رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 00:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد ثلاث قرون من الإحتلال الأسبانى لفنزويلا ونهب ثرواتها المعدنية من الذهب،قاد "سيمون بوليفار" حرب تحرير شعبية حتى إنتزع إستقلال وطنه وتم تسميتها باسم "جمهورية فنزويلا البوليفارية"، وصكت العملات بإسمه وتم إقامة تماثيل له فى مختلف الميادين وإطلاق إسمه على المدارس والشوارع والجامعات ومختلف الصروح العلمية والثقافية، غير أن الأهم هو أن مبادئ بوليفار لم تطبق على أرض الواقع وتوالت على الحكم أنظمة عسكرية إستبدادية، وصارت الإنقلابات العسكرية هى الشكل الشائع لتداول السلطة مع إستمرار الإرتباط السياسى والإقتصادى والثقافى بالمستعمر السابق "أسبانيا" ومع الإمبريالية الأمريكية، ولعب إكتشاف البترول دوره فى الإستقرار الإقتصادى للبلاد وبدأ نوع من الديموقراطية على النمط الغربى ولكن إستمر تداول السلطة بين حزبين كبيرين يمثلان الرأسماليين وحلفائهم منذ عام 1952 لأكثر من 40 عاما.
بالرغم من أن بوليفيا تعد ثالث دولة منتجة للنفط فى العالم فقد إستمر إفتقادها للخدمات الأساسية من صحة وتعليم وطرق وكهرباء وغيرها وزاد التفاوت الطبقى بمعدلات رهيبة وتمتعت حفنة من الأغنياء بمعظم ثروات البلد بينما يعيش أغلبية المواطنين فى حالة من الفقر المدقع، وقد إستمر هذا الوضع الغير مستقر حتى عام 1998 حيث أتت الإنتخابات ب"هوجو شافيز" ذى التوجه الإشتراكى رئيسا وتم تشكيل لجنة لوضع دستور جديد عام 1999، وبدأت فى تاريخ بوليفيا ما يعرف بالثورة البوليفارية، وقد تم إنتخاب شافيز على أرضية رفض ممارسات الأحزاب الرأسمالية والفساد والتفاوتات الإجتماعية، وليس على أرضية مشروع سياسى يسارى متماسك مدعوم بقوى منظمة واسعة، وبدأ الرجل عملية التغيير بشكل إرتجالى مستجيبا لتطلعات الطبقات الشعبية والأكثر عوزا بما يشبه تجربة عبد الناصر وثورة يوليو.
جاء فوز "هوجو شافيز" فى إنتخابات 1998 بنسبة 55% من الأصوات مؤيدا من "حزب العمال" و"الحركة نحو الإشتراكية" فى مواجهة جميع الأحزاب اليمينية، وتحت شعار "كل السلطة للشعب" تم إنتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد فاز فيها أنصار شافيز بنسبة 90%، وتضمن الدستور مبدأ الديموقراطية التشاركية ومفهوم النشاط التعاونى والتسيير الذاتى، ونص على منع الخصخصة فى قطاع البترول وعدم السماح بوجود قوات أجنبية على التراب الوطنى، وبعد فوز شافيز تكونت آلاف الحلقات الشبابية والنقابات المستقلة المناضلة واللجان الطلابية والحضرية والزراعية وذلك مع بداية الألفية الثالثة فى إطار نهوض جماهيرى عام فى فنزويلا بنصيحة صريحة من الرئيس شافيز " تنظموا نقدم لكم الدعم السياسى والاقتصادى"، وفى مواجهة البقرطة بدأت دعوته للجماهير للتسير الذاتى للمحليات، ولم ينعكس هذا الفوران السياسى عن نتائج إجتماعية حقيقية، ولم تحدث تغيرات هيكلية كبرى كما صنع كاسترو فى كوبا من القضاء على الامية والاصلاح الزراعى والتطوير الجذرى للصحة والتعليم.
ساهمت لعنة النفط على ثورية الجماهير التى إستكانت "الى حد كبير" على ما تقدمه الدولة من خدمات ودعم مباشر لمواطنيها، وتعتمد فنزويلا على إقتصاد ريعى البترول يشكل80% من الصادرات وتستورد أكثر من 70% من الإحتياجات الغذائية، يتوازى مع هذا الوضع ويتلاءم معه تضخم الجهاز الإدارى للدولة بأكداس الموظفين الذين يتقاضون أجورا بلا عمل حقيقى مع وجود فساد واسع النطاق، مع عدم تحصيل ضرائب تقريبا على الرأسماليين، يتماهى ذلك مع ضعف الأحزاب السياسية إجمالا فى ظل رأس للدولة متحمس عاطفيا بدون رؤية سياسية واضحة.
تاريخيا لعب الحزب الشيوعى الفنزويلى دورا رائدا فى إنتفاضة 1958 ضد ديكتاتورية "ماركوس بيريز خمينيز" وإسقاطه من خلال تشكيله وقيادته لجبهة شعبية واسعة، تلك الإنتفاضة التى شاركت فيها الرأسمالية المتحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية "التى تسيطر على إنتاج وتسويق النفط الفنزويلى"، وأعلن فوز اليسارى السابق "بوتانكور" بالرئاسة ولكنه طبق سياسات يمينية أدت للإطاحة بأهداف الإنتفاضة، وأدى التنكيل باليساريين الى إعلان الحزب للكفاح المسلح وتبعته فى ذلك "حركة اليسار الثورى ..مير.."، وبعد فشل محاولة الإنقلاب اليسارى فى 1962 قرر الحزب الشيوعى ايقاف العمل المسلح فى 1965 ونتج عن ذلك إنشقاق الجناح اليسارى للحزب الذى قرر مواصلة العمل المسلح.
بعد فشل تجارب حروب التحرير المسلحة فى أمريكا اللاتينية على الغرار الكوبى وذلك بتشكيل مجموعة مدينية متمردة تنطلق من الريف والجبال والغابات إعتمادا على فلسفة ماركسية طليعية، ومع تغّير الواقع الفلاحى فى القارة وتمكن كبار الملاك من التحول الى شكل من أشكال الرأسمالية الزراعية وتحرر كثير من أقنان الأرض وهجرتهم الى هوامش المدن الكبيرة "الباريوز" مشكلين أحد أنماط "البروليتاريا الرثة" التى حذر منها كارل ماركس بالقول ( إنهم لا يؤتمنون وعادة ما يستخدمهم الرجعيون لضرب البروليتاريا الثورية)، وانتشار أشكال الإقتصاد غير الرسمى ومصانع بير السلم محققة أقصى أنواع الإستغلال والتلوث والغش، كذلك فإن الطبقة العاملة فى تلك البلدان فقدت ثوريتها وسيطر على قيادتها مجموعة من النقابيين الانتهازين الموالين للسلطة والغرب، وحتى الطلاب الذين إعتبروا لمدة طويلة رصيدا للثورة فقد تم تدجينهم أيضا بعد سياسة الخصخصة الواسعة للتعليم والجامعات وسيادة الثقافة الأمريكية ونمط الحياة الأمريكى، لذلك لم يحقق اليسار نجاحات واسعة فى قيادة تلك الطبقات والشرائح، ومع تحول البرجوازية الى شكل مبتذل من الرأسمالية الطفيلية والمالية واستخدامها لقوى الأمن والبلطجية فى قمع وحشى للطبقات الدنيا تحولت العشوائيات والمهمشين الى خط الدفاع الأول مسلحين هم أيضا بالبلطجة والإجرام وتحولوا الى أبطال شعبيين فى تصديهم ومقاومتهم لقوات القمع الطبقى، وبعد فشل محاولة شافيزالإنقلابية عام 1992 وسجنه لمدة عامين، وبعد خروجه من السجن كون حزب " حركة الجمهورية الخامسة" إستطاع الفوز فى انتخابات 1998 ببرنامج يركز على الحرب ضد الفقر والرشوة وبتحالف واسع مع قوى اليسار والطبقات الشعبية، وفى ابريل 2002 تمكنت البرجوازية فى فنزويلا بدعم من المخابرات المركزية الامريكية من تنفيذ انقلاب عسكرى على هوجو شافيز وبعد يومين فقط تمكن الشعب من الوقوف فى وجه الإنقلاب وإسقاطه بدعم من معظم دول أمركا الجنوبية وإعادة شافيز للسلطة ليصبح أكثر قوة وينفذ برنامج راديكالى ينحو الى السيطرة على أسعار النفط بعد تأميمه ومناهضة العولمة الإمبريالية وتقديم دعم لا محدود لدول الجوار الأكثر فقرا بالاضافة لاعادة توزيع الأراضى على فقراء الفلاحين مع برامج شعبية واسعة لتطوير القطاعين الصحى والتعليمى لصالح الفقراء وبرنامج للحد من البطالة.
بعد صراع طويل مع مرض السرطان رحل شافيز فى مارس 2013 ليخلفه " نيكولاس مادورو" فى قيادة الحزب والسلطة فى ظل اضطرابات واسعة من قوى اليمين المدعومة من الإمبريالية مستغلة انتشار الجريمة والفساد الإقتصادى وارتفاع الأسعار وغياب الحريات العامة مما أدى الى مصادمات دامية فى الشوارع، وساهم فى تصاعد الأحداث دخول الطلاب الى الحلبة بعد مصرع طالبة جامعية على أيدى قوات الأمن ووفاة 3 أساتذة جامعيين فى ظروف غامضة، وبالرغم من الإفراج عن جميع الطلاب المعتقلين لم يفلح النظام فى تهدئة الطلاب المحتجين على سياسات الحكومة، ومع استمرار تلك الإحتجاجات تزداد عمليات العنف والانفلات الامنى وتفاقم الأزمة الإقتصادية فى البلاد، وجاء حادث قتل ملكة جمال فنزويلا وزوجها بواسطة خارجين على القانون لتصب الزيت على نيران العنف المتصاعد، كل ذلك يتم فى ظل تدخل مخابراتى غربى واسع النطاق وتدفق للأموال من قبل رأسماليين محليين لمزيد من إشعال الموقف ورفض المعارضة لأى شكل من أشكال الحوار الذى أطلقته السلطة.
بالرغم من محاولات حكومة مادورو الحد من أعمال العنف بقطع خدمات الإنترنت ووقف قناة cnn وقنوات محلية أخرى الاّ أن الإحتجاجات لم تتوقف والأزمة مستمرة فى التصعيد وليس معلوما بعد الى أى مدى يمكن أن تصل الأمور، هل تستطيع قوى الثورة التى ساندت شافيز أن تنتصر على تيار اليمين بما يملكه من دعم امبريالى وأموال ودعاية أم تكون نهاية التجربة الشافيزية لتعود فنزويلا الى نقطة الصفر من جديد، سؤال ما زال معلقا.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