|
الفصل الخامس من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
سعدي عباس العبد
الحوار المتمدن-العدد: 4393 - 2014 / 3 / 14 - 07:54
المحور:
الادب والفن
عينا الأمّ فقد كانتا تلاحقانه وتزجرانه من طرف خفي __ فالبنت لا زالت على ذمة الجندي المعاق __ فشعر بعينيها ترسلان إشارات مضيئة تشي بالتأنيب ، كأنها تنبجس من فمها وخدودها المتغّضنة المضّرجة بمسحة من احمرار خفيف يشير الى جمال غارب موغل في طيات التجاعيد ... فشعر بالمسافة تتمدد حالما احس بيد البنت تفلت من ضغط اصابعه وهي تحدّق بسحنته التي كساها شحوب مباغت واطفأ ذلك البريق المشّع من الثقبين القاتمين ..فعلت شفتيها ابتسامة فاترة رسمتها بمهارة على كامل وجهها .. لم تمرّ سوى جمعة ثقيلة على ذلك النهار العاصف برياح الاغواء والشبق والعابق برائحة التوق العاري .. لما اكتشفت البنت _ زوجتي _ وهي بكامل زينتها ولمعانها تطبق بشفتيها الريانتين الطريتين على شفتيّ _ م _ او بن خالتها والذي سوف اطلق من الآن عليه حرف _ م _ ...لمحتها تحت الشجرة غائبة في التحام حميم في قبّلة متأجج ، في اطباقة محمومة .. كما لو انها كانت ترتشف او تمص رحيق الشبق من شفتيه ... كنت اسمع لهاثها وزفيرها يأتي من وراء الشجرة مشوبا بضحك مغناج يتصاعد وسط شقشقة العصافير المقيمة باستمرار فوق الاشجار ..كما لو انها تقطن فندقا او تنزل غرفا من اغصان مؤثثة بالخضرة الدائمة ..تلوح لعينيّ وهي تقوده من يده في الممشى المعشوشب المفضي الى تلك الشجرة المعمّرة الوارفة الظلال ... فبدت ليّ في تلك اللحظة وهي تضغط على صدره بثدييها النافرين وتلف رأسه بذراعيها . بشعة الى اقصى مدى ..فأشيح برأسي وانا اشعر بكراهية مواّرة لكل شيء ..كراهية مخيفة ! تنمو مروعة في اعماقي .. كما لو ان لها جذور قديمة ضاربة في ارض خصبة من الفقر والمهانة والعوز والحروب ....... فتطوف في ذاكرتي ملامح تلك الأيام ... فيلوح أبي الذي قذفني من ظهره مباشرة الى رحى الفقر تطحنني طحنا بحجرها المطبق على ظلوعي الضامرة ... قذفني تحت عجلات العوز التي هرستني هرسا .. مرتّ سنوات مديدة على ذلك الطحن .. قبل ان تتلقفني رحى الحرب . قبل ان اتلظى في اتونها واخرج من معطفها الرمادي معاقا..وأخرج من معطفها معاقا ..لم يمسك عن التدفق نزيف الفقر للآن ..فما زال يشتد.. بل جعل يتصاعد قوّيا صادما ،عقب اصابتي بالعوّق..كان فقرا مجنونا باطشا مرعبا ..تفشى في اغلب الضواحي ..كان ينشر اجنحته الرمادية داخل بيت الطفولة يخفق دون هوادة يحلّق مرعبا في سماء ارواحنا الملّبّدة بالبكاء ... كانت الحرب اشد هولا من الفقر ... لا ادري كيف وجدتني اطير وسط غيومها الرمادية الداخنة اخفق وسط رياحها في تلك الايام ..ايام الحرب ، كان العذاب قد بلغ بي اشده .. ولكن بالرغم من تلك الحروب . حروب الفقر الأولى . ثم حروب الموت العاصفة بكل شيء ..لم اجدني معذّبا كما اجدني الآن .. في حربي القاسية مع العزلة والكراهية ..