أحمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4401 - 2014 / 3 / 22 - 08:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:.............
قال السيد المسيح؛(تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه الوصية الأولى والعظمى، والثانية مثلها، تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (متى 22: 36-40).
اقول: الحب اصل كل فضيلة وهو اساس للحياة الانسانية الكريمة ولولا الحب لما صلحت الحياة ولما كان لها اية قيمة, بل يقول العرفاء انه لولا الحب لما خلق الله الكائنات فهو خلقها بدافع الحب فقط لانه تعالى هو الحب بعينه كما تقول المسيحية, والسبب في ان النصوص القرآنية تكاد تخلو من الحب الا نادرا هو انها ثقافة عبيد الله وليست ابناء الله,والعبد لا يصلحه الا الخوف من مولاه,والابن لا يصلحه الا الحب,ولذا ورد التأكيد على التقوى والخوف والخشية من الله في القرآن بدل حب الله,فاهل البادية الهمج القساة لا يعرفون معنى الحب ولذا كان الاسلام منسجما مع روحيتهم وأصلح لهم ,وعلى اية حال فالحب كما انه اصل كل خير وفضيلة, فانه في ذات الوقت مصدر كل شقاء ورذيلة وحياة زائفة,أي حب الانسان لنفسة, اما كيف نميز بينهما والحال ان حب الذات مسيطر على كل انسان حتى الاخيار والصالحين يحبون ذواتهم؟
هنا ينبغي القول بوجود ثلاثة انواع من الحب:
1-الحب الصادق,2-الحب الكاذب,3-الحب الطبيعي .
وما ورد في كلام السيد المسيح يمثل النوع الاول منه,وهو الحب الصادق الذي يتعلق بذات الانسان الحقيقية, وبما ان الله يمثل ذات الانسان وجوهره,فحب الانسان لله لا يتنافى مع حب الذات بل يتطابق معها تماما,ومنه يتفرع حب الناس ليس لانهم مثله او انهم عيال الله وخلقه بل لانهم متحدون معه في هذه الذات ومشتركون في الروح الالهي لدى افراد البشر,وهذا الحب هو الذي يرتفع بالانسان في مدارج الكمال المعنوي والاخلاقي ويجعل منه انسانا صالحا ويخلصه من سجن الانا والانانية وبالتالي يجعله يعيش الامن والبهجة والسلام مع نفسه وغيره لانه يرتبط معهم برابطة الحب,ولهذا الحب علامات سيأتي بيانها.
اما الحب الكاذب فيتعلق بحب الانسان لنفسه الانانية ويريد اشباع رغباتها وتحقيق مصالحها حتى لو كان ذلك على حساب القيم الاخلاقية ومصالح الاخرين,وبما ان هذه الانا قشرية وزائفة وكاذبة فحبها يكون مثلها قشريا وزائفا وكاذبا,ونتيجته انه لا يمنح صاحبه السلام والراحة والبهجة بل يجعله يعيش التوتر الدائم ومعاداة الاخرين وكراهيتهم لان الانا تريد منه كسب التفوق على الاخرين وتكون هي الافضل والاحسن من الجميع في كل شئ,وبما انه لا يستطيع تحقيق هذه الغاية فيتولد عنده الحسد والحقد والرياء والنفاق والكذب والتشبث بالمظاهر وسائر الرذائل الاخرى. وليس بالضرورة ان يكون حب الانا مكشوفا لصاحبه لأن الانا قد تتبرقع وتستر نفسها بوسائل عدة بحيث تخدع صاحبها فيظن انه مخلص في حبه كمن يحب الاسلام او النبي او اهل البيت بشدة بحيث يدفعه ذلك الى قتل كل من يخالفه في مذهبه وعقيدته,وهكذا من يحب وطنه او حزبه او قوميته بحيث يكون مستعدا لارتكاب اي مخالفة اخلاقية في هذا السبيل وهو يظن ان هذا العمل ليس من حب الانا بل من حب الناس.
