أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الدنمارك في رواية عراقية















المزيد.....

الدنمارك في رواية عراقية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 15:00
المحور: الادب والفن
    


تنتمي رواية "وأقبل الخريف مبكراً هذا العام" للكاتب العراقي قصي الشيخ عسكر إلى نمط الروايات المهجّنة التي تجمع بين أزمنة وأمكنة وشخصيات متعددة غالبيتها دنماركية وأخرى عراقية. وعلى الرغم من أن بطل الرواية وراويها المهيمن هو شخصية عراقية إشكالية تنطوي على قدر كبير من الصبر والجلَد والتحدّي إلاّ أن الشخصيات الدنماركية الأخرى لا تقل أهمية عن هذا البطل لأنها ستؤثث الفضاء الروائي برمته عبر الجد الطاعن في السن يوهان ماترلنك وحفيدته تيرينا. كما تتشظى المسارات السردية لتغطي شخصيات مستديرة أخرى مثل مريته هولم، خالة بكيت راغسموسن، زوجة يوهان المتوفاة، وحارس المقبرة ﭙ-;-نت، والعراقي عبدالله اللوريني الذي سيسجل حضوراً لا بأس به عبر الاستعادات الذهنية لبطل الرواية وساردها الأول.
الشخصية المحورية
تتكئ الرواية في جانب كبير منها على شخصية اللاجئ العراقي الذي يتبّنى عملية السرد غير أنه لا يحمل اسماً أو ملامح محددة لكننا سنُحاط علماً منذ مستهل الرواية بأنه كان متذمراً من المعونات الاجتماعية التي تقدمها الدولة له أسوة بكل اللاجئين الأجانب. وقد وجد ضالته فعلاً حينما عثر على عمل في دار المسنّين. كما أرشدته المشرفة الاجتماعية تيرينا إلى العمل مع جدها يوهان ماترلنك. وقد اقترح عليه هذا الأخير أن يكمل نصابه من العمل بخدمة مريته هولم، خالة زوجته ليتحرر كلياً من نظام المساعدات الاجتماعية ومن وصاية المشرفين والمشرفات. خصوصاً وأن الدنماركيين فضوليون ويسألون أي شخص غريب عن مصدر رزقه. ستتضح شخصية الراوي وطويته وطريقة تفكيرة منذ الفصل الأول حيث يعترف في مناجياته بأنّ الدول الإسكندنافية تدفع على نفقتها الخاصة أكل اللاجئين وشربهم ومنامهم ومتعة أعضائهم التناسلية. كما يذكِّرهم في هذه المناجيات بأنهم كانوا لاجئين في أميركا في زمن الاحتلال النازي، وأكثر من ذلك فإن هناك أكثر من نصف مليون دنماركي هاربين من الضباب إلى البلدان المشمسة.

يوهان ماترلنك
ثمة مفتاح لكل شخصية مركبة في هذا النص الروائي. فالجد يوهان ماترلنك رجل أرمل، مريض، مصاب بتليّف الرئتين. كما أنه وحيد وعاجز عن الحركة فلا غرابة أن يشعر بالعزلة شأنه شأن الكثير من الدنماركيين الكبار في السن الذين يبدون منغلقين كما يعتقد الراوي لكن عائلة يوهان بدت له منفتحة ولا تجد ضيراً في التعاطي مع الأجانب. توفيت زوجته بكيت راغسموسن عن تسع وخمسين عاماً سنة 1979 وهو يحتفظ برمادها في قارورة على الرف. كان يوهان مستعداً لفكرة الموت منذ سنوات طويلة فلا غرابة أن يشتري له قبراً في كوبنهاغن منذ عام 1960 فأوروبا صغيرة وقد لا يجد الإنسان مساحة صغيرة يُدفن فيها. أما الهمّ الوحيد الذي يقلقه فهو مستقبل حفيدته تيرينا التي ما تزال عذراء رغم أنها تجاوزت سن الثامنة عشرة. وكونها عذراء في هذه السن وبلا تجارب جنسية هو أمر يبعث على القلق ويثير الكثير من علامات الاستفهام! فمعظم الطالبات الدنماركيات يمارسن الجنس في المرحلة المتوسطة لذلك سيشعر الراوي بعد أن تتطور علاقته بهذه الأسرة أن الجد يوهان والخالة ميرته هولم يوحيان له بشكل من الأشكال أن يقترب أكثر من تيرينا، علّه يجد حلاّ لهذا الإشكال، خصوصاً وأن الجد يريد أن ينقل مِلكية شقته إلى حفديته بدل أن ترثها أمها المغيبّة في النص الروائي ولا نعرف عنها شيئاً سوى أنها متزوجة من دبلوماسي في أسبانيا وأن تيرينا لا تريد الاتصال بها لأسباب مجهولة. ما كنا نخشاه على مدار الرواية سوف يقع في الفصل الأخير حيث يموت الجد وحيداً قبل أن يتمكن من الاتصال بالإسعاف أو بحفيدته فيواروه الثرى في القبر الذي اشتراه قبل ربع قرن.

