|
ثورة الخامس عشر من آذار: مستقبل حزب الله: ضحية الاستبداد الشرقي أم الانتصار بالأيديولوجية الثورية
حسان خالد شاتيلا
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 22:38
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لم يلقَ العدوان الإسرائيلي الجوي على فصائل لحزب الله منتشرة على امتداد الحدود السورية اللبنانية من جهة القلمون أي تنديد أو استنكار من القوى الديمقراطية الوطنية، بما في ذلك الثورية منها، إلا ما ندر. هذا الصمت يُخفي على الأرجح تأييدا ما لكل ما من شأنه أن يُلحق الهزيمة بحزب الله حتى لو جاء ذلك عن طريق إسرائيل (!!!)، إن لم يكن تشفيا انتقاميا من قِبَل كل الذين يضمرون العداء لحزب الله من جراء تأييده للنظام الاستبدادي في سورية، ومشاركته في العمليات العسكرية ضد ثورة الخامس عشر من آذار جنبا إلى جنب مع الجيش النظامي الحاكم المتسلِّط على الشعب وطبقاته الشعبية.
1)- عندما يختلط الحابل بالنابل، والاستراتيجية بالتكتيك: إلا أن هذا العدوان الإسرائيلي، أيا كان نصيب الحجج التي تبرِّر هكذا صمت مريب، من الخطأ او الصواب، فإن الصمت الذي ينم عن رضي ما إنما يدلِّل على انتصار الغرائز الحيوانية على الوعي الثوري، أو الجمود الاستراتيجي والنبذ الأخلاقي للتكتيك. فإذا كان تأييد حزب الله للنظام الوحشي في سورية مرفوضا من الثوريين وغير الثوريين على حد سواء، كل منهم لأسبابه السياسية، الإقليمية والدولية فضلا عن الطبقية، فإن السكوت عن هذا العدوان يتناقض مع ثورة الخامس عشر من آذار، الوطنية، الديمقراطية والشعبية. ذلك أن الثورة الشعبية التي تواجه عدوانا حربيا سياسيا وعسكريا من الثورة المضادة التي تستوعب أعداء حزب الله، من 14 آذار إلى الرجعية اللبنانية والمعارضة السورية، "الائتلاف الوطني" وتكويناته، فضلا عن الجماعات التكفيرية المسلحة، وما يسمَّى ب "الجيش الحر"، والسياسية الدولية، فإن أية استراتيجية ثورية تجد من الناحية التكتيكية في سياسة حزب الله المناهضة للتكفيريين، حليفا لها ضد أحد المكوِّنات المخيفة للثورة المضادة، ألا وهم الإسلاميُّون.
هذا، مع العلم أن أعداء حزب الله في المعارضة السورية والرجعية اللبنانية وآل سعود وآل خليفة وإسرائيل والدول الإمبريالية، ليسوا ولداء اليوم. إن عداءهم له كامنٌ، ظاهرٌ ومتفجِّرٌ معا، بغض النظر عن ثورة الخامس عشر من آذار. عداؤهم له يرجع إلى ما قبل الثورة. غير أن المثير في الدهشة أن قوى اليسار والديمقراطية في الثورة، وهي المعادية استراتيجيا وتكتيكيا للنظام الوحشي، والثورة المضادة بما في ذلك المعارضة السورية، لم تجد للثورة أي متَّسَع تكتيكي للتحالف مع حزب الله تكتيكيا، طالما يحارب هذا الحزب التكفيريين، ولا يسعى إلى الصدام مع الأهالي، وينأ عن إعلان الحرب على الشعب السوري، أو التنكيل به. فحزب الله يستهدف في المقام الأول التكفيريين، داعش وجبهة النصرة، وما إلى ذلك من إسلاميين مؤتمرين بآل سعود وأل خليفة. إنه، وإن كان يؤيِّد السلطة الحاكمة المهيمنة في سورية ضد ثورة الخامس عشر من آذار، بيد أن عملياته العسكرية موجَّهة حتى غاية اليوم ضد التكفيريين. هذا، وإن العدوان الإسرائيلي على حزب الله في موقع محاذٍ للقلمون، حيث كان التكفيرييون يحتلون يبرود، في ما كان بتأهب حزب الله للدخول إلى ساحة الحرب ضدهم، إنما يحمل في طياته تأييدا إسرائيليا للإسلاميين. الأمر الذي يحتمل درجة ما من الصواب، ما دامت إسرائيل والإمبريالية في الثمانينات لم توفِّر وسيلة لإلحاق الضعف بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عبر الاستهزاء باتفاقية أوسلو، وتشجيع حماس على الانتصار في الانتخابات التشريعية، من أجل إلحاق العار بكل الذين أيَّدوا من الفلسطينيين اتفاقية أوسلو.
