|
الفصل التاسع من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
سعدي عباس العبد
الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 03:37
المحور:
الادب والفن
* ثم يمدّ يده عبر فراغ مهول من السنين ويتحسس وجهي برفق .. فتسمرت في موضعي ذاهلة دهشة وانا أرى الى عينيه المفتوحتين على اتساعهما.. وانصت لأنين خافت يتلاشى في الهواء ... كانت قدماه تخوضان وسط فراغ عميق ! ..كأنهما تتوغلان في ظلام لا يرُى ..تخفقان ... فيما كان الهواء يوّش في أذنيّ ..وتزداد قوّة الأنين . فشعرت بنظراته تحاصرني ..كما لو نور شموس عديدة ! تنبثق من سماء الماضي ..مفجّرة في بدني صراخ مكتوم ..لم اسمع صوته ..ولكن كان الأنين يتناغم مع وقع الخطوات التي بلا قدمين ..! فيحدث صوتا ضاغطا كأنه يهتف بأسمي ..صوتا اليفا كأنه يخرج من بدني ....... يخرج من اغوار ذكريات ... يتدفق من ينابيع طفولة مسرفة في البعد .. كلا ..لن نقذفه إلى الشوارع ..ليس بمقدوري ان افعل ذلك ... بيد ان الصوت ظل يتدفق قوّيا ..هذه المرّة كان يخرج من اعماق الصورة ..يتصاعد في الهواء فيندس في اسماعي واضحا ..ينفذ الى شعري وعيوني وذراعيّ العاريتين وثدييّ النافرين من من اعلى الشق او فتحة الصدر ... يتصاعد نفاذّا في نور النهار .. وعلى مهل يتحوّل الصوت إلى صراخ ساخط ... فألمح يد الجندي ترتفع في الهواء متناغمة مع ارتعاشات الصراخ الذي تحوّل الى بكاء مرير يخرج ملتاعا من الصورة او فم الجندي .. ضراخ ناقم يخرج من قدميه العاطلتين ............من خطواته المتلاشية في الفراغات ... من ذراعيه اللتين جعلتا تلوّحان في الفضاء ..عبر ايماءات تتتلاحق مع اشتداد الصراخ الذي تخلله سعال مكث يتدفق لوقت عصيب ... قبل ان افيق او اصحو من تلك اللحظة التي مرّت على خيالي والنابضة بالخوف واليأس واللاجدوى ..رأيتني اتفحص بدنيوالنابضة بالخوف واليأس واللاجدوى ...... رأيتني اتفحص جسدي ..اتملى يديّ المبسوطتين في فراغ ..وشعري الفاحم المنسفح على كتفي وعلى الأزهار الحمر المتناثرة اسفل ثدييّ في مساحات شفافة من الثوب المشّع في الضوء ..كأني اغرق في ضباب ... في ذكريات محمومة ... ذكريات الجنديّ القديمة الذي هيأ ليّ إني لمحته يمشي بلا قدمين ............ بيد إني لم اعد اتذكّر .. متى غاب وكيف ..؟ .. أ أبتلعته قوّة عميقة من الأمحاء ...تلاشى كشبح ،لم يترك أثرا سوى سعال ممدود ، قلت وانا اتملى وجه _ م _ المستكين لفاصل عميق من التأمل والشرود __ : أشعر ان المدّيات التي تفصلني عن الجندي او زوجي تتسع بتوالي الوقت كما لو انهيارات تترى تتخللها ..مدّيات كأنها ضّاجة بدوي حروب وبكاء ... قبل ان يتصاعد نباح الكلاب في الخارج على مقربة من النافذة وجدتني افكّر بالجندي الذي تلاشى او تهشّم في ضباب مرآيا الوجود ........... افكّر كأني احتفي بعزلتي او عزلته الخاملة المشرعة على مدن بلا علامات ..مشرعة على نهارات عقيمة ...