثاني قبل الميلاد)، وكانت فكرة إنشائها بسيطة للغاية، إذ تكونت من مجموعة أحواضٍ صغيرة تحتوي على الماء البارد والساخن، وبعض زيوت المساج والتدليك، وكانت مفتوحة مجاناً أمام عامة الناس صغاراً وكباراً، وألحقت بها فعاليات أخرى كالمكتبات والملاعب والحدائق، لتؤدي دوراً ترفيهياً إلى جانب دورها الرئيسي(الاغتسال). أما الحمامات الشعبية في البلاد الإسلامية، فظهرت بداية العصر الإسلامي، حين أنشأ عمرو بن العاص أول حمام عمومي بالفسطاط، لتزدهر وتنتشر خاصةً في العهد العثماني، ومع إتساع رقعة الدولة الإسلامية وازدياد عدد المسلمين، ازدادت أعداد هذه الحمامات لتصبح ملازمةً لدور العبادة. وفي مدينة أربيل تعتبر الحمامات الشعبية "حمامات السوق" أحد أبرز معالمها، وجزءاً من طابعها الاجتماعي، فيعتبرها السكان فضاءاً صحياً للاسترخاء وتجديد النشاط والحيوية، ويعود زمن إنشائها إلى ما قبل عهد الدولة العثمانية، لكن أكثرها شيّد خلال ذلك العهد، ومن أقدمها وأشهرها )حمام القلعة( وسط قلعة أربيل الذي شيّد سنة 1770م وأستمر بالعمل حتى عام 1977م ليعاد تجديده من قبل (قاسم آغا إبن عبدالله آغا) الجد الأكبر لليعقوبيين فتم حفر بئر ملحق به بعمق (60 م) وقطر (5 م) وليتحول فيما بعد إلى حمام أثري مساحته(2000 م2). ومن الحمامات الأخرى (الحمام المزدوج - جووت حمام) الذي بناه قبل أكثر من 200 سنة كلّ من (ويسي آغا أبو حاج رشيد آغا وسعيد أفندي جد شاكر شريف) مقابل جامع خانقاه خصّص الحمام الكبير للرجال والحمام الصغير للنساء وأستمر بالعمل حتى عام 1964م ليهدم في نهاية الستينيات، و(حمام الحاج قادر) بجانب جامع حاج قادر أسفل القلعة من جهتها الغربية، الذي بناه الحاج قادر الدباغ وأولاده قبل أكثر من 180 سنة وأستمر بالعمل حتى عام 1974م ليتم تهديمه نهاية السبعينيات ويتحول إلى عمارة تجارية، و(حمام علي آغا) أسفل القلعة من جهتها الشرقية قرب باب المقبرة الذي بناه (علي باشا دوغرمجي وأخوه حمد آغا دوغرمجي) قبل أكثر من 150 سنة واستمر بالعمل حتى عام 1978م ليتحول بعدها إلى مخازن، و(حمام مودة) على شارع شيخ جولي الذي بناه (عطا الله آغا حاج رشيد آغا) قبل 100 سنة وأستمر بالعمل حتى عام 1985م ليتم هدمه نهاية الثمانينيات ويتحول إلى عمارة تجارية، و(الحمام العصري) في محلة العرب، وغيرها. إنحسر عدد الحمامات القديمة إلى حد كبير مع تصاعد حركة العمران وتطور نمط الحياة وإنتشار السخانات الكهربائية في المنازل، ومع ذلك فما زالت الطبقات الشعبية والمتوسطة تلجأ إليها وخاصة في ليالي الشتاء والمناسبات كالأعياد والأعراس.
