|
تجميع قوى اليسار الجذري و آفاق إعادة تشكل يسار اشتراكي ثوري
مريم بنعيسى
الحوار المتمدن-العدد: 1252 - 2005 / 7 / 8 - 11:21
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في البداية، نرى من الضروري إعادة التذكير ببعض الخلاصات المرتبطة بالموضوع التي اقرها اللقاء الوطني الأول لمجموعتنا. ليس باعتبارها خلاصات ناجزة ونهائية غير قابلة للنقاش والتدقيق، بل من أجل ربط النقاش الجاري حاليا، والمرتبط بتفعيل تلك الخلاصات، بالنقاشات السابقة، كي نتمكن من تكوين رؤية موحدة تسمح بالانسجام الجماعي على صعيد الممارسة. أهم تلك الخلاصات: 1- لازالت سيرورة إعادة تشكل قوى مناهضة للرأسمالية في بداياتها، وهي مرتبطة بسيرورة إعادة تشكل الحركة العمالية والاجتماعية والشعبية. هذه الأخيرة، وتحت ثقل حصيلة الهزائم الاجتماعية والسياسية، وبفعل نفوذ وتأثير القوى الإصلاحية (ليبرالية وديمقراطية) والقوى الدينية السلفية، وضعف القوى اليسارية الجذرية، متعثرة وخاضعة لميولات سياسية متناقضة. 2- إن الحاجة الموضوعية لتيار جذري معادي للرأسمالية، ستزداد على ضوء حصيلة مقاومة السياسات الليبرالية والمخططات الاستعمارية الجديدة في غياب بديل سياسي واجتماعي يفتح أفاق جديدة أمام المقاومة الدفاعية. وستأخذ هذه الحاجة الموضوعية، بعدا عمليا وتنظيميا، على ضوء الحصيلة العملية لمشروع " تجمع اليسار الديمقراطي " الإصلاحي. 3- إن التقدم نحو بناء يسار اشتراكي ثوري يتوقف، من جهة، على تسريع سيرورة إعادة تشكل قوى معادية للرأسمالية وتجميعها، و من جهة أخرى، على إعادة تنظيم الحركة العمالية والاجتماعية والشعبية، في أفق تشكيل قطب اجتماعي_سياسي معادي للرأسمالية. ويشكل هذا جوهر مهام الثوريين خلال مرحلة بكاملها. ما نستنتجه من هذه الخلاصات، والذي يجب أن يوجه نقاشاتنا الحالية هو أمرين: 1- التمييز، دون فصل طبعا، بين سيرورتين: سيرورة إعادة تشكل القوى المعادية للرأسمالية وسيرورة إعادة تشكل القوى الاشتراكية الثورية. ليس الهدف من هذا التمييز هو التصنيف المسبق لهذه المجموعة اليسارية أو تلك ضمن سيرورة أو أخرى، بل الهدف هو تحديد الإطار العام للنقاش وتدقيق موضوعاته وأهدافه. ويسري هذا طبعا، على تيار النهج الديمقراطي، كما يسري على باقي المجموعات اليسارية الجذرية، بما في ذلك تلك المنتسبة إلى تجربة الأممية الرابعة و" الحركة التروتسكية " بشكل عام. هل سيتمحور نقاشنا مع تيار النهج الديمقراطي وباقي المجموعات اليسارية الجذرية، حول مهمة " تجميع " القوى المعادية للرأسمالية وراء هدف تشكيل قطب معادي للرأسمالية، أم سيتمحور حول مهمة " توحيد الاشتراكيين " الحقيقيين والثوريين وهدف بناء حزب اشتراكي ثوري حقيقي ؟ وهل سيكون مضمون تدخلنا السياسي في الحركة النقابية والاجتماعية وفي أوساط " اليسار الديمقراطي " مرتبط بهدف فرز قوى معادية للرأسمالية أم بهدف فرز قوى اشتراكية ثورية ؟ 2- التمييز بين الأفاق والأهداف المباشرة، بين مهام الإعداد والتحضير وبين المبادرات العملية المباشرة. هل يهدف نقاشنا مع تيار النهج الديمقراطي وباقي المجموعات اليسارية الجذرية إلى تخصيب الأرضية وتطوير نقط الالتقاء وتوضيح نقط الخلاف ضمن سيرورة طويلة، أم يهدف إلى الإعداد والتحضير لمبادرة عملية على قاعدة نقط الالتقاء الحالية ؟ 