نزاعي المرير مع الخوف النامي على الدوام .. حربي مع الايماءات الداعرة الموغلة في الشبق والوقاحة والمشدودة الى الغواية .. لم اصدّق عينيّ في بادىء الأمر وانا المح اللمعان المنبجس من عينيّ البنت ، _ زوجتي __ وصدرها العاري وصوتها الممدود المتأجج بلهب الرغبة ... كانت تحت الشجرة تتقي بيدها شعاع الشمس المنسفح عبر فجوات الأغصان والمفروش على فخذها العاري فيضاء بياضه ويزداد توهجا ... كان ..م.. واقفا فوق رأسها يسيل الشبق من عينيه المفتوحتين على اخرهما ..وهو يرى الى اللحم اللامع ..او فضاء من الُعري ، او شلال عارم من الأغواء .. فالمحه يمدّ يده في النهار عبر الأغصان يتحسس ملمس الفخذ المفروش تحت عينيه .. وانا انظر ..متربعا فوق عرش العّوق ..فوق عرش الضّياع ..متوّجا باكليل من الرعب ..تحف بي حاشية مهولة من اليأس والكدر أرى الى كل تلك المصائب تحدث ..كلّ تلك الفضائح دون ان افعل شيئا ..لم استطع كأني مشدود الى خوف قديم ! غامض لا فكاك منه . خوف يحفر عميقا في ظلوعي ينكىء جراح طفولة قديمة تطفو على بحر من العوز والأنيميا .. طفولة غارقة في مستنقعات من اليأس والأصفرار العلامة الفارقة التي لما تزل تطبع سحنتي التي لوحتها الشموس ويباس السنين ونثار النهارات المستكينة لدورة الفقر المجفّف في علب احلامنا الشحيحة التي اربكتها الأخطاء المعّلقة على حبل الرغبات المحرّمة .. وعلى كف من الأنتظار المسفوح على ذاكرة من اليأس ............. ماذا انتظر ؟ أ أنتظر نهارات اخرى حافلة بالشبق والتهتك وحصارات يلهث فيها الوقت الناضح بالقسوة والعُري ..تتحلب فيها زفرات الرغبة والشهيق المتسرب من شفاه مزدحمة برطوبة النشوة وشلالات من التأوهات والفضائح التي صارت خطوات ثقيلة تدوس على ذاكرتي فتمحو آخر ذيول الحياء المحومة في فضاء الماضي .. كم بت محاصرا بالعطب واللاجدوى .* كم بت محاصرا بالعطب واللاجدوى .... قبل اسبوع ..كلا ,,قبل يومين ..كلا أمس .. ولكن أي أمس !! ياإلهي ... لا ادري متى افلت من مطحنة الوقت... فقد راحت الأيام تتبدّد في ذاكرتي ..او تتحوّل الى غشاوة كثيفة من ضباب .. او الى يوم طويل ..أيام في يوم واحد طويل !..حين اجهد أنّ اتذكّر مشهدا ما متى رأيته ... اكتشف كأني رأيته الآن ! او قبل برهة ..او قبل عام فتبقى ذاكرتي معلّقة في فراغ ..مستكينة لدقائق يوم طويل . مشوّش غائم ..مكرر ..متشابه..تفاصيله تتشابه حد التطابق ..قبل يومين او نهار البارحه .. لا ادري !! رأيتها عبر الباب المفتوح ... هي تحت الشجرة سانده ظهرها الى جذع الشجرة وطست الغسيل مركون في المساحة المنحسرة التي اتاحها انفراج الساقين المتباعدين ...نضت ذراعيها فتطاير رغو الغسيل وانحسر طرف ثوبها عن فخذها اليمين الذي لمع في نور الشمس .. كانت رائحة الغسيل تنتشر وتتصاعد في الهواء حين لمحتها ترفع رأسها ..فينبجس من عينيها نور يشّع بذلك البريق الذي يحدث رعشة في البدن ... لا ادري متى حدث ان لمحت ذلك النور ..؟كان _ م _ واقفا على مقربة من الحمّام في نهار مكرر من نهارات الشبق والتهتك ، عندما لمحتها تدنو من الحمّام في خطوات متباطئة تقبض بيديها على كومة الثياب ...