2. الطابع المعماري للحمامات الشعبية: شيّد السومريون أربيل سنة (2300) قبل الميلاد تقريباً، ويعود أصل تسميتها إلى الاسم الآشوري للمدينة (أربا-إيلو) أي الآلهة الأربعة إذ كان الآشوريين يقدسون أربيل ويتخذونها مركزاً رئيساً لعبادة الآلهة عشتار، ويحجّ إليها ملوكهم قبل الأقدام على أي حملة عسكرية، وقد فتح المسلمون أربيل سنة 32ه في زمن خلافة عمر بن الخطاب (رض) بقيادة عتبة بن فرقد (رض) لتستمر طيلة فترات التاريخ اللاحقة مدينةً حضاريةً وإدارية وسياسية تحتوي الكثير من المعالم التاريخية من قصور وأسواق ومساجد وأسوار وتلال وخانات ومقاهي وحمامات، ولعل أبرز تلك المعالم قلعة أربيل، والمنارة المظفرية(منارة جولي). ورد ذكر الحمامات الشعبية الأربيلية في كتابات مؤرخين ورحالة أجانب (كياقوت الحموي، والمنشىء البغدادي، والرحالة الألماني كرستيان نيبور سنة 1766، والرحالة الانكليزي جيمس بكنغهام سنة 1816)، حيث كان عددها ثلاثة في القرن السابع عشر الميلادي بدأت بالتزايد تدريجياً لتصبح أواخر القرن 19 بحدود ستة حمامات، أما الآن فيتعدى عددها 20 حماماً. ذكر الرحالة نيومان الذي مرّ بالمدينة سنة 1873 إن بناء الحمامات كان بالطابوق والجص ومنذ العقد السادس من القرن التاسع عشر شهدت الحركة التجارية ازدهاراً لأسواق المدينة، وتشير السالنامات العثمانية إلى إن أسواق المدينة كان فيها637 دكاناً ومحلاً تجارياً و23 مخزناً و4 حمامات و11 مقهىً وهو ما يمكن عده دليل تحضر للمدينة وسكانها. تميزت حمامات الشعبية بطراز معماري معين تغلب عليه الاقواس والدهاليز بالاضافة إلى السقوف الملونة كما هو الحال في حمام القلعة الأثري، وحمام الحاج علي آغا حيث تم بناء الحمامات الشعبية على شكل قصور وملامح إسلامية على مداخل الجوامع، باعتبارها تقليداً دينياً له علاقة بمبدأ الطهارة والوضوء، فضلاً عن دورها الاجتماعي والترفيهي. حرص المعماريون على أن تكون الحمامات فضاء جمالي تستريح إليه نفس من يدخله، إذ جعلوها كثيرة الأضواء، ومرتفعة السقوف، عذبة المياه، طيبة الرائحة، لأن أبخرة الحمامات رديئة وكثيرة، ومن مهمة هذه السقوف المرتفعة أن تعين على تخفيف حر أبخرتها، وعلى مستوى الطابع المعماري الداخلي نجد أن الحمامات تألفت من ثلاث حجرات: باردة ودافئة وساخنة، فالباردة تطل على الفناء الخارجي، والدافئة تتوسط بين الباردة والساخنة، وماؤها أقل حرارة من الساخنة، أما الساخنة فهي التي يتم الاستحمام بها، وتعلوها قبة قليلة الارتفاع مثقبة بعدة ثقوب، يكسوها زجاج ملون، مهمته أضفاء جو جمالي مشع لأن أشعة الشمس تنفذ منه وتشع في الحجرة عاكسة ألوان الزجاج المختلفة، وفي كل غرفة توجد مجموعة أحواض للاستحمام وفي منتصفها مكان للجلوس قبل الاستحمام. إستوحت الحمامات الشعبية لأربيل طابعها المعماري من الطراز الاسلامي، وترك الأربيليون القدماء بصماتهم على مدينتهم وقلعتها وحماماتها ليعبروا عن تميّزهم، فإتخذت الحمامات شكلاً مستطيلاً متميزاً بهندسته، مع إستقبال الضوء من زجاجها الأخضر المنثور على قبابها لتوزيع الإنارة في كافة أركان الحمام المبني بنظام العقود، فكان بناؤها تطويراً للمرافق العامة في المدينة وإسهاماً في إنعاش الحياة الأرستقراطية فيها. وحالياً توجد في أربيل حمامات