اما الحب الطبيعي فناشئ من حاجات الانسان البيولوجية والطبيعية في الحياة كحبه للجنس المخالف وحبه للحياة والدنيا والمال وامثال ذلك, فعندما يحب الرجل امرأة ويريد الزواج منها, فمثل هذا الحب لا هو بالصادق ولا بالكاذب بل يعبر عن حاجة بدنية ونفسية في هذا الشخص وربما ينتهي هذا الحب بينهما بعد فترة ليبحث عن امرأة اخرى,والعرفاء يسمون هذا الحب بالحب المجازي ويعتبرونه مقدمة للحب الحقيقي الصادق لانه يساعد الانسان في الخروج من قوقعة الانا ويحب غيره مما يحرك في قلبه عواطف الانسانية.وهكذا في عشق الانسان لجمال الطبيعة والرسم والنحت والموسيقى وامثالها فهي من الحب الطبيعي.
وهنا حقيقة مهمة,وهي ان كل حب يستبطن الكراهية,وكل كراهية تستبطن الحب,كما ان كل ايمان يستبطن الكفر وكل كفر يستبطن الايمان, بمعنى ان الحب لله والناس يستبطن الكراهية للرذيلة والعدوان على الناس, وكل من يكره الناس ويعاديهم فهو يحب نفسه.
اما علامات الحب الصادق والكاذب فهي ثلاث :
1)ان علامة الحب الصادق ان يعيش الانسان الحب لذاته لا لشئ آخر,فعندما يحب الناس ويمد اليهم يد المعونة فلا يتوقع منهم اي شئ بل لمجرد انه يحبهم كما يحب اولاده ويرعاهم وينفق عليهم من دون توقع أي شئ(وحب الاولاد من نوع الحب الطبيعي لانه غريزي في الانسان والحيوان),بخلاف الحب الكاذب الذي قد يدفع صاحبه لخدمة الناس ولكنه يفكر فيما تعود عليه هذه الخدمة من منفعة مادية او اجتماعية في المستقبل,اي انه يستخدم الاخرين كوسيلة لاكتساب منافع لنفسه,بينما في الاول فالانسان المحب يتعامل مع الناس كهدف وغاية لا وسيلة.. اي انه حب اصلاحي لا مصلحي.
2)العلامة الاخرى للحب الصادق هو الشعور بالمسؤولية تجاه الاخرين ومحاولة مساعدتهم والتخفيف من معاناتهم,وبما ان امكاناته لا تتسع لجميع المحتاجين والمبتلين فانه يشعر دائما بالحزن والهم عندما يرى حال الناس وماهم فيه من ألم وحرمان ومعاناة,وهذه الحالة مشهودة على كل المصلحين والمعنويين والوجدانيين,بخلاف الحب الكاذب حيث لا يعيش صاحبه الشعور بالمسؤولية والحزن للناس لانه يفكر بنفسه ومصالحة الشخصية او الفئوية او الطائفية وامثال ذلك.
3)العلامة الثالثة ان الحب الصادق يجذب معه جميع الفضائل الاخلاقية من الصدق والشجاعة والايثار والشرف والكرامة والعدالة وامثال ذلك,بينما الحب الكاذب اي حب الانا فيجلب لصاحبه جميع الرذائل الاخلاقية من الكذب والرياء والنفاق والحسد والحقد وامثالها كما تقدم.
اما موارد الحب الصادق فثلاثة فقط (وغيرها اما من موارد الحب الطبيعي او الكاذب) وهي:1- الحب لله, ومنه حب اولياء الله كالمسيح عند المسيحيين او بوذا عند البوذيين والامام علي عند الشيعة ممن يعتبرون عند اتباعهم الله المتجسد(وليس كذلك محمد عند اهل السنة), اذا كانوا فعلا يعكسون في شخصيتهم روح الانسانية بكامل معناها 2-الحب للفضيلة ومكارم الاخلاق 3-الحب للانسانية.. وكلها يمكن ان تندرج في حب الله بالمعنى العرفاني,فالله هو روح الانسانية واصل الفضائل الاخلاقية, ولكن ربما لا يعتقد شخص بوجود الله ومع ذلك يمتلك الحب الصادق في الموردين الاخيرين, وهذا الحب هو الطريق الوحيد لاخراج الانسان من مرتبة الحيوانية الى مرتبة الانسانية.. ومن الحياة العبثية الى الحياة الكريمة .... وشكرا لكم.
#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