كان _ م_ ما يزال شاخصا ولما احس بخطواتها تقترب تراجع للوراء ..فأقتفت أثره ..فبدا كأنه يغرق او يتلاشى في مجرى من الشبق ..فعلقّت عيناه في الباب الخشبي المشرع الذي امتدت اليه يدها فهويت كومة الثياب جوار العتبة فأشاحت عنها بعينيها اللتين كانتا تشّعان بريقا مفعما برغبة تتنامى على * برغبة تتنامى على مهل ..جعلت تتطلع إلى _ م _ الذي وجد نفسه محاصرا بسور من الرغبات الضاغطة .. كانت الشمس تدلق نورها فيغمر وجهها بشعاع جعل يتألق في شفتيها الريانتين اللدنتين الملمومتين على ابتسامة مضيئة ..وفي عينيها الموقدتين بجذوة الرغبة والمحدّقتان الى ما بين فخذيّ _ م _ الذي احس بنظراتها الشبقة . فأرخى ذراعه اسفل بطنه ..وقبل ان تدفعه بيديها داخل الحمّام امتدت يدها تلتف حول كتفه وهي تفرج شفتيها في نداء حار ..... كنت أرى إلى ذلك فيتضاعف ارتباكي ..فأترك ذراعيَِّ تنسابان على عجلات الكرسي المتحرك او في الفراغ ..كما لو إني غائب في متاهة من الغيبوبة ..ارى الى ثدييها النافرين اللذين يكادان يندلقان الى الخارج عبر زيق ثوبها المفتوح عن آخره ..سمعتها تطلق صراخا خافتا متأوها يشبه مواء القطط __ او هكذا خيّل ليّ __ .... ... شعرت بذلك الصراخ كأنه يتدفق من وسط رماد الحروب او كأنه يخرج من افواه في نزعها الأخير ....كانت الرغبة تتصاعد هائجة من بدنها تخفق بجناحين من النشوة المحظورة ! المفعمة برائحة التهتك التي تضوع من كامل بدنها ..كانت تمسح بيديها الراعشتين على كتفه ..فيعتريني الألم ...فاسمع صوتا يأتي من بعيد ... من اعماقي المهشّمة .. صوت حزين مترع باليأس يتماهى مع صوتها الذي يخرج فاترا أوّل الأمر متأوها ممطوطا يتمدد في الهواء في التؤات تذوب في مسامات الفضاء ... ينبجس من اعماقها المجفّفة المترعة باليبوسة ..ثم ما يلبث ان يتصاعد ينضح رائحة آثمة ..فيخيّل ليّ كأني اسمعه يأتي عبر مدّيات غامضة ...يتدفق من اغوار ذلك الليل القديم الذي كان يغمرنا بظلامه في ايامنا الأولى في ساعات نشوتنا ملتحمين في مجرى حار من الصهيل فوق السرير .. الذي كان يصدر صريرا متصلا اقرب الى أنين آدمي ! ينؤ تحت عناقنا المحموم تحت احمالنا المثقلة بالنشوة ............. اشعر بصوتها الناعم الراشح بنبراته الحارة الذائبة في الهواء تدعوه لملامسة ثدّييها .. * برغبة تتنامى على مهل ..جعلت تتطلع إلى _ م _ الذي وجد نفسه محاصرا بسور من الرغبات الضاغطة .. كانت الشمس تدلق نورها فيغمر وجهها بشعاع جعل يتألق في شفتيها الريانتين اللدنتين الملمومتين على ابتسامة مضيئة ..وفي عينيها الموقدتين بجذوة الرغبة والمحدّقتان الى ما بين فخذيّ _ م _ الذي احس بنظراتها الشبقة . فأرخى ذراعه اسفل بطنه ..وقبل ان تدفعه بيديها داخل الحمّام امتدت يدها تلتف حول كتفه وهي تفرج شفتيها في نداء حار ..... كنت أرى إلى ذلك فيتضاعف ارتباكي ..فأترك ذراعيَِّ تنسابان على عجلات الكرسي المتحرك او في الفراغ ..كما لو إني غائب في متاهة من الغيبوبة ..