|
لهذا السبب أصبحت مدمنا على ركوب القطار !
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4386 - 2014 / 3 / 7 - 23:53
المحور:
كتابات ساخرة
لهذا السبب أصبحت دمنا على ركوب القطار ! من أسرار الكون ، وعبقرية الخلق ، وحكمه على طبائعنا ، وأهوائنا ، وأذواقنا ، وآرائنا بأن تتبدل من زمن إلى زمن ، وتختلف بين صبانا وشبابنا وكهولتنا ، وتتباين من عمر إلى عمر ومن سن إلى سن ! ومع ذلك فربما يتعجب بعض أقربائي ، ويستغرب الأصدقاء والمعارف ، سبب إدماني ، في السنوات الأخيرة ، على ركوب القطار ، وتفضيلي إياه على غيره من وسائل النقل البرية الأخرى رغم أني كنت من هواة السفر على متن السيارات التي جربت منها الكثير من الأنواع ، واملك اليوم واحدة من ذوات الدفع الرباعي . ولتبديد عجب المتعجبين ، وإنهاء استغراب المستغربين ، أخبرهم بأن ما يعجني في قطاراتنا ، ويجذبني لركوبها خلال سفرياتي المتكررة بين فاس والرباط ، ، ليس كونها ، من أهم وسائل النقل البشري الهامة ، والسريعة والرخيصة والمهدئة للأعصاب ، في كثير من البلدان ، المتقدمة أو النامية ، بالإضافة إلى ما فيها من أمن وراحة وإمكانية الحركة والتنقل من عربة إلى أخرى التي تضفي على الرحلات على متنها متعة أخرى . لا أبدا ، لا هذا ولا ذاك ، وذلك لأنها عندنا غير مريحة وبطيئة ، سلحفائية السير ، تقطع مسافة 180 كلمومتر الفاصلة بين مدنتي الرباط وفاس في أكثر من ساعتين ونصف ، ولا أركوبها لراحتها وضبطها للوقت ، فهي قطارات ضربت الأرقام القياسية في العطب والتأخر ، حتى أنه يحكى أن مسؤولا ضج من شكايات الركاب ، فنزل متخفيا لإحدى المحطات لاستطلاع الأمر ، فلاحظ أن القطار حضر في الوقت المحدد له ، فتساءل متعجبا "إوووا ها هو دخل في الوقت دياله! " فجاءه الرد سريعا من أحد عمال المحطة : "هذا أسيدي راه التران ديا البارح !! " ؛ لأن قطارات خاصة بمجتمعنا الذي لا يعرف قيمة للوقت ، ولا يحرص على الثواني والدقائق بدقة متناهية ، وليست كقطارات البلدان المتقدمة كاليابان على سبيل المثال لا الحصر ، التي لا يتجاوز فيها معدل تأخر القطارات سبع ثوان في السنة . وإنما هو ما يحدث خلال السفر على متنها من مفاجآت وروايات وأحداث تجري فصولها مع وبين ركابها المختلفي المشارب ، والمتبايني الطبائع والنفوس ، والمتباعدي الأهواء و الأذواق والمواهب والمذاهب . حيث يكون لي ، في كل مرة اركب فيها قطارا ، موعد مع قصة جديدة ، لأبطال من ركابها المتجددون مع كل سفرية ، ما يجعل مقولة " هيرقليطس "الشهيرة عن النهر الذي قال عنه أنه : "لا يمكن للمرء أن يستحم فيه مرتين " تنطبق تمام الإنطباق على القطارات عامة ، حيث لا يمكن للمرء أن يسافر على متنها مرتين ، فكما أن المياه دائمة التجدد في مجاريها ، فكذلك هي الحياة في قطاراتنا - التي تغيرت كثيرا ، و في زمن وجيز ، عما كانت عليه قبل عقدين - مستمرة التجدد ، بتبدل ركابها الذين أصبحوا اليوم رقميين بعدما كانوا شفويين -ولم أقل "ورقيين" لأنه من عادت شعبنا القراءة ، حيت أنه من الناذر أن تصادف راكبا من ركابها يحمل كتابا ورقيا ، اللهم إذا كان أجنبيا ، سائحا اوروبيا أو مكلفا بمهمة في بلادنا - يستعينون على بطئ المسير وطول المسار بالثرثرة المقيتة لقتل الوقت ، حيث ترى اليوم جل الركاب ، إناثا كانوا أو ذكورا ، شيباً أو شباباً وحتى الصبيان ، وقد غرقوا في أجهزة كمبيوتراتهم الصغيرة ، و"طابلتات الآيباد والأندرويد" المتطورة ، يلعبون ، أو يقرأون ، أو يشاهدون الأفلام ، أو ألبومات صور ، أو يدردشون عبر هواتفهم المحمولة الدقيقة والمتنوعة ، التي لم يكن لها مكان في حياتنا إلى زمن قريب ، وتحولت إلى وسائل تكنولوجيا حديثة مألوفة كحلية للزينة ، فتحت كل القطارات على العالم الخارجي عبر نقلها الحر اللاسلكي لمكالمات الركاب ورسائلهم النصية وصورهم وفيديوهاتهم التي لا تنقطع .. وعلى ذكر الصور والفيديوهات والكامرات تذكرت قصة طريفة حدثت أمامي في إحدى سفرياتي المعتادة على متن أحد القطارات القادمة من البيضاء العاصمة الاقتصادية ، إلى الرابط عاصمة المملكة الإدارية والسياسية الرباط ، والمتوجه إلى فاس التي كانت هي الأخرى -في زمن ما غابر -عاصمة سياسية وتحولت إلى عاصمة علمية ، حين كان فيها من العلم والعلماء ما جعلها كذلك. صعدت أدراج إحدى عربات القطار المتوقف لتوه بمحطة "الرباط أكدال " وتوجهت صوب أول مقصورة .. أخذت مقعدا لي كان فارغا قرب النافذة ، أجلت البصر في من حولي أتفحص نوعية الركاب ، .. أثار انتباهي منظر ، إمرأة تخفي نفسها تحت عباءة سوداء ، وتغيّب يديها وراء قفازتين ، وتغطي قدميها بجوارب داكنة ، لا يكاد يبين منها شيء ، غير فتحتان في الرأس تبرز منهما عينان جاحظتان ترمق في حذر ما حولها ، وإلى جانبها تكوم رجل بكامل لحيته يرتدى جلباباً قصيراً بعض الشيء ، يمكن أن نقول أنه من الأشخاص الملتزمين دينياً ، بعينين زائغتين يتطاير الشر منهما ، ولا تتوقفان عن تتبع حركة راكبي المقصورة ، وخاصة الشبان الثلاثة الأصحاء الأقوياء الوسيمي المظهر والمنظر الجالسين قبالته ، كان الملتحي لا يتعب من التحديق ، بل لا يتوقف عن النظر الشزر في كل من زاغت عينه جهة الحسناء المتشامخة بجانبه ، والتي عرفنا فيما بعد ، مما طرأ خلال الرحلة من أحداث مؤسفة ، كادت تنتهي بجريمة شنعاء لولا ألطاف الله الخفية وتدخل شرطة القطار ، أنها زوجته .. لا أدري ما الذي جرى بالضبط ، لكني فوجئت ، كما غيري في المقصورة وباقي ركاب العربة بأكملها ، بالوجوه تتعبس ، والأجساد تتكهرب وكأن مسا كهربائيا أو شيطانيا أصابها .. وبعدها ثارت ثائرة الشيخ الملتحي ، وأرعد وأزبد ، ثم انقض على أحد الشبان الجالسين قبالة زوجته صائحا في وجهه ــ بقاموس من الكلمات البذيئة والعبارات النابية -من موقع الحزام لتحت كما يقال- التي يخجل الإنسان من سماعها ، ولا تليق بمظهر وسنه ، دون أن أنسى ظاهرة البصاق المتبادل بينهما والذي لوث هواء المقصورة ونال كل من الركاب نصيبه منها . تطورت الأمور إلى الأسوء وأمسