داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 13:40
المحور:
الادب والفن
فى أحد البرامج التليفزيونية مؤخـّرا كان النقاش يدور حول موضوع حيوى وظل أحد ضيوف البرنامج يكرر الإشارة إلى الواقع ويلحّ فى المطالبة بأن نكون واقعيين، وخطر لى أنى لو كنت مشاركا فى النقاش لقلت له: الواقعية يا سيدى مطلوبة بالطبع فى معالجة المشاكل الآنية والأمور العاجلة، لكن حل المشاكل المستعصية حلا جذريا يتطلب أن نتحرر من معطيات الواقع وأن نخرج من محدودية أدوات الواقع، يتطلب أن ننظر من مرتفـُع، يتطلب أن نـُعمِل الخيال.
لعلنا نجد فى هذا تشخيص علة العلل فى سياساتنا وفى معالجتنا لقضايانا الحيوية. إننا نظل أسرى معطيات الواقع وأدوات الواقع. انظر إلى كل حكوماتنا المتعاقبة على امتداد نصف القرن الأخير، تجد كلا من وزرائنا خبيرا فى مجال تخصصه، مشهودا له بالعِلم، ومع ذلك تظل مشاكلنا بلا حل بل تتفاقم على مرّ الزمن، لأننا نفتقر للخيال ولأن كل وزبر يتعامل مع ما يخصه محصورا فى مجال تخصصه، ولا رابط يربط بين مختلف المشاكل فتفتقد النظرة الكلية الجامعة.
ضيق النظرة هذا سمة غالبة فى رؤيتنا لكل أمور الحياة وفى كل المجالات وعلى كل المستويات. يُطرَح موضوع ما للبحث، فإذا ما أراد أحد المتحدثين الرجوع للمبادئ الأولى فسرعان ما تجد من يلقى فى وجهه بعبارتنا المبتذلة "بلاش فلسفة". هكذا نمضى فى حياتنا، ننكر على أنفسنا أن نخرج عن نطاق ما ألفناه وما ورثناه، غير مدركين أن كل تقدم للإنسانية انطوى على جروج على المألوف والموروث.
الفلسفة فى جوهرها نقض لما جَمُد من الفكر والمعتقد، انطلاقا إلى آفاق أرحب من الرؤية والبصر. ومن المؤسف أن أساليب تربيتنا ومناهج تعليمنا تقيّدنا وتجعلنا مستسلمين لما ألفناه وما ورثناه، وما أسرع ما نتهم بالزندقة من يحاول أن يوسع من مداركنا.
معذرة، فقد خرجت من موضوع إلى موضوع وانتهيت إلى غير ما بدأت به. لكن أأنا مطالب حقا بالاعتذار؟ إننا متى طلبنا الفهم استحال أن نجد فواصل ثابتة دائمة تعزل موضوعا عن غيره من الموضوعات، فكل الأمور فى عالمنا هذا متداخلة متشابكة.
القاهرة، 21 مارس 2014
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