ارى الى ثدييها النافرين اللذين يكادان يندلقان الى الخارج عبر زيق ثوبها المفتوح عن آخره ..سمعتها تطلق صراخا خافتا متأوها يشبه مواء القطط __ او هكذا خيّل ليّ __ .... ... شعرت بذلك الصراخ كأنه يتدفق من وسط رماد الحروب او كأنه يخرج من افواه في نزعها الأخير ....كانت الرغبة تتصاعد هائجة من بدنها تخفق بجناحين من النشوة المحظورة ! المفعمة برائحة التهتك التي تضوع من كامل بدنها ..كانت تمسح بيديها الراعشتين على كتفه ..فيعتريني الألم ...فاسمع صوتا يأتي من بعيد ... من اعماقي المهشّمة .. صوت حزين مترع باليأس يتماهى مع صوتها الذي يخرج فاترا أوّل الأمر متأوها ممطوطا يتمدد في الهواء في التؤات تذوب في مسامات الفضاء ... ينبجس من اعماقها المجفّفة المترعة باليبوسة ..ثم ما يلبث ان يتصاعد ينضح رائحة آثمة ..فيخيّل ليّ كأني اسمعه يأتي عبر مدّيات غامضة ...يتدفق من اغوار ذلك الليل القديم الذي كان يغمرنا بظلامه في ايامنا الأولى في ساعات نشوتنا ملتحمين في مجرى حار من الصهيل فوق السرير .. الذي كان يصدر صريرا متصلا اقرب الى أنين آدمي ! ينؤ تحت عناقنا المحموم تحت احمالنا المثقلة بالنشوة ............. اشعر بصوتها الناعم الراشح بنبراته الحارة الذائبة في الهواء تدعوه لملامسة ثدّييها .تدعوه لملامسة ثدييها ... لتحسس تلك الرغبة التي جففّها العّوق..عوقّي..فأهجس بذلك الخوف الذي ما يزال يلازمني ..الخوف الذي تفجر فجأة من آتون الحرب ..الخوف القديم العابق برائحة جندي قديم ، خوف ما زال يلوح في ذاكرتي المحمولة على اكتاف من رماد.. فأجدني كأنني لم اعد اقوى على النظر اليهما ..وكأني لم اعد اراهما ..او كأن ثمة حلما يمرّ سريعا في ذاكرتي يحجب عني رؤية الاشياء فلم استطع الامساك بها ..فأظل مشدوها مأخوذا .. فيترأى ليّ طيفها القديم فاحس برائحتها القديمة تنتشر .. تأتي عبر ذلك الوقت الغارب نفاذّة ..فيصيبني الفزع . فيرتد بي الكرسي للوراء وانا انصت لصوتها المنبثق من البعيد ينضح عذوبة ينؤ باحمال الذكريات ..فتلوح ليّ آفاق خضر ..كأنها ما زالت ترفل بذاك الثوب المطرز بالورود الملفوف على كامل قامتها الرشيقة وذراعيها المشرعتين في الريح صوب السماء.. كأن نداءاتها القديمة الهابّة عبر امتدادات موغلة في البعد تأتي الآن ... كان _ م _ يتلوى على مقربة من باب الحمّام ..فيما كانت البنت او زوجتي لا فرق تلف ذراعيها العاريتين حول خاصرته . فيخرج من فمه صوت مشروخ خافت فيخالجني الخوف ذاته يأتي هذه المرة جامحا فأهجس ببدني يرتعش في رجاّت متوالية فتفوح منه رائحتها القديمة فتعقد الدهشة لساني ، فأنذهل . فيثب طيفها في ذاكرتي وهي تطوقني عبر ذراعيها..في وقت ما شديد البهجة والمسّرات ..فأشعر بحبال من اليأس تكبّلني . تلتف على خاصرة ايامي ... ولما دفعت الكرسي محاذاة النافذة رأيتها تشد _ م _ بقوّة الى وسطها وهي تصهل مثل فرس جامحة ..