احمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4394 - 2014 / 3 / 15 - 11:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:............
قال السيد المسيح: احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا رديئة.(متى 14)
اقول: هذا الكلام للسيد المسيح هو اساس الفلسفة البراجماتية التي نشأت في امريكا على يد بيرس وطورها ورسم معالمها العارف والفيلسوف الامريكي وليم جيمس, والبراجماتية تؤكد ان معرفة الحقيقة لاي نظرية علمية او دينية يتم من خلال اثارها العملية وليس من خلال الادلة النظرية, ولسنا بصدد استعراض الفلسفة البراجماتية بل نشير الى ان الكلام المذكور للسيد المسيح ناظر الى الدين والحقائق الدينية فقط ويقرر ان معيار صحة دعوى النبوة لا يكون من خلال النظر في الادلة النظرية كالمعجزات بل من خلال النظر الى الثمار والنتائج,لانه يقول في كلام اخر له:فلا تصدقوهم حتى لو اتوا بالمعجزات. وهذا يؤيد ماتوصل اليه فلاسفة الحداثة وعلماء اللاهوت منذ عهد كانت فلاحقا من ان القضايا الدينية لا يمكن البرهنة عليها بالعقل النظري,أي ان العقل عاجز عن اثباتها او دحضها,ولابد من الانتقال الى العقل العملي ومعرفة النتائج والثمرات العملية لقضايا الدين لمعرفة صدقها ام كذبها.
لحد الان لا توجد مشكلة في هذه الرؤية وهذا المعيار لمعرفة الحقيقة الدينية ومعرفة النبي الصادق من الكاذب,فكل من يدعي النبوة اذا اردنا معرفة صدقه او كذبه يجب علينا النظر في نتائج كلامه وتعاليمه,فاذا كانت مفيدة للناس فهو صادق والا فلا.. لكن المشكلة في تشخيص الفائدة والثمرة وما هو المقصود منها؟ وهنا عدة احتمالات:
1-ان يكون المقصود منها ماينفع الناس في حياتهم الدنيوية,كالعلوم والاكتشافات الحديثة التي نفعت البشر في مختلف مجالات الحياة, ويمكن رد هذا الكلام بأن الانسان بحسب طبيعته وعقله يستطيع تحقيق ذلك ولا حاجة لنبي مرسل من الله يدعوه لهذا الامر, مضافا الى ان العلوم الحديثة قد تستخدم في الشر والدمار كما رأينا في الحرب العالمية الاولى والثانية وتلويث البيئة وماالى ذلك.
2-ان يكون المقصود الدعوة الى الاخلاق الحميدة والمثل الانسانية,, وهذه ايضا لا يحتاج فيها البشر الى نبي,لانها مركوزة في ذواتهم وعقولهم,فكل انسان عاقل يعرف حسن العدل والاحسان والصدق والامانة وقبح الظلم والغش والسرقة وامثال ذلك, مضافا الى جميع المذاهب الفلسفية والتيارات والاحزاب السياسية تدعو الى ذلك كالماركسية والاسلام والهندوسية والحضارة الغربية فلا يعلم من هو الحق في ادعائه ,ولو انتظرنا الثمرة فقد يفوت الاوان,مثلا حزب البعث نادى بالوحدة والحرية والاشتراكية,فاذا انتظرنا سنوات لنعرف صدق هذه الدعوى من خلال ظهور ثمارها وتحققها على ارض الواقع فقد يفوت الاوان لاصلاح الخلل بعد ان يتبين كذبها وبعد سيطرة المدعون على المجتمع ومقاليد الامور.وهكذا الحال في الدعوة الماركسية او الليبرالية الغربية وغيرها فيما لو طبقت في مجتمعاتنا.
3-ان يكون المقصود من الثمرة ان يقوم النبي بتشريع قوانين واحكام لتنظيم امور المجتمع كما هو الحال مع نبي الاسلام, ولكن هذا المعنى ايضا غير مقصود من كلام المسيح بدليل ان المسيح نفسه لم بأت بمثل هذه القوانين والاحكام وترك الامر للحاكم ولقيصر,مضافا الى ان العقل البشري اثبت انه قادر على سن قوانين ومقررات لادارة شؤون المجتمع افضل مما جاء به الانبياء.