1 _ سيرورة إعادة تشكيل القوى المعادية للرأسمالية نحن على خلاف في هذه المسالة مع منظورين لإعادة بناء بديل سياسي جذري معادي للرأسمالية: 1 – منظور " التجميع "على قاعدة " مهام ديمقراطية جزئية " ( الديمقراطية السياسية )بين اليسار الجذري واليسار الديمقراطي الإصلاحي، باعتباره منظورا يطمس الحدود الطبقية الفاصلة بين اليسار الجذري المعادي للرأسمالية واليسار الديمقراطي الإصلاحي. ويلغي الاستقلالية السياسية والتنظيمية للقوى المعادية للرأسمالية، بتذويبها في المشروع السياسي والتنظيمي لتيارات اليسار الديمقراطي الإصلاحي. وباعتباره منظورا يفصل بين مهمة " تجميع " قوى اليسار الجذري ومهمة إعادة بناء وتنظيم الحركة العمالية والاجتماعية على قاعدة معادية للرأسمالية (مناهضة الليبرالية في الشروط الراهنة). هذا المنظور يمثله تيار النهج الديمقراطي، ويخترق قسما من المناضلين داخل تيارات اليسار الديمقراطي وداخل الحركة الاجتماعية والديمقراطية. ويشكل " تجمع اليسار الديمقراطي " تعبيره السياسي والتنظيمي. 2 _ منظور لا ينظر إلى سيرورة " تجميع " القوى المعادية للرأسمالية إلا ضمن سيرورة " توحيد " سياسي وتنظيمي على قاعدة " مهام استراتيجية " وهو منظور يلغي التمايزات السياسية والتنظيمية داخل اليسار الجذري والقوى المعادية للرأسمالية، ويقوم على الخلط بين مهمة تجميع القوى الجذرية المعادية للرأسمالية ومهمة التوحيد السياسي والتنظيمي للقوى الاشتراكية الثورية. هذا المنظور يعبر عنه الرفاق في هيئة تحرير جريدة "المناضل"(ة) ويجد تربته الملائمة في أوساط الشبيبة الطلابية، الرافضة لكل المشاريع السياسية الإصلاحية. ويشكل غياب تعبير سياسي وتنظيمي وطني موحد لمختلف هذه الاتجاهات والميولات السياسية تعبيرا عن افتقادها لمنظور انتقالي لبناء بديل سياسي وتنظيمي. المنظوران معا، لا يقدمان الجواب السياسي والتنظيمي ( بديل سياسي وتنظيمي ) الذي يسمح في نفس الآن بفرز وتجميع قوى معادية للرأسمالية وبتوفير الشروط السياسية والتنظيمية لتطورها نحو الأفق الاشتراكي الثوري. ففي حين يتمركز المنظور الأول حول مهام " الإصلاح "، يتمركز المنظور الثاني حول هدف "الثورة"، وكلاهما يحمل في طياته فراغا سياسيا وتنظيميا: على كل القوى الجذرية المعادية للرأسمالية، وفق هذين المنظورين، أن تكون إما ديمقراطية إصلاحية أو اشتراكية ثورية، عليها الاختيار بين الاندماج في المشروع السياسي والتنظيمي لتجمع تيارات اليسار الديمقراطي أو تشكيل كيانات سياسية وتنظيمية صغيرة في انتظار "الحزب الاشتراكي الموعود"، وعليها الاختيار بين " التكيف الواقعي " وتبرير وإضفاء المصداقية على " الواقعية الإصلاحية " أو " التقوقع الإيديولوجي " و " العقائدي " والتبشير الدعاوي بالثورة الموعودة، وإضفاء المصداقية على " سياسية تريديونيوية " لا أفق سياسي لها. إن أي نقاش اتجاه تيار النهج الديمقراطي أو أي مجموعة يسارية جذرية، بما في ذلك داخل تيارنا، لا يأخذ بعين الاعتبار المأزق السياسي والتنظيمي الذي يقود إليه هذان المنظوران، سيسقط هو الأخر في تعزيز وتقوية هذا المنظور أو ذاك. إن الرهان هو اكبر من مجرد "تجميع" عددي " أو " توحيد " تنظيمي لقوى اليسار الجذري. وإذا كان ذلك ضروريا وخطوة إلى الأمام فيجب أن يكون على قاعدة بديل سياسي وتنظيمي، جذري طبقي، مستقل سياسيا، و ديمقراطي تنظيميا. بديل سياسي يسمح بالتدخل في سيرورة إعادة تشكل الحركة الاجتماعية والديمقراطية لفرز قوى جذرية معادية للرأسمالية، وتوفير شروط " تجميعها " وتنظيمها والرقي بتجربتها من الوعي بضرورة مقاومة الرأسمالية إلى الوعي بضرورة التغيير الاشتراكي الجذري للرأسمالية. حينما نطرح ضرورة أن يتمحور النقاش مع باقي المجموعات اليسارية الجذرية، حول طبيعة البديل السياسي والتنظيمي، لا يعني هذا طبعا أننا نمتلك كل عناصر الجواب، بل يعني رفضنا للنماذج الدوغمائية، " الثورية " لفظا والإصلاحية ممارسة، بنفس قدر رفضنا للمشاريع الديمقراطية، الجذرية لفظا والإصلاحية مضمونا. 