2-) فليحذر حزب الله من النظام الدولي السوري: هذا عدوانٌ على كل من ثورة الخامس عشر من آذار، والسيادة اللبنانية، والمقاومة. عدوان على الشعب السوري وثورته، أولا، لأن دخول إسرائيل بالأسلحة إلى ساحة السياسة الدولية التي تصادر بمنطقها الدبلوماسي، المحتوى الاقتصادي الاجتماعي للثورة، يُشير إلى أن السياسة الدولية التي تُسَيَّر من قِبَل الإمبريالية منذ سقوط حائط برلين ونهاية الحرب الباردة، تتأهب للانتقال من سلب الثورة بالدبلوماسية الدولية، إلى إخمادها بالتدخل العسكري، حتى لو أن إسرائيل هي التي ستنفِّذ السياسة الدولية الإمبريالية. عدوان على الثورة، طالما تتطلع قوى الثورة الاشتراكية والديمقراطية إلى إنجاز أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالاعتماد على القوى الذاتية للطبقات الشعبية. إن نشوء "فصائل تحرير الشعب" اليسارية الثورية، وغيرها من تنظيمات مسلحة لليسار الاشتراكي الثوري، وإن كان ما يزال في طور الولادة، فإنه يشير إلى احتمال قوي مؤداه أن النضال الثوري المسلح بقيادة اليسار الاشتراكي مرشَّح لإعادة تشكيل "الجيش الحر" وتكويناته الهجينة التي تسير وراء معارضة لم تتوان عن لحس جزمة الإمبريالية لإقناعها بالتدخل العسكري في سورية. بيد أن الخلاف بين الطرفين كبيرٌ، ما دامت المعارضة تهدف من وراء هكذا تدخل إلى القضاء على السلطة والثورة الشعبية معا، في ما تهدف السياسة الإمبريالية إلى القضاء على ثورة الطبقات الكادحة والإبقاء على حليفها المخلص، ألا وهو الرأسمالية البيروقراطية الكومبرادورية.
ثم إنه، ثانيا، عدوان على السيادة اللبنانية، بالرغم من أن الجيش اللبناني لم يصدر تقريرا عسكريا عن هذا العدوان، أو إنه انتظر أياما قبل أن يكتفي بإصدار بلاغ مختصر في هذا الشأن. بل، وإن هذا الجيش ينحو في منحى من الصمت عن العدوان الذي يلقى تأييدا ضمنيا أو علنيا من قوى 14 آذار التي سارعت في هذه المناسبة إلى مطالبة الجيش اللبناني بالانتشار على امتداد الحدود اللبنانية الإسرائيلية، كإجراء لتجريد حزب الله من سلاحه الذي يقاوم إسرائيل ويحمي لبنان.
عدوان على المقاومة، ثالثا، ما دامت خطة النظام السوري لإخماد ثورة الطبقات الشعبية في سورية وغيرها من ثورات الكادحين وأصحاب الدخل المحدود، وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية، تهدف بالاتفاق مع السياسة الدولية الإمبريالية، التي ما فتئت حتى يومنا هذا تؤكد أنها لا تسعى إلى إسقاط النظام، بل وإنها تشجع المعارضة، إن لم تكن تضيِّق عليها الخناق لإرغامها على التفاوض في جنيف أو غيرها مع السلطة المهيمنة، تهدف السياسة السورية المناوئة للتحرر الوطني، في نهاية الأمر، إلى تطهير العالم أجمع من الإرهاب، الإسلامي، السعودي والإيراني، والقضاء على حزب الله بأيدي الإسلاميين، كما القضاء على الإسلاميين بسلاح حزب الله، أو حتى بالعدوان العسكري من أية جهة جاء، وذلك مقابل بقاء الرأسمالية البيروقراطية مهيمنة على الطبقات الشعبية، ومنصاعة للسياسة الدولية الإمبريالية والعولمة النيوليبرالية.
بلا، إن ما بين السلطة الوحشية والسياسة الدولية الإمبريالية اتفاق قوامه القضاء على الثورة الشعبية، والدفاع عن النظام المسيطر. فلقد شُوِّهَت حقيقة النظام المهيمن في سورية منذ انقلاب الجنرال أسد في العام 1970. إنه نظام الطائفة العلوية، بل إنه نظام سلالة الأسد الملكية، كلا، إنه نظام البعث، بل إنه نظام عسكري، كلا ثم كلا إنه نظام حكم الفرد الواحد وعبادة الشخصية، كل هذا وذاك من تشويهات ما هي سوى افتراء على الحقيقة، بل إنه نظام اشتراكي، قومي، ديمقراطي، وطني، ممانع بعدما كان صامدا متحدِّيا، إلخ، وهلم جرا من تشويهات تمحي وتزيِّف بما للإيديولوجيا من مقدرات هائلة في هذا المضمار، حقيقة هذا النظام. فنظام الحكم في سورية يملآ كل الشروط والحدود التي تُعَرِّف السياسة الدولية الإمبريالية. الانقلاب على حركة 23 شباط للحيلولة دون أن يَنْجُدَ الجيش السوري الثورة الفلسطينية في الأردن (إربد) إبان "أيلول الأسود". المسارعة بعيد انقلاب تشرين الثاني/نوفمبر إلى الاعتراف بالقرارين الصادرين عن مجلس الأمن غداة هزيمة حزيران لعام 1967، واللذين يوصيان بإجراء مفاوضات مباشرة ما بين العرب وإسرائيل حول "أراضٍ محتلةٍ". القضاء عسكريا على الثورة الفلسطينية في لبنان، وقمع الحركة الوطنية الديمقراطية في بلاد السنديانة الحمراء. الفتك بلا رحمة بالديمقراطيين واليساريين والقوميين في سورية، تمزيقهم إن لم يكن إبادتهم. تسليم الزعيم الكردي عبد الله أوجلان إلى السلطات التركية. معاداته على الدوام للعراق الذي يُعتبر "عمقا استراتيجيا" لسورية. هزيمة الجيش السوري مرتين اثنتين أمام جيش إسرائيل في حربي حزيران ورمضان، لاسيما وأن الجنرال أسد كان وزيرا للدفاع إبان الحرب الأولى، ورئيسا للجمهورية، قائدا عاما للقوات المسلحة على رأس الهزيمة الثانية. مشاركة الجيش السوري في الحرب العالمية لتحرير الكويت من الغزو العراقي. صمته الشنيع أمام الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003. هذا، وإن القادم من وقائع تدلِّل أن هذا النظام المهيمن في سورية هو النظام الدولي نفسه، أو جزء لا يتجزأ منه، أداة فعالة، حاسمة ومفيدة، ليس فقط من حيث تنفيذه للسياسة الدولية. إنما من حيث المشاركة في صناعتها. فالإمبريالية التي جاءت بالجنرال أسد فوق جثة اليسار الثوري في سورية، تؤرِّخٌ لسلسلة لا متناهية من الحروب التي تَسحق اليسار الثوري والقومي والديمقراطي، وحركة التحرر الوطني، في كل مكان من المعمورة.
