أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - العائد














المزيد.....

العائد


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


كنت في طريق عودتي في ذلك اليوم من مكان عملي الى البيت، أسير وأنا أستحث الخطى الى سيارتي في موقف السيارات القريب، حين اصطدمتُ، فجأة، برجل!
كان الطقس باردا جدا والشارع يزدحم بالناس، رائحين، مستعجلين، بردانين. سقطَت أوراق كثيرة من حقيبة الرجل جراء الاصطدام.
"عفوا." اعتذرت منه وقد زاد من شعوري بالأسف أن بدا لي الرجل مهما من مظهره. انحنيتُ ولملمتُ الأوراق من الأرض بعجل وسلمتُه إياها.
"آسفة حقا." اعتذرتُ له مرة أخرى وتملكني شعور بالحرج والارتباك. ثم نقلت نظري الى المرأة الحسناء التي وقفَت بجانبه، شقراء، طويلة، أنيقة، فاتنة. بدت أجنبية. لمحتُ في نظراتها مقدارا كبيرا من الاستياء، أم أنه الازدراء؟؟! لم تقل شيئا.
"لا بأس". قال الرجل بشيء من القهر، مطّ طرف شفته اليسرى، أعاد أوراقه الى الحقيبة ثم استدار للذهاب.
أمطار مباغتة بدأت تهطل بغزارة. رعد، برق، ليل، ضباب يغلف المدينة. كنت قد خطوتُ خطوتين أو ثلاث... حين فجأة... توقفتُ... وتوقفتْ معي دقاتُ قلبي.
ألقيتُ نظرة الى الوراء. وجدته جامدا، لا يبرح مكانه. تأمّل نحوي بنظرة صامتة، والحسناء التي بجانبه تتأمل وجهه بنظرة تعجب بالغة. تقزز مرير سرى في عروقي.
انتابني إحساس غريب، خانق، إذ التقَت أعيننا، وبمخيلتي تدافعت صور كثيرة من الماضي كحبات المطر، تنبشُ هواجس الماضي المدفونة في قبر الذكريات، فتراءت لي ابتسامته المستهترة، التي طالما اضطربت لها نفسي، وشعرتُ بسخرية القدر.
مراد علي، الرجل الذي طالما راودني في أحلامي، خدّرني، بعثرَني، أرّقني وأفقدني صوابي. وقفتُ أتأمله طويلا. كان مظهره يدلّ حقا على تبدل حاله. سترته أنيقة، سوداء، فاحمة، فوق قميص ناصع البياض، حول عنقه ربطة حمراء، وفي فمه غليون طويل، فاخر، شدّ منه نفسا طويلا ثم أبعده لينفث الدخان ببطء متعمّدٍ، متباهٍ.
عادت بي ذاكرتي خمسة عشر عاما الى الوراء وتراءى لي ذلك الشاب الجميل، الجذاب، زميلي على مقاعد الدراسة، الحبيب في مكامن القلب. سخرتُ من حماقتي إذ راودتني صورتي وأنا أتسلل من البيت خلسة، أخرج الى البرد والرعد والمطر، أركض إليه تحت رشق الأمطار ولسعة البرد وظلمة الليل، الى غرفته الصغيرة، الفقيرة، وأحتمي في صدره، فيحتضنني بحرارة تذوّب جبلا من الثلوج، يغمرنا الفرح، تتدفق بيننا سيولٌ من العواطف الجياشة، ونبقى معا في غمرة أحاسيسنا، نراقب المطر والمدينة الى انبلاج الفجر. ثم أعود الى بيتي قبل استيقاظ الجميع، وأتسلل الى غرفتي دون أن يحسّ أحد، كأن شيئا لم يكن.
كنت مراهقة ملهوفة تدفعني نحو هذا الرجل قوة غريبة ومجنونة. لم يخامِرني القلق ولا راودني الخوف. كنت أفعل ما يحلو لي، أمتثل لما تملي عليّ رغبتي دون تردد أو تحسب أو تفكير.
كم أحببته وصدقت وعودَه! وكم توسّلته كي يخطفني من عالمي التعيس، عالم الثراء الزائف والمقام الرفيع، من وحشة وحدتي، ولكنه لم يجرؤ، فهو لم يملك شيئا ليخطفني إليه. كان شابا فقيرا جاء من إحدى القرى النائية في شمال البلاد ليدرس التجارة والاقتصاد في الجامعة. كان يسكن في غرفة صغيرة يستأجرها، يدرس ويعمل وبالكاد يجد شيئا يقي به جسده من برد الشتاء، ولكنه كان طالبا مجتهدا يتدثر بطموحات وأحلام كبيرة.
ثم فجأة... اختفى. قرر السفر الى البعيد الذي سيمكنه من تحقيق ذاته، فانقطعت عني أخباره. سنوات مرّت دون أن أسمع منه شيئا او أعرف أين هو؟ وماذا يفعل؟ وهل ما زال يفكر بي كما أفكر وأحلم به؟ لم أسمع منه أي شيء. اختفى هكذا وكأنه بلا عودة.
كم جلستُ وحدي أسائل الليل عنه وأنا لعوده في انتظار، وكم صرخ قلبي باسمه وأنا يذبحني الحنين. قال سيغيب عاما أو عامين، ومرت أعوام طويلة ولم يعُد كما قال.
ويا ليته لم يعُد.
تلك اللحظات القصيرة، الخاطفة، لم أكن أتوقع أنها ستوقظ بي عالما كنت أظنه منسيا، ورغبات مدفونة في أعمق الأعماق. انتفض قلبي في داخل صدري، تسارعت دقاته، تخبطت، وتدفقت بدمي موجة غامرة بالاشتياق.
"ماذا هناك؟" سمعتُ الحسناء التي بجانبه تسأله بالإنكليزية. ثم التفتت إليّ برهة والدهشة تلتمع في عينيها، وما لبثت أن عادت إليه. "من هذه؟" سألته.
"لا أعرف." رد وذهب معها.

كفر كما/ فلسطين
[email protected]



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انفجار السكوت
- انما للصبر حدود
- مفاجآت على الطريق
- حبيبتي الفيسبوكية
- اختفاء رباب ماردين 23
- اختفاء رباب ماردين 22
- فرحة الولد
- اختيار السعادة
- ممنوع اللمس
- صباح التعصيب
- شرود
- اختفاء رباب ماردين 21
- مؤتمر اللغة الشركسية في أنقرة
- العطر
- اختفاء رباب ماردين 20
- اختفاء رباب ماردين 19
- اختفاء رباب ماردين 18
- إختفاء رباب ماردين 17
- إختفاء رباب ماردين 16
- إختفاء رباب ماردين 15


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - العائد