|
لقاء مع الناشط السياسي الأهوازي كاظم مجدم من مؤسسي حزب الوفاق
صالح الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 4387 - 2014 / 3 / 8 - 23:40
المحور:
مقابلات و حوارات
أجرى مركز دراسات الأهواز حوارا مع الناشط السياسي الأهوازي السيد كاظم مجدم وسيتم نشره ضمن حلقات. يركز الحوار حول مشاركة السيد مجدم في العمل السياسي والتنظيمي والمحطات الرئيسية في التجارب التي خاضها، وطبيعة النشاطات التي قام بها. وسألناه عن الأحزاب والتنظيمات السياسية التي إنضم اليها أو كان من ضمن مؤسسيها، كما سيتناول الحوار نظرته التحليلية السياسية للنشاطات التي شارك بها وحول التنظيمات أو المجموعات السياسية أو الثقافية التي كان عضوا فيها أو عاصرها.
ينوه مركز درسات الاهواز بأنه سيجري سلسلة من الحوارات واللقاءات مع عدد من الناشطين السياسيين ونستعرض معهم المحطات المختلفة في حياتهم السياسية، وذلك لالقاء الضوء على مختلف مراحل العمل الحزبي والتنظيمي في القضية العربية الأهوازية وأبعادها على الصعد السياسية و الثقافية و الاجتماعية لتنوير الرأي العام الأهوازي، خاصة فئة الشباب من الناشطين و المتابعين و المهتمين، لكي يستفيدوا من هذه التجارب للتعرف على ماهية العمل الحزبي و التنظيمي ولكي يتجنبوا تكرار الأخطاء من خلال الأخذ بعين الاعتبار تجارب ممن سبقوهم في النشاط و العمل السياسي و الثقافي.
اليكم نص الحوار:
السيد كاظم مجدم في بداية الحوار هل لك أن تعرف نفسك للقراء الكرام ؟
إسمي الكامل " كاظم حاصود مجدم "، ولدتُ عام 1970 م في أحد أحياء العربية الفقيرة لمدينة الأهواز يدعى حي النهضة ( لشكر آباد)، وأكملتُ دراستي الثانوية والجامعية فيها. وتخرجتُ في فرع المحاسبة من كلية الاقتصاد في جامعة الأهواز(تشمران) 1994م ـ1998 م. تربيت في أسرة عربية محافظة تنتمي الى قبيلة مجدم التي تقطن في مدينة الفلاحية و قرى الغيزانية والنزهة من توابع مدينة الأهواز وكانت لنا مزارع نخيل في الفلاحية والمحمرة. والدي من مواليد قرية الشكارة من ضواحي مدينة الأهواز. ووالدتي من أسرة تنتمي الى قبيلة نيس التي تقطن الحويزة. في الواقع إنتماء والدي ووالدتي الى بيئتين مختلفتين جعل من أسرتنا أن تكون ذات ثقافة متنوعة من مختلف المناطق الأهوازية، على سبيل المثال إضافة الى معرفتنا بزراعة النخيل والتمور (الخاص بالفلاحية والمحمرة وعبادان وماحولها) كانت والدتي تخبز "خبز السياح" الذي يصنع من دقيق الرز وهو خاص بمناطق الحويزة وماحولها.
هل ذهبت للخدمة العسكرية ؟
نعم، بعد إكمال دراسة الثانوية وبعد خروجي من اول تجربة سجن لمدة تسعة أشهر التحقت بالخدمة العسكرية الالزامية حيث تم توزيعي على معكسر الحرس الثوري في مدينة المحمرة عام 1990 حيث وقعت أحداث هامة في تلك الفترة أهمها:
ـ حرب الخليج الثانية أو عاصفة الصحراء، دمج ثلاث أجهزة أمنية (اللجان الثورية وقوات الدرك والشرطة) لتشكيل جهاز أمني واحد وما نتج عن ذلك من صراعات داخل مؤسسة الحرس، و ازمة التمويل وشحة الطعام في قاعدة الحرس.
- متى كانت أولى إهتماماتك السياسية؟
يوم عيد فطر سنة 1399هجري (سبتمبر1978م)، شاهدتُ صدفة أول مظاهرة سياسية في حياتي، هذا المشهد كان له كبير الأثر في نفسي، وحفزني على أن أشارك في المظاهرات التي كانت تنطلق بعد ذلك من حيّنا الفقير ضد حكم الشاه والتي استمرت حتى انتصار الثورة في شباط /فبراير 1979م. في ذلك اليوم كان من عادتي أن أذهب مع أصدقائي الى السينما و كان عمري تسع سنوات وكنت تلميذا في الصف الثالث الابتدائي. وكانت المظاهرة قد انطلقت في الشارع الذي يدعى " 30 مترى " ومرت من أمام سينما " اوكسين " باتجاه مركز المدينة، فوقفنا أنا واصدقائي ننظر الى الجماهير وهتافاتهم وهذا كان اول حدثا سياسيا جماهيريا ترك في نفسي انطباعات عميقة. هذا الحدث كان محفزا لي للمشاركة في جميع المظاهرات التي بدأت تنطلق من حينا حي النهضة (لشكر آباد) لاحقا. حتى انتصار الثورة التي أدت الى إسقاط نظام الشاه في فبراير 1979 م وقد كنت شاهدا على الكثير من الأحداث والخطابات والمسيرات ومحاولات قمع الثورة من قبل قوات الجيش الإيراني.
ماذا كان تاثير أحداث الثورة في نفسيتك و إنطباعاتك؟
المشاركة الكبيرة لكافة الشعوب في ايران في الثورة وانفتاح الأجواء السياسية من جانب، ووعود قادة الثورة بإحقاق الحقوق المغصوبة من جانب آخر، شجعت أبناء هذه الشعوب المقهورة على البدء بمطالبة الحكومة الجديدة بحقوقها مباشرة بعد انتصار الثورة، فقامت المظاهرات والاحتجاجات أقاليم كردستان وبلوشستان وآذربايجان وتركمنستان والأهواز. في خضم هذه التطورات أرسل عرب الاهواز وفداً الى مدينتي "قم" و"طهران" للقاء قادة الثورة وابلاغهم مطالب العرب التي نظمت بـ 12 مادة. كما أنطلقت مظاهرات حاشدة وأفتتحت مراكز ثقافية وأقيمت ندوات سياسية في مدن الاقليم. وجدير بالذكر، يرى الكثير من المنظرين والمحللين السياسيين أن انتصار الثورة الايرانية كان مرهوناً بالمشاركة الفعّـالة للشعوب غير الفارسية في ايران فيها ويعزز صحة هذا الرأي عدم توفيق انتفاضة الخضراء (التي انطلقت سنة 2009 أثر تزوير الانتخابات الرئاسية) في غـلب النظام او إجباريه على قبول بعض الاصلاحات وذلك بسبب امتناع ابناء هذه الشعوب من المشاركة في المظاهرات المؤيدة لميرحسين موسوي ومهدي كروبي على رغم النداءات المتكررة من قادة المعارضة في الداخل والخارج.
كان لهذه الأجواء والاحداث الساخنة الأثر الكبير في نفسيتي، وتكوين عقليتي، وتوجهاتي السياسية فيما بعد. وبما أني كنتُ أقطن في أكثر أحياء مدينة الأهواز حراكاً. حضرتُ معظم التجمعات والمظاهرات العربية رغم صغر سني، وكان دوري وقتئذ رفع صور بعض الشخصيات العربية والإيرانية، وتوزيع منشورات بعض التنظيمات الاهوازية على المارة. صحيح أن حضوري في كل تلك الفعاليات كان من باب اللعب وحب التطلع والفرجة ولكن من خلال المشاركة تعلمت الكثير مما يطرحه الناشطون العرب. وتفتحت عيوني على الحرمان والظلم الذي كنا نعيشه.