بنيت بداية السبعينيات والثمانينيات مثل حمام شفاء قرب سينما سيروان، وحمام صلاح الدين في شارع شيخ الله، وحمام كورجي قرب نادي الاطباء، وحمام أربيل قرب السايلو، وحمام 11 آذار في محلة التعجيل، وحمام إسكان في شارع إسكان قرب جامع حاج بكر، وحمام سرجنار، وحمام نوروز، وحمام المظفرية، وحمام سيروان، وحمام كانى في محلة طيراوه، وحمام حاج شريف في كوران، وحمام حاج محمود قرب تقاطع شارع عينكاوه, وتستمر الحمامات في تقديم خدماتها للناس من صلاة الفجر صباحاً حتى الليل، وتقسم أيامها بحسب الزبائن، فأيام للنساء وأخرى للرجال، وفي الأيام المخصصة للنساء يكون طاقم الحمام بالكامل من النساء، والعكس في أيام الرجال حسب تقاليد المجتمع الاربيلي المحافظ.
3. دور الحمامات في المجتمع: مثّلت الحمّامات الشعبية منذ ظهورها والى يومنا هذا مقصداً شعبياً له مزاياه الخاصة، يجد فيه قاصده ملاذاً للتخلص من متاعبه الجسدية وضغوطاته النفسية ومكاناً للاغتسال والتطهر، بل تعدت ذلك لتتحول الى مبنى أومقّر استشفائي يقصده الكثير من المرضى، كما مثلث نادياً مصغراً يلتقي فيه الأحبّة لتجاذب أطراف الحديث والترفيه عن الذات، ومما يؤكد نجاحها هواستمرار وجودها وحفاظها على مظهرها وتصميمها حتى فيما يبنى منها حالياً رغم ظهور الحمامات المنزلية أو الحمامات العصرية، إذ حافظت الحمامات الشعبية على طعمها أو ذوقها الخاص حيث يحسّ الداخل إليها بعبق التاريخ والأصالة بما تستحضره لديه من عادات وتقاليد الأجداد. لعبت الحمامات بأنواعها المختلفة دوراً هاماً في حياة الشعوب منذ آلاف السنين، ويرى الكثيرون بأن دخول الحمام يعد بالطهارة، فكانت تغص بالناس ليالي الجمعة والأعياد، وأيام الشتاء التي كانت أكثر أيام السنة إقبالاً عليها، كما أن هناك الكثير من عشاقها الذين لا يزالون يتمسكون ويترددون عليها في اربيل، فهي تمثل لديهم مكاناً يلتقي فيه الناس لقضاء أوقات ممتعة، فأهل اربيل لا زالوا يعتبرونها (نعيم الدنيا) كما كانت لدى القدامى، ولا تزال تمثل عند أغلبهم موروثاً شعبياً وعنصراً رئيسياً ضمن تقاليد الزواج والولادة للفقراء والأغنياء على حد سواء، فتؤخذ العروس والعريس مع أقرب الناس إليهما لقضاء فترة من الزمن بداخلها(خلوه) تهيؤاً لليلة الزفاف التي تمثل أبهى مظاهر الفرح لديهم، فكانت الأعراس في اربيل تبدأ من الحمامات حيث يأتي العريس وبصحبته مجموعة من أصدقائه المقربين وبعد أن يغتسل يجلس على مصطبة حارة وسط الحمام تسمى بـ(كوركه ن داشي)، ويخرجون به إلى الزّفة مع اغتسال الجميع على نفقة العريس. بيد أن الحمام كان في السابق منارة للحي، لأنه إضافة إلى دوره الصحي كان يساهم في حل جميع مشاكل أهل الحي، حيث يجتمع فيه الوجهاء لينظروا في جميع القضايا المتعلقة بأبناء الحي، كما أنه شكل مكاناً جيداً لعقد الصفقات بين تجار المدينة, والبحث عن العروس وكان بعض المستحمين يشاركون بالغناء وبمواهبهم الفنية. ومن العادات المرتبطة بالاستحمام، قول البعض للخارج منه ( شفاءً) أو(عافية أوسن) باللغة التركمانية أو( بيروز بيت) باللغة الكوردية، وتختلف هذه العبارة من بلد لآخر حسب اللهجة المحلية، فسكان العراق وبلاد الشام يقولون (نعيماً) أي هنيئاً لك كدلالة على جمال ونفع عملية الاستحمام.