3)- تطويع حزب الله للسلطتين السورية والإيرانية منافٍ للمقاومة الشعبية الثورية: إن استدراج حزب الله إلى الساحة السورية لإخماد الثورة الشعبية ينطوي على معنيين اثنين. أولهما تجريد حزب الله من دوره الرئيس كمقاومة تحرز الانتصارات أمام الجيش الإسرائيلي. ثانيهما زج حزب الله في معركة ليست معركته، إن لم تكن تضمر نهايته، ونهاية المقاومة الشعبية للصهيونية.
لقد كانت وما تزال السياسة السورية التي توطدت في سورية والبلدان المجاورة لها بفضل الاستبداد من جهة، والحرب العسكرية ضد المقاومة الشعبية الثورية، وبخاصة الفلسطينية منها، وقوى ثورة التحرر الوطنية والديمقراطية، على نحو ما كان وما يزال يحدث في لبنان والعراق على سبيل المثال، من جهة ثانية، كانت وما تزال تُقصي قوى اليسار الثوري، ومنها بوجه خاص "جبهة المقاومة الوطنية" في لبنان، بالإضافة إلى قوى اليسار الثوري الفلسطيني، لتستبدل المقاومة الشعبية الثورية بالتنظيمات الإسلامية. هذا الاستبدال يستمد أسبابه من حرص النظام القمعي للرأسمالية البيروقراطية في سورية على الاعتماد على تنظيمات مقاومة مسلحة لكنها تنتمي لأقلية سياسية، أو وثقافية، إن لم تكن تنتمي إلى هذين التكوينين معا، بحيث يبقى النظام العسكري السوري، وهو المناوئ للثورة الشعبية، سياسية ومسلَّحَة، قادرا على تطويع هذه التنظيمات حسب مقتضيات الساعة، في الساحتين الدولية والإقليمية. ذلك أن التطويع، من حيث هو أحد المكوِّنات التكتيكية التي تَشْغَل حيزا حيويا في السياسة السورية الدولية المعادية للثورة الوطنية والديمقراطية والاجتماعية، يُتيح للنظام العسكري الدموي الذي يحمي الرأسمالية البيروقراطية، ويتعاون مع الرجعية الإقليمية، كما يتفاهم مع السياسة الدولية الإمبريالية إلى أقصى درجات الوفاق، يتيح، أيضا، أمامه، بفضل التطويع، الزج بهذه التنظيمات شبه المقاومة في معارك لحماية نظامه الاستغلالي، او استدراجها إلى معارك عسكرية تخبئ في طياتها المتآمرة نهايتها، إن لم يكن توظيفها كأدوات للمقايضة، إن مع الصهيونية، أو إن مع الإمبريالية، ناهيكم والرجعية العربية والفارسية والطولانية التركية. إن حزب الله يخضع، بهذا المعنى، للسياسة الدولية الإمبريالية عبر سورية التي تُعْتَبر نسخة طبق الأصل عنها.
إن تطويع حزب الله وأمثاله من تنظيمات شبه ثورية، أو شبه مقاومة، بعدما انصرفت عن مقاومة الصهيونية، لتلفت نحو معارك عسكرية تستنفذها سياسيا وحربيا، يفتح الباب عل مصراعيه أمام اجتياز الجيش الصهيوني للبنان وسورية معا، كما يُشَكِّل زريعة للسياسة الدولية التي سرقت ثورة الخامس عشر من آذار وفرَّغتها من مضمونها الاقتصادي الاجتماعي، كي تتدخل، هي الأخرى، عسكريا لإخماد الثورة الشعبية، وتعزيز الثورة المضادة، وفي مقدمتها النظام الدموي في سورية.