- ماهي أهم الأحداث بعد انتصار الثورة في مدينة الأهواز حسب مشاهداتك؟
أهم حدث شاهدته هو اولا افتتاح المركز الثقافي العربي في مدينة الأهواز سنة 1979 م. حيث احتلت مجموعة من الشباب العرب بعد انتصار الثورة مبنى تابع لدائرة الطلائع (سازمان پيشاهنگي) فاستقرت به لفترة قصيرة وأسمته " المركز الثقافي العربي". وقبل أن يتم اقتحام المبنى ـ من قبل المجاميع الغاضبة من العجم وبعض العرب من أنصار الفوضوي المعروف "هادي الكرمي" شقيق المرجع الشيعي " محمد الكرمي " وتقوم بطرد الشباب منه بحجة ان هذا المركز محل تجمع الشيوعيين و القوميين العرب ـ كانت المظاهرات اليومية التي تنطلق من حيّ النهضة تسير باتجاه هذا المركز وتتم قراءة البيانيات الختتامية للمظاهرات العربية عند مدخل هذا المبنى. الحدث الثاني هو مشاهدتي للمظاهرة الحاشدة (ربيع عام سنة 1979م) التي تمت بناء على دعوة الشيخ محمد الكرمي لمقلديه للتظاهر لدعم محافظ الاقليم الأدميرال أحمد مدني ضد الشيخ الخاقاني والحراك السياسي العربي في المحمرة. كما خرجت دبابات كثيرة من معسكر الفرقة 92 المدرعة والتحقت بالحشود التي كانت تطلق النار عشوائيا. كانت المظاهرة عبارة عن استعراض للقوة من قبل انصار الشيخ الكرمي وحليفه الادميرال مدني. الحدث الثالث هو اندلاع مظاهرة كبيرة قبيل أحداث المحمرة(9ـ3ـ1358)، انطلقت من حيّ النهضة (لشكرآباد) كالعادة، فطافت بعض شوارع مركز المدينة ومن ثم توجهت نحو مقر محافظة الاهواز وحاصرت مبنى المحافظة لساعات وردد المتظاهرون هتافات مسيئة لـلجنرال أحمد مدني. كما أطلق بعض المتظاهرين النار بكثافة عشوائياً نحو السماء. وتزامن ذلك بعد عودة الوفد العربي من طهران و عدم تلبية مطالبه.
كيف تنظر الآن الى هذا الحدث و ماهي الأسباب التي أدت الى القضاء على الحركة العربية المطالبة في تلك الفترة؟
حسب متابعاتي لهذا الموضوع أبتكر أحمد مدني اساليب مختلفة لعزل قادة "المنظمة السياسية للشعب العربي في خوزستان" (كما كانت تطلق على نفسها رسميا)، عن جماهير الشعب، بحجة رفضهم تسليم السلاح وحمايتهم لبعض الشخصيات العربية المرتبطة باجهزة استخبارات النظام البائد (الساواك)، ولهذا الغرض أتخذ الاجراءات التالية:
1ـ استفاد "مدني" من النزاع الدائر بين الشيخ محمد الكرمي والشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني حول الزعامة الدينية ونيابة مرشد الثورة ـ الخميني ـ لإقليم الاهواز، فقام بحث الشيخ الكرمي على إصدار بيان تنديد لمواقف قادة المنظمة السياسية ودعوة كافة مقلديه للتظاهر لدعم مدني. فانطلقت عصر احد أيام ربيع سنة 1979 ... مئات السيارات والشاحنات من منطقة الخفاجية والحويزة ومدينة السوس والقرى التابعة لهذه المدن بتجاه مدينة الاهواز واحتشدت آلاف الجماهير في وسط المدينة وبادرت بإطلاق النار العشوائي بكثافة و ... وأطلقت الاهازيج والهوسات المؤيدة للثورة وموقف الكرمي. من جانب أخر خرجت بعض الدبابات من معكسر 92 المدرع وجابت الشوارع الرئيسية للمدينة واستمرت لساعات وامتلأ مركز المدينة من حشود الجماهير العربية الغاضبة ضد الخاقاني والحركة السياسية العربية بفعل الدعاية الشديدة لاتباع الكرمي.
مما يجب ذكره هنا بأن معظم هذه الجماهير من أبناء القرى و المدن العربية من الطبقات الفقيرة والمهمشة حضرت تلبية لفتوى مرجعهم (الكرمي) دون ان يعلموا بطبيعة الصراع القائم بين الخاقاني والحركة السياسية العربية من جهة والكرمي ومدني و أجهزة السلطة من جهة أخرى.
2ـ دعا "مدني" معظم شيوخ القبائل (كان عراب هذه الدعوة بين الشيوخ الشيخ بور مدحجي) من مدن الاهواز والسوس والخفاجية، والحويزة ومناطق مثل الشعيبية والميناو وعبدالخان وقبائل الباوية والزرقان ومجدم والحميد وغيرهم الى جلسة في معسكر 92 المدرع بحجة ان النظام يريد ان يستجيب الى مطالب العرب!! فعرض الجنرال مدني أمامهم بعض أحدث وافتك الأسلحة التي كانت متوفرة في المعسكر بغية بث الرعب في نفوسهم وتحذيرهم في نفس الوقت من مغبة انخراطهم او تأييدهم لما يحدث في المحمرة من حراك سياسي للعرب هناك.
3- أرغم مدني بعض شيوخ العشائر و وجهاء مدينة المحمرة الى السفر الى طهران ومشهد من اجل ابعادهم عن الساحة و للحيلولة دون مساندة الحراك العربي. وهكذا استطاع مدني ان يشتت الجماهير العربية ويحول دون التحاقهم للحراك العربي في المحمرة وقامت القوات التابعة لمدني بارتكاب مجزرة يوم الأربعاء الأسود(9ـ3ـ1358 هـ. ش) ومما أدى الى سقوط الشهداء و الجرحى و تنفيذ الاعدامات الميدانية وقمع الحراك العربي.
هل كانت هناك ردود أفعال في مدينة الأهواز تجاه مجازر المحمرة؟
بعد حدوث مجازر المحمرة اجتمعت الجماهير العربية في مدينة الاهواز في حسينية الأعظم و خرجوا بمسيرة اتجهت نحو حي النهضة و هاجم بعض الشبان المتحمسين بعض سيارات المارة من العجم و بدأت الهتافات ضد " مدني " و مؤيدة للحرك العربي في المحمرة.
ماذا حدث بعد مجزرة المحمرة و قمع الحراك العربي في الإقليم؟
بدأ مسلسل الانفجارات والاغتيالات عقب مجزرة يوم الأربعاء الأسود في المحمرة من قبل بعض المجموعات الاهوازية ضد المنشآت العسكرية و النفطية و الحكومية انتقاما لتك المجزرة. و بالمقابل بدات السلطات بحملة اعتقالات عشوائية واعدامات ميدانية دون محاكمة وقد طالت هذه الاعدامات العشوائية الكثير من الأبرياء. كانت المظاهرات تندلع بين الفترة والأخرى في مدينة الاهواز ولكن انخفضت نسبة المشاركين نظرا للقمع المفرط والاعدامات وسيطرة الأجواء الأمنية والعسكرية في الإقليم. استمر النشاط العربي بوتيرة أخف واذكر أن بعض الناشطين العرب اقاموا خياما في بعض المناطق العربية لجمع التبرعات لمساعدة منكوبي الفيضانات التي غمرت بعض القرى التابعة مدينة الاهواز في بداية عام 1980 م. ثم اقتصرت التجمعات العربية على مناسبات خاصة تقام في الجامعات او المناسبات الدينية حتى اندلاع الحرب بين العراق وايران.
