|
المناضلة علياء المهدي
حافظ ألمان
الحوار المتمدن-العدد: 4390 - 2014 / 3 / 11 - 13:41
المحور:
الادب والفن
عندما يعجز الإنسان عن التواصل مع الآخرين، ممن لا يفهمون لغته، يستخدم جسده للتعبير عمّا يريده، فلغة الجسد يفهمها جميع البشر، وهي بالأساس كانت لغتنا الوحيدة قبل اختراع الأبجدية. العالم يتغير بسرعة مذهلة، وتتغير عاداته وتقاليده وقوانينه، وما كان بالأمس مرفوضا، بات اليوم أمرا طبيعيّا، والعالم العربي مازال يعيش على أقوال السلف وعلى سيرهم ونوادرهم وكأنها الحقيقة المطلقة، فالأرض مازالت بالنسبة للعرب مركز الكون ومازالت الشمس تدورحولها، وبالتأكيد مازال العضو الجنسي للمرأة مركز الشرف والكرامة، بعد كل هذا الجهل المفرط واللامبالاة تجاه الإنسان العربي وخصوصا تجاه المرأة. أدركت تلك الشابة علياء المهدي"التي عانت الظلم والاضطهاد وحرمانها من أبسط حقوقها، مثلها كمثل كل النساء العربيات" أنّ العرب يغطون في نوم عميق، وأنّ الكلام لم ولن يجدي نفعا معهم، فواقعهم كل يوم يزداد سوءا وخاصة بعد الثورات المباركة التي قاموا بها كما يتوهمون، والتي حققت كل شيء بحمد الله وعونه، إلا حرية الإنسان وكرامته وسعادته، (وهي بالتأكيد أمور ثانوية لن نقف عندها) ويحق لنا أن نفخر بتلك الثورات ونفرح بالريبع والورود والثمار التي قطفناها. بعد أن يئست علياء من صحوة العرب، لم يكن أمامها سوى العلاج بالصدمة، عسى ولعل قلوبهم تنبض من جديد وتعود الى الحياة التي فارقتها منذ مئات السنين، فابتكرت طريقة خاصة بها، استخدمت من خلالها جسدها كلغة بعد أن رفعت عنه كل القيود المادية والمعنوية، وكم كانت النتائج مبهرة، فالقلوب العربية عادت للحياة مجددا، وهاهم العرب يجتمعون ويعقدون الندوات والمؤتمرات ويشغلون صفحات الفيسبوك والتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، يناقشون قضايا الحرية والديمقراطية والشرف، يبدو أن العرب قرؤوا الرسالة جيدا وفهموها وصدموا بها، وهم الذين لم يعد يصدمهم أي شيء، لا جهلهم ولا عبوديتهم ولا فقرهم ولا أمراضهم ولا أحزانهم، فانطلفت ألسنتهم على غير عادة، وهي التي نسيت الكلام، بعد أن امتهنت الإيماء برأسها تعبيرا عن قبولها وموافقتها على واقعها. الكل يتحدث ويعطي رأيه و خصوصا المرأة، فقد وجدت الفرصة سانحة لها للتكلم وللتعبير عن رأيها، فانتقدت علياء وهجتها وأخرجت كل ما تكبته في داخلها من قهر وحرمان وخوف وقلق وإحباط وعدوان لترميه في وجه علياء، ولتشعر بعدها بالسعادة والنشوة فهناك من هو أكثر ضعفا منها، فتنفست الصعداء وشعرت بقيمتها و مكانتها وعادت من جديد لتغط في نومها العميق. كم أنت مجرمة وآثمه يا علياء، فبفعلتك هذه لوثتي شرف الأمة العربية، التي مازالت، رغم كل النكبات والنكسات والكوارث التي تعرضت لها، تحافظ على شرفها وكرامتها، فماذا سنجني من هذا الفعل سوى غضب الله وسخطه علينا؟ ففي حرب 67 خسرنا المعركة لأن النساء لم يكنّ محجبات، واليوم بعد هذا الفعل الفاضح الذي تهتز له أركان السماء، ماذا سيحل بنا؟ من سيسلط الله علينا ليقتص منّا؟ ماذا سنخسر مجددا؟ وهل بقي شيء حتى نخسره، فاطمئنوا و لا تقلقوا وعودوا لنومكم قريري العين مرتاحي البال. علياء المهدي لم تستخدم جسدها كسلعة رخيصة كما يردد الكثيرون، ولم يكن الهدف من تعريها إظهار مفانتها وإثارة الغرائز، فهي ظهرت بشكل طبيعي جدا، دون تكلف أو إغراءات، فلجسدها العاري في هذه المناسبة هدف أخر، ألا وهو احتجاجه واعتراضه على قهره وإذلاله وهو الذي خُلق حرا بلا قيود. ومن يقول إنّ ما قامت به علياء أمر تافه، وأنها لاتجيد سوى خلع ملابسها، فاقول له: وهل تظن أنّ أي أحد يجرؤ عل القيام بمثل هذا الفعل، فمن يمتلك الجرأة للتفكير بما قامت به علياء فلن يمتلك الجرأة لتحويل فكره إلى واقع، هذا الفعل ليس لحظة عشوائية وأمر آني، وإنّما هو فعل مرتكز عل فكر عميق وثقافة وثقة بالنفس لا حدود لها، ولو امتلك العرب نصف نصفها، لما بقوا تابعين مستكينين يقبلون الذل بكل عزة وكرامة وبثقة لا حدود لها. علياء عبرت عن رأيها بطريقها، ،لم تؤذ أحدا ولم تكفر أحدا ولم تجبر أحدا على قبول أفكارها، استخدمت جسدها ولم تستخدم أجساد الآخرين، وكم هم كثر أولئك الذين يستغلون أجساد غيرهم ويرهقونها ويستعبدونها باسم الشرف والكرامة والحرية . علياء المهدي كانت بجسدها العاري أكثر رجولة من كثير من الرجال وأكثر أنوثة من كثير من النساء في عالمنا العربي وفي العالم كله، فتحية لك أيّتها المناضلة.
#حافظ_ألمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوسف زيدان في حضرة ابن رشد وابن تيميّة
-
يوسف زيدان من عزازيل إلى ابن تيميّة
-
عادل إمام وآثار الحكيم من منهماالمذنب؟
-
توكل كرمان وجائزة نوبل للأزمان
-
فيروز عندما بكت
-
نوال السعداوي غاليليو العرب
المزيد.....
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|