|
إسرائيل العدو، الند، إلى الحليف
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 16:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد بدأت الحكاية العربية مع إسرائيل منذ أعلنت الأخيرة تأسيسها كدولة يهودية مستقلة عن الانتداب البريطاني عام 1948 بعداء مطلق غير قابل بأقل من مسح هذا المغتصب الأجنبي من على وجه الخريطة العربية، مرة واحدة وإلى الأبد. وفي سبيل ذلك، قد حشدت دول الجوار مدعومة من جميع الدول العربية الأخرى قوات قتالية كبيرة العدد لكن تفتقر إلى التنسيق وأنظمة التسليح والتدريب والتخطيط الحديثة، مقارنة بقوات الدولة الناشئة. وكانت النتيجة المنطقية دحر كل هذه القوات العربية المهاجمة على جميع الجبهات، والمزيد من توسيع رقعة الدولة الجديدة وتثبيت شرعية وجودها بقوة الأمر الواقع، فضلاً عن التداعيات السلبية الأطول أمداً على جميع أنظمة الحكم العربية المهزومة بوجه عام وعلى المحليين الفلسطينيين بوجه خاص.
وقد تكرر هذا السيناريو مرة أخرى في عام 1967 وأفرز عواقب أشد كارثية على كلا الأمدين القصير والطويل، لا تزال آثارها ماثلة بقسوة وألم حتى اليوم. ولم تفلح محاولة أخرى في 1973 في إبراء آثار النكسة، عدا بشكل جزئي لبعض الدول مثل مصر والأردن. ومن هذه المكاسب العربية الجزئية انفتح الباب أمام شكل آخر من أشكال المواجهة مع إسرائيل- المفاوضات. أغلق فصل العداء المطلق.
كانت مصر السادات، رغم الرفض والغضب العربي الشديد في بادئ الأمر والذي كلف أنور السادات نفسه حياته، هي التي طويت صفحة العداء المطلق ضد إسرائيل وفتحت معها برعاية أمريكية فصل المفاوضات، وهو ما يعادل أول اعتراف عربي- ولو من دولة عربية وحيدة لكنها الأكبر- بالكيان الإسرائيلي كدولة مستقلة على قدم المساواة مع أي دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة، والندية لدولة قديمة مثل مصر. بمرور الزمن، ثبت أن السادات كان قائداً وزعيماً سابقاً لعصره، بعدما انتهى المطاف بجميع الدول العربية- وكذلك الفلسطينيين أنفسهم- إلى الدخول في مفاوضات بشكل أو بآخر مع العدو الصهيوني الأول، وهو ما يعادل أيضاً الاعتراف التام بوجود وشرعية دولة إسرائيل، وإن رفضت يهوديتها حتى الآن. انتصر السادات على جميع القادة العرب الذين وقفوا ضده وناصبوه العداء قبل نحو أربعين عاماً، وحتى على الذين قتلوه من تيار الإسلام السياسي، الذين قد أصبحوا هم أيضاً يرتبطون بشكل أو بآخر باتصالات وتفاهمات ومفاوضات بالعدو الصهيوني السابق، مثل الإخوان المسلمين في عهد مرسي وحركة حماس الفلسطينية طوال الوقت.
نحن الآن لا نزال في المرحلة التفاوضية- الندية- مع دولة إسرائيل، لأنه لا يتصور أن يتفاوض المرء مع العدم. وفي ذلك خطوة مؤكدة للوراء من مرحلة العداء المطلق الأولى، حين كانت إسرائيل والعدم سواء في الذهنية العربية. جميع الدول العربية، وحتى أغلب الحركات والفصائل الفلسطينية- تتعايش الآن في مرحلة ’الاعتراف المتبادل‘ مع الدولة الإسرائيلية، وما عاد هناك أي إنكار عربي ’رسمي‘ لحق دولة إسرائيل في الوجود. رغم لغتها العبرية، إسرائيل الآن هي إحدى دول المنطقة العربية المعترف بها مثل السعودية ومصر وسوريا والعراق والمغرب والسودان...الخ.
ثمة مرحلة ثالثة- التحالف. عبر رحلتها مع المنطقة العربية حرباً وهدنةً وسلماً، دولة إسرائيل قد أصبحت تقف الآن على أعتاب مرحلة جديدة تماماً- الحليف العربي. وقد انطلقت المؤشرات الأولى لهذه المرحلة مطلع التسعينيات، تحديداً مع الغزو العراقي لدولة الكويت العربية المستقلة والعضو في الأمم المتحدة. في هذه الواقعة المفصلية، لأول مرة في التاريخ العربي الحديث تصبح دولة العراق العربية عدو مشترك لدول عربية أخرى- لاسيما السعودية- إضافة إلى إسرائيل. في قول آخر، لأول مرة يصبح لبعض الدول العربية وإسرائيل معاً ’مصلحة مشتركة‘ في التصدي لخطر ما، والمصيبة كونه نابع من دولة عربية شقيقة أخرى!
أخيراً، بحكم ’الجغرافيا المشتركة‘ قد ظهرت، وكان لابد أن تظهر في وقت ما مهما طال الزمن، ’مصلحة مشتركة‘ بين دولة إسرائيل اليهودية من جهة ودول عربية أخرى في المقابل. هذه ’المصلحة المشتركة‘ قد تعمقت أكثر في سخونة مواجهة الخطر الإيراني الشيعي، وتحديداً البرنامج النووي وتمدد النفوذ الإيراني على تخوم المنطقة العربية ذات الأغلبية السنية. علاوة على ذلك، قد حققت دولة إسرائيل نجاحات وتقدماً رائعاً في مجالات تنظيمية وعلمية شتى، وبالأخص الزراعة الصحراوية وتحلية مياه البحر المالحة. حتى الدول العربية الأعلى صوتاً ضد العدوان الإسرائيلي لم تستطع مقاومة إغراء المصالح والمكاسب المادية المتأتية من التعاون مع إسرائيل. ’المصلحة المشتركة‘ قد أصبحت ’مصالح مشتركة‘ متشعبة، في مجالات وعلى مستويات شتى.
قد تكون إسرائيل بالفعل ومنذ زمن طويل ’حليفاً رسمياً‘ لكثير من الأنظمة العربية الرسمية، لكن لا أحد يجرؤ على الإقرار بهذا الواقع الجديد؛ لا زال لا أحد يملك شجاعة السادات، أو لعلهم يخافون مصيره.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المملكة والله والبترول
-
إصلاح مراوغ تحت عباءة الدين
-
تطور الدين مع الانسان
-
المملكة المحافظة في واقع متغير
-
لماذا انهزمت السعودية أمام إيران
-
هزيمة الجهاد المسلح في سورية
-
الأكثرية والأقلية في ديمقراطية الإسلام السياسي
-
الله الاجتماعي والله الفلسفي
-
حين يمسي اليسار يميناً
-
مقاربة الذيب في تفنيد الدين
-
مُعلق تحت الأرض
-
حين تتحول المساجد إلى سجون
-
ما بين العنصرية العربية والمساواة الديمقراطية
-
الإسلاميون بين التقية والتمكين
-
الحدود انتهاك بشع لكرامة الإنسان
-
على ميزان القيمة الإنسانية
-
السيسي وعنان، وبينهما الإخوان
-
عن ضرورة ترويض الإسلاميين
-
أنت مين قولي...
-
خرافة الإسلام المدني
المزيد.....
-
خطط ترامب في غزة: أنباء عن كون المغرب من المناطق المرشحة لنق
...
-
مخطّط ترامب في غزة: ليبيا تعلن رفض سياسات التهجير والتغيير ا
...
-
مصراتة
-
ردا على مخطّط ترامب: الجزائر ترفض بشكل قاطع تهجير وإفراغ قطا
...
-
تونس: عائلات مفقودين في عمليات هجرة غير نظامية تحتج أمام الس
...
-
تونس: اعتصام ثان لقيادات في اتحاد الشغل والأزمة تتفاقم
-
النائب الجمهوري جو ويلسون: -الرئيس التونسي قيس سعيد ديكتاتور
...
-
3 سنوات على بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا: هل بوتين مستعد لل
...
-
أحكام سجن مشدّدة في تونس: محاكمة نزيهة أم -محاكمة سياسية ظال
...
-
صورة متداولة لشبان جذابون ووسيمون: هل هؤلاء هم أعضاء فريق شر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|