الحفيدة تيرينا
على الرغم من ثراء شخصيتي الجد والراوي العراقي الذي كشف لنا جانباً من شخصيته حينما أسرّ ليوهان بأنه محكوم بالإعدام، وقد تعرّض للسجن والتعذيب لأنه هارب من الحرب، إلاّ أن شخصية تيرينا لا تقل ثراء وإشكالية عن الشخصيتين السابقتين. فهي مشرفة اجتماعية، وتطمح أن تكون عارضة أزياء لكنها قصيرة بعض الشيئ وفقاً لمعايير الجمال الأوروبية لأن طولها يحتاج إلى سنتيمترين آخرين، وأنها فتاة حساسة ورقيقة وربما يسبب لها الإخفاق في المسابقة بعض المعاناة والألم. وقبل أن تتعمق علاقتها بالراوي خرجت معه إلى مدينة الألعاب، واطمأنت إليه. ونظراً للتشجيع الذي يلقاه الراوي من يوهان ومريته هولم يدعو تيرينا إلى العشاء في منزله، وقبل أن تغادر قبّلها على خدّها ثم نظر في عينيها طويلاً فرأى بريق الحُب والرغبة الغامضة في الوصال فطلب منها أن تنام في بيته فاكتشف أن يوهان كان مخطئاً، وأن حفيدته لم تكن عذراء، فلربما نامت مع رجل آخر أو هتكت عذريتها بإصبعها كي تثبت أمام بقية الفتيات أنها امرأة.

مريته هولم
ربما تكون مريته هولم هي الشخصية الأكثر تمرداً في الرواية. وقد خرجت على العادات والتقاليد المحافِظة للأسر الإرستقراطية، وهربت من أهلها بمجرد بلوغها سن الثامنة عشرة. وكانت تبيت في مقر الحزب الشيوعي وقد تزوجت من شخصين، الأول هو الذي فضّ بكارتها قبل الزواج وقد ارتبطت به لمدة أربع سنوات، ثم اقترنت بأميركي من أصول أفريقية لكنها انفصلت عنه لتمحو من رأسها فكرة الزواج نهائيا. وهي شخصية مرحة وحيوية رغم بلوغها السابعة والسبعين لكنها تبدو أنشط من شابة في الثلاثين. لقد ساهمت مريته هولم في حثّ الراوي على الاقتراب من الحفيدة تيرينا والإيحاء له بحاجتها الجنسية خصوصاً وأنها تعيش في مجتمع مرفّه تحرر منذ سنين طويلة من منظومة القيم الاجتماعية التي تحد من تلبية الحاجات الجسدية للإنسان.