عزلته المطّلة على افق من التعاسة والفراغ ..كأنه مترسب داخل صندوق أثري مغلق ... حالما غادر _ م _ وجدتني اعاود النظر عبر النافذة ..يدفعني توق قديم لمعاينة الكلاب المتلذذة بجريانها الشبق أثر الكلبة التي كانت تنشر رائحتها الأنثوية في خطوم الذكور التي طفقت تنتشر وهي تحيطها وسط حلقة كلبية رثة مشحونة ... موحلة يتقاطر من جلودها نثار الطحالب .والنابضة بالخوف واليأس واللاجدوى ...... رأيتني اتفحص جسدي ..اتملى يديّ المبسوطتين في فراغ ..وشعري الفاحم المنسفح على كتفي وعلى الأزهار الحمر المتناثرة اسفل ثدييّ في مساحات شفافة من الثوب المشّع في الضوء ..كأني اغرق في ضباب ... في ذكريات محمومة ... ذكريات الجنديّ القديمة الذي هيأ ليّ إني لمحته يمشي بلا قدمين ............ بيد إني لم اعد اتذكّر .. متى غاب وكيف ..؟ .. أ أبتلعته قوّة عميقة من الأمحاء ...تلاشى كشبح ،لم يترك أثرا سوى سعال ممدود ، قلت وانا اتملى وجه _ م _ المستكين لفاصل عميق من التأمل والشرود __ : أشعر ان المدّيات التي تفصلني عن الجندي او زوجي تتسع بتوالي الوقت كما لو انهيارات تترى تتخللها ..مدّيات كأنها ضّاجة بدوي حروب وبكاء ... قبل ان يتصاعد نباح الكلاب في الخارج على مقربة من النافذة وجدتني افكّر بالجندي الذي تلاشى او تهشّم في ضباب مرآيا الوجود ........... افكّر كأني احتفي بعزلتي او عزلته الخاملة المشرعة على مدن بلا علامات ..مشرعة على نهارات عقيمة ...عزلته المطّلة على افق من التعاسة والفراغ ..كأنه مترسب داخل صندوق أثري مغلق ... حالما غادر _ م _ وجدتني اعاود النظر عبر النافذة ..يدفعني توق قديم لمعاينة الكلاب المتلذذة بجريانها الشبق أثر الكلبة التي كانت تنشر رائحتها الأنثوية في خطوم الذكور التي طفقت تنتشر وهي تحيطها وسط حلقة كلبية رثة مشحونة ... موحلة يتقاطر من جلودها نثار الطحالب ,نخرج معا ..دائما معا ، كما لو كنا واحد في اثنين او واحد وظله ...ننغمر في فيوضات الشمس في نهارات متألقة عامرة بالبهاء والبهجة نرفل بالطمأنينة والسحر والجمال ..كانت اصابعه المشّربة بدفء الشموس والنهارات مطبقة في التحام حميم على اصابعي ..كنت احس بنبض حار طري مترع بالتوق يتسرب لمساماتي وقلبي الحافل بالاشواق .. فتتملكني رغبة جامحة في ان تبقى اصابعي الى الأبد عالقة في اصابعه متعشقه في راحته في اشتباك محموم حميم ... ولما تضوع رائحته العطرة الخافقه في الهواء الرطيب .. اجدني ازداد لهفة وتوقا إلى لثم اصابعه او تقبيّلها بيدي واصابعي ... كنت احس بكفه الناضحة دفئا وعذوبة تلامس حافافات قلبي وروحي ، فتشيع الطمأنينة وتنشرها في فضاء روحي .. كان شعري المحلول المنسفح في الهواء يقبّل خدّه الريان المورّد..ويلثم شفتيه بحنو طاغ ويخيّم كغيمة سوداء على وجهه برمته ..فتتضاعف قوّة لهفتي لملامسة خدوده باصابعي ..ووجهه الشاهر سحره الشديد الدهشة للغاية امام اشواقي الوفيرة المسرفة بالتوق واللهفة ... لتطويق رأسه عبر ذراعيّ المشرعتين في الفراغ الفاصل بيننا ..تطويقه في الفضاء والهواء والشارع .. الشارع الذي بدا في تلك اللحظة الشديدة الشوق والسحر واللهفة مخيفا يوغل في مجرى هادر من الرعب ، حيث شهد الاسبوع المنصرم حملة اعتقلات مريعة فتكت بحشد من البشر شنّتها الحكومة المدمنة على الحروب ... فطلب منّي ان نبّدل مسارنا ..فأنعطفنا في زقاق فرعي يفضي بنا الى كتف النهر ... مررّنا ابان مسيرتنا المكلّلة بباقات مزهرة من الحبّ والالفة والعذوبة ، بانفار من نساء يافعات متلفعات بوشاحات سود ملفوفة على ابدانهن ..ونساء اخريات متلفعات باثواب ملوّنة صاعدات إلى الشاطىء .. كما رأينا اثناء مررونا الحافل بدفء التحام الاصابع ارهاط من نساء في ريعان الجمال .كما رأينا اثناء مرورنا الحافل بدفء التحام الاصابع ارهاط من نساء في ريعان الجمال يرفلن بتنورات صاعده إلى الركب ..تقودهن اقدامهن في خطى ناعمة متباطىة ..ورأينا ايضا في طريقنا مراهقين في مقتبل الأحلام يمشون بخطوات متلاحقة حذاء الحيطان تحت سماء مريبة !! غير أليفة بالمرة لا زالت تنشر نورها الهاطل كثيفا غامرا .. اقتعدنا ظلالا رطيبة تحت شجرة شاخصة في العراء على مقربة من كتف النهر ...ازاحت الريح اغصان جافة فتناثر رذاذ الاغصان اليابسة ثم تلاشى في الريح ..ولكن ماء النهر ظل يتموج كأنه يتنفس رائحتنا ..او يطلق زفيرا كأنه يفتّت آثار نعاس ما زال عالقا في رموشه المائيه الراعشة في تموجات تمرّ عليها الشمس متباطئة ..القى برأسه على كتفي كما لو يستكين إلى وسادة ..شممت رائحته تختلط في زفير النهر .. وحالما مس رأسه ثدييّ شعرت بالرغبة تنشر اختلاجاتها في بدني ..قبل ان امشّط شعره باصابعي تنهد واطال النظر الى النهر وسمعته يقول بنبرة حزينة : إنّهم يمهدّون للحرب ..ينشرون عنها الاخبار في كلّ مكان ........ حتّى هذا النهار _ نهارنا نحن الاثنين _ يبدو كأنه نهار متناغم.. من نهارات الحرب القادمة بقوّة في الطريق الوعر ..كم هي مخيفة حياتنا ..يقولون ستتحول العاصمة إلى برميل من بارود ..وسنتحول نحن إلى ذرات سخام في الريح .وسنتحوّل نحن إلى ذرات سخام في الهواء وفي اغصان الاشجار وربّما سنغذّي جذورها بفتاتّنا المتفحم الذي كنّاه ذات وقت ما ..و سنغدو جزءا حميما من اغصان مورقة !! ستحيلنا الحرب القادمة إلى هشيم او رماد ، لا فرق كلاهما قابل للنسيان .. كانت السماء تشّع بغيوم ! بيض تحوم تحتها في المدى القريب من النهر طيور تحلّق على ارتفاعات خفيضة مبتهجة! وهي تخفق باجنحتها مخترقة الفضاء ..كاننت على مقربة من المسطّحات المائية المتموجة كما لو تروم الغوص في المياه..كأنها لم تطير منذ وقت ما ..او كأنها تحلّق للمرة الأولى ..وفجأة رفع رأسه من على كتفي ووقف مشدودا يرى إلى النهر والى الطيور التي غابت وراء غيمة خضراء من اشجار واقفة هناك في الضفة البعيده القائمة خلف النهر ... ولمع شعره في الشمس الشحيحة ..وبدا وجهه وهو يستدير كأنه يتلاشى في ظلام .. شعرت بحنين طاغ لمعانقته ..لتلمس الحزن المتموج في عينيه .. سمعته يردّد بنبرة حالمة كأنه يخاطب النهر والطيور التي تصدح في البعيد.._ : أيّ حياة سنعيش في الحرب ... أظّن سنسي اشياء حميمة ألفناها ...سنتفتّت ..ونغدو خرابا .. وسوف تتبلد إحاسيسنا في الحرب ...بدا لي مخلوقا آخر وهو يخاطبني بتلك النبرة المفعمة بالشجن ...بدا كما لو لم يكن هو ..شعرت كما لو ان الحرب ستقع الآن والآن تماما ، ستحدث على مقربة من النهر والأشجار والطيور ... وإنّ الحياة ..حياتنا ستكون في مكان آخر ! ..في أمكنة متشابهة يوحدّها الخراب والحطام ...واضاف : سينتشر الموتى ..سترينهم ينتشرون في كلّ مكان ... مطمورين تحت الحطام ..تحت الجدران المهدّمة ... تحت اشلاء الجسور ... في مياه الأنهار ..وعلى مقربة من مبان الحكومة ..وتحت الأنقاض . كنت انصت اليه بعينين دامعتين .كنت أنصت اليه بعينين دامعتين ..وبيديَّ الراعشتين .. وباحلامي التي ستهشّمها الحرب انصت اليه بكامل طفولتي .. وبكامل سخام الحاضر وكأنني اتشمّم حرائق الحرب تلفحني وهي تتصاعد من سطوح المنازل باعمدتها المتأججة كان الهدوء يسود النهر وهو يجري لا يعكّر انسيابه شيء ! يجري مطمأنا إلى الحياة التي تغوص في اعماقه السفلى المظلمة إلى الادغال والاعشاب النامية عند ضفافه ..كان حفيف الريح يأتي هامسا ! ناعما باردا عبر النهر يتغلغل في اسماعي فيفاقم شعوري بالخوف ويضاعف من مشاعر الوحدة والعزلة ..التي اشاعها حبيبي في كلامه عن الحرب فأنطبعت في ذاكرتي صوّرا موحشة تطوف راعشة كأن ذاكرتي باتت ملاذا للجثث والخراب ..او كأنها مقبرة تتسع لأحتواء قارة من الجثث !! .. يخيّل ليّ كأنها تحدث الآن __ الحرب __ فأخالني ضائعة ،اتفتّت في مهب التيه والنزوح والدخان ..وكأن زوجي يقف وسط عراء قاتم مثل شبح ماثل في متاهة ..ينتظر اللا احد .. قلت بنبرة محشوة بنكهة الدموع كما لو اجهش في بكاء عال _: كم انا خائفة من تلك الحرب التي ستقع ... كيف سأشهد وقائعها ..قال _: سمعت في نشرات الاخبار ان قرابة ثلاثين دولة سوف يحاربوننا... ياللعدد المخيف...أنّه يكفي لأبتلاع قارة من الوحوش والحجر والبشر ..ولكن الجنرال الطاغية لم يبدي أدنى اكتراث بتلك الاعداد المخيف ...كما لو يسترد احلامه المشّوهة في حربنا الاولى ..تلك الحرب التي انهكتنا والتي افرغت حمولتها المرعبة في كلّ بيوتات المدن ...قلت _ : هل ستأتي الحرب قبل حلول موعد مسرّاتنا __ مسرّاتنا التي ستتلاشى في مهب الخراب والفقدان والغياب والعطب ..كم انا بحاجة للنسيان ... نسيان ما سيحدث ..نسيان اهوال قادمة في الطريق ...دعني اتزوّد من رائحتك ...رؤيتك ..زفيرك ..من يدري ربّما نموت الآن ..قبل ان تحدث الحرب ..ربما نموت قبل الجميع ... يقولون سيمهدون لها بقصف طائرات كثيف على المدن والجسور والمباني الحكومية .كنت أنصت اليه بعينين دامعتين ..وبيديَّ الراعشتين .. وباحلامي التي ستهشّمها الحرب انصت اليه بكامل طفولتي .. وبكامل سخام الحاضر وكأنني اتشمّم حرائق الحرب تلفحني وهي تتصاعد من سطوح المنازل باعمدتها المتأججة كان الهدوء يسود النهر وهو يجري لا يعكّر انسيابه شيء ! يجري مطمأنا إلى الحياة التي تغوص في اعماقه السفلى المظلمة إلى الادغال والاعشاب النامية عند ضفافه ..كان حفيف الريح يأتي هامسا ! ناعما باردا عبر النهر يتغلغل في اسماعي فيفاقم شعوري بالخوف ويضاعف من مشاعر الوحدة والعزلة ..التي اشاعها حبيبي في كلامه عن الحرب فأنطبعت في ذاكرتي صوّرا موحشة تطوف راعشة كأن ذاكرتي باتت ملاذا للجثث والخراب ..او كأنها مقبرة تتسع لأحتواء قارة من الجثث !! .. يخيّل ليّ كأنها تحدث الآن __ الحرب __ فأخالني ضائعة ،اتفتّت في مهب التيه والنزوح والدخان ..وكأن زوجي يقف وسط عراء قاتم مثل شبح ماثل في متاهة ..ينتظر اللا احد .. قلت بنبرة محشوة بنكهة الدموكنت أنصت اليه بعينين دامعتين ..وبيديَّ الراعشتين .. وباحلامي التي ستهشّمها الحرب انصت اليه بكامل طفولتي .. وبكامل سخام الحاضر وكأنني اتشمّم حرائق الحرب تلفحني وهي تتصاعد من سطوح المنازل باعمدتها المتأججة كان الهدوء يسود النهر وهو يجري لا يعكّر انسيابه شيء ! يجري مطمأنا إلى الحياة التي تغوص في اعماقه السفلى المظلمة إلى الادغال والاعشاب النامية عند ضفافه ..كان حفيف الريح يأتي هامسا ! ناعما باردا عبر النهر يتغلغل في اسماعي فيفاقم شعوري بالخوف ويضاعف من مشاعر الوحدة والعزلة ..التي اشاعها حبيبي في كلامه عن الحرب فأنطبعت في ذاكرتي صوّرا موحشة تطوف راعشة كأن ذاكرتي باتت ملاذا للجثث والخراب ..او كأنها مقبرة تتسع لأحتواء قارة من الجثث !! .. يخيّل ليّ كأنها تحدث الآن __ الحرب __ فأخالني ضائعة ،اتفتّت في مهب التيه والنزوح والدخان ..وكأن زوجي يقف وسط عراء قاتم مثل شبح ماثل في متاهة ..ينتظر اللا احد .. قلت بنبرة محشوة بنكهة الدموع كما لو اجهش في بكاء عال _: كم انا خائفة من تلك الحرب التي ستقع ... كيف سأشهد وقائعها ..قال _: سمعت في نشرات الاخبار ان قرابة ثلاثين دولة سوف يحاربوننا... ياللعدد المخيف...أنّه يكفي لأبتلاع قارة من الوحوش والحجر والبشر ..ولكن الجنرال الطاغية لم يبدي أدنى اكتراث بتلك الاعداد المخيف ...كما لو يسترد احلامه المشّوهة في حربنا الاولى ..تلك الحرب التي انهكتنا والتي افرغت حمولتها المرعبة في كلّ بيوتات المدن ...قلت _ : هل ستأتي الحرب قبل حلول موعد مسرّاتنا __ مسرّاتنا التي ستتلاشى في مهب الخراب والفقدان والغياب والعطب ..كم انا بحاجة للنسيان ... نسيان ما سيحدث ..نسيان اهوال قادمة في الطريق ...دعني اتزوّد من رائحتك ...رؤيتك ..زفيرك ..من يدري ربّما نموت الآن ..قبل ان تحدث الحرب ..ربما نموت قبل الجميع ... يقولون سيمهدون لها بقصف طائرات كثيف على المدن والجسور والمباني الحكوميةع كما لو اجهش في بكاء عال _: كم انا خائفة من تلك الحرب التي ستقع ... كيف سأشهد وقائعها ..قال _: سمعت في نشرات الاخبار ان قرابة ثلاثين دولة سوف يحاربوننا... ياللعدد المخيف...أنّه يكفي لأبتلاع قارة من الوحوش والحجر والبشر ..ولكن الجنرال الطاغية لم يبدي أدنى اكتراث بتلك الاعداد المخيف ...كما لو يسترد احلامه المشّوهة في حربنا الاولى ..تلك الحرب التي انهكتنا والتي افرغت حمولتها المرعبة في كلّ بيوتات المدن ...قلت _ : هل ستأتي الحرب قبل حلول موعد مسرّاتنا __ مسرّاتنا التي ستتلاشى في مهب الخراب والفقدان والغياب والعطب ..كم انا بحاجة للنسيان ... نسيان ما سيحدث ..نسيان اهوال قادمة في الطريق ...دعني اتزوّد من رائحتك ...رؤيتك ..زفيرك ..من يدري ربّما نموت الآن ..قبل ان تحدث الحرب ..ربما نموت قبل الجميع ... يقولون سيمهدون لها بقصف طائرات كثيف على المدن والجسور والمباني الحكومية بقصف طائرات كثيف على المدن والجسور ..دعني اضمّك وسط ظلوعي قبل ان تنقرض ...اشمّم رائحتك قبل انّ تتلاشى في الحرب القادمة .. في البيت وعند حلول أوّل الليل نمّنا مبكّرا ..دس بدنّه تحت الغطاء على السرير وجرنّي برفق من ذراعي العاري وضمنّي إلى صدره وطوقنّي عبر ذراعيه ..كانت رائحة ذكورية تضوع نفاذّة من بدنّه تحسس وجهي برّقة عبر اصابعه الطويلة في الظلام المخّيم على السرير ..كان يتلمس جادته المحفوفه بالرغبة والخوف ..يتحسس المسالك المفضية إلى ينابيع واحتي في أوّل الظلام ..الظلام الذي سيغمر النساء في الضاحية .... مسح على وجهي براحته ثم طبع قبّلة ..اطبق فمه على شفتيّ كانت رائحته نفاذّ قوّية تنفذ إلى بدني تترك اثرا قويا في ذاكرتي وانفاسي تتناغم مع رائحة بدني .. ترك شفتيّ منفرجتين بعد ان نزع فمه عنهما ..فك الاشتباك الحميم ثم رفع الغطاء وقال في الظلام _ : شيء ما يدوي في رأسي ..يذكّرني بذلك الدوي في حربنا الأوّلى والذي كان يحاصرني في عبادان وديزفول وسوسنكرد ...... كأنني لا زلت هناك رغم مرور كل ذلك الوقت العصيب ..كأني لا زلت اتشمم رائحة الغبار والسخام ..كأن تلك الرائحة تنفذ الى خياشيمي الآن في الظلام على السرير ...قلت _ : صوتك منطفأ كأنه يأتي من بعيد ..او كأنه يأتي من عبادان .. او كأنك تتحدث من تحت دثارات ثقيلة او كأنك غاطس في حوض عميق ... قال _ : ولكنّي كنت اتحدث كما لو اني اصرخ ... اصرخ في بريّة ..واضاف : ما زال الطنين او الدوي يضّج او يدور في ذاكرتي ... يدور بي ..وبكِ وبالغرفة والظلام والسرير .. كأن تلك الحرب الاولى لم تنتهِ بعد ..كأنها ما زالت تنشر اشرعتها في مرافىء روحي وبدني ...ياللهول ..أيّ ذكريات مريعة تقتفي أثري .._ كيف انزعها عن رأسي _ اي ذكريات تلك التي لا فكاك من اسرها من حصارها ..حتى لم تعد في ذاكرتي مساحة لم تشغلها تلك الاطياف التالفة .يا للهول أي ذكريات تلك التي تقتفي أثري .. تلك التي لا فكاك من أسرها ....حتّى لم تعد في الذاكرة مساحة لم تشغلها تلك الاطياف التالفة .......
*** *** ***
لم تمرّ سوى ايام متباطئة ثقيلة حتى فوجئنا بالحرب ..... ولكن لا أتذكّر متى رأيت الناس يفروّن ..؟ ومتى شرعت الطائرات بالقصف ..ومتى بدأت بضرب الجسور بالقذائف ؟ لكني رأيت الناس يغادرون منازلهم ..يجرون مرعوبين ارهاط متوالية في مواكب حاشده ، حافلة باليأس والنكد واللاجدوى صوب البراري والقرى النائية والضواحي المجاورة والبعيدة تاركين كل شيء في الغرف الموصده ، لقصف الطائرات ولهبوب الغبار والرياح والكلاب والقطط المذعورة الجائعة ..القطط الباحثة في ظل مجاعة مدوية عن طعام ومأوى تسوده الطمأنينة ... والجراء الهاربة من تصاعد لغط غامض يسود الضاحية ومن نهار مخيف يهطل نوره كثيفا وسط المداخل وبطون الساحات والذي شرع معه فضاء الضاحية النابض بالخوف يرشح تموجات سرابية داخنة ينغرس لمعانها في العيون والزجاج والصفائح التي تسيّج اغلب الحدائق ... يجرون مرتبكين ينشدون الخلاص ..تلاحقهم آفات الحزن والضّياع والجُوع ..يتسلقون ويرتمون ويتشبثون بالسيارات الصاعدة والجاثمة والعاطلة والمنتظرة تضطرم بنفوسهم جذوة قلق ما ينفك اوارها يتصاعد .. فيطلقون صراخا طويلا ممدودا يشي بالرعب والقهر والكفر !...يركضون ويبكون ويعوّون ويستغيثون ويشتّمون ويتأففون ويلهثون ويزفرون .. يركضون تحت سماء محايدة متماسكة تحجبها غيوم من غبار ..يسف رذاذه لاذعا في فتائل متصلة تدفعها الريح ... ترشق الوجوه بسياط من غبار واخز ، فضلا عن رشقات القلق والجوع والقهر .......كهول وشيوخ طاعنين بالامراض والياس والمكابدات لايقون على الجري جوار نساء طاعنات بالسنين والهذيان والخوف ..عجائز خاويات خائرات ..تهدلت فوطهنَّ السود فبان شعر رؤوسهن نافرا في الهواء ..وتفصد العرق سائلا بين الاثداء والرقاب وطيات الجلد ومنحنياته الدبقة ... وتصاعدت انفاس الاطفال اللاهثين المكدورين .. وتصاعدت أنفاس الأطفال اللاهثين المكدورين ، تغور في الغبار........ وتسلّق القلوب المهدودة كدر مخيف راح يدب في الأوصال ..كدر ثقيل اشاع في الوجوه شحوبا .. فيما كان مروق الطائرات يحدث دويا مرعبا في فضاء الضاحية .. وتُسمع من بعيد اصوات انفلاقات ترج مفاصل الضاحية رجّا وتكاد تطحن عظامها طحنا .. بينما الشيوخ الخاوون يرفعون ابصارهم للسماء ويجهشون وهمّ يسحلون احفادهم في الوحول يحثونهم على مواصلت الركض ... ولكن إلى أين ؟ فكلّ المنافذ تفضي إلى الخراب فقد تواترت انّباء غامضة عن ضرب سائر جسور العاصمة وان الطائرات مرابطة في الفضاء عند حدود العاصمة وستقصفها بقذائف تسسم الهواء ،وسيطالنا ويحيل حياتنا إلى مسيرة مديدة من الرعب نقطعها بقلوب متوجسة .. تنبض باللامعنى والريبة المداومة على تصديع رؤوسنا بعدم جدوى طي المسافات المترعة بالظلام والقصف الذي شرع يفتّت اوصال الضاحية ويفتح في مفاصلها جراحا لن تندمل ابدا ! ..وسوف ينشأ جسورا من مكابدات واحزان وسوف نمشي على منحنياتها بلا خطوات ..سوف نطوي مدّيات مهولة من الكرب ونلعق دمائنا المسفوحة في الوحل و هواء البيوت الراكد المشّرب برائحة العوز والفاقه ............. اغلب الناس نزحوا موجات متعاقبة ، في تشكيلات مذعورة سالكين الممرات الوعره والشعاب المريبة ..