قلت بان هناك انفجارات واغتيالات حدثت في الإقليم عقب احداث المحمرة، كيف حصل ذلك؟
حسب متابعاتي، ذهب بعض النشطاء الاهوازيين الى العراق وطلبوا من العراقيين المساعدة في وقف المجازر والقمع، فقامت الحكومة العراقية بتزويد المواطنين بالسلاح بشكل كبير خاصة أبناء القبائل على طول المدن والقرى الحدودية، كما قامت القوات العراقية بتدريب بعض المجموعات الاهوازية عسكريا.
ماذا كان أثر الدعم العراقي على الحراك العربي الاهوازي في تلك الفترة؟
برأيي إنّ إستراتيجية تزويد الموطنين العرب بالسلاح لم تخدم الوعي القومي للشعب العربي الاهوازي ولم تساهم في تحقيق مطالبه، حيث أن أغلب ممن إستلموا السلاح قاموا ببيعه الى محافظات أخرى أو سلموه للسلطات الإيرانية أو تم استخدام هذا السلاح في النزاعات القبلية والنعرات العشائرية تحصد أرواح المئات من المواطنين العرب. وكانت هذه التدخلات العراقية في الشأن العربستاني من التبعات الكارثية لعسكرة انتفاضة المحمرة من قبل احمد مدني ودور النظام وحلفاءه الى دفع الأمور الى التأزم والمواجهات المسلحة وقمع الحراك العربي. وحول موضوع توزيع السلاح العراقي سمعت من الناشط "عدنان سلمان" ابوفاروق(أمين عام حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي حاليا ومن الناشطين المخضرمين) بأنه ذهب مع مجموعة أهوازية للقاء السلطات العراقية وطلبوا منهم التوقف عن سياسة تزويد العرب بالسلاح بشكل عشوائي وارسال الكتب ودعم النشاط الثقافي والسياسي بدل السلاح. ولكن السلطات العراقية لم تستجب لهذه المبادرة.
ماذا كانت تأثيرات الحرب العراقية ـ الايرانية على العرب الأهوازيين؟
قبيل الحرب تراجعت نسبة المظاهرات والتجمعات العربية في مدينة الاهواز بعد احداث المحمرة إثر ازدياد الاعتقالات والاعدامات فأصبحت نادرة. وعلى الرغم من اندلاع الحرب وتوقف كل الانشطة السياسية العلنية للعرب، استمرت الاعتقالات العشوائية على قدم وساق ولم يستثنى احد منها خاصة بحق كل من يشك النظام بصلته بالاحتجاجات العربية، حتى لو كان على سرير المستشفى!
ماذا تقصد باعتقال من كانوا على سرير المستشفى ؟
أسرد لكم نموذج من هذا السلوك الاجرامي للسلطات الإيرانية حيث أعتقل أخي الأكبر (في تاريخ 10/11/1360هـ.ش فبراير 1981م) عندما كان يرقد في مستشفى الحروق في مدينة شيراز لتلقي العلاج وذلك بعد إصابته بجروح وحروق بليغة إثر قصف الطائرات العراقية لمحل أبي التجاري،فقام عناصر اللجان الثورية باعتقاله وهو في سريره ولم يجدي نفعاً إلحاح الأطباء بضرورة إبقاءه بالمستشفى، وقضى سنة ونصف في السجن وكان يتلقى العلاج وهو قابع في زنزانات نظام.
مشاهداتك عن الحرب في تلك الفترة و ما رأيك الآن بنتائج تلك الحرب؟
تعرض حيّنا، حي النهضة، في اليوم السادس من اندلاع الحرب للقصف المدفعي العنيف من قبل القوات العراقية دون سابق انذار لا من قبل السلطات الإيرانية ولا من القوات العراقية حيث سقط الكثير من القتلى والجرحى والناس كانت لا تدري الى اين تهرب وهربت النساء من بيوتها بدون عباءاتها (بدون حجاب) مع اطفالهن وظلت جموع الناس تركض في الشوارع ولا تعرف الى اين تتجه. بعد انقطاع القصف جمعنا عوائلنا واقربائنا وأصدقائنا وحملناهم في الشاحنات التي كانت متوفرة و نزحنا بهم الى قرية الغيزانية. اليوم أرى بان تلك الحرب كانت كارثة على شعبنا تحمل ويلاتها ومصائبها وبعد ثمان سنوات من حرب ضروس دفع ثمنها بالدرجة الأولى الشعب العربي في عربستان بان النظام العراقي استغل شعار اعادة الاراضي المحتلة العربية لمقاصده التوسعية ليس الا، وكان منظري النظام البعثي يعتقدون بان العراق من اجل ان يستطيع يأخذ دوره التاريخي واللائق والمناسب له بحيث يستطيع ان يكون بمستوى الطموحات القومية العربية ورائدا للامة العربية فلابد له ان يوسع منفذه المائي الضيق والوحيد على الخليج العربي. ولذا حسب وجهة نظر هؤلاء ليس للعراق سوى خيارين: إما ان يتوسع اتجاه الكويت أو باتجاه اقليم عربستان. وكما بينت الاحداث انه جرب تلك الخيارين فبدء النظام العراقي الحرب ( الوثائق المنشورة من قبل مجلس الامن والهيات الدولية تشير الى ان النظام العراقي هو من بدء الحرب) مستغلا التدخلات السافرة والحمقاء لنظام الخميني في العراق وتحريض الشيعة على القيام بثورة ضد حزب البعث الحاكم والاطاحة به. تلك الحرب المدمرة التي أكلت الاخضر واليابس ودفع الشعب العربي الاهوازي المظلوم معظم فاتورتها من تدمير المدن والقرى وتهجير وتشريد وقتل الآلاف من نساء و شيوخ و اطفال و شباب.
ماهو أول نشاطك السياسي التنظيمي بعد الثورة وابان الحرب العراقية - الايرانية؟
بدأتُ أولى نشاطاتي الجماعية وانا أدرس في المرحلة الإعدادية. تعرفت على بعض زملائي من كان له نفس هواجسي وتوجهاتي السياسية فشرعنا بقراءة الكتب السياسية والتاريخية التي كانت متوفرة. و كان اول نشاط لي اثناء الحرب العراقية- الايرانية عام 1982 عندما بدأت بمشاركة بعض زملائي و اصدقائي شعوري و هواجسي و افكاري حول اضطهاد و حرمان العرب الاهوازيين و كنا متأثرين بخطاب النظام العراقي ودعايته من خلال الاذاعة و التلفزيون و تحمسنا لمعرفة قضيتنا اكثر وتحدثنا حول تاريخنا و هويتنا و حقوقنا و بدأنا بالبحث وقراءة الكتب والمصادر السياسية والتأريخية. أهم الكتب التي كانت متوفرة آنذاك كتاب احمد كسروي تحت عنوان "خمسمائة عام من تاريخ عربستان وهو بالفارسية" (پانصد سال تاريخ خوزستان) وكتاب "الاحتلال"(اشغال) وهو الآخر بالفارسية حول اقتحام السفارة الايرانية في لندن من قبل مجموعة عربستانية تدعى "مجموعة الشهيد محيي الدين آل ناصر(1980م)". وكانت تصلنا أشرطة كاسيت من أشعار الشاعر اليساري العراقي مظفر النواب وبعض البيانات الصادرة عن المجموعات السياسية العربية الاهوازية.
المشاركة في مظاهرات مايو / أيار، عام 1985
نشرت جريدة "الاطلاعات" الرسمية سلسلة مقالات حول تاريخ الأهواز من منظور عنصري حاقد على العرب وفي الحلقة التي صدرت في الخامس من شهر أيار (15|2| 1364 هـ .ش مايو 1985م) نسب كاتب المقال "عرب الاهواز" الى قبائل من "الغجر" وزعم أن من جملة عاداتهم تكون "الرقص" و"الغناء" و عادات و مهن أخرى تعتبر مهينة في أوساط المجتمع كامتهان الدعارة.