4-ان يكون المقصود الدعوة للسلام والمحبة كما هو الحال في المسيحية والبوذية, ولكن السلام والمحبة قد لا تثمران الخير للبشرية لوجود اعداء البشرية الذين لا ينفع معهم سوى القتال,أي تكون الحرب احيانا افضل من السلام,والعداوة افضل من المحبة, فهل يعقل ان يترك الاوربيون هتلر يحتل ارضهم وبلادهم ويهلك الحرث والنسل دون ان يقوموا بردعه وقتاله؟ وهكذا الحال مع سائر المجرمين والمستبدين والاشرار, ولا اظن ان السيد المسيح يرضى بذلك,فمثل هذه الدعوة تكون ثمرتها شوكا لا عنبا للناس..صحيح ان المسيح قال: احبوا اعداءكم, ولكنه يقصد قطعا اعداءكم الشخصيين لا اعداء الانسانية,أي اذا كانت لديك عداوة شخصية مع شخص اخر فينبغي ان تخالف هواك وتسعى للصلح معه ومحبته لا كما يدعي ارباب الكنيسة من السلام والمحبة بشكل مطلق,لانه لا معنى بأن تحب ولدك وفي ذات الوقت تحب العقرب الذي يريد لدغه,لان ذلك يعني انك لا تحبه ,ولا معنى لان تحب البشرية وفي ذات الوقت تحب هتلر وستالين وصدام وامثالهم من اعداء البشرية.وبهذا المعنى تفهم مقولة المسيح الاخرى:من ضربك على خدك الايمن فادر له الايسر,لانه اذا اخذناه بشكل مطلق فهذا يعني انه لو جاء شرير واراد اغتصاب زوجتك فاعطه ابنتك ايضا!! اذآ لابد من تقييد هذه المقولات بالضرر الشخصي لا ما يمس حقوق الناس وكرامتهم.
5-ان تكون علامة النفع وصدق الدعوة ,استمرارها وبقاؤها بين البشر, وعلامة الدعوى الباطلة زوالها بسرعة كما يقول القران(اما الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض),ولذا نسمع من البعض ان الدليل على حقانية الاسلام وصدق النبي محمد هو بقاء الاسلام منذ 1500 عام ولحد الان, ولكن الواقع يفند هذا الكلام,فهناك الكثير من العقائد الباطلة بقيت منذ الاف السنين ولحد الان مثل عقيدة اليهود بانهم شعب الله المختار او عقيدة الشرك والوثينية التي سبقت جميع الاديان ولا زالت موجودة.او بقاء الاسلام نفسه الذي يعتقد غالبية البشر انه دين باطل.
6-بقيت ثمرة اخيرة ومهمة جدا ولا يستطيع الانسان لوحده الحصول عليها الا بتدخل الاهي وغيبي,وهي انقاذ الانسان من سجن الانا وكسر قيود الانانية وحب الذات فيما يمثل مرحلة هامة جدا في سلم التكامل المعنوي,وهدف الانبياء الصادقين هو مساعدة الانسان في تحقيق هذه الولادة الثانية,لان حب الذات والانا مترسخ في الانسان الى درجة عجيبة وهو الاصل في جميع الشرور والمصائب التي يواجهها الانسان في حياته سواء منه او من الاخرين, ولذلك علامتان:1) ان يكون هذا النبي هو اول من يطبق على نفسه مايدعو اليه من قيم انسانية وتجرد من حب الذات الى حد انه مستعد للتضحية بنفسه من اجل الناس,2)ان لا يكتفي بتوجيه النصح الى الناس وارشادهم الى طريق السلامة كشرطي المرور,بل يدخل الى حياتهم ويأخذ بأيديهم كمنقذ الغريق ليوصلهم الى ساحل السلامة ويتحمل في ذلك الشدائد والمصاعب دون أي توقع من الناس.. اذا كان كذلك فهو نبي صادق ومرسل من الله للناس والا فلا .. .............وشكرا لكم.
#احمد_القبانجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