مايكل سامي
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 08:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سخافة الربوبية و اللاآدرية و الإلحاد الضعيف بوجه عام سببه أن موضوع البحث منذ البداية عن كائن محتمل ممكن محتمل قد يكون في أي مكان في العالم .. داخل كهف على أحد كواكب مجرة اندروميدا مثلا ! و سبب وصف هذا الموقف بالسخافة أن الإله المفترض ليس كائن فضائي طبيعي ما, و إنما مفهوم فلسفي متناقض منطقيا مع ذاته. يعني كيف يمكن للمرء أن يبحث مثلا عن كرة مكعبة أو مياة جافة أو بياض أسود أو حقارة نبيلة ؟! ببساطة هذة الأشياء لا ترتقي لمستوى الإحتمال أساسا لانها متناقضة ذاتيا, و بالتالي يمكن نفيها بسهولة بإستخدام المنطق الرياضي و دون الحاجة إلي بحث عملي جدي. مثلا لو طلب مني احدهم ان أبحث عن إبرة في كومة قش, فالإبرة ممكنة و الضياع في كومة قش ممكن و البحث عنها في كومة قش ممكن حتى و غن كان متعبا أو بلا معنى .. و في النهاية يمكنني ان اجدها بعد فرز و تنقية القش جزءا بعض جزء. إنما من يطلب مني ان أبحثث عن "إبرة-لا-إبرة" في كومة قش .. فما المفروض أن أبحث عنه بالتحديد ؟ ام أن المطلوب هو ان لا اجد الشئ أصلا و هذا التناقض هو نوع من التعجيز لا أكثر ؟!
و لهذا السبب يعتبر التعريف المحدد أمرا أساسيا و لهذا السبب يمكن للباحث أن يتأكد أن مفهوم الإله المفترض هذا مستحيل منطقيا و رياضيا و نظريا حتى .. و دون الحاجة إلي بحث عملي مادي تجريبي, بل ولا يمكن الإنتقال أصلا إلي مرحلة البحث العملي طالما ان المفهوم النظري مستحيل. و لو أصر الباحث على إيجاد مواصفات قياسية للإله على الأقل فسيجد المواصفات الآتية ..
1) كلي القدرة Omnipotent (Almighty)
2) كلي العلم Omniscient
3) كلي الحضور (موجود في كل مكان) Omnipresent
4) كلي الغنى (لا يحتاج إلي أحد أو إلي شئ) Asietas
5) سرمدي (أزلي أبدي) Eternal
6) مطلق (ثابت لا يتغير أبدا) Immutable
7) لا يشعر بشئ (ألم, لذة, حزن, فرح, أسف, ملل .. الخ) Impassable
هذا عن الخصائص الأساسية أو الطبيعية, اما بالنسبة إلي الخصائص الأدبية السلوكية فهو : كلي الصلاح, كلي العدل, كلي الرحمة, كلي الحب, كلي السلام, كلي الجمال .. الخ (اللهم إخرب بيتنا احنا يا شيخ !!). هذة هي المواصفات التي قد يدعيها مؤمن لو تم محاصرته و إجباره على تعريف ما يسمى "الله" بأي شئ, و هي تعريف الغرض منها تفخيم الله و النفخ فيه و تصويره ككيان لا يقهر و خارق من جميع النواحي .. إنما تسبب هذا الوصف المبالغ في جعل الله المزعوم هذا متناقض منطقيا و مستحيل الوجود حتى نظريا. ناهيك عن التأكد بالدليل على ما هو ممكن نظريا .. كما يحدث في كل البحوث العلمية. يعني لم يحدث أن تم قياس قوة الله او تم إختبار قدراته من خلال تجارب علمية محكومة, إنما هو مفهوم نظري و فكرة خيالية يزعق بها المتدينين و الغوغاء.
يجدر الإشارة إلي أن المعنى المطلق أو القيمة المطلقة لا وجود لها إلا نظريا و رياضيا فقط من خلال رموز رياضية نظرية, تم تصميمها لكي تستخدم في القياس الرياضي فقط لا غير. إنما هي مستحيلة فعليا و عمليا, فلا وجود للمطلق في الواقع الطبيعي من الأساس لإستحالة ذلك عمليا .. فلم يسمع احد أو يرى أو يختبر أي معنى من المعاني المطلقة إلا نظريا (منطقيا و رياضيا و فلسفيا) فقط. إنما هذة الحجة تعتمد على الإثباتات المادية فقط لأن المفاهيم و القيم المطلقة موجودة نظريا و عقليا, و بالتالي يمكن الإستغناء عن هذة الحجة في جدل منطقي نظري .. و لنكتفي بالحجج المنطقية الرياضية التي يستحيل الرد عليها منطقيا و رياضيا.
(المنطق 1) إستحالة الجمع بين الصفات المطلقة
-----------------------------------------
إذا كان تحقق أي صفة مطلقة أمر ممكن نظريا و عقليا فالجمع بين الصفات المطلقة مستحيل حتى منطقيا و رياضيا من الأساس. يعني مبدأيا لا يمكن لكائن من كان أن يكون كلي القدرة و كلي الصلاح في نفس الوقت, أو أن يكون كلي القدرة و كلي العدل, أو كلي القدرة و كلي الرحمة .. و كل هذة الصفات الإيجابية. لسبب بسيط جدا, و هو أن الشر قدرة, و الظلم قدرة, و القسوة و الإنتقام قدرة, و الخطأ عموما قدرة .. فإن كان الله كيان إيجابي فقط فهو إذن غير قادر على إرتكاب الشر أو الخطأ أو الظلم خضوعا لطبيعته الإلهية الخيرة الحقانية. طبعا هناك من سيرد هذا المنطق قائلا : أن القدرة على إرتكاب الشر لا تعني إرتكاب الشر .. فالله قادر على الشر و قادر على الخطأ لكنه لا يريد فقط. و هذا الرد خاطئ و مردود لسبب, أن الله كمفهوم مثالي كامل يختلف عن البشر .. و هذا القياس البشري عن القدرة و الإمتناع لا يمكن قبوله على كيان معصوم و كامل و مثالي بطبيعته.
يعني ببساطة هل يخضع الله للمبادئ الأخلاقية و القيم الإنسانية (الحق و الخير و العدل .. الخ) أم لا ؟! لو كان الله قادر و ممتنع عن الشر فهو خاضع للقيم و المبادئ الأخلاقية, و حينها لن يكون هو الإله بل ستكون القيم و المبادئ الاخلاقية هي الإله الحقيقي .. و الله يخضع لها كما يخضع لها البشر. إنما لو كان الله قادر على إرتكاب الشر و غير ممتنع عنه (يعني يكون شرير أحيانا و مخطئ أحيانا) فهو ليس كلي الصلاح ولا كلي العدل ولا كلي الرحمة إذن !! في الحالتين يفقد الله المزعوم إحدى مطلقاته, فإما أن يفقد ميزة كلية القدرة و إما يفقد ميزة كلية الصلاح, ناهيك عن إستحالة الجمع بين كلية العدل و كلية الرحمة مثلا .. لأن هذة المفاهيم تتعارض كثيرا, و هو ما يستدعي مقولات مثل الرحمة فوق العدل و غيرها.
كذلك لا يمكن ان يكون الإله كلي القدرة و كلي العلم في ذات الوقت. فهل يقدر الله على تغيير أمر يعلم وقوعه في المستقبل؟ إذا كان الجواب بـ(نعم) : فالله ليس مطلق العلم. وإذا كان الجواب بـ(لا) : فالله ليس مطلق القدرة. مثال : الله يعلم بعلمه المطلق أن نيزكاً سيرتطم بالأرض غداً ، فهل يقدر الله بقدرته المطلقة على تغيير ذلك؟ إذا قدر على تغيير ذلك فهو ليس مطلق العلم وإذا لم يقدر فهو ليس مطلق القدرة. بل إن كلية القدرة لوحدها هي مفهوم متناقض ذاتيا !!
مثال: إذا كان الإله قادرا على كل شيء, هل يمكن أن يخلق جبلا أثقل من قدرته على الحمل.
(أ) إذا كان يستطيع خلق مثل هذا الجبل فهناك ما لا يستطيع فعله, و هو حمل الجبل.
(ب) إذا لم يكن يستطيع خلق مثل هذا الجبل فهو أيضا ليس كلي القدرة.
مثال آخر: هل يستطيع الإله خلق إله آخر أقوى منه ؟
(أ) إذا كان يستطيع فهو ليس كلي القدرة لأن الإله الآخر سيكون أقوى منه و أقدر.
(ب) إذا لم يكن يستطيع فهو ليس كلي القدرة أيضا.
(المنطق 2) إستحالة الفعل للكيان المطلق
-----------------------------------
فالمرء حين يفترض وجود كيان لامتناهي القدرة و القوة و الغنى و الوجود, و ممتنع عن العجز و الضعف و الحاجة .. فهو قد صمم كيان صفري الدوافع و المحفزات بما يجعله مشلول بل ميت فعليا و عمليا. يعني حتى لو إفترضنا وجود كيان كامل و غني ولا يحتاج إلي أي شئ, فما الذي سيدفع أو يحفز مثل هذا الكيان للحركة او الفعل ؟! ببساطة الحاجة هي أم الإختراع و أم الحركة و أم الفعل, فلا أحد يسعى للطعام إن لم يجوع أصلا, ولا أحد يسعى لشئ إن لم يكن محتاجا له .. فإن حدث و إستطاع كائنا من كان أن يقهر و ينهي كل عجز و كل ضعف و كل إحتياج يدفعه إلي الحركة و الفعل, فهذا الكائن ببساطة لن يتحرك من مكانه (لو أمكن لكيان موجود في كل مكان ان يتحرك أساسا) بل و لن يقوم بأي فعل بأي طريقة كانت.
ببساطة وجود كائن صفري الإحتياج, صفري الدوافع يعني بشكل منطقي حتمي انه كائن صفر الأفعال أيضا. يعني لا معنى أبدا وقتها ان يكون مثل هذا الكيان قد خلق العالم, فهو ببساطة غني عن العالم ولا يحتاجة في شئ ولا يريد منه أي شئ. بل و كل ردود الأفعال و كل الإنفعالات و المواقف التي تنسب لمثل هذا الكيان المثالي الكامل المتكامل هي مستحيلة منطقيا و عمليا. فهو لا يمكن ان يغضب مثلا فهو لا ينفعل ولا يتغير, و لا يمكن لشيطان أن يفاجؤه باي شئ لأنه يعلم كل شئ. بل لا يمكن لمثل هذا الإله أن يخلق كائن مثل الشيطان لأن هذا الخلق يعتبر غلطة, تصرف سفيه بلا معنى. يعني حسب مفهوم العامة من المؤمنين و المتدينين فالشيطان شرير لأن أفعاله كلها شر .. فماذا عمن خلق الشيطان نفسه ؟! ماذا عمن خلق الشر نفسه ؟! من أجبر الله على خلق الشيطان بهذا الشكل و إساءة الخلق بهذا الشكل ؟!! إنما بغض النظر عن التفاصيل الدينية فمشكلة الكمال الإلهي تواجه إله الربوبيين أيضا .. فلا يمكن لكامل أن يحتاج ولا يمكن لغني أن يفعل أي شئ او يقوم بأي عمل و لو حتى بالأمر الإلهي (كن فيكون) لأنه ببساطة زاهد و غني عن كل شئ.
(المنطق 3) إستحالة الجمع بين الذاتية و الإطلاق
-----------------------------------------
فالإله مطلق الصفات و الإمكانيات يفترض أيضا أنه ذات و له شخصية, و هو ما يتعارض مع الإطلاق جملة و تفصيلا. فأي كيان أو كائن هو إما ذات شخصانية, بمعنى أنه موضوع واقعي محدود في الزمان و المكان و الإمكانيات (لكن لديه نوع من الذكاء و الميول و الرغبات بما يتيح وصفه بالذاتية و الشخصانية) .. و إما أن يكون معنى او قيمة مطلقة لا شخصية لها ولا ذاتية. فقيمة مثل "الحق" مثلا, هذة معنى مطلق نظري يستحيل ان يعتريه الباطل او يتضمن أي بطلان بالتعريف .. فهذا المعنى ليس كيانا موضوعيا أو شخصا بعينه بل هو معنى ملفق إخترعه الإنسان العاقل لقياس المعارف و المفاهيم و العقلانيات.
و لذلك فالحق لا يمكن أن يصبح باطلا أو أن يتضمن بطلانا, بينما الشخص كحالة واقعية وارد جدا ان يكون على حق في مواقف و أوقات و ان يكون على باطل في مواقف و أوقات أخرى .. و هنا يمكن تسميته بــ "حقاني" أو "على حق" وفق سياق معين. و معنى الذاتية أو الشخصانية في وجود التفاوت أساسا, يعني الشخص فقط هو ما يكون على حق أحيانا و على باطل أحيانا. إنما لو كان الموضوع قيد البحث يتصف بأنه الحق ذاته أو الخير ذاته أو الوجود ذاته او القدرة ذاتها, فهذا ليس شخصا ولا ذاتا بالتعريف .. بل هو قيمة مطلقة منعدمة الذاتية و الشخصانية بالتعريف.
و لذلك يستحيل منطقيا الجمع بين الذاتية و الإطلاق لأنهما صفتان متناقضتان أساسا .. فالشئ لا يمكن أن يكون أسود و أبيض في نفس الوقت, محدود و غير محدود في نفس الوقت, خير و شر في نفس الوقت. و بالتالي فالإله لو كان موجودا وجودا مطلقا أو كان مطلقا بأي صورة من الصور .. لا يمكن ان تكون له أيضا ذات واعية بل يكون غير شاعر بنفسه و ليس صاحب انا تتشخص في كيان. فلو كان الإله أزلي أبدي, بلا بداية أو نهاية فلا يمكن ان يكون إلا الزمان نفسه و الزمان لا عقل له و لا ذات .. بل هو مفهوم نظري لتسلسل الأحداث وفقا لتتابع فيزيائي أو منطقي معين. و لو كان الإله موجود في كل مكان فهذا يعني أنه هو المكان نفسه و ليس موجودا في المكان .. و المكان لا عقل له و لا ذات شخصانية. أيضا لا يمكن ان يكون الإله هو الحق المطلق أو الخير المطلق أو الحب المطلق لنفس الأسباب .. و هذا يضطرنا للقول أن الإله لو كان موجودا فلا يمكن ان يكون مطلقا أو كاملا بل يجب أن يكون نسبيا و ناقصا كالبشر, فلو كان مطلقا و كاملا لكان بلا ذات و لا يعقل.
#مايكل_سامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