كأنها تشق طريقا وعرا محفوفا بالغموض ... قبل ان يتدفق صوت أمّها من وراء الباب الموصد . لمحتها تجري كما لو ان شيئا لم يحدث .. ولما عادت حشرت طست الغسيل بين فخذيها ... بانت الأمّ عبر فراغ النافذة بدت مشدودة القامة تنظر الى الأرجاء نظرة مقطّبة تشي بالنفور وهي تلم عباءتها الفضفاضة السوداء حول خاصرتها متفادية بذلك عبث الهواء باطرافها ..الهواء الذي كان يتسرب باردا ,_ ** الهواء الذي كان يتسرب باردا عبر النافذة فيلامس وجهي بصمت كأن يدا خفيفة بارده تتحسس شفتيّ الباردتين وأنفي الراشح .. كان الهواء مشبّعا برائحة الأمّ وبرائحة التهتك ..فأشعر برائحة العُري تكتسحني ..فأجدني كأني استنشق رائحة زفير المداعبات التي كانت تغمر فضاء الحمّام قبل لحظة ..استدارت الأمّ ناحية ابنتها ..فيما كان _ م _ ما زال واقفا جوار باب الحمّام ..وكأن الأمّ نسيت وجوده ..فلوّح بايماءة حارة وهو يفرش على شفتيه المتلمضتين ابتسامة عريضة ودنا من الأمّ وجعل يتطلع الى وجهها كأنه يريد ان يتأكد ان خالته لم تبّدل وجهها ... قالت الأمّ __ : أ تعلمان أين كنت ضحى البارحة ..كنت عند الضريح ... أ تعرفان لماذا ؟ .. من اجلكما انتما الأثنين الحبيبين ... دعوت لكما هناك من اعماق روحي المعذّبة ..دعوت لكما بكامل جوارحي وقلبي السمح وظلوعي واحلامي ... وطلبت اليه ان يحفضكما ..ويحرسكما من الخوف والفقر والحسد ...الحسد الذي يلوح في عينيّ الجندي المعاق ..الجندي السابق الرث ..زوج ابنتي العاق ..الذي نسيّ ذكورته هناك في الحرب ..تركها لقصف الطائرات والقذائف ..نسيها في اكوام الرماد والسخام ..وفي خلوات الشظايا ..نسي رغبته تتفحم في بريق الرصاص ..هناك ..حيث لا احد يشفع لاحد...دعوت لكما عنده ...ان تتزوجا ...وتعيشا معا..وتنعما بالمسّرات ... هناك عنده رفعت يديّ الى السماء.. اليه ..الى كل الأضرحة في جهات الارض والتي لم ارها .. رفعت عينيّ بكامل دموعهما .. ودعوت : ان تتلاشى روح الجندي المعاق زوج ابنتي العاق .ان تغيب في افاق الظلام والعدم ..قلت : يا إلهي خذ روحه كما أخذت ارواح الذين كانوا معه في الحرب ..يا إلهي انه لم يعد يصلح لشيء ..انه حطام معطوب ..تذكّره ياعزرائيل ارجوك ..تذكّره في خلوتك ..جربت كل الأدعية هناك ..كان مقامه مهيبا لا يخيب ... كنت طوال طريق العوده من هناك اواضب على الدعاء ..في سري .وفي خلوتي ..حتى خلتني اذا ما دخلت البيت ..بيت الجندي المعاق .__ ** اذا ما دخلت البيت ..بيت الجندي المعاق ..سوف لن اجده ..او اجده ميتا ... متى يأتي ذلك اليوم يا إلهي ..اليوم الذي أرى فيه ماء الحياة قد جف تماما في بدن الجندي وتطلق سراح البنت من اسوار قلعته العقيمة قبل ان تذوي وتجف ينابيع الأمومة في ثدييها ..قبل ان تتلاشى وتتيبس انوثتها في رياح الجفاف ... قبل ان يجف عودها الريان ..قبل ان تتيبس رطوبة قلبها .. قالب البنت _ : كم انهككِ ذلك يا أمّي ..استريحي...قالت الأّم _ : اين هو ..؟ قالت البنت __ : واين يكون ... في الغرفة طبعا ..غاطس في الكرسي ..كأنه غاطس في قمامة .. يتطلع على الدوام للفراغات ..لا يتحدث ..وإذا فعل ذلك ..يخرج الكلام شاحبا كأنه جزء حميم من عزلته ..من وجهه ..الذي بات كوجه متشرد ضال..