نتج عن هذه المحاولة الخسيسة لتشويه هوية الشعب العربي موجة عارمة من الاستياء والغضب في الشارع الاهوازي، فتعالت اصوات التنديد من كل جهة إلـّا أن النظام بقى ساكتاً. ولم يحرك ساكناً. أنعقدت جلسات كثيرة وطرحت خيارات مختلفة للتعبير عن استنكار ورفض ما جاء بالجريدة الرسمية في حينا (حي النهضة) فانطلقت تلقائيا مجموعات من الشباب وقامت بكتابة وتوزيع بيانات تحث الناس للخروج بمسيرة احتجاجية. لم يكترث مسؤولي الاقليم بالشارع الاهوازي الذي كان يغلي وبشعر بالإحباط نتيجة سكوت النظام و عدم ابداء أية ردة فعل تجاه هذا الهجمة المهينة ، فخرج الناس للتظاهر في أحياء كثيرة من مدينة الاهواز. وأولى هذه المظاهرات (وهي کانت بمثابة الشرارة) أنطلقت من وسط سوق الشعبي لحيّ النهضة فكان لي وللمجموعة الصغيرة التي كنت أنتمي لها، حظ في المشاركة وكنا من أولى الذين التحقنا بها.
تحركت هذه المجموعة القليلة من الشباب المتحمس نتيجة الاحتقان الشعبي وسرعان ما تحولت المسيرات الشبابية الى مظاهرات حاشدة لم يشهد لها الاهواز مثيلاً منذ سنين فاتجهت نحو حيّ "كمبلو" والتقت الجموع بقوات اللجان الثورية والحرس الثوري التي كانت تطلق النار عشوائيا دون أي سابق إنذار خلافاً لما كان يحصل غالباً من سلوك قوات الأمن الشاهنشاهية أثناء أحداث الثورة الإيرانية، فلم تبادر الناس بعمل يستحق هذه القمع العنيف من قبل قوات اللجان الثورية. إن تفرق جموع المتظاهرين حال دون سقوط قتلى بينهم ولجأت الناس للشوارع الضيقة للمقاومة واستمرت الاحتجاجات عدة أيام، جُرح وأعتقل الآلاف خلالها وقد رأيت كيف تحولت مدارس ومعاهد كثيرة الى معتقلات مؤقتة للمتظاهرين ممن تلقي عليهم السلطات القبض. أستمر أطلاق النار الكثيف ليل نهار من أجل بث الرعب بين الناس وتفريق التظاهرات.
ماذا كان دورك في هذه المظاهرة؟
كان دوري هو المشاركة في التحضير لهذه المظاهرة من خلال نشر البيانات والمشاركة في جلسات عديدة تحضيرية وتوزيع مقال جريدة اطلاعات الذي ركز على إهانة العرب. واعتبر هذا النشاط ارهاصات لاول عمل منظم قمت به رغم صغر سني.
ماذا كانت طبيعة توجهاتك السياسية آنذاك ؟
كانت توجهاتنا كما هو سائد الخطاب القومي العربي التقليدي الذي كان ينادي بالوحدة العربية و تحرير فلسطين و اعادة الاجزاء العربية المغتصبة الى خارطة الوطن العربي.
هل كنت متدينا في تلك الفترة ؟
لم أكن أصلي أو أصوم و لكن باعتباري ترعرت في عائلة دينية محافظة كنت أحضر بعض المناسبات الدينية التي تحدث في شهر محرم أو شهر رمضان وكنت أقرأ الكتب المتوفرة حول واقعة كربلاء ومتأثر بعض الشيء بالخطاب الشيعي السائد آنذاك.
أول تجربة سجن
متى سجنت اول مرة؟
رغم المخاطر الكثيرة التي كانت تهدد أي تحرك مناهض للسلطة في ظل أجواء الحرب، التحق بمجموعتنا أعضاء جدد وتنامت نشاطاتها وبدئنا بكتابة الشعارات على الجدران ليلاً وتوزيع منشورات لتنظيمات مختلفة في الداخل والخارج دون أن تكون لنا علاقات تنظيمية معها. مع الأسف قلّـة خبراتنا التنظيمية وأندفاعنا المفرط للعمل وفقداننا لمن يرشدنا بتوخي الحذر والحيطة أدى الى تقلقل العناصر الضعيفة بيننا ... فكنا نوزع الكتب والبيانات على كل من نعثر عليه ونتيجة هذا السلوك كان كارثياً علينا ... فسلـّم المدعو "سعود سليتي/ فريسات" منشورات حصل عليها من أحد افراد المجموعة، الى أحد كوادر اللجان الثورية، الساكن في حيّ النهضة ... وكنت أنا الأخير من بين الخمسة التى ألقت الاستخبارات القبض عليهم إثر هذه الوشاية الخسيسة. مدة سجني الأولى كانت ثمانية أشهر (من 20/1/1367 الى 25/9/1367 هـ.ش) قضيتها في السجن الانفرادي التابع لوزارة الإستخبارات وسجني فجر وأصفهان.
ماذا كان تأثير السجن في حياتك الشخصية والسياسية وتوجهاتك الفكرية؟
بعد مكوثي لمدة شهر وبضعة ايام للتحقيق في زنزانة انفرادية في المعتقل السري للاستخبارات الايرانية في مدينة الأهواز، حيث صادفت هذه الفترة مع شهر رمضان. ومن ثم تم نقلي الى سجن فجر الذي كان مخصصا للسجناء السياسيين حيث صادف دخولي السجن يوم عيد الفطر عام 1988م. ومكثت شهرين آخرين في زنزانة انفرادية، حتى قَـبَـلَ النظام الإيراني بقرار 598 الداعي بوقف الحرب بين ايران والعراق. بعد كم يوم من هذا الحدث تم جمع كل السجناء من رجال ونساء لنقلهم الى سجن أصفهان. وقبل نقلنا الى سجن أصفهان وقعت في تلك الفترة الحادثة المشهورة بتصفية السجناء السياسيين التي أعدم فيها آلاف الناشطين السياسيين معظمهم كانوا من التنظيمات اليسارية الايرانية في مختلف السجون الايرانية وقد ابتدأت من سجن فجر في الاهواز الذي كنا نسمع أصوات الاعدامات الميدانية رميا بالرصاص ليليا.
في بداية اعتقالي لم أكن أصلي أو أصوم ولكن قبل انتهاء فترة التحقيق في الاستخبارات إقترح علي أحد مسؤولي المعتقل أن يتم نقلي من الزنزانة الإنفرادية الى زنزانة أوسع وأبرد مجهزة بمكيف مع سجين آخر للتخلص من الوحدة والحر الشديد والقذارة، شريطة أن أبدأ بالصلاة و الصوم وفعلا قبلت بهذا المقترح وتم نقلي الى تلك الغرفة. وتعرفت هناك على سجين من اعضاء الجبهة العربية لتحرير الأحواز الذي تم اعتقاله في جبهة الحرب وكان يدعى "گريه حسيني"، وبقيت معه حوالي عشرة أيام. كان هذا السجين يتعاون مع محققي المعتقل وكانوا يثقون به كثيرا وكان بحوزته مذياع مكافئة له من قبل مسؤولي السجن، وكان يقرا الكتب الدينية الشيعية ويلتزم تعلميات المعتقل ولم يكن يسمح لي بفتح اذاعة العراق وكان يستمع فقط للاذاعة الايرانية الرسميّة وكان يذهب صباحا للدوام للتحقيق في ملفات بعض الناشطين وعندما اختلست النظر ذات مرة للملفات، شاهدت بأنها تحتوي على معلومات كثيرة لاعضاء الجبهة العربية وتفاصيل عن كل واحد منهم.