2 _ إعادة تشكل اليسار الاشتراكي الثوري. حول هذه المسالة أيضا، يجب توضيح نقط الخلاف مع تيار النهج الديمقراطي وباقي المجموعات اليسارية، بدل إخفائها أو إعطائها قيمة نسبية. ليست مهمة " توحيد الاشتراكيين الحقيقيين "، أي بناء " منظمة اشتراكية حقيقية " مهمة مباشرة مطروحة على جدول أعمال تيار النهج الديمقراطي، ليس بالنظر إلى غياب شروط وإمكانيات الإقدام على خطوات عملية في هذا الاتجاه، بل بالنظر إلى منظوره " المراحلي " لبناء بديل سياسي يساري جذري. فعلى المستوى المرحلي ( المباشر )، يقوم منظور النهج على بناء " قطب ديمقراطي جذري " على قاعدة " برنامج ديمقراطي مرحلي "، وعلى المدى البعيد ( غير المنظور ) بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة وعموم الكادحين. إن دور " الاشتراكيين الحقيقيين " وفق منظور تيار النهج الديمقراطي، هو المساهمة في بناء "القطب الديمقراطي " خلال " المرحلة الديمقراطية " لتوفير الشروط السياسية والتنظيمية (الانغراس، المراكمة، الوضوح الاديولوجي...) للانتقال إلى مرحلة " توحيد الاشتراكيين " وبناء " حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين ". بمعنى أخر، على كل " اشتراكي حقيقي " داخل تيار النهج الديمقراطي أو خارجه، أن ينسلخ عن هويته الاشتراكية ويتقمص هوية" ديمقراطية " في انتظار تطور " القطب الديمقراطي الجذري " إلى قطب اشتراكي حقيقي ". ليس جوهر الخلاف إذن مع تيار النهج الديمقراطي، هو من هم " الاشتراكيون الحقيقيون " اليوم، كما أن مضمون النقاش معه، لا يجب أن يكون حول مهمة بناء منظمة اشتراكية حقيقية، مادامت هذه الأخيرة غير مطروحة على جدول أعماله، بل إن محور النقاش هو هل نحن في حاجة إلى منظمة اشتراكية لتوحيد " الاشتراكيين الحقيقيين " أم نحن في حاجة إلى منظمة ديمقراطية لتوحيد " الديمقراطيين والاشتراكيين " ؟ إن جوهر خلافنا مع تيار النهج الديمقراطي يتمثل في تعارض منظوره مع منظورنا لبناء بديل سياسي وتنظيمي. وهو تعارض لا يمكن إخفاؤه بالاتفاق حول هذه المهمة الجزئية أو تلك، أو تذويبه برفع درجة حرارة التعاون والعمل المشترك، بل عبر الالتقاء حول نفس البديل السياسي، أي الالتقاء ( ليس بمعنى التطابق طبعا) حول تحليل وتحديد مشتركين لطبيعة المرحلة وتناقضاتها ولطبيعة المهام، كقاعدة صلبة لبحث إمكانيات وسبل " توحيد الاشتراكيين الحقيقيين ". لا يتعلق الأمر بالنسبة لنا، بعصبوية تنظيمية أو التشبث بهوية عقائدية، بل يتعلق الأمر بالبحث عن قاعدة صلبة تسمح بتجميع و/أو توحيد الاشتراكيين الحقيقيين، سواء كانوا داخل النهج الديمقراطي أو خارجه. لا تعني " الوحدة " بالنسبة لنا مجرد " جمع عددي " كما لا تعني تذويب الاختلافات التكتيكية في "وحدة تنظيمية"، تلغي التعددية داخل " المنظمة الاشتراكية الموحدة ".
#مريم_بنعيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|