4. بعض عادات وتقاليد الاستحمام: ان دراسة المظاهر الاجتماعية في العهد العثماني ليست أمراً سهلاً، لان أكثر المؤرخين الذين تناولوا دراسة تاريخ اربيل لم يتناولوا النواحي الاجتماعية إلا عرضاً؛ وذلك من خلال إشاراتهم للحوادث السياسية، ولهذا فقد شكلت كتابات الرحالة الأجانب مادة مهمة لتوضيح هذه المظاهر ومع إن الرحالة لم يتغلغلوا بعمق في المجتمع الأربيلي لأنهم في العادة لا يمضون وقتاً طويلاً في كل مدينة يمرون فيها، إلا إن ما كتبوه يمثل في الواقع المفتاح لمثل هذه الدراسات. كان كل داخل الى الحمام يحمل(بوخجة) فيها ملابسه وثلاث مناشف يأتزر بها عند خروجه، أما الثالثة فينشف بها الماء عن جسده، ويعطى له قطعة من القماش (البيشتمال) على شكل التنورة والقبقاب الخشبي يضع في رجليه كي تحميهما حرارة أرضية الحمام وبرودة أرضية المسلخ فظهر أناس مختصون في صناعتها يعرفون بالقبقابجية، ولا تزال هذه الصناعة مستمرة، لكنها آيلة الى الزوال لاستعانة الناس عنها بنعل بلاستيكية حديثة الصنع، يستحم الناس وهم يرتدون التنورة وهذا كان من اداب الحمامات الشعبية في اربيل قديماً، اما الآن فالناس يدخلون الحمام باللباس الداخلي وهذا منظر قبيح ومكره، كما كان لكل حمام عمال الاول هو القيّم أي الذي يقوم مقام صاحب الحمام، وكان في حمام القلعة (القيم) هو أحمد القصاب، وصاحب الحمام عبد الرحمن القصاب و(القيمة) مريم خان وهي زوجة أحمد القصاب، والعامل الثاني الذي يدير كل أمور الحمام من جلب حاجات المستحمين بعد انتهائهم وبعد التصفيق بيدين يعني طلب المناشف، وهذه الظاهرة اختفت منذ منتصف السبعينات، أما اليوم فأصبح قاصد هذه الحمامات يجلب معه مناشف خاصة به، وبعد انتهائه من الغسل يقوم المستحم بجلب مناشفه بنفسه دون مساعدة احد، وينظف الحمام بالتقاط الأوساخ منه، والعامل الثالث يعرف بالوقاد الذي يعمل على توفير الحطب وإيقاد النار بالحجرة المخصصة لها، والعامل الرابع وهو الذي يتكفل بسقي من يريد ماءاً وغسل المستحمين ويعرف في اربيل باسم (ناطر) وكان في حمام القلعة الاخوين جليل وخطاب يقومان بهذه الوظيفة و(ناطرة) أسمها فاطمة، أما اليوم فنجد المعلم أو المعلمة يتوليان إدارة الحمام. وكانت المستحمات من النساء يجلبن بعض الضروريات ومنها نوع من الطين يستعمل في غسل الشعر، ولا يزال استعماله مستمراً لدى بعض نساء اربيل، وكانت هناك مناطق معينة يستخرج منها هذا الطين في مدينة الموصل، كما كانت الّنسفة لازمة من لوازمهم، (حمام داش) ويعني الحجر الاسود لحكّ جلد القدمين لنسف الوسخ ومنحه النعومة اللازمة. اضافة إلى «الليفة» المصنوعة محلياً من صوف الخروف وهي قطعة من الصوف الخشن التي تستعمل في إزالة الدهون والخلايا الميتة في الجسم، مع استمرار استخدام بعض هذه الأدوات التقليدية