هل كانت تتوفر لكم امكانية قراءة الكتب في المعتقل؟
في بدايات فترة التحقيق كان فقط يسمح لنا باقتناء المصحف، ولكن بعد مرور فترة من التحقيق وانخفاض حدة الاستجواب كانوا يعطوننا كتبا دينية شيعية لها طابع خاص تشعر المرء بأنه مذنب لكي يسهل عملية تلقينه بقبول التوبة التي كانت هدف المحققين. مثلا كتاب "القصص الغريبة" الذي هو حول معجزات وكرامات اولياء الشيعة وكتاب "المعاصى الكبرى" لآية الله دستغيب الذي يدور حول ذنوب الانسان واخطاءه لكي يشعر بالذنب الدائم وتسهل عملية اخضاعه وتوبته وفق رؤية الاستخبارات.
كيف كانت طرق التعذيب؟
بما إنني كنت قاصرا أنا وزملائي (17 عام ) كان تعذيبي يقتصر على الضرب المبرح والتخويف والترهيب والسب والشتم والاستهزاء، على سبيل المثال كانوا يستهزؤون بمطالبنا السياسية ويقولون إنها حمقاء كالذي يريد أن يبلط نهر كارون. وبعد فترة الشهر وعدة أيام تم نقلنا انا ورفاقي الى سجن فجر الاهواز.اما الأكبر سنا منا والذين يقامون الجلادين كانوا يطبقون عليهم الحد التعزيري (الحد التعزيري هو عبارة عن عقوبة الجلد، ويجلد المعتقل وفقا لهذه العقوبة بحكم من المحكمة الثورة بحجة الكذب على المحققين).
بعد نقلكم الى سجن فجر الأهواز الخاص بالسجناء السياسيين كيف وجدت الأجواء وعلى من تعرفت من الناشطين العرب؟
كان عددنا كسجناء سياسيين عرب لم يتجاوز 15 شخصا في ذلك السجن وكانوا خليط من مستقلين وأعضاء تنظيمات أهوازية مختلفة . سجناء الجبهة العربية لتحرير الاحواز: مجيد عساف، مهدي نواصري ابوصلاح، إسماعيل مزرعة، نجم نواصري، واما المستقلين والتابعين لمجموعات أخرى لم نطلع على هويتها بسبب تكتمهم: سيد موسى الموسوى ابوخالد، دعير بيت حردان، شاكر عبدالسعيد خزعل (كان يدعي أنه من احفاد الشيخ خزعل، توفي في احد منتزهات ميناء عباس)، صباح فنجان بور، سيد جمعة، كريم زبيدي، سيد موسى جعاولة(من أبناء حي رفيش) امير تانگو، محمد سگوند (من العراقيين المعاودين) وسعود سليتي.
كانت هناك أجواء من التشكيك والاتهامات المتبادلة بين سجناء العرب بسبب تصرفات السجين صباح فنجان بور الذي كان عميلا يكتب التقارير حول السجناء لادارة السجن وللأسف أنا ورفاقي من السجناء اليافعين لم نتعلم الشيء الكثير من هولاء الناشطين العرب الذين سبقونا للسجن بسبب أن أغلبهم لم يكونوا يمتلكون ثقافة سياسية كتداول الافكار أو قراءة الكتب أو التجارب التنظيمية وكانوا يقضون معظم اوقاتهم بجلسات السخرية والضحك و...، على عكس السجناء اليساريين الإيرانيين الذين كانوا يطالعون الصحف والكتب بشكل يومي ويعقدون الندوات الفكرية والسياسية والثقافية ويقيمون صفوف تعليم اللغات الأجنبية وحتى اللغة العربية وكانوا يرسلون الرسائل الى خارج السجن والأهم من ذلك انهم كانت لديهم نشرية سرية داخل السجن ويتم توزيعها داخل السجن من خلال بعض عناصر السجن المتعاونين معهم. يجب ان اذكر هنا بان بعض السجناء العرب أمثال "نجم نواصري" و "مجيد عساف" و "سيد موسى ابوخالد" كانوا متعاطفين معنا ويقدمون لنا بعض التوجيهات والنصائح والمساعدات.
ماذا كان الفرق بين سجن فجر الاهواز وسجن أصفهان؟
في البداية يجب ان أوضح أسباب نقلنا من سجن فجر الاهواز الى سجن أصفهان وهو كان لسببين :الأول: التهديد باقتحام مدينة الاهواز من قبل قوات منظمة مجاهدي خلق المدعومة من القوات العراقية فور قبول الخميني بقرار وقف اطلاق النار. ثانيا : الإنتهاء من تصفية كل السجناء الذين أصروا على مواقفهم من جهة أخرى، أدى بالسلطات الايرانية بنقل البقية القليلة الباقية من السجناء الى سجن اصفهان لمدة 40 يوماً. تم تنفيذ أحكام الاعدام الجائرة بحق آلاف السجناء اليساريين خاصة أعضاء "منظمة مجاهدي خلق". لقد كان نصيب هذه المنظمة من هذه الإعدامات الوحشية التي بدأت من "سجن فجر" الاهواز المخصص للسجناء السياسيين، حصة الأسد فكان يحكم على السجين بالإعدام لو أصر على موقفه ولم يعلن التوبة عن أراءه .
اما الفرق بين السجنين فكان هناك تمييزا واضحا، حيث كان سجن أصفهان فيه الكثير من الإمكانيات التي كنا محرومين منها في سجون الاهواز كالنظافة والبناء الحديث و وسعة المكان. لدى وصولنا لسجن أصفهان تم نقلنا لغرف صغيرة لغرض ملأ استمارات تحتوي على أسئلة شخصية كثيرة امتنع معظم السجناء عن ملئها لانها كانت عبارة عن تفتيش المعتقدات الشخصية. وفي تلك الاثناء جرت محادثات بين السجناء ومسؤولي السجن حول الاستمارات فقال المسؤولون بأننا لا نعتبركم سجناء سياسيين بل أشخاص معادين للثورة و من لم يملأ الاستمارة سيبق في هذه الغرف الصغيرة والضيقة والقذرة. وعندما لم يحصلوا على نتيجة تم نقل الأشخاص المفاوضين الى زنزانات انفرادية وتم اعدام احدهم ميدانيا (أرسلان مهدي بور) ومن ثم تدهور الوضع الصحي لدينا نتيجة تقليل الطعام والتعذيب بسبب عدم ملأ الاستمارات. كان السجناء اليساريين رافضين فكرة قبول شروط مسؤولي السجن أساسا، وكانوا متفقين فيما بينهم على الاستمرار في الاحتجاج والمقاومة حتى اللحظة الأخيرة، ونصحونا بان نملأ الاستمارات ونتخلص من هذا المكان ولا نتورط معهم ونذهب للسجن العمومي. بعد بقاءنا 40 يوما في سجن اصفهان تمت اعادتنا الى سجن فجر الاهواز وبقيت حوالي 3 اشهر أخرى حتى اطلق سراحي في ديسمبر 1988.
ماذا فعلت بعد اطلاق سراحك من السجن وهل تابعت نشاطك السياسي؟
توقفت عن العمل السياسي طيلة أربع سنوات وذلك لسببين أولهما: صدورحكم مؤجل ضدي بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة اربع سنوات منعت خلالها من مزاولة النشاط السياسي. وثانيهما انشغالي بإداء الخدمة العسكرية والتحضير للدخول الجامعة. وفي هذه الفترة انهمكت في قراءة الكتب والتعرف على الشخصيات السياسية والناشطين وجمع المعلومات وكسب أصدقاء جدد يحملون نفس الأفكار والمشاعر والاهتمامات. كانت فترة السجن مؤثرة باتجاه ان اتعمق في قراءة المذهب الشيعي والاطلاع على تفاصيله وقرأت كل مؤلفات التيجاني بالعربية والفارسية المترجمة وكتب تاريخ المذهب الشيعي وتطوراته. ثم عاودت نشاطي السياسي سنة 1993 م من جديد بعد إنقضاء فترة الحكم بالسجن مع وقف التنفيذ ومنعي من النشاط السياسي وتعرفت على المرحوم "محمد نواصري". و في الواقع صداقتي بالمرحوم مكنتني من الاستفادة من علاقاته الوسيعة بالنشطاء السياسيين الاهوازيين وهو بدوره تعرف على الكثيرمن إصدقائي مما أدى الى تشكيل مجموعة سياسية لاحقا.
