أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - ليس لأمي مكان في الجنة














المزيد.....

ليس لأمي مكان في الجنة


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 08:12
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


أميل إلى «التفاؤل» فى عيد الأم، فالأمل يشحن جسمى وعقلى بقوة أربعين حصان، وهى نصف طاقتى الموروثة (بالجينات والميمات) عن جدتى وأمى وأبى، لم أرث «جينة» واحدة عن جدى، لحسن حظى، الذى مات قبل أن أولد، وكان «زير نساء» كما سمعت من جدتى، ينتقل من فراش امرأة إلى غيرها دون غسل، تقول عنه جدتى «كان يدخل ويخرج ولباسه على كتفه»، أصبح هذا الرجل يطبع اسمه (السعداوى) على جميع كتبى ومؤلفاتى دون موافقتى.

إنه الظلم الكونى لى ولأمى، المرأة العظيمة، التى عاشت وماتت من أجلى دون أن أحمل اسمها، كنت أكتبه فى طفولتى على كراستى فيشطبه المدرس، ويضع اسم جدى بدلا منه، فأمسحه بالأستيكة، ليأتى المدرس فيضربنى بحافة المسطرة على أصابعى، ويشطب اسم أمى ويضع اسم الرجل الغريب. لكنى استطعت أن أفرض إرادتى على العالم، وأرد الجميل لأمى، بعد أن ماتت منذ خمسين عاما، وبعد أن جاوزت الثمانين من عمرى، شطبت اسم جدى من الدفتر الرسمى المزيف، وكتبت الاسم الثلاثى الذى يضمنى مع اسم أمى وأبى كالآتى:

نوال زينب السيد:
لم تجد ابنتى فى العيد هدية تشتريها لأمها من السوق، فالهدايا فى نظرها لا يمكن شراؤها، وفكرت فى هدية لها معنى عميق، فأهدتها إحدى قصائدها، وقعتها باسمها واسم أمها وأبيها، وحذفت اسم الجد الذى مات قبل أن تولد. كانت الهدية شديدة الجمال والبساطة، لم تكلفها مالا أو الذهاب إلى السوق، لكنها كادت تكلفها حياتها، فقد اتهموها بالكفر، وساقوها إلى المحكمة فى قضية حسبة، وذهبت معها. رأيتها واقفة طويلة القامة شامخة الرأس كالشجرة، ترد على المحققين بصوت واضح قوى، قالت لهم:

من حقى أن أحمل اسم أمى وأبى، وليس من حقكم أن تحذفوا اسم أمى وتفرضوا على اسم رجل غريب عنى؟

وهز القاضى رأسه مقتنعا وأطلق سراحها.

فى عيد الأم تزعق الأبواق والإذاعات بأغانى الحب المشبوب، يشتد الزعيق باشتداد الزيف والخداع، يكتب أحد الأدباء عن أمه، يتغنى بتضحياتها وتفانيها فى خدمة الأسرة الكبيرة، هو وإخوته السبعة وأبوه وجده.

تفرغت أمه لخدمة عشرة من الرجال، نجحوا كلهم فى حياتهم وأصبحوا دكاترة ومهندسين، كانت تعمل من الفجر حتى المغرب، لا تطلب شيئا لنفسها، لا يعاونها فى عملها إلا خادمة صغيرة من الريف، ويوجه الأديب الكبير الشكر لأمه فى عيد الأم، أعطاها لقب الأم المثالية، يقول إنها لم تتذمر أبدا، وتحملت نزوات أبيه، لم تعترض حين تزوج امرأة أخرى، كانت مؤمنة صالحة تعرف أن الله منح هذا الحق لزوجها، فكيف تعترض على أمر الله؟

تخيلت هذه الأم المسكينة كيف عاشت وكيف ماتت واندثرت لا يذكر اسمها أحد، تخيلت أيضا الخادمة الطفلة من الريف التى حرمت من أمها وأبيها وإخوتها، لتعيش الحزن والشقاء والهوان وسط عائلة غريبة عنها من عشرة رجال، تغسل صحونهم وثيابهم وتدعك مرحاضهم وتأكل فضلاتهم، وتنام على حصيرة أو دكة فى المطبخ، وتأخذ علقة من الأم أو الأب إن كسرت شيئا. كان يمكن لهذه الخادمة الصغيرة أن تصبح أديبة كبيرة مثله، لو أنها تعلمت مثلما تعلم هو، لكن الفقر جعلها تغسل ملابسه وتنظف غرفته، بينما هو يتلقى العلم أو الأدب والفن، وكانت أمه أيضا تخدم أباه، تغسل جواربه وتطبخ طعامه بينما كان أبوه يتقدم فى العلم أو الأدب أو الفن.

ويقولون إنه الدور الذى خلقت المرأة كى تؤديه، دور الخادمة لزوجها وأسرتها دون أجر، وأجرها عند الله فى الجنة، وبحثت عن أمى فى الجنة فوجدتها وحيدة حزينة كما كانت فى الدنيا، وأبى يمرح سعيدا بالحوريات.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو أن كل رجل أصبح إنسانا
- جدتى والعدالة الكونية
- الحديث
- لو أن كل وزير كان مثقفا؟
- إشارات القراء والقارئات
- لحظات فارقة فى حياتى ( ١)
- وهل تنال الكاتبة الثائرة حقها؟
- يدفعونها للأمام لتكون كبش الفداء
- لا كرامة لوطن تهان فيه الأمهات
- محنة الأساتذة علماء السياسة
- الدم المراق وكبش الفداء
- الإعلامى الثورى وعبقرية الكذب
- عبقرية البنات. والطب. والثقافة
- إحياء التراث والروحانيات ونبذ الماديات
- تحرير العقل والعودة للبدهيات
- لماذا لا أحب الأعياد؟
- الحياة المكشوفة فى مواجهة التجسس
- الجبل وشابات لبنان
- هل تتغير المهن مع تغير النظام؟
- المنطق الغائب والصدق


المزيد.....




- صورة/مكافأة 5 ملايين دولار لمن يصل لـ-المرأة الأخطر في العال ...
- شاهد.. الجيش السوداني يعلن تحرير 20 امرأة في أم درمان
- من هنا.. رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت 2024 بال ...
- دراسة بريطانية: بلوغ الفتيات المبكر مرتبط باكتساب الوزن
- مقتل امرأة وإصابة زوجها بقصف أوكراني على مقاطعة خيرسون
- تقرير: تزايد العنف الرقمي ضد النساء والفتيات المراهقات!
- كان يستهدف النساء.. الأمن المغربي يوقف -وحش الغابة- في فاس‎ ...
- مغدورة الكويت…قتلها وأخفى جثتها داخل حقيبة ليومين
- -النووي والعقوبات وحقوق المرأة-.. عناوين مناظرة جليلي- بزشكي ...
- العراق.. -سوسو- تفوز بلقب ملكة جمال القطط للعام 2024 (صورة) ...


المزيد.....

- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - ليس لأمي مكان في الجنة