أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - شيء من الروح














المزيد.....


شيء من الروح


ماجد رشيد العويد

الحوار المتمدن-العدد: 1252 - 2005 / 7 / 8 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


إليها
.. ومن يومها بدأت الحكاية، ولعلها تشبه تلك الحكايات البعيدة والمستقرة في الليالي الشهرزادية. كانت الفتاة على أشد ما تكون متعة للناظر، وعلى أحسن ما تكون هيئةً.
وعلى حافة الأمسية، ولا أقول على هامشها، نمى ذلك الشعور ليدهم مع الأيام صاحبه ويتركه نهب تلك الهواجس المقلقة.
كانت تقرأ بشفافية نادرة، كأنها التجلي النهائي لملاك هابط من الأعلى السماوي، من تلك الذرى التي تخضبت بالدم الإلهي، تغني، وهي تقرأ، عزّها ومجدها وفخارها، وكل هذا تضيئه ابتسامة كأنما هي بقعة ضوء في نفق مظلم. ومع مخارج الحروف السليمة، وضياء تلك النظرة الآسرة، انطلقت القصة من فيها تروي للعالم ببراعةٍ شوقَ الأنثى إلى نشر معالم الفتنة، وإلى البوح بأسرار الضياء وقد فاضت من رحابها مجداً ينشر فوق الربوع وعلى الذرى شذاه.
أجل هكذا كان الحال، لغة علت على اللغات، وهمسة فجّرت صمتاً يشبه صمت القبور، ونغمة أغلقت الأبواب على صراخ خدش العقل فاستوى هذا على البلاهة، ومزّق الشغاف فانتهى القلب صريع الحماقة.
كان المنبر عالياً بها، وشامخاً بثقتها. وإذ جاشت القلوب بمحبتها وانشدت إليها، انطلق التصفيق، دافئاً، دافقاً بأطياف من الروح العذبة، الروح التي أطلقت ربما نشيدَها الأخير ليعلو الرؤوس جميعها تاجاً مرصعاً بجمال الحكمة. وذلك لعمري يوم من أيام الأدب. وإذ انحدرت من منبرها، هبط القلب خافقاً بها ثم ليعلو من جديد فوق مستقرّه ليصبح نجمة ربما أو قمراً تضيئه تلك الابتسامة الرقيقة.. ثم فجأة غابت...
بعد يوم أو يومين غابت، فدبّ في الربوع قلق موحش مسح كل زمنه من بعدها. ولعلّة فيه لم يسع إلى الاتصال بها ليس خشية من شيء محدد بقدر ما هي الحاجة إلى الحفاظ على ذلك الإطار الذي وضع نفسه فيه.
***
ولكن ما لبث أن تعرف بها صوتاً لصوت. بثّها جمر القلب وبثته جمر اللغة ثم اشتعلا معاً ولفّهما معاً حريقُ الرغبة بالتواصل. لم تُبتذل الكلمة بل سمت وهي ترسم بينهما حدود العلاقة التي يرميان صناعتها. وانهمر الدفق سخياً والتقيا.. في دمشق مرة وأخرى في حلب. ثم إنه استطاع أن يبلور تجاهها شعوراً نقياً مبرّءاً من كل نزغ، فلا " شيطان " بينهما، ولا منفذ للتحايل.
كانا كأنهما معلقان أو مشدودان إلى ذلك الإيقاع الذي انشقت عنه سعة الزمان، ليشكّلا به حياةً هي الآن في أوج شفافيتها، ويغزلان معاً دقائقها وساعاتها. ولكنهما معاً يشكوان من علّة تكاد تكون واحدة، بل هي كذلك، فهي حادة المزاج وهو عصبيّه كأن السبب فيها توغّلهما في العمر. تنظر إليهما فتراهما كأنما يتحدثان سعيراً، ولذلك فهما يغليان على الدوام فإن تحقق لهما أن يتصلا فلابد أنهما منجبان اللظى وهاويةً ووادياً يشبه في كثير أو قليل وادي " ويل " ذاك الذي ينتهي إليه الظَلَمَة والمارقون.
