|
نوروز.. إشراق وتجدد
بكر ناطق
الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 07:45
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عرف الانسان مفهوم التطور و التجدد في الحياة منذ فجر التاريخ. وحينما شاهد تفتح الأزهار في موسم الربيع، علم أن الحياة تحمل في طياتها ديمومة متجددة وانطلاقات فلسفية. فعرف هنا معنى البداية، وقيمة الولادة، وأهمية التغيير. وسجل ملاحظاته حول الاعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من آذار الذي يتساوى فيه الليل والنهار و تكون الشمس منطبقة تماما على خط الاستواء. هو عيد الطبيعة والأم والولادة الجديدة و بداية فصل الربيع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، مقابل بداية خريف لسكان النصف الجنوبي. و هو التجدد الذي يحمل معه روح الشباب و المرح ومناظر الطبيعة بأبهى صورها. يعد عيد الربيع عيداً مهماً لأهل الشرق بمختلف حضاراته وإثنياته. فهو النوروز عند الكثيرين منهم، والذي يحتفل به في بلاد الرافدين والشام وبلاد فارس وتركيا. ومعناه بالفارسية اليوم الجديد ، وهو أول أيام السنة الشمسية الإيرانية، وأول أيام السنة الكردية الجديدة. و يحتفل به الأكراد باعتباره عيداً قومياً. بعد أن انتشر التقويم اليولياني الغربي في العام 1079 ميلادي، بسبب التعديلات التي أدخلها نظام يوليوس قيصر على التقويم الروماني، انتقل عيد نوروز من السادس عشر من حزيران الى الحادي والعشرين من آذار. تشير ملحمة الشاهنامه الشهيرة الى ملك يدعى جيومرث أعطاه الله خيراً كثيراً أقام في الجبال في بداية الخليقة. وبسببه انتشرت الحضارة على وجه الأرض. ويحمل الجن مركبة أحد أحفاده ويدعى جمشيد إلى جميع أطراف الأرض وكان ذلك في يوم أصبح عرفاً مقدساً عند الفرس وهو يوم نوروز أي اليوم الجديد، رغم ارتباط الاسطورة بالاحتفال بموسم الحصاد، الذي يجلب الخير للجميع. و في اقليم كردستان تعتبر شخصية كاوه الحداد المأخوذة من الشاهنامه من أهم الشخصيات الميثولوجية الايرانية و الكردية التي تعد رمزاً لمقاومة الطغيان، حيث أشعل كاوه النار على أبراج قصره ابتهاجاً بالنصر، لذلك تعد النار رمزاً لهذا العيد. ويحتفل أكراد العراق بهذا العيد بشكل رسمي وشعبي، ويتم إيقاد شعلة نوروز في كل المدن الكردية، والتي يطلق عليها اسم شعلة كاوة الحداد. يحتفل بقية العراقيين بهذا العيد باعتباره عيداً للربيع، حيث يذهب الناس مدينة المدائن المعروفة عراقياً بسلمان باك القريبة من العاصمة بغداد ويحملون معهم الأطعمة ويستمتعون بمناظر الحقول والبساتين المحيطــة بالمدينة. أما في شمال العـــراق، فتخــرج العوائل الى الحدائق والساحــات العامــة وأحياناً يفترشـون الطرقات وعلامات البهجة والفرح ترتسم على وجوههم. يؤكد بعض المؤرخين أن الاحتفال بهذه المناسبة يعود الى الحضارة السومرية، حيث تشير إحدى الرقم الطينية السومرية بأن آلهة الجمال والخصوبة إنانا اغترت بنفسها وبقوتها فذهبت الى العالم السفلي الذي يمثل عالم الموت، والذي تحكمه اختها اوتونيحال للتغلب على الموت. وعند ذهابها هناك فقدت جميع أسلحتها ولم تستطع العودة حيث تغلبت عليها اختها. فانعدمت الشهوة لدى الإنسان والحيوان وانعدم الجمال في العالم، وخصوصاً في مدينة الوركاء العراقية. وبعد مناجاة الإله انكي، تم اعادة إنانا الى الأرض، لكن حل محلها ديموزي المعروف بتموز عند البابلين. و بموت تموز ماتت الخضرة على وجه الأرض. فاستاء الناس وطلبوا من انكي أن يعيد تموز إلى الأرض ليجلب لهم الخضرة والفرح. فتم ذلك، و قرر انكي أن يصعد تموز إله الخضرة إلى الأرض لمدة ستة أشهر على أن يعود إلى العالم السفلي في الأشهر الست التاليه. وبهذا احتفلت بلاد ما بين النهرين بتموز الداخل إلى الأرض من العالم السفلي بعيد الدخول، الذي من علاماته انتشار الازهار على سطح الأرض، وهو بداية التقويم البابلي. وكذلك عرف المصريون عيد الربيع ويطلقون عليه شم النسيم، ويحتفلون به كل عام. هو عيد الأفراح والمسرات الذي يجسد عهداً جديداً تتحول فيه الطبيعة والإنسان الى عالم مثالي يصفو فيه الجميع. فالتكن كل أيامنا نوروز تسمو فيها قيمنا ومعارفنا نحو الأمام و تعكس إرثنا الحضاري الذي نفخر به أمام أنظار العالم. وتشرق مفاهيم المحبة والتسامح بين الجميع كما يشرق نوروز في كل عام طوال تاريخه الحضاري والانساني.
#بكر_ناطق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشكر في التقاليد الأميركية
-
شرانق الجهل
-
اغتراب العقل العربي
-
مجالس بغداد.. تراث فكري يتجدد
-
المارد العربي والصراع المذهبي
-
إعلام للسلام وتحديات الواقع
-
التبادل الثقافي والنزعة الإنسانية
-
صقر قريش والهروب الى الأمام
-
الفردانية وبناء المجتمع
المزيد.....
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
-
زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص
...
-
إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد
...
-
تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
-
لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
-
الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
-
لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال
...
-
سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
-
مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م
...
-
فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|