حتى الان. وعادة ما يجلس المستحم في الغرفة الساخنة حتى يتعرّق جسمه، ثم تبدأ عملية التنظيف باستخدام (الليفة) والصابون وخاصة (صابون الجمال وصابون الرقي) ثم يعود ليغتسل بالماء، وكان في الحمامات الشعبية بأربيل ناطر أو مدلك يقوم بتدليك جسم المستحم وتنظيفه حسب الطلب مقابل مبلغ من المال، ونظراً لتراجع عدد العاملين في هذه الحمامات فقد أصبح الكثير من الناس يعتمدون على أنفسهم في تنظيف أجسامهم فكان كل فرد في اربيل يحتاج الصابون والاليفة وادوات الحلاقة في الحمام، وأكثر الايام ازدحاماً هي ليالي الخميس وليالي رمضان بالنسبة النساء وليلة العيد وليالي الشتاء.
5. البعد الاجتماعي للحمامات الشعبية: للحمامات الشعبية علاقة واسعة في حياة المواطنين، ولها في نفوسهم ذكريات جميلة، وأوقاتاً قضوا فيها ساعات من الزمن للنظافة وبعث الراحة في الجسم بعد التعب والإجهاد. لذلك كان لها أهمية بارزة في حياة الشعوب، وخاصة الإسلامية منها، لأن الدين الإسلامي حث الناس على النظافة لقوله صلى الله عليه وسلم (تنظفوا فان الإسلام نظيف)، لذا نجد الحمامات قد نشطت في استقبال روادها من أجل النظافة والاغتسال. فنساء ورجال اربيل القدماء لا زالوا يتذكرون قصصهم وحكاياتهم في أركان وزوايا هذه الحمامات التي أصبحت خالية من روادها، وكان الاربيليون يرتادونها خلال المناسبات مع أصدقائهم وأقاربهم حيث يحلو الاستحمام والكلام. فمن طقوسهم ان تزور المرأة التي تلد الحمام(خلوة) بعد اليوم السابع من الولادة وتقوم نساء المحلة بتحميم ام الطفل وسط الزغاريد والتهاني والتبركات. كما اعتاد الاربيليون على اخذ العروس الى حمام النساء لتهيئتها ليلة الزفاف مثلما بينت الحاجة ام باشا(91 سنة) وهي تستذكر ليلة زفافها وكيف أخذتها نساء المحلة إلى حمام القلعة حيث تصاعدت داخل فضاء الحمام زغاريد النساء وصوت غنائهن. وتقول أم باشا عندما تزوجت كنت صغيرة بعمر خمسة عشر عاماً حين اصطحبتني امي وخالاتي وبعض نساء محلة التكية في قلعة اربيل إلى الحمام. وهي تستذكر كيف انهالت المدلكة اوما يسمى باللهجة العامة (الناطرة) وهي المرأة التي تحمم العروس والتي تمتاز بجسم ضخم وقوة العضلات وكانت اجرتها آنذاك 40 فلساً، وتتابع ام باشا وبعد ان تم تحميمي والنساء ينتظرن خروجي، تخرج الناطرة من البقجة (وهي قطعة قماش توضع بها احتياجات العروس وتربط من إطرافها الأربعة في المركز)، مشطاً خشبياً لتسريح شعري وحجارة لتحجير قدمي وسبتاج، (وهوعبارة عن مادة بيضاء طباشيرية الملمس توضع على وجه وجسم العروس لإعطائها بياضا وملمساً ناعماً) ولا تنسى ام باشا رغم سنين عمرها رائحة صابون الرقي الذي كان ينعش الحمام، حيث توارث الأربيليون القدماء الاستحمام به من آبائهم وأجدادهم، ويقول ابو فريد (62 سنة) كنت ارافق