المساحة المشتركة
مهما اتسعت الهوة بين الشعوب والثقافات المتنوعة في العالم إلاً أن المساحة الإنسانية المشتركة تظل أكبر مما يتخيله العقل البشري. ولو قارنا بين شخصية الراوي العراقي وأي من الشخصيات الدنماركية الأخرى لوجدناها قريبة من بعضها بعضاً. وقد ساهم هذا الراوي بتحطيم بعض الجدران التي تقف حائلاً بينه وبين اندماجه في المجتمع الدنماركي لأنه نظر إلى النصف المملوءة من الكأس من دون أن يعير اهتماماً إلى الفروقات الطبيعية بين المجتمع العراقي الذي ينظر إلى الغراب والبوم كطيور مشؤومة قبيحة بينما ينظر إليها الأوروبيون على أنها طيور حكمة جميلة. أو أن مقابرنا المهجورة مليئة بالعقارب والأفاعي بينما تحتشد المقابر الدنماركية الجميلة بالفتيات الحسناوات اللواتي يلوحن أجسادهن تحت الشمس. لا يجد الدنماركي البروتستانتي ضيراً في أن تُحرق جثته بعد الموت ويوضع رمادها في قارورة زجاجية تُركن على أحد الأرفف كما هو حال بكيت راغسموسن، بينما لا يؤمن يوهان الكاثوليكي بحرق الجثث وهو لا يريد أن يتصور بأنه يحترق ويتحول إلى رماد على الرغم من أنه ليس مؤمناً ولا كافراً، لكنه ببساطة شديدة لا يُعنى بالدين ولا يحتوي ذهنه على مساحة كافية للتفكير في خلق الكون أو طبيعة الحياة الأخرى التي نتجه إليها بعد الموت. وفي السياق ذاته يغيّر البستاني "ﭙ-;-نت" قناعاته الدينية ويتحول إلى البوذية لأنها ديانه تحرّم القتل. كما يقرر عدم السفر إلى أي بلد في العالم باستثناء الهند لأننه يعتبرها أُماً للعالم برمته.
لا تكتفي الرواية بمناقشة منظومة القيم الاجتماعية والثقافية والدينية وإما تتحدث عن الحرب في العراق وأوروبا على حد سواء ويكفي أن نشير هنا بأن الجد يوهان المنحدر من أصول ألمانية كان يتحدث عن الاحتلال النازي ومقاومته له ويفتخر بأنه أنقذ ثمانية جنود أميركيين هبطت طائرتهم هبوطاً اضطرارياً في مزرعته ثم هرّبهم إلى الساحل ومنه إلى السويد ليتلقى بعد مدة وجيزة كتاب شكر من الرئيس آيزنهاور.
خلاصة القول يمكننا أن نصنّف هذا النص الروائي بالنوفيلا إلا أنه توفر على مجمل الاشتراطات الروائية التي تتعلق بالزمان والمكان والحدث والشخصيات النموذجية التي قالت أشياء كثيرة، وطرحت كماً كبيراً من التساؤلات الفكرية والثقافية والاجتماعية والدينية على حد سواء في ست وثمانين صفحة لا غير!



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل صوب الحب بحُلة سينمائية روائية
- متطلبات المترجمين في نقل الظاهرة الدينية-التاريخية إلى اللغا ...
- الصورة وتسويق المقدّس
- قرءة نقدية لسينما الواقع لكاظم مرشد السلّوم (1-2)
- المالكي وانقلاباته الدستورية
- المالكي وسياسة التعتيم الإعلامي
- ترويض المبنى وتطويع المعنى في قصائد وسام الحسناوي
- الشعوب الإسلامية تستعيد هويتها المفقودة
- البلاغة الفكرية و صدق التوثيق في -طعم العسل-
- لهؤلاء الذين لا يبوحون بالحكايات
- توثيق الثورات العربية بعيون عربستانية
- سينما الخيال العلمي: من رصانة العلم إلى دهشة القوى الخارقة ل ...
- بلاد الثلوج. . . تُحفة كاواباتا الأدبية
- الدكتور لؤلؤة يترجم -غنائيات- شكسبير ويعزّزها بشروح مستفيضة
- المناهج البحثية عند الدكتور علي الوردي
- رؤىً مستقبلية للنظام الصحي في العراق
- الأفلام المجسّمة وتعزيز الوهم البصري العميق
- بؤر المهمشين والخارجين على القانون والحالمين بمستقبل أفضل في ...
- الآمال الكبيرة لكيوان مجيدي
- قراءة نقدية في فلم -رمضان في الأطراف- لفتحي الجوادي


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الدنمارك في رواية عراقية