رب قائل إن انتصار حزب الله على إسرائيل في حرب تموز للعام 2006، وتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في العام ألفين، وكفاحه ضد الرجعية اللبنانية وعلى رأسها حركة 14 آذار، يشفع عنه أخطائه التكتيكية وانحرافاته الاستراتيجية، وفي مقدمتها تحالفه الاستراتيجي مع نظام الملَّات والبازار الإيراني، وتحالفه أيضا مع الطاغوت السوري، فضلا عن انغلاقه على تكوين ثقافي ديني، بعينه دون غيره. هذا الإقصاء للآخر، حتى ولو كان نصيرا للمقاومة الشعبية المسلَّحة ضد الصهيونية والرجعية اللبنانية والعربية، تضع حزب الله تحت رحمة نظام استبدادي ليس البتة أهلا للثقة. نظام، ليس سوى عصابة من القتلة، الاستغلاليين والرأسماليين، دون أي تمييز في الحقل الاقتصادي المالي والبنكي ما بين الوطنية والخيانة. هذه العصابة لا تتوانى عن اغتيال كبار قادتها، شأنها شأن المافيا، منهم على سبيل المثال غازي كنعان، وغيره كثرٌ. بل وحتى أن نظام الإجرام السوري، هو وليس غيره، الذي قَتَل العقل العسكري الفذ لحزب الله، بطل حرب تموز للعام 2006، عماد مغنية، بتفخيخ سيارته التي كانت تقف بمحاذاة باب المخابرات العسكرية السورية في كفر سوسة، والتي كانت، في حينه، تحت أمرة آصف شوكت الذي اغتيل بيد ماهر أسد بعد محاولة أولى فاشلة لقتله في الثمانينات. هكذا عصابة لن تتوانى عن اجتثاث حزب الله من جذوره بيسر شديد، طالما يفتقد هذا التنظيم المقاوم للقاعدة الشعبية العريضة، ويُغلق باب الانتساب إليه في وجه كل متحررٍ من الاستبداد الشرقي ومجتمعاته المنغلقة على نفسها. لاسيما وأنه كتلة من المقاتلين تمخَّضَت في المدجنة الإرهابية للجيش السوري عن المؤامرة السورية الدولية على الثورتين الفلسطينية واللبنانية. هذا، إن لم يكن النظام السوري منذ عهد الجنرال أسد وحتى غاية اليوم عضوا محرِّكا في السياسة الدولية الإمبريالية، تستفيد من ثورة الطبقات الشعبية في سورية، ثورة الخامس عشر من آذار، للتخلص من إيران وحزب الله والإسلاميين فوق الساحة السورية التي أصبحت مقبرة واسعة الأطراف يُدفن فيها ثوار الطبقات الشعبية، والوطنيين الشرفاء في "الجيش السوري الحر"، والإسلاميين، بدون أي تمييز، كي تبقى سورية في عهد بشار السفاح مقرا للسياسة الدولية الإمبريالية. إذ ها هو حزب الله ضحية مُفتَرَسَة في فك الأفعى. الطيران الإسرائيلي من جهة، وداعش وجبهة النصرة وغيرهما من أبالسة إسلاميين، من جهة ثانية. أما السم القاتل، من جهة ثالثة، فإنه من تصنيع أجهزة الاستخبارات السورية التابعة للجيش النظامي.
4)- نشأة حزب الله: أسباب فنائه ما لم يُطَوِّر أيديولوجيته: وبالرغم من أن حزب الله يستمد سياسته من استراتيجية قوامها مقاومة الصهيونية، وحماية لبنان وغيره من بلدان عرضة للحرب مع إسرائيل، من أي عدوان عسكري، فإن الذاكرة التاريخية لحركة التحرر الوطني في سورية ولبنان والأردن وفلسطين، تعود بنا إلى السبعينات من القرن الماضي، لتلقي الأضواء على الظروف التي كانت ترافق نشأة حزب الله وغيره من منظمات فلسطينية "مقاومة" للصهيونية. حينذاك، كان تآمر جيش النظام الاستبدادي في سورية على المقاومة الشعبية اللبنانية، ومنها الحزب الشيوعي والحركات الثورية الفلسطينية المسلَّحة، للتخلص منها، قد بلغ أوجه.
تستمد ثورة الخامس عشر من آذار مرجعتيها التاريخية من استغلال الرأسمالية البيروقراطية للطبقات الشعبية بدون قيد، وانصراف الجيش السوري عن الاستعداد لاسترجاع الجولان بلا قيد او شرط، والتفاته نحو أعمال السوق الاقتصادية، ومساهمات النظام المستبد في السياسة اٌلإمبريالية، في العراق، ولبنان، وفلسطين، وسورية. إن مقاومة الصهيونية، من حيث هي احدى المكونات التاريخية لسورية وطبقاتها الشعبية، مصدرٌ حيٌّ للثورة الشعبية، طالما الثورة لإسقاط نظام متهاون حيال القضايا القومية التحررية، هو الذي يؤهِلها للمقاومة الثورية، كمهمة في مقدمة البرامج السياسية للشيوعيين واليسار الثوري. لذا، فإن استجابة حزب الله للثورة المضادة في سورية، وعلى رأسها نظامها الدموي، وانصياعه لها بعدما انحنى لها تحت ضغوط التطويع، من شأنه أن يعزز الثورة المضادة، وينال بالضعف الثورة الشعبية، ويُمعن في تشويه الثورة الشعبية حتى ينال بالقوة فرصةً للتدخل الدولي عسكريا في الشام، وفوق جثة حزب الله. فالاستبداد مرادف وفيٌّ للتآمر، والاستغلال، والثورة المضادة، والقضاء على الشيوعيين واليسار الثوري، والمقاومة الشعبية المسلَّحة، وذلك في ما يرتبط بجسور متحركة وثابتة، مرئية وغير مرئية، بالإمبريالية. إن الجيش السوري وأجهزة النظام استخدمت كل وسائل العنف المسلَّح والاغتيالات والتآمر السياسي، بالتعاون مع "حركة أمل" كي تسحب البندقية من أيدي المقاومة الشعبية الثورية المسلَّحة، لتضعها، بالمقابل، أمانةً مؤقتة، مسترجعة في أي وقت حسب الحاجة، بين أيدي التنظيمات الرجعية، دينية، فئوية، تنتمي لتكوينات ثقافية وسياسية ما تزال تعاند للبقاء على قيد الحياة، أو تستميت في القتال من أجل الاستمرار للانتصار على التحديث والتجديد والمعاصرة. إنها تقاوم الظروف الموضوعية للتكوين الاقتصادي الاجتماعي، بالرغم من أن الأنظمة والمنظمات التي انبثقت عن المتغيِّرات السياسية، الحزبية والنقابية، والأيديولوجية، التي ترافق التكوين الاقتصادي والاجتماعي، تجاوزت التكوينات المترسبة عن نمط إنتاج الاستبداد الشرقي، حسب ما يتبيَّن من نشوء اليسار الفلسطيني المسلح، والمقاومة الشعبية الوطنية بقيادة اليسار الشيوعي، وانتشار التنظيمات اليسارية الثورية في كل من العراق وسورية ولبنان وفلسطين، بما في ذلك ما كان منها يدعوا إلى المجالس الشعبية والكفاح المسلح لإسقاط الأنظمة البورجوازية، الاستبدادية، الموالية للإمبريالية، وتشكيل مقاومة شعبية مسلَّحة لمواجهة الصهيونية.