كيف تعرفت على "محمد نواصري"؟
تعرفت عليه من خلال أحد أصدقائي الذي كان زميل محمد نواصري في الخدمة العسكرية الذي كان يخدم معه في نفس القاطع في معكسر الحرس الثوري في مدينة الاهواز. والقصة الطريفة انهما وضعا كجنديين حارسين على إحدى ابار النفط في منطقة "كريت كمب" في الاهواز عقب وقوع انفجارات في احدى الأبار النفطية. فقال صديقي في احدى لقاءاتنا بان هناك جندي زميل له يحمل نفس الأفكار والتوجهات والاهتمامات السياسية واقترح ان أذهب معه للتعرف عليه من خلال ذهابنا لحضور مجلس عزاء عمه المتوفى حديثا.
ماذا حدث بعد تعرفك على محمد نواصري؟
أثناء مجلس العزاء استقلبنا محمد واخذنا الى بيت في قرية الغزاوية التي كان يقطنها و دام لقاءنا لساعات تحدثنا خلالها حول اهتماتنا السياسية المشتركة ومن ثم قررنا سرا بيني و بينه ان نلتقي في الاهواز دون علم أصدقائنا المرافقين لنا. تشعب حديثنا في مواضيع كثيرة واصر المرحوم على موقفه بان النظام العراقي في المجموع رغم الأخطاء كان إيجابيا للقضينا ولكن انا كنت رافضا لهذا الامر واعتبرت سياسات صدام كانت كارثية علينا بكل المقاييس! بعد ذلك، بدأنا أنا ومحمد نواصري بالتشاور حول خطة لتشكيل تنظيم سياسي سرّي فعرضنا فكرتنا هذه على بعض الاصدقاء المقربين. رحبّت فئة قليلة بالفكرة وعقدنا عدة جلسات وكتبنا مسودّة ميثاق التنظيم ولكن انسحاب وتقاعس بعض الاعضاء منع التنظيم من التطور... اضافة على قضية عزوف الشباب عن العمل السياسي في ظل تلك الأوضاع الامنية التي كانت تهيمن عليها اجواء الخوف والحذر، و كانت مشاكل أخرى عرقلت سير التقدم مثل: عدم وجود دعم مادي، قلة التجربة لدى المؤسسين، عدم وجود كتب ومصادر حول العمل السياسي التنظيمي، شح الشخصيات التي لديهم تجارب تنظيمية حزبية، تمسك بعض الاعضاء بالقراءة التقليدية للعمل التنظيمي أنذاك وهي نشر بعض البيانات في بعض المناسبات وكسب اعضاء جدد وتوحيد المنظمات العاملة الاخرى على الساحة الاهوازية إن وجدت و ... طبعا هذا لم ينسجم مع تطلعاتنا وطموحنا في العمل.
ـ النقطة الأخرى التي يجب أن أذكرها هي اننا توصلنا الى أنّ الاساليب المتخذة من قبل التنظيمات الأهوازية اصبحت مكشوفة للاستخبارات والقيام بها يتضمن مخاطر جمة والفائدة المرجوة منها ضئيلة جدا.
كل محاولاتنا لتاسيس حزب سياسي منظم لم تتكلل بالنجاح بسبب عدم نجاحنا في استقطاب مزيد من الأعضاء وعدم التزام الأعضاء الموجودين بالعمل التنظيمي والمهام الموكلة بهم وكذلك التمويل الذاتي من اجل الاستمرار. كل هذه الأسباب والعوامل أدت الى ان نتجه نحو إيجاد أساليب حديثة للعمل السياسي وقررنا البدء بنشاط علني ذات طابع ثقافي وبدأنا بجمع الكتب والمصادر التاريخية والفكرية والسياسية وحاولنا توفير المال من اجل تأسيس مكتبة منزلية. ثم كنا نقوم بتوزيع الكتب بهدف استقطاب أعضاء جدد للعمل الثقافي. لقد ركزنا معظم جهدنا على الطلاب في مختلف الجامعات والمعاهد حيث كنا نحن أيضا طلابا واستطعنا ان نكسب الكثير من الأصدقاء والتعرف على الطاقات المتعلمة والمثقفة والكوادر العلمية .
تحولت مجموعتنا في الواقع من تنظيم سري الى ما يشبه المنتدى الفكري الثقافي لم يلزم اعضاءه بدفع اشتراك عضوية اشتراك أو تسمية خاصة أو القيام بنشاطات تعرض امن المجموعة للخطر. واستطعنا بهذا الوضع ان نحصد الكثير من النتائج ونتجنب الكثير من المخاطر والأخطاء.
فكرة التصحيح في المذهب الشيعي
الى متى استمرت هذه الفترة من النشاط السياسي و ماذا كانت نتائجها؟
أدت هذه النشاطات الى حوارات ونقاشات عديدة الى بلورة ومن ثم تبني فكرة "التصحيح في المذهب الشيعي" وكانت النقاشات تدور حول علاقة نظام الجمهورية الإسلامية بالمذهب الشيعي حيث كنا نعتقد بأن النظام يسيس المذهب ويستغله لصالح سيطرته على عقول الناس ويقدم نسخة مشوهة من المذهب الشيعي.
في نفس الوقت أتفقنا مع مجموعة أخرى من الشباب (لا استطيع ذكر هويتهم لان معظهم في الداخل) على عقد جلسات علنية لقراءة القرآن في شهر رمضان فحاولنا طرح بعض توجهاتنا التصحيحية الدينية التي كنا نعتقد بانها تعزز الانتماء القومي لدى الشباب العرب. كنا نرى بان المذهب الشيعي يحتوي على الكثير من المعتقدات التي أستغلت من قبل النظام للاستمرار باضطهاد شعبنا العربي.
من جانب أخر كنا نرى أن نظرية ولاية الفقيه تستند على نظرية "المهدي المنتظر" و يعتبر الولي الفقيه نائبا للإمام المنتظر و يجب طاعته وإن أي تساؤل أو تشكيك لزعزعة هذا الاعتقاد يضرب مشروعية النظام في الصميم، فبدأنا بنقد هذه النظرية و التشكيك بصحتها و طرح الأسئلة حولها و البحث عن المصادر و الوثائق التي تدعم نظريتنا حول هذا المعتقد و باقي المعتقدات التي يستند اليها نظام ولاية الفقيه. و كنا نربط بين ضياع وطننا و استمرار اضطهاد شعبنا وغصب حقوقه وبين الطاعة المطلقة لسطوة رجال الدين وتقليد المراجع وتنفيذ نصائحهم ومواعظهم وإنهماك الناس في الخرافات والتقليد الاعمى للطقوس والمعتقدات المشوهة.
كيف كان تعامل الناس مع دعوتكم هذه؟
كان الناس الذين نلتقي بهم ونطرح افكارنا عليهم بحذر وتحفظ يستغربون في البداية وعندما يناقشوننا يرفضون كل مانطرحه ويغضبون حيث كانوا يعتبرون دعوتنا هذه خروج عن الدين، وحتى العلمانيين كانوا يعتبرونها ضررا وانشقاقا في المجتمع. ولكن بعد ما اخذت لها الفكرة رواجا فيما بعد تقبل الكثير من العلمانيين والشيوعيين هذه الفكرة من حيث المبدأ والبعض منهم تبنوها في خطابهم السياسي واعتبروها مفيدة للتاثير على الجماهير.
هل كانت هذه الدعوة لأسباب سياسية أم عقائدية ؟
بالطبع كانت انطلاقتنا سياسية بحت وكنا نبحث عن طرق للتأثير على الناس وتوعيتهم للمطالبة بحقوقهم والخروج عن سيطرة رجال الدين الحاكمين. لكن لا شك كان هناك جانبا عقائديا يلاقي قبولا في نفوسنا ومعتقداتنا. واستمرينا على هذا المنوال حوالي سنة حتى تحولت افكارنا من الإصلاح والتصحيح في المذهب الشيعي الى "تغيير المذهب" و طرح فكرة "التسسن" بقراءة سلفية.
هل فكرة تغيير المذهب والتحول الى التسنن كانت بتاثير من الخارج؟ هل كان هناك مشايخ و دعاة دينيين يقدمون لكم الدعم و المساعدة . أم إنها كانت إجتهادات ذاتية؟
لم يكن هناك أية تأثيرات خارجية بل كانت منطلقاتنا سياسية ونبحث عن تناقضات في المذهب الشيعي لكي نزلزل اركان شرعية نظام ولاية الفقيه الذي يستند الى الفقه الشيعي وبالواقع عند بحثنا عن هذه التناقضات وتبنينا مشروع الإصلاح الشيعي وجدنا بان المذهب بأكمله مليء بالتناقضات والخرافة فقمنا بتغيير المذهب الى فكرة قبول التسنن. كلها كانت اجتهادات ذاتية بدوافع سياسية. النقطة الأخرى التي يجب ان اركز عليها هي انه في منطقتنا، عربستان، ذات الأغلبية الشيعية لم تكن محل اهتمام الدعاة والمشايخ السنيين كما في أقاليم بلوشستان او كردستان.
كيف و لماذا تخليتم عن فكرة التصحيح الشيعي وتبنيتم فكرة التسنن؟
كان شهر رمضان في عام 1995 ذروة نشاطاتنا التصحيحية الدينية حيث كنا نعقد ليليا الجلسات الرمضانية العلنية التى كانت الخطوة الاولي لحركة تصحيحية ضد الخطاب الديني التخديري والتجهيلي (بقراءته الشيعية) المنتشر آنذاك. وحاولنا في تلك الجلسات شرح العلاقة بين الدين والسياسة حيث كنا نعتقد ان زج الدين في السياسة سوف ينتهي الى افراغ الدين من محتواه وكذلك إستغلال المذهب من قبل السلطة الدينية ورجال الدين وجهات أخرى سياسية أو إجتماعية من أجل مآرب سياسية ومصلحية ضيقة وبالتالي سنحصد الضرر الأكبر من خلال توجيه هذا الخطاب المذهبي ضد أي تحرك سياسي أو ثقافي من شأنه ان يقوي الحركة العربية المطالبة بحقوق الشعب العربي المسلوبة. ولكن بعد عام من هذا المسعى وحصولنا على كتب ومصادر جديدة وكذلك تبديل قناعاتنا بعدم جدوى طرح فكرة التصحيح الشيعي من خلال كشفنا واصطدامنا بمزيد من التناقضات والخرافات التي تعتري هذا المذهب، قررنا التخلي نهائيا عن المذهب الشيعي وتبني المذهب السني والعمل على نشره في المجتمع.
كنا في تلك الفترة قد بدأنا بتوزيع الكتب الدينية من قبيل كتاب "الشيعة والتصحيح" لمؤلفه موسى الموسوي وكتاب "التوحيد" لمحمد بن عبدالوهاب وكراسات حول الردود على مغالطات المذهب الشيعي وارتزاق الملالي الشيعة من الدين ككراسة "حريت و روحانيت" للدكتور سروش وغيره و حتى كتاب "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" لعلي شريعتي وكل كتاب أو منشور يناقض القراءة السائدة للنظام عن الدين وكل رأي يطعن بنظرية ولاية الفقيه بشكل خاص. وكنا نوزع كتاب وصلنا من قم عنوانه "الحكومة الإسلامية" يطعن بنظرية ولاية الفقيه لا أتذكر اسم مؤلفه.
مرحلة نقد الذات
الى متى استمرت الدعوة الى التسنن و متى تخليتم عنها و كيف أتجهتم نحو العلمانية؟
عندما تعمقنا في المذهب السني والدعوة الى التسنن وجدنا إن هذا المذهب بدوره يحتوي على نفس التناقضات الفكرية والعقائدية في المذهب الشيعي ولكن بشكل مختلف وبعناوين مختلفة. على سبيل المثال يعتقد الشيعة بان الائمة الاثنى عشر معصومون من الخطأ وإنّ السنة يعتبرون العشرة المبشرين بالجنة عدول(الراشدين في الدرجة الأولى، ثمّ الستة الباقين من العشرة المبشّرين بالجنة على ما يروونه)، معصومون عن المعاصي واخطائهم مبررة. يتضح هنا بأنّ فكرة العصمة مشتركة بين المذهبين بينما نحن كنا نرى - وفق قراءتنا - بان فكرة العصمة غير عقلانية وتتنافض مع نص القرآن. كما وجدنا بأن الجانبين لايستطيعان أن يثبتا ادعائاتهم التاريخية حول الروايات والاحاديث الدينية وان الكثير منها متناقضة ومتضاربة، ووجدنا نفس الأسلوب التقديسي والطاعة العمياء ورفض أي نقد او استفسار او تساؤول عقلاني حول المعتقد الديني ككل و طقوسه و تقاليده.
كان حصولنا على كتب جديدة كمؤلفات الدكتور علي الوردي، الدكتور نصرحامد ابوزيد، الدكتور محمد عابد الجابري، الدكتور على حرب والدكتور سروش أثرا كبيرا في نقدنا للخطاب الديني ككل وتخلينا شيئا فشيء عن تبني الخطاب الديني بشقيه السني والشيعي وكان عام 1997 ومع وصول الإصلاحيين للسلطة والانفتاح النسبي الذي احدثوه وصدور الكم الهائل من المجلات والجرائد والكتب الفكرية والسياسية والأدبية التي كنا نتابعها يوميا الأثر الأكبر في تحولاتنا الفكرية والسياسية. وبما انني كنت امتلك مكتبة شخصية في بيتي كنت أطلع على جميع المنشورات التي كان جميع أعضاء المجموعة يضيفونها الى المكتبة. بهذا اتجهنا تدريجيا نحو تقبل فكرة العلمانية لكن من جانب آخر كنا نواجه معارضة من قبل بعض زملائنا الذين مازالوا على النهج الديني و اختلفنا حول نقد الخطاب الديني وكذلك نقد التخلف الاجتماعي فحدث انشقاق في الحركة خلال عامي 1996-1997 ، فبينما اتجه غالبية الشباب نحو العلمانية والنشاط الثقافي والسياسي العلني بقي القليل منهم على النهج السلفي ويريدون حصر القضية في الاطار الديني. هذا الخلاف عمق الشرخ حيث توصل أغلب الشباب الى نتيجة مفادها بأننا لا يمكننا إحداث تغيير في أهداف الحركة السياسية الأهوازية بتبني الافكار الدينية البحتة، بل يجب التوجه نحو تبني مشاريع جديدة تستوعب كل الاتجاهات الفكرية و العقائدية والسياسية.
أما المجموعة التي بقت على النهج الديني إتجهت نحو دعوة الجماهير الى العزوف عن النشاط السياسي حتى إشعار آخر والعكوف على العبادة والانقطاع الى الله والاستغفار من الذنوب والاهتمام بشكليات الدين ومحاربة ما يعرف بالبدع ونشر قراءة حرفية من النصوص لا تواكب منجزات عصر الحديث ومستلزماته ونحن اعتبرنا هذه التوجهات تتناقض تماما مع اهداف الحركة الوطنية الاهوازية التى تناضل من اجل تحرير المجتمع من القيود المنتشرة باسم الدين وخلق ثقافة المشاركة السياسية والثقافية لتغيير مستقبلهم.
لقد وصل بنا الامر الى أن يعارضنا رفاقنا السابقون في فكرة إقامة أي ندوة او مهرجان او احتفال بحجة تناقضه مع الثوابت الدينية و قد كان هدفنا من وراء ذلك تحقيق مطالب سياسية و ثقافية مرحلية و استغلال المناسبات الدينية و الاجتماعية لاجل ذلك و لكن التيار الديني ( السلفي ) كان يريد منعنا بحجة تعارض هذه الأنشطة مع القيم الدينية حتى وصل بهم الامر الى النهي عن قراءة بعض الكتب الفكرية ككتب علي الوردي و غيره من المفكرين بحجة الترويج للعلمانية.
بعد هذا الانشقاق اتجهنا نحو إقامة الأنشطة الثقافية و الاجتماعية و استغلينا المناسبات الدينية و فترة الانتخابات لإقامة الندوات و المهرجانات و الأمسيات لترويج خطابنا السياسي بشكل هاديء و من خلال هذه المنابر التي كنا نحصل عليها و كسب ثقة الجماهير مرة أخرى .
طبعا هذه الاستراتيجية الجديدة أدت الى قطيعة كاملة مع التيار الديني ولكننا بدأنا نكسب الكثير من الطاقات والجماهيريوما بعد يوم من خلال التزامنا بخطاب ثقافي اجتماعي يركز على توعية الجماهير والحفاظ على الهوية العربية واحياء التراث العربي وكانت مواضيع اهتمامنا تركز على نقد الذات و نقد المجتمع الاهوازي ومظاهر التخلف المنتشرة كالقيم القبلية من قبيل النهوة و قضية الثأر وغيرها وطرحنا قضية اضطهاد المراة وضرورة مشاركتها في الحياة الاجتماعية وإعطاء حقوقها، وبدأنا بمحاربة انتشار مظاهر الخرافة، كما قمنا بفعاليات عديدة من اجل احياء التراث العربي من قبيل الاهتمام بالشعر والغناء والمسرح والخط العربي واستغلال جميع المناسبات لنشر الثقافة العربية و إقامة صفوف اللغة العربية. و استمرينا بهذه النشاطات حتى بداية تشكيل لجنة الوفاق.
خلال هذه السنوات الأربعة نرى بأن هناك تغييرات وتحولات كثيرة حدثت لديكم على مستوى الفكر والعقيدة والتوجه السياسي، فتحولتم من الفكر القومي التقليدي نحو التصحيح الشيعي ومنه الى التخلي عن التشيع وتبني فكرة التسنن ومن ثم التخلي عن الخطاب الديني نهائيا وتبني العلمانية وحتى على مستوى النشاط السياسي من العمل السري الى العلني ومن تبني الخطابات الدينية والقومية الى تبني العلمانية و الديمقراطية والعمل في اطار الدستور الإيراني، فما هو سر هذه التحولات المتسارعة حيث إتهمكم البعض بالتذبذب والتقلب في المواقف والأراء والتوجهات الفكرية والسياسية؟
أولا، يجب ان أقول أننا كنا في عنفوان الشباب وتقريبا كلنا في سن العشرينات وكان ذلك التغير والتحول السريع أمرا طبيعيا.
ثانيا: لم نحصل على الكتب والمصادر ومنابع الثقافة والفكر والسياسية مرة واحدة كما هي متوفرة اليوم لدي الجيل الجديد حيث كل التقنيات ومصادر المعرفة متاحة لهم و يستطيعون اختيار ما يريدون من التوجهات او الأفكار و الرؤى.
ثالثا: عندما تبنينا خطاب الاصلاحي الديني كانت رؤيتنا تبتني على أساس أن شعبنا ذو نزعة دينية شديدة، ولا يمكننا حث الشعب على المطالبة بحقوقه إلّا من خلال الدين والقيام بالاصلاح الديني لتثقيف الشعب، لكننا اصطدمنا بالواقع عندما خضنا التجارب العملية على الأرض وفي أوساط المجتمع ومن خلال التواصل والاحتكاك اليومي مع الناس،فلم نستطع الاستمرار بهذا النهج وتراجعنا عن الدعوة لتصحيح الفكر الشيعي بسب رفض المجتمع لنا وقد لمسنا هذا من خلال تجاربنا الواقعية والاصطدام بردود الفعل السلبية والنتائج العكسية ضد تحركنا وقد تعرضنا للهجوم والطعن والتكفير على المنابر باسماءنا، ما لم يتعرض لها احد من قبلنا.
رابعا:من الأسباب التي دفعتنا للتخلي عن نموذج الخطاب الديني هو فشل نموذج الإسلام السياسي الشيعي الذي تبناه النظام الإيراني والفشل الذريع الذي مني به مشروع أسلمة المجتمع و رأينا ظاهرة العزوف عن الدين كاحدى نتائج فشل نموذج الإسلام السياسي بشقيه الشيعي و السني في المنطقة وحتى عندما تحولنا لتسنن كنا رافضين لنموذج طالبان في أفغانستان.
أما سبب تحولنا من الخطاب القومي التقليدي الى تبني الاطروحات الديمقراطية و العلمانية و المجتمع المدني الحديث أهمها كان خيبة أملنا من الخطاب القومي بسبب فشل المشروع القومي العربي في تحقيق أهدافه وبتبعه فشل التنظيمات والأحزاب القومية التقليدية الاهوازية في تحقيق أهدافها وعدم توغل خطابها في المجتمع وفشل تجاربنا نحن في إستنساخ نماذج الأحزاب والتنظيمات السرية التقليدية، كل تلك الأمور حدت بنا أن نتجه نحو العمل والنشاط العلني والبحث عن الحلول الثقافية والاجتماعية وليس التركيز على الخطاب السياسي وحده. فبدل التركيز على مطلب السيادة على الأرض بدأنا نركز على التفكير بكيفية تحرير الانسان وتوعية الشعب والنهوض به ثقافيا واجتماعيا والحصول على حقوقه تدريجيا مرحليا من خلال طرح الخطاب الواقعي و تحقيق الممكنات في ظل الظروف السياسية المستجدة.
نهاية الجزء الأول
#صالح_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التقرير السنوي لوزارة الخارجية الامريكية يشير الى تزايد الاع
...
-
أولويات نضال المرأة العربية الأهوازية / بمناسبةاليوم الدولي
...
-
إدانات دولية واسعة ضد الإعدامات السرية بحق الناشطين العرب ال
...
-
نصف مليون قارئ متابعي موقع الباحث الأهوازي جابر أحمد
-
إحتدام النقاش حول معارضة التيار الشوفيني الفارسي لمشروع تدري
...
-
ملفات عالقة و أزمات و قضايا داخلية تضع شعارات روحاني على الم
...
-
إستراتيجية حكومة روحاني في التعامل مع القضية الأهوازية- الجز
...
-
إستراتيجية حكومة روحاني في التعامل مع القضية الأهوازية - الج
...
-
أزمة القضية القومية في ايران
المزيد.....
-
رجل يتسبب في انهيار جليدي ويدفن شقيقه تحت الثلوج.. شاهد ما ح
...
-
تحليل: كيف يمكن للتضليل الإعلامي الذي يمارسه الكرملين أن يخف
...
-
-راديو الأشباح-... إذاعة عسكرية روسية من عهد الحرب الباردة ت
...
-
رئيس وزراء العراق: بشار الأسد لم يطلب من بغداد التدخل العسكر
...
-
الحرب على غزة: الجيش الإسرائيلي يحرق مستشفى كمال عدوان ويسته
...
-
وزارة الداخلية السورية: بدء استقبال طلبات المنشقين عن النظام
...
-
صحيفة: إسرائيل تواصلت مع نظام الأسد عبر رسائل -واتساب- ووسطا
...
-
إحالة21 عسكريا أوكرانيا إلى المحكمة بتهمة -ارتكاب عمل إرهابي
...
-
باكو: دلائل تشير إلى تعرض الطائرة المنكوبة لهجوم خارجي
-
تصاعد دخان كثيف بعد حرق الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان (
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|