ومع ذلك فهي أشبه ما تكون بالرَّوْحِ والريحان. إن مشت يحتفل الأديم بوقع حذائها، وإن ارتدت ثياباً، أي ثياب، فإنما تصبح بجمال الآية وقد هبطت من "سدرة المنتهى " إلى أرض من وهَج شمسها الغاربة شُدّت بَشَرَةٌ تفيض بالمعاني، وبمسحة حزن رقّت عبرها الأفكار. إذ ذاك غشاه موج من الفكر، وعمّه الغمام فدشن أول لبنة لحياته القادمة عندما قال: لعل الحزن يكون جميلاً وساحراً وقابلاً للحياة في رحاب أنثى من البلور، تعانق فجرها فيكتبها الصباح قصيدةً على خدّ آية، وتعانق صبحَها فيكتبها الندى آية على خد "سورة "، أنثى تعانق جمالها فتفضح ما بالكون من قبح، ثم ترمي إليه ببعض رونقها فيزهو فتيا. إن مشت تَفَاخَر بها ترابُ الأرض، وإن ضحكت هللت بالمطر سماء نشوى بليلها الزاهر. وإن نطقت فلؤلؤ مكنون، يذيب بسحره العيون وتصطلي بشدة لمعانه القلوب. وإن رفعت إلى أعلى شَعرَها اصطبغت بلون الذهب سماء من الأمنيات، وإن نزلت به على كتفيها وظهرها، عُميت من بريقه العيون. وقال الذين من حولها ما هذه "بشر" قلت: أجل، إن هي إلا بضعة من آلهة قديمة، أو هي من سحر الشرق القديم، أو هي ريحانة أيامنا هذه. وإن رنت إلى داخلها وشّحت حضورَها بتلك المسحة من الضياء الناعس، وما لبث أيضاً أن قال إنها بضعة من الجنة على أرض لم تكن كذلك إلا بها. هي التفاصيل وقد نخلت تفاصيلَها، فشبَّ الجمال ومشى على رخامتين مدورتين من نور ونار. ولم يستغرب أنها استحوذته، ولم يدهش أنها نزلت من نفسه هذه المنزلة... بل لقد آمن بإسرائه إليها فيلقاها روحاً لروح.. وآمن أكثر بعروجه إليها في فضائها العاجي عروجَ الملتقى في سِدرة الهُيام بغنى تفاصيلها. وهناك قال: سأجعل من كلماتي رموشاً أدثرها بها. وكيف لا، وقد غدا في مواجهة أنثى ما هي من " مارج من نار " وما هي من "صلصال كالفخار"؟. هي أنثى من نور، وهي ابتداء اللغة وجوهرُها.
***
والتقاها في دمشق، فإذا بها كقطرة الندى على خد ياسمينة دمشقية، أو كأنها الندى يورق به الشجر، أو كأنها النجم تزهو به صفحة الفضاء، أو كأنها بردى الذي غاب ثم عاد بها لتزهو دمشق مفتونة بجمالها وسحرها، وليتألق مجدُ الأمويين، ثم لتغني فيروز من بعد ذلك فيشمخ مسجدهم الكبير، وليشمخ أيضاً قاسيون منيعاً. ولعلها كانت النسمة الفارة من جحيم البلاد... أو أنها الطلّ الذي أصاب أرضها فأنبتها همساً رقيقاً دافئاً، ودفقاً رشيقاً من حياة عذبة في ليل بدا كأنه ليل هادر مع صخب المهرجان.
في حلب بـدت له قمراً مناراً بوضوح الرؤية، وتجلياً من تجليات الدرّ في نفس، وإن عكرها الحزن، صافية متجددة. وقال لنفسه على طول الطريق في عودته إلى بلده: إنها هي المطلوبة، وهي المنتجبة والمجتباة والمنتقاة، وهي فـوق هذا كله نعمة تسير على قدمين فتملأ الدنيا شذا ورحيقاً. وهي عنده أعظم من مال الوجود كله، وهي تعدل عنده نساء الأرض كلهن، لأنه وباختصار يملكهن جميعاً في شخصها وفي أنوثتها المتبدية في ابتسامة، لم ولن يحفل بها ثغر في الوجود كله، وفي الأنوثة المشبعة بشيء سماوي مقدس، وكيف لا تكون كذلك وهو ينهل من معينها، ومن عذب رحيقها ما تورّدت به أيامه؟



#ماجد_رشيد_العويد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع وزيرة المغتربين بثينة شعبان
- مواطن فرنسي من أصل سوري
- كلمة حب في سمير قصير
- العلاقة الخاطئة بين الحكام العرب وشعوبهم
- البعثيون السوريون في مؤتمرهم القادم
- البعث مفرخة للشعارات وفقط
- ماذا عن الخيار الثالث


المزيد.....




- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...
- -شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
- أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
- الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم ...
- التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
- التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
- بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري ...
- مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - شيء من الروح