لكن نظام الاستبداد وعساكره نجح، في نهاية الأمر، في تفريخ منظمات شبه عسكرية، شبه ثورية، منصاعة لأوامره الدولية ذات المظهر القومي التقدمي. فكانت الجبهة الشعبية بقيادة أحمد جبريل للتشويش أو تخريب الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، وكان أيضا حزب الله الذي خطف البندقية، بموجب خطة دولية تكمن في خفايا النظام السوري الدولي، من أيدي المقاومة الشعبية والحزب الشيوعي واليسار الثوري اللبناني. وكانت، أيضا وأيضا، فتح الانتفاضة وحماس كي تمسخ حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولتمزِّق الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، بما يحول دون اندلاع انتفاضة شعبية فلسطينية ثالثة، ليس لدى أنظمة الاستبداد الدولية أية مقدرة على كبحها أو التأثير عليها لرسم مسارها. إن ثورة الحجارة، بخلاف الأسلحة الكيمياوية وأسلحة الدمار الشامل لا يقوى على دحرها أحد، أو أي قانون دولي.
هذه هي الأسباب التي، من أجلها، يُطْلَب من الشيوعيين واليساريين الثوريين، بالرغم من كل التناقضات، أن يُندِّدوا بشدة بالعدوان على حزب الله في البقاع الشرقي، وأن يَحثُّوا حزب الله على رفض الانصياع للسياسة السورية المتآمرة، السياسة السورية من حيث هي نفسها السياسة الدولية الإمبريالية، وأن يناصر ثورة الخامس عشر من آذار بعودته إلى جبهة القتال مع الصهيونية والإسلاميين، وأن يثور على تطويعه أداة ًبيد النظام المجرم في سورية، أو زراعاً في آلة التخريب الإيرانية، وأن يَحْذَر من نظام المؤامرات السوري.
5)- المقاومة الشعبية الثورية المسلحة تتخطى وتخترق رواسب الاستبداد الشرقي إن الإغلاق على المقاومة بمغلاق الطائفة، يعود إلى زمان الخلافة العثمانية، والإقطاع، واستبداد الخلفاء والولاة بالرعية، واستئثار السلطان بالسلطة السياسية والثروة والجاه، وتوزيع المُلْكُ على الأتباع من الرعية، من أمراء العسكر، وأئمة المذاهب الدينية، وشيوخ القبائل، وزعماء الأسر الكبرى، والرجال الأشِدَّاء كلٌ في منطقته وحارته. هذا النمط من الإنتاج الشرقي ما يزال له رواسب سياسية، بالرغم من أن العلاقات الرأسمالية للإنتاج دمَّرَت، بظهور بورجوازيات المدن، وانتشار العلاقات الرأسمالية في الريف والمدينة، دمَّرت الجوانب الاقتصادية من نمط إنتاج الاستبداد الشرقي، لكن الجوانب السياسية والإيديولوجية التي تفنى ما بعد انتشار العلاقات الرأسمالية، فإنها تقاوم الموت بشراسة لا مثيل لها مقاومتُها لما يَنتُجُ من سياسة وأيديولوجيا عمَّا يَلحق بالتكوين الاقتصادي الاجتماعي من تغيُّرات جوهرية. من أوجه الرواسب السياسية والأيديولوجية للاستبداد، على سبيل المثال وليس الحصر، داعش، والإخوان المسلمين، والتكفيريين، ووقفُ المقاومة الشعبية المسلحة على طائفة واحدة بعينها، وتَسْيِّيرها بإيديولوجية دينية بالية مضى عليها الزمان وولى. حزب الله مجبولٌ من هذه الرواسب، وبها.