ابي إلى حمام القلعة وكنت اتجول بين الغرف، اذكر رغم صغر سني حينها ان ارضية الحمام كانت من الاسمنت وحرارتها مرتفعة جدا حيث لا تستطيع المشي عليها حافيا وأضاف أبوفريد مستذكراً ان الارضية الحارة والبخار المتصاعد كان ناتجاً عن الصفرية (بلهجة الأربيلية كوركن داش)، وهي نار مشتعلة تحت الارض تسخن الحمام وكان رجال المحلة يتجاذبون اطراف الحديث عن الامور السياسية في البلد والاجتماعية، ويذكر أبو فريد متفقاً مع الحاجة ام باشا على ان حمام النساء يختلف جذرياً عن حمام الرجال فالمثل الذي يقول (مثل حمام النسوان) لوصف شدة الزحمة والصراخ والضجة لم يأت من فراغ فحمامات الرجال أكثر هدوءاً وانسجاماً، لكن حماماتهن لا تخلو من الغناء والزغاريد حتى بدون سبب يدعو لذلك، فضلاً عن شجاراتهن التي قد تحدث داخله، ورغم أيام الفرح والحزن داخل أروقة حمامات اربيل الشعبية إلا أن ذاكرة الأجداد لا تزال تحتفظ بأجمل الصور والذكريات لها، وحنينها يأخذها إلى هناك، لاسيما بعد أن باتت حمامات النساء شبه مهجورة، والرجال تكاد تكون خالية، إلا في أيام المناسبات، حيث يؤكد أغلب أصحاب الحمامات، على أن الحمامات الحديثة التي أصبحت في أغلب المنازل دفعت بالكثيرين الى الاستغناء عن الحمامات الشعبية القديمة.
#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أربيل في كتابات الرحالة الأجانب في العهد العثماني
-
الاحزاب و الحركات التركمانية في الميزان على طريقة جحوش الديم
...
-
هل يُزهِر ربيع الثورات في كردستان الأُباة؟ الذكرى السنوية ال
...
-
جمعية التراث العمراني-إقليم كوردستان
-
تحدّيات الحفاظ العمراني المستدام لشواخص العراق التأريخية
-
مطالبة بتحويل المجتمع الكردستاني من مستهلك إلى منتج
-
عجائب السبع في إقليم كردستان العراق
-
نهب وسرقة آثار وكنوز قلعة اربيل التأريخية تحت ظلام الليل
-
المطالبة بتشكيل هيئة للحفاظ على التراث المعماري في إقليم كرد
...
-
السيرة والمكانة العلمية للشيخ العلامة محمد آلتي برماق رحمه ا
...
-
من الأفضل حكومة التكنوقراط أم حكومة الحزبية لإقليم كردستان ف
...
-
قلعة أربيل التأريخية تحت المجهر
-
دورالعرض والطلب في سوق السكن بالمدينة العراقية (مدينة دهوك ح
...
-
آليات العرض والطلب في سوق السكن بالمدينة العراقية (مدينة دهو
...
-
الآثار الإجتماعيّة و الديموغرافيّة للنموّ الحضري في العراق م
...
-
التجديد الحضري لقلعة اربيل :دراسة إجتماعيّة-إقتصاديّة وعمران
...
-
نظريات النموّ الحضري والتحضّر في المجتمع
-
نظرة ابن خلدون لظاهرة النموّ الحضري
-
إشكالية الربط بين البحث العلمي والمجتمع في الدول النامية
-
عرض المخططات الأساسية لتطويرمدينة اربيل للفترة 1233م-2005م
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|