توغلوا في مسارب الخلوات المكتظ بالصمت والقرى المتباعده ... شرعوا بنصب خيام مرتّقة __ كما علمت لاحقا __ تتأرجح في الريح لا تقيهم وخز البرد العاصف بهم ..خيام مشرعة اغلبها على موجات من البرد والظلام .. مفتوحة على سماء من القهر والشحوب والانيميا ... كانت مواكب النساء كسبايا مستلبات يطلقن العويل في الريح والب كانت مواكب النساء كسبايا مستلبات يطلقن العويل في الريح ..عويل مشرّب باللاجدوى والجدب والذكريات ..مشبّع باليبوسة التي جففّت ابدانهنّ او لحومهن ..اليبوسة التي تركت آثار بصمات تشي بالحرمان والحنين والتوق لملامسة اصابع مفعمة بالدفء والحنو والعذوبة تمسح برفق آثار الجفاف المعرّش المعرش مبكرا في انوثتهنّ..الجفاف الذي تنامى وسط احشائهن عقب غياب ابعالهنّ مترسبين في الأعماق السفلى الرمادية ..اعماق مستنقعات الحرب ...مستنقعات عبادان ونهر جاسم والكرخة والكارون وبنجوين ............................ في حين كان الأطفال مستغرقين في مناحه متصلة من البكاء والصراخ والجوع والوجع يستغيثون ويستنجدون بكلّ شيء حتّى الحجر فيما كان الكهول يجهدون في إشاعة طمأنينة عابره تبدّد من هول الرعب المتنامي باطراد في النفوس والحجر والشجر ...تبدّدالخوف من القذائف التي سترضعهم حليب الموت القادم في الطريق ......... حتى العصافير فرت مذعورة ركضت باجنحتها صوب البراري البعيده ...كنت المح السماء ملبّده بالخوف والدوي والترقب والسخام وتلك الذيول الراعشة الداخنة الموغلة في الآفاق التي تقتفي أثر الطائرات .... طائرات تحلّق على ارتفاعات شاهقة تشي بالقلق والرعب ... باتت الضاحية على وشك ان تفرغ حمولتها البشرية هناك عند البراري والقرى البعيده .. لم يبق غير انفار آثروا البقاء لحراسة بيوتهم من السلب والنهب .... نحن كنا في عداد الذين لم يغادروا انا وزوجي ..لم نعد نسمع وقع اقدام او لغط لم نسمع سوى حفيف الأشجار والريح ومواء القطط ونباح الكلاب ودوي الأرتجاجات كنت مع زوجي نفترش الأرض
#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفصل الثامن من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل السابع من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل السادس من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الخامس من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الرابع من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الثالث من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الثاني من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الاوّل من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
محض رأي عابر
-
منظر من زاوية حادة
-
مراثي الامهات
-
في تلك الايام .. / مقطع
-
معا .. ومعا تماما في المعبد الحرام
-
إنهم يقتلون كلّ شيئ
-
الله كما رأيته راكبا حمارا ابيض / طفل في ريعان الاوهام
-
ما زلنا نتلاشى
-
مرثية / ا / 2...
-
حدث ذلك بعد الموت بسنوات
-
قصة قصيرة : الشبح
-
ذلك العواء البعيد
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|