ثمة فصائل في الحركة الشيوعية واليسار الثوري والقومي تناضل، في سورية ولبنان والعراق وفلسطين، منذ السبعينات، أي ما قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، بل وحتى ما قبل إعلان الجنرال أسد الحرب على الفصائل الثورية المسلحة الفلسطينية، وما قبل استيلاء صدام حسين على الحكم في العراق، تناضل من أجل تشييد منظَّمة للنضال الثوري المسلَّح، مناوئة لأنظمة الاستبداد، إن لم تنشأ وتحدو فوق جثَّته، تكافح الديكتاتورية البورجوازية، وتمثِّل المصالح الحياتية والمعيشية للطبقات الشعبية، وتقاتل بالسلاح جنبا إلى جنب مع الثورة الفلسطينية، وتَمنح للتحرر الوطني والانتصار على الصهيونية حيِّزا حيويا في استراتيجيتها الثورية وبرامجها السياسية. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش، ومنظمة الشيوعيين العرب، وغيرها من تنظيمات اليسار الثوري الفلسطيني، كانت تمد الفصائل المسلَّحة للشيوعيين واليسار بالسلاح، والمال، واللوجستيقا، بما في ذلك طباعة منشورات هذه المنظمات. الأمر الذي حدا بالجنرال أسد، شريك السياسة الدولية الإمبريالية، إلى محاربة اليسار الفلسطيني وتشويهه بلا هوادة. فالسياسة الدولية التي اتخذت من دمشق مقرا لها منذ استيلاء الجنرال إياه على الحكم، كي ما تحارب اليسار الثوري والقوى الديمقراطية الوطنية في كل مكان تصل إليه يد الطاغية السوري الملوَّثة بدماء الشعوب والأحرار، لم تكن لتغفل ما كان اليسار الثوري والشيوعي يمثِّله في السبعينات من خطر على البورجوازية والإمبريالية والرجعية العربية والأنظمة الاستبدادية. ذلك أن النضال الثوري المسلَّح بقيادة اليسار الثوري والشيوعيين والاشتراكيين القوميين، والذي لم يفته أن الأنظمة العربية بلا استثناء وليدة الاستعمار، هي نفسها صانعة السياسية الدولية مع اتساع النفوذ السياسي والأيديولوجي للإمبريالية، لاسيما ما بعد رحيل جمال عبد الناصر. فالنضال الثوري المسلح بقيادة الشيوعيين واليسار الثوري، كان يناضل لتشييد المقاومة الشعبية المسلَّحة بعدما يئس من الأنظمة العربية الاستبدادية غير المؤهلة لمواجهة الصهيونية. كان هذا اليسار الثوري يناضل كي ما تحلُّ المقاومة الشعبية مكان الجيوش النظامية. كي ما تَرجَح كفة حرب التحرير الشعبية، وتَفقَد الحرب العسكرية الكلاسيكية ثقلها في موازين القوى السياسية التي كانت تشير إلى أن ثقل اليسار الثوري في موازين القوى يتضاعف بصورة سريعة، وأن حرب التحرير الشعبية، والمقاومة الشعبية، والمجالسية الشعبية، آخذة بالاتساع في صفوف الطبقات الشعبية والبورجوازية الصغيرة.
هذه السياسة الثورية الشعبية ذات تاريخ يمتد اليوم سبعة عقود من النضال الشعبي من أجل تحرير فلسطين، وتغيير العلاقات الاجتماعية والسياسية، وكي تُدفَن رواسب الاستبداد الشرقي، العصبية، الدينية والقبائلية، ناهيكم والاستئثار بالمُلك والجاه. الوجاهة الشخصية، والزعامة ، والموالاة، وعبادة الفرد. إن هذه الحالات فَقَدَت تكويناتها الاستبدادية منذ الثورة العربية الكبرى، وإن كانت ما تزال تقاوم، بالرغم من أن مكوِّناتها الاقتصادية الاجتماعية اندثرت بعدما انتشرت العلاقات الرأسمالية في الريف والبادية، في الجبال والسهول. إنها تقاوم العلمانية، والديمقراطية البورجوازية والمجالسية الشعبية على حد سواء، وتتحدى الوطنية التي تنبثق عن ثورات التحرر الوطني والاستقلال. إنها تعادي الاشتراكية العربية، والشيوعية الأممية، والقوميات عربية وكردية وغيرها، والتي تنبثق عن الثورات الشعبية، والنضال ضد الأحلاف، والمعركة ضد الانفصال العربي ما بين الدول، ومن الوحدة العربية. فإذا ما نجح الشيوعيون واليساريون الثوريون والقوميون في بلورة استراتيجية ثورية وبرنامج سياسي ينادي بالمقاومة الشعبية المسلحة في كل مكان، والمجالس الشعبية في كل مكان، فإن مستحاثات التاريخ الاستبدادية الإسلامية التي تسير، بالرغم من أنها تقاوم التطورات التي تلحق بالتكوين الاقتصادي الاجتماعي، تسير نحو الانقراض، ولن تبقى على قيد الحياة بقدر ما تتسع ثورة الطبقات الشعبية بقيادة كل من اليسار الثوري، الاشتراكي والقومي. إنها في قيد الانقراض بعدما تغيَّر التكوين الاقتصادي الاجتماعي، فنشأ عنه كلٌ من اليسار الثوري السياسي والمسلح، والوطنية التحريرية، والقومية الاشتراكية، والتي تشكِّل اليوم خلفية تاريخية للثورات في قيد الإنجاز، في كل من تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن.
