|
نساء عاريات أمام اللوفر
طوني سماحة
الحوار المتمدن-العدد: 4390 - 2014 / 3 / 11 - 19:01
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
من منا لم يشاهد أو يسمع عن النساء الخمس العربيات و الايرانيات اللواتي تظاهرن عاريات امام متحف اللوفر في يوم المرأة العالمي في فرنسا لكي يوصلن صوتهن الى العالم للاعتراض على حالات التعنيف و الاعتداء التي تتعرض لها المرأة في البلدان العربية و إيران؟ الخبر كان بالنسبة لي حدثا، لكن و للأسف حدثا سيئا و مبتذلا.
أرجو ألا يفهمني القارئ خطأ. فأنا رجل متعاطف مع المرأة و أؤمن بحقها في في المساواة مع الرجل الى أقصى الحدود. فالمرأة بالنسبة لي هي الام و الاخت و الزوجة و الابنة و الحبيبة و الصديقة. و أقول أيضا أن المرأة هي زينة الحياة بأنوثتها و حبها وعطائها و تضحياتها التي تفوق أحيانا كثيرة تضحيات الرجل. و في رأيي، أنه لولا المرأة لكان عالم الرجل قاسيا، قاحلا، و همجيا. لكن، ما لا أفهمه، هو أن تسيء المرأة لقضيتها بنفسها و أن تنحدر بقضيتها المقدسة الى حضيض الابتذال. ترى، هل سُدّت كل أبواب النضال أمام هؤلاء السيدات حتى يلجأن للتعري؟ و هل خدم العري قضيتهن أكثر من أي نضال آخر؟ و هل كان عريهن قناعا لدوافع أخرى دفينة في أنفسهن؟ لست أدري، لكنني أعرف أن قنوات الإعلام و التواصل الاجتماعي خدمت عريهن أكثر مما خدمت قضيتهن، هذا إن كان لديهن أصلا قضية.
لقد خطى العالم خطى حثيثة في المائة عاما الماضية ليرفع من شأن الإنسان عامة و المرأة خاصة. فنحن و منذ زمن ليس ببعيد، لم نكن نسمع أو نعرف شيئا عن حقوق الطفل. و ها هو الطفل اليوم، في البلاد المتطورة، محاط بالقوانين الكثيرة التي تحمي طفولته في عالم وحوشه تزيد كثيرا عن ناسه. و ها هو العامل حطم قيود الرق التي كان يفرضها عليه رب العمل و صار له قوانين تحدد له ساعات العمل و ظروفه و راتبه، كما صار لديه نقاباته التي تدافع عنه في وجه الظلم. و يكثر الحديث عن التطور الحاصل في تحسين ظروف الانسان، أكان سجينا، أم عاطلا عن العمل أم مريضا أم... لكن القفزة الكبرى كانت من نصيب المرأة التي ارتقت في البلدان المتطورة من مواطن الدرجة الثانية لكي تكون شريكا في بناء المجتمع بمختلف أطيافه. و أقف هنا لأتساءل: " هل حقق العامل و الطفل و السجين و العاطل عن العمل و... و ... و المرأة كل ما حققوه من خلال التعري، أم أنهم حملوا قضيتهم في المحافل و الدولية و الاجتماعية و الدينية لكي يوصلوا رأيهم و نضالهم الى صانعي القرار؟ هل نزلوا الى الشوارع عراة أم أنهم ناقشوا و درسوا و كتبوا و قارنوا؟ هل حصلوا على حقوقهم من خلال أثدائهم و مؤخراتهم العارية أم من خلال أقلامهم و ندواتهم و شجاعتهم و عدم استسلامهم؟ و الحق يقال، لو كانت الصدور و المؤخرات العارية توصل الصوت عاليا و تمنح المظلوم حقوقه، لحلت النوادي الليلية مكان المدارس و الجامعات، و لامتلأت أروقة الامم المتحدة بهذه النوادي.
و أنتقل هنا لأسأل نفسي: " هل خدم العري قضية هؤلاء النسوة؟" تتبعتُ ردود أفعال بعض القراء على موقع مجلة فرنسية، فوجدت الآراء مختلفة و متضاربة. لكن اللافت للنظر أن المعلقين انشغلوابتأييد أو رفض حق المرأة في التعري و غاب عنهم المطالبة في حقها في رفع الظلم المزمن عنها. و يتضح للقارئ المتمعن، أن النقاش ابتعد عن مسار حقوق المرأة عامة في المساواة مع الرجل لينصب على عريها. إذا، لقد وصل صوت تلك النسوة الى العالم كله، لكنه وصل مشوّها، منحرف المسار مبتذلا و أدّى الى قسم الرأي العام المتعاطف مع المرأة بين مؤيد و معارض.
يبقى السؤال الاهم " و هل كان قرار تلك النسوة بالتعري قناعا لدوافع أخرى دفينة في أنفسهن أم أنه نابع عن قناعة و إيمان راسخين بقضيتهن؟" لا أستطيع الحكم عليهن، إذ أن الدوافع الدفينة أسيرة القلوب. لكن، لا يخفى على أحد أن حب الشهرة، و جذب الانتباه، و الثورة على القيم الاجتماعية السائدة، بالأضافة للشهوة الجنسية و مشاكل نفسية، و الإحساس بصغر النفس، و تجارب حياتية سابقة و حاضرة (ترتبط أحيانا بالطفولة) قد يؤسس لتلك الممارسات و يدفع بالانسان الى تصرفات خارجة عن المألوف.
نعم، أنا مع حقوق المرأة الى آخر الحدود و حتى نهاية الطريق. لكنني لست مع المرأة التي تطالب بحقوقها عارية. ففي رأيي المتواضع، أن ثمة أمكنة أخرى تكون أكثر صلاحية للتعري و تعطي نتائج أفضل.
نعم سيدتي، كوني جميلة. فأنا أريدك أجمل النساء. و رجولتي لن تكتمل دون أنوثتك. لكن جمالك الحقيقي في رأيي كرجل، ينبع من أنوثتك و لطفك، و أخلاقك و تصميمك على متابعة النضال للحصول على حقل المقدس في المساواة. كوني جميلة، فجمال الخلق يطغى على جمال الوجه و تدوير النهد و نحافة الخصر.
#طوني_سماحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة الى تكفيري
-
السيدة و الخادمة
-
عذرا سيّدتي
المزيد.....
-
وصول امرأة لمشفى العودة اصيبت بنيران آليات الاحتلال قرب مدخل
...
-
وكالة التشغيل تحسم الجدل وتوضح الحقيقة: زيادة منحة المرأة ال
...
-
هيئة تحرير الشام.. قوة أمر واقع تهدد مكتسبات النساء السياسية
...
-
بيدرسون: يجب ان تكون المرأة السورية جزءا من العملية الانتقال
...
-
حـدث تردد قنوات الاطفال 2025 واستقـبل أحلى الأغاني والأفلام
...
-
معاناة النساء في السجون.. وزير العدل يوجّه بتخفيف الاكتظاظ و
...
-
قائد الثورة الاسلامية:على الجميع وخاصة النساء الحذر من اسالي
...
-
قائد الثورة: الزهراء (س) هي النموذج الخالد للمرأة المسلمة في
...
-
الحقيقة وراء تأثير وسائل منع الحمل على وزن النساء
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل الآلاف من النساء والفتيات بمناس
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|