محت ذكريات الحرب ملامحه وجه بات بلا علامة فارقة ...وجه انهكته الحرب والذكريات والعزلة ....... لا ادري متى يغادر طلبت منه ذلك مئات المرات دون جدوى ..لا اعرف بماذا يفكّر ... وكيف يرى الاشياء ..وكيف يراني ...بات كأنه جزء من الجدران ..جزء حميم من الحجرة ..من النافذة والباب .. صار كأحد علامات الغرفة ..يتجول على الكرسي في الغرفة كما لو انه يجوب العالم..... او يجري دون ساقين ..يتحرك على الكرسي بين النافذة والباب وكأنه يتنقل بين مدن العالم..كنت اراه يتطلع عبر النافذة باستمرار .كنت أراه يتطلع عبر النافذة باستمرار كما لو انه ما زال جنديا يترصد عدوا في الجوار قال _ م _ : كأنه مستغرق في حلم طويل . حلم يقوده في دوران مغلق صوب آفاق مغلقة هي الأخرى ..حلم ينأى به بعيدا فلا يشعر بما يجري حوله ...قالت الزوجة _: لا ادري إلى متى سابقى معه ..انه انهك ذاكرتي وبدّد طمأنينتي . كنت احسب انه سيسرحني لما اكتشف البوار ينخر في ذكورته ..كم كنت بلهاء وحالمة .. كنت اظن سيطلّقني في الحال لما ابديت له رغبتي بذلك ... قالت الأمّ _ : إني ادعوكِ ان تلحِ في طلبك هذا ..قال _ م _ : انا سأجعله يستجيب لطلبكِ ..فقط لا تكترثي بمتطلباته وسوف ترين ...سيظل يدور على الكرسي ويدور ويدور ...ولما لا يرى يرى احدا يلتفت اليه عندها سينال منه اليأس ..سترين كيف ستنخره سوسة اللاجدوى ..فقط نفذي ما اطلبه اليكِ . قالت الأمّ _ : بامكاني ان اطرده ولكن تحول دون ذلك بعض الأجراءات القانونية فيما يتعلق بالطلاق .. كانت تلك الرسائل او الحوارات بين الثلاثة الشؤم..تأتيني مثل فيضان عارم ..استلمها عبر النافذة في بريد الريح محمولة على جناح الهواء المشّبع برائحة الصهيل والدنس تأتي جارفة في نور النهار الهاطل على النافذة فأدسها في ذاكرتي ، في تراكم الأوجاع . في ارتعاشات القلب المرتاب ... كنت ارتعد فوق الكرسي وانا انصت ،كما لو اخطو فوق بقع ملغومة بعاصفة من الأنفجارات ... كأني اتشمّم رائحة دمي وهو مسفوح يتخثر عند النافذة كنت ارتعش كما كنت ارتعش وانا انظر عبر النافذة قبل ان تجيء الأمّ ,
#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفصل الرابع من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الثالث من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الثاني من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
الفصل الاوّل من رواية مخطوطة : بقايا الجندي الطائر
-
محض رأي عابر
-
منظر من زاوية حادة
-
مراثي الامهات
-
في تلك الايام .. / مقطع
-
معا .. ومعا تماما في المعبد الحرام
-
إنهم يقتلون كلّ شيئ
-
الله كما رأيته راكبا حمارا ابيض / طفل في ريعان الاوهام
-
ما زلنا نتلاشى
-
مرثية / ا / 2...
-
حدث ذلك بعد الموت بسنوات
-
قصة قصيرة : الشبح
-
ذلك العواء البعيد
-
هناك .. حيث لا احد سوى القبور
-
مقطع / بلاد من دخان
-
ابي في مواسم الجوع والخمر
-
قوّة الألم او / السيطرات
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|