إن الاستراتيجية الثورية، والبرنامج السياسي الثوري، هو وحده المؤَّهَل لتوجيه ضربة الرحمة لمنظمات استبدادية تلفظ، منذ ما يزيد عن عشرة عقود من تاريخ حركة التحرر الوطني والديمقراطية، أنفاسها الأخيرة، بقدر ما يتقدَّم اليسار الثوري والقومي مدفوعا بالكفاح من أجل إعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية الإنتاجية والمؤسسات الإيديولوجية وأجهزتها. توجيه ضربة الرحمة لمنظمات شبه مقاومة، وشبه ثورية، كانت دخلت في حالة نزاع مع الموت منذ انبثقت عن التكوين الاقتصادي الاجتماعي، وطغيان العلاقات الرأسمالية المرتبطة بالمراكز الكبرى للسوق العالمية، قوى وطنية وقومية واشتراكية وشيوعية ويسارية، تؤيِّد الكفاح الثوري المسلح، وتحارب من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، وتنادي بديمقراطية واسعة لا تتسع لسيطرة البورجوازية على سلطات الدولة. إن انضمام حزب الله إلى ثورة الخامس عشر من آذار الشعبية، والتحرر من تبعيته للطاغوت السوري، لمحاربة الإسلاميين الذين يشوهون ويمسخون هذه الثورة، شأنهم شأن المعارضة والنظام المهيمن والجيش الحر والسياسة الدولية، يَدخل في حيِّز الممكن، طالما تُكافح ثورة الخامس عشر من آذار الشعبية الثورة المضادة بتكويناتها المختلفة، المحلية والإقليمية والدولية فضلا عن صراعها مع رواسب الاستبداد الشرقي. فإذا ما انضم حزب الله إلى الثورة، فإنه سيجد فيها حليفا ثوريا أهلٌاً للثقة على المدى الاستراتيجي البعيد والقريب. ألم تَرفع الطبقات الشعبية من الشعب السوري صور السيد حسن نصر الله عاليا أو أعلى من صور بشار السفاح، وفوقها بالأمتار. ثورة الطبقات الشعبية هي حليفة للمقاومة ضد الثورة المضادة. فإذا ما انضم حزب الله إليها، فإنه يساهم في إعادة تنظيم الجيش النظامي، والجيش الحر، ويُرجِّح كفة الثورة الشعبية والمقاومة الاستراتيجية والتكتيكية في موازين القوى بحيث تفقد الثورة المضادة وزنها الثقيل في الكفة الثانية.
لكن حزب الله، وإن كان يوجه بندقيته في سورية نحو داعش وجبهة النصرة ومستحاثات التاريخ، فإن تأييده لنظام الاستبداد يُفرِّغ مقاومته للاستبداد الإسلامي من مضمونها، طالما يتبنى دعم الطاغوت السوري تكتيكيا، ويعزف عن مناهضته كي يَجمع في سياسة واحدة، شأنه شأن الطبقات الشعبية في سورية، بين تعزيز الثورة الشعبية، محاربة الإرهاب الإسلامي، والقتال من أجل إسقاط السلطة الإرهابية للرأسمالية البيروقراطية. هكذا تطور لحزب الله يندرج في قيد الممكن، ما دام إنجاز الثورة الإيديولوجية لحزب الله يندرج بدوره، إذا ما أراد حزب المقاومة البقاء على قيد الحياة بفضل القطيعة مع الاستبداد، ومسايرة الثورات التي تنفجر هنا وهناك من أجل تغيير العلاقات الاجتماعية، السياسية والأيديولوجية، يندرج في سياق الضرورة ويدخل في حيز الممكن معا. لاسيما وأن الوحدة السياسية والأيديولوجية ضمن حزب الله تَفتقد للمتانة الراسخة، بما يتيح أمام يساري الحزب وتقدمييه تصحيح الانحراف الاستراتيجي والتكتيكي، بحيث ينضم الحزب إلى الثورة الشعبية للكفاح ضد السلطة التي تتآمر على حليفها، طالما هي تعقد علاقات الشراكة مع عدوها الافتراضي.
6)- خاتمة بمثابة مقدِّمة متأخِّرة: الخاتمة كالمقدِّمة وما يليها من صفحات تَحْتَمِل الصواب والخطأ. ثمة لمسات هنا وهناك من الأوهام، وخيال لظلال من الواقع. إذ أن حالة اليسار موضعٌ للأخذ والرد، طالما يتوزَّع في انقساماته بين تأييده للمعارضة ومناوأتها من حيث هي ثورة مضادة. حالة اليسار هذه ليست أفضل حالا من سياسة حزب الله التي آثرت التحالف مع حليف مؤقت، عارض وليس أهلا للثقة، على تحالفها مع ثورة الطبقات الشعبية التي تواجه ثورة مضادة متعددة التكوينات، وتناضل استراتيجيا وتكتيكيا من أجل انتصار الثورة الفلسطينية، والثورات الاجتماعية السياسية، بما في ذلك لبنان، معقل الرجعية العربية المعادية لثورة الطبقات الشعبية وحليفة الثورة المضادة. ثورة الطبقات الشعبية في سورية لن يغيب عنها من الناحية التكتيكية تضامنها مع حزب الله من أجل إلحاق أبشع هزيمة بحركة 14 آذار.
