|
كيف تدعم المراكز الصيفيّة التي تقيمها وزارة التربية والتعليم الإرهاب في السعودية؟
مها فهد الحجيلان
الحوار المتمدن-العدد: 1252 - 2005 / 7 / 8 - 11:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
عند الحديث عن المراكز الصيفية -التي تُقدمها وزارة التربية والتعليم للطلاب أو الطالبات- لا بد من التركيز على جانبين هما الغاية من تلك المراكز، من جهة؛ وعلى المُخرجات التربوية التي يتحصل عليها الملتحق بها، من جهة أخرى. ولاشك أن هذين الجانبين مترابطان ترابطاً يصعب معه عزلهما عن بعضهما البعض، حيث يُبحث عن المُخرجات التربوية والتعليمية من خلال اتصالها بالأهداف المرسومة لهذه المراكز. وبالاطلاع على مفهوم المركز الصيفي وأهدافه التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم- نجد أن الغاية من تلك المراكز الصيفية ليست واضحة بصورة كافية؛ إذ يغلب عليها أنها تدور في حلقة عامة، فالأهداف ضبابية يصعب التثبت منها عملياً، وبالتالي فإن هذا النوع من الأهداف يظل خاضعاً لتفسير المنفذين للبرنامج ويمكن تأويله بحسب أيديولوجيات المشرفين. وبعبارة أخرى فإنه يصعب على ولي أمر الطالب أو المسؤولين أن يتأكدوا من تحقق هذه الأهداف بالشكل المطلوب أو معرفة طريقة تحققها. ويمكن استعراض بعض الأمثلة لتلك الأهداف التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم للمراكز الصيفية فيما يلي؛ فمن أهداف تلك المراكز مثلا "استثمار أوقات الفراغ لدى الطلاب بما يعود عليهم بالفائدة والترويح في أمور الدنيا والدين". وهذا الهدف لم يُجب عن سؤالٍ حول مفهوم "استثمار أوقات الفراغ" ولا المقصود بـ"الفائدة" أو "الترويح في أمور الدين". فهذه عبارات هلامية غير واضحة؛ ولا نعرف من خلالها ملامح استثمار وقت الفراغ، لأنه من الممكن -في هذه الحال- أن يصلح أي عمل يجعل الطالب "مشغولا" وبذا يكون وقت الفراغ قد شُغل. فمن يضمن أن كل ما يُقدم من أفكار أيديولوجية في تلك المراكز هو استثمار صحي لوقت الفراغ؟ ثم من يُقرر أن هذا النوع من الاستغلال مفيد أم لا؟ فالمشرف المتطرف دينياً يرى مثلا أن أعظم واجباته هو تكفير المجتمع والحكومات لدى الناشئة ويعتقد في قرارة نفسه أن عمله هذا هو أفضل سبيل لاستثمار وقت الفراغ لدى الطلاب. وثمة هدفان آخران للمراكز الصيفية وهما متقاربان، أحدهما "ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الطلاب"، والآخر "دعم القيم الإسلامية في نفوس الطلاب لبناء الشخصية الإسلامية المتكاملة". ومن خلال هذين الهدفين يُخيل لنا وكأن واضعهما يتعامل مع طلاب ليسوا مسلمين أو أنهم جدد على الإسلام أو أنهم على أحسن الأحوال لم يدرسوا عن الإسلام شيئاً. ولكن الواقع يقول إن الطلاب يتلقون تعليماً دينياً مركزاً في مختلف مراحل التعليم يحتل نسبة بحدود 30% من جملة المواد الدراسية علاوة على أنهم ينتمون إلى مجتمع مسلم ومحافظ اعتاد على آلية معينة في الخطاب الديني سواء إعلاميا أو اجتماعيا. وبناء على ذلك فإنه يتبادر إلى الذهن سؤال عن ماهية المادة التي يُقدمها المركز وما إذا كانت خارجة عن ما تعلمه الطلاب من قبل، أم هل سيعاد عليهم ما درسوه في المقررات الدراسية؟ فإن كانت تكراراً لمعلومات سابقة فإن الأمر يصبح تضييعاً للوقت وإهداراً لطاقات عقلية تُستنفد في الترديد والتلقين. ولعل العاملين في المركز سوف يشعرون بهذا الأمر ومن هنا فقد يرون إدخال ما يعتقدونه مناسباً من مادة يُرجى بها مبدئياً ترسيخ العقيدة الإسلامية. وفي ظل غياب الرقابة المناسبة فمَن يعلم فلربما يُقرر على طلاب المراكز الصيفية كتب تكفيرية أو فتاوى قتل بعض المثقفين السعوديين أو وصايا بعض المطلوبين أمنياً، إذ يبدو أن الوزارة ليست قادرة على تحديد مادة معينة يمكن اعتمادها في المراكز الصيفية وعدم الخروج عنها، إضافة إلى أنه ليس ثمة هدف واضح يمكن لأولياء الأمور أن يناقشوا المركز فيه. وهناك هدفان آخران يضافان إلى ما سبق، أحدهما "صقل مواهب الطلاب وتنمية مهاراتهم وتوجيه طاقاتهم الوجهة السليمة" والآخر "تنمية الثقافة العامة التي تتفق مع المنهج الإسلامي". ويمكن ملاحظة أمرين على هذين الهدفين: الأول يتعلق بدلالة اللغة المستخدمة في صياغة الهدف؛ فنجد أن هناك استخداماً لعبارات مثل "صقل" و"تنمية" و"توجيه" وهي كلمات تحمل الطابع السلطوي الذي يجعل المتلقي تحت السيطرة الكاملة لمن يحمل مسؤولية هذا "الصقل" و"التوجيه"، علاوة على أن هذه الكلمات الحادة تُوحي بهالة لمن يتولى مُهمة تنفيذ الهدف. كما تتسم تلك الألفاظ بأنها مطاطية لا تحوي تحديداً علمياً واضح المعالم، فهي قد تصلح في جملٍ تركيبية لتكون صوراً بلاغية في نص شعري لكنها بكل تأكيد ليست عملية ولا علمية؛ ولست أدري كيف أقرها التربويون لدى الوزارة! فمن الممكن معرفة صقل مادةٍ مجسمة بعد أن كانت خشنة، لكن كيف نتحقق من صقل موهبة طالب أو طالبة؟ والأمر نفسه مع "تنمية المهارات" فما هي الحدود المراد للمهارات أن تنمو لتصلها؟ وماذا لو كانت صقلا وليس تنمية؟ هل سيتغير الأمر أم إن تغير الألفاظ كان فقط للتنويع اللغوي وليس لدلالة علمية معينة مدروسة ومحكمة؟ الأمر الآخر هو ربط الهدف بكلمة "الإسلامي" في إشارة واضحة إلى وجود شيء "غير إسلامي"، وكأن الهدف يوحي إما بالجانب الديني بحيث يقسم الأطروحات الفكرية إلى إسلامية وكفرية، وإما بالجانب الجغرافي الذي يفصل العالم إلى إسلامي وآخر غير إسلامي. وفي كلتا الحالتين ثمة تحيز مُعين وتأسيسٌ لفكرة الذاتية ونبذ الآخر حينما تُصنف الأعمال -غير الدينية- إلى قسمين متناقضين. ويبدو أن ظاهرة "الإسلامية" صارت موضة في هذا الزمن لكسب مزيد من المتعاطفين حينما تُُوضع كلمة "إسلامي" على لوحة المحل التجاري أو على بعض المنتجات كالعطور والأدوية مثلا أو تُسمى بعض المناسبات والأعمال بذلك؛ حتى صرنا نسمع بالحفل الإسلامي وبالضحك الإسلامي ومن يعلم فقد نسمع كذلك بالتنفس الإسلامي! ولاشك أن اكتساب هذه المعطيات مسمى "الإسلامية" داخل مجتمع إسلامي مرتبط بالإسلام في كل أعماله يكشف عن توظيف هذه اللفظة كشعار تجاري أو سياسي برز في ظروف معينة في بلادنا. وهذا له دلالته في استغلال عقلياتٍ مسلوبة الإرادة تستجيب عاطفياً لتلك التسميات دون النظر في محتواها. ولو عُدنا للوراء قليلاً قبل أكثر من عشرين سنة تقريباً لما وجدنا هذه التسميات الجديدة التي تُصنف الناس والوظائف والأعمال والمعطيات المختلفة في الحياة إلى إسلامي وغير إسلامي. ومن المؤسف أن هذه الموضة تسربت إلى المناهج والحياة الاجتماعية ضمن أيديولوجية أحادية تسعى إلى بلورة المجتمع وتفريقهم في أحزاب متناحرة عن طريق إيجاد تصنيفات نمطية للناس بحسب معطيات شكلية غالباً. من هنا يحق لنا التساؤل عن الكيفية التي يمكن فيها السيطرة على المراكز الصيفية التي تعمل بهذه الآلية غير المنضبطة؟ لماذا لا تكون الأهداف واضحة وممكنة القياس والتجريب؟ لماذا لا يكون هدف المركز هو تعليم الطلاب/الطالبات برامج تكنولوجية تُطبق على أجهزة مختلفة لها علاقة بحياتهم العامة أو تعليمهم برامج معينة في الكمبيوتر؟ أو تدريبهم على لعبة أو ألعاب رياضية معينة؟ أو قراءة كتب ثقافية؟ أو الاطلاع على أفلام تربوية؟ أو التدريب على الإسعافات الأولية أو على تعلم الخط.. وغير ذلك من الأنشطة المهمة التي تفيد الملتحقين بتلك المراكز وتجعل أوقاتهم مثمرة بالعمل الجاد المنضبط. لو أن أهداف المراكز الصيفية مُحددة وواضحة لساهمت في تسهيل مهمة المتابعة من المسؤولين ومن أولياء أمور الطلاب. فولي أمر الطالب يُريد أن يعرف من خلال الخطة- ماذا يفعل ابنه كل يوم، ويتابعه ويدرك مستوى تعلمه دون أن يضطر للبقاء معه في المركز؛ ومن خلال الخطة الدقيقة سيكتشف أن ابنه قد تعلم البرنامج الفلاني في الكمبيوتر أو لم يتعلمه، وكم بقي عليه فترة حتى يتعلم البرنامج الآخر؛ ويعرف أن ابنه الآن أتقن لعبة السباحة مثلا وسوف ينتقل إلى تعلم لعبة الجمباز على سبيل المثال، ويتابع ابنه وهو يقرأ الكتاب الفلاني ويناقشه فيه ويعرف رأيه ويقارنه بآراء غيره، وهكذا يكون الجميع على اطلاع واضح على ما يجري في المركز الصيفي. لهذا فإن المراكز الصيفية بحاجة لوضع آليات عملية ليست خاضعة لمزاج منفذي البرامج وتفسيراتهم واجتهاداتهم؛ بل إنها بحاجة إلى كتاب إرشادي يُوزع على الطلاب وعلى أولياء أمورهم يحوي أهدافاً عملية وخطة تفصيلية بالبرنامج اليومي للطلاب والأنشطة الفردية والجماعية التي يمارسونها خلال وجودهم في المركز. ولعل هذا هو السبيل المناسب للتعامل مع الجوانب الإيجابية للمراكز الصيفية وتطويرها لكي تكون مفيدة في ذاتها وتكون مُخرجاتها التربوية إيجابية. ولكن ذلك قد لا يتحقق مع الوضع الراهن الذي يُسنِد مهام العمل في تلك المراكز إلى "متطوعين"؛ بل إن الأمر يحتاج إلى جهةٍ مستقلة يمكنها القيام بهذه المهمة ولايكون العامل الأيديولوجي ضمن أجندتها لتسيير المشروع
#مها_فهد_الحجيلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا تُسند المراكز الصيفيّة إلى مؤسسات أهليّة؟
-
التعدّي على الخصوصيّة الفرديّة في المجتمع السعودي
-
أسلوب التعبير عن الاختلاف في الرأي عند الإسلاميين
-
العنف وثقافة الموت في مدارس البنات
-
كيف يدعم الإنترنت الإرهاب في السعودية؟
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|