لذا، فإن الخاتمة من حيث هي استنتاجات لما سبقها من تقديم واستعراض للموضوع، غائبة، إن لم تكن مختبئة وراء بنية سميكة عازلة للضوء قوامها إشكالية التوفيق بين الاستراتيجية والتكتيك في الفضاء المُظلِم للاستبداد الشرقي. فإذا كانت الاستراتيجية الثورية تُعمي اليسار الثوري عن التوفيق ما بينهما، إذ إنه غالبا ما يَستمد التكتيك من الاستراتيجية وينفِّذُها تنفيذا تطبيقيا، بدل أن يوفق ما بينهما. حزب الله بدوره يطبِّق تكتيكا مستمدا من الاستراتيجية التي تمليه عليه. فإذا كان اليسار الثوري يشق طريقه على مسار يقود إلى الانتقال الاشتراكي، فإن تكتيكه لا يعير اهتماما بالموضوعات وأدوات التكتيك التي تشق الطريق أمام استراتيجيته على مسار يقود إلى الاشتراكية، وأولها موازين القوى. حزب الله كاليسار لم يُوَفَّق في حل هذه الإشكالية، طالما يستمد تكتيكه من هدف استراتيجي، ألا وهو المقاومة على مسار التحرير، ويعادي الطبقات الشعبية في سورية، وما دام حبيس الاستبداد الشرقي الذي يحكم عليه بالتواري مهما طال الزمن. موضع هذه الإشكالية في ضوء ثورة الخامس عشر من آذار والحالة السورية الراهنة، يكمن في موازين القوى التي تَرْجح فيها كفة الثورة المضادة، مقابل كفة الطبقات الشعبية واليسار عديمة الوزن. الأمر الذي يملي على اليسار الثوري والقومي تكتيكا يستفيد من كل المعطيات الواقعية المناسبة، وأن يوظِّف في عمله الأدوات المتوفِّرة، منها توحيد صفوفه، توحيد المقاومة التحررية حيثما وُجِدَت، الكفاح ضد الثورة المضادة، النضال من أجل الثورة المستمرة، وتشييد المقاومة الشعبية المسلَّحة. بيد أن اليسار بوجه عام، باستثناء أكثر من نواة واحدة، شيوعية ويسارية ثورية وُلِدَت من رحم الثورة، ك/"فصائل تحرر الشعب" (تيار اليسار الثوري في سورية)، تائه، شأنه شأن حزب الله، ما بين الاستراتيجية والتكتيك. غير أن حزب الله، وسواه من مخلَّفات الاستبداد الشرقي، وما أكثرها، تغطِّي الاستراتيجية ذات الصلة بأيديولوجياتها أبصارها عن رؤية ما يحرزه التكوين الاقتصادي الاجتماعي، وتكويناته الثورية المنبثقة عنه، من تقدم مع الثورات، والسورية منها بوجه خاص، من تقدُّم ذات وتيرة عنيفة وسريعة. ولن تلبث هذه الأخيرة أن تطغى على حزب الله، ما لم يُنجز حزب المقاومة ثورة إيديولوجية، ويُدرك أن الناحية التكتيكية تملي عليه التحالف مع الثورة الشعبية لترجيح كفة الثورة الشعبية، وتفريغ الكفة الراجحة للثورة المضادة من أوزانها الثقيلة. من العبث بمكان أن نتمنى على حزب الله العمر المديد طالما يتحالف مع الطاغوت السوري، ذلك أنه يجهل أو يتجاهل أن هذا الأخير جزء لا يتجزأ، كان ولا يزال، من الثورة المضادة. لذا، فإن بقاء حزب الله على مساره التكتيكي الراهن ينحو به باتجاه الانقراض أمام الزحف الثوري الذي يستعيد انطلاقته وديمومته، ما أدَّى طوال عقود من انحساره إلى سيطرة مستحاثات الاستبداد الشرقي والسياسة الدولية على مجتمعاتنا، منذ رحيل جمال عبد الناصر واستيلاء الجنرال حافظ أسد على زمام السياسة، وحتى غاية اندلاع الثورة التونسية.
حسان خالد شاتيلا منتصف نيسان/ أبريل 2014
#حسان_خالد_شاتيلا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة الخامس عشر من آذار:هزيمة الثورة المضادة رهنٌ بوحدة اليس
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار: التآمرُ سياسةُ الثورة المضادة، حاكم
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار: المؤامرات، المتآمرون، والمتآمر عليه
...
-
اليسار في سورية: مهمة واحدة من أجل انتصار الثورة العفوية
-
ميدانية القاهرة (ثورة في ثورة)
-
ثورة الخامس عشر من آذار: الأزمة السياسية للثورة الشعبية مستم
...
-
-دور ومهام اليسار الثوري في سورية- (تتمة وتصويب).
-
حسان خالد شاتيلا - كاتب ومفكر يساري - في حوار مفتوح مع القار
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار في سورية: الانتقال من عفوية الثورة إ
...
-
-واجب الكراهية- للطغيان والتسلط - في العنف والعنف الثوري*
-
التاريخ غير المرئي للثورة المستمرة
-
.../... ثورة الخامس عشر من آذار: تهافت السياسة الليبرالية وب
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار: تهافت السياسة الليبرالية وبؤس اليسا
...
-
ثورة 15 آذار السورية: اليسار في سورية تائه في رقعة ألعاب الس
...
-
ثورة 15 آذار/مارس في سورية: الخطاب السياسي أولا وأخيرا
-
-ميدانية القاهرة- (مقدمة)
-
إيديولوجية تجمع اليسار الماركسي (تيم): مقاربة نقدية ومادية
-
جورج لابيكا أو تغيير العالم بلا معلِّم
-
يمين ويسار، نهاية الاستعصاء
-
اليمين واليسار في عهد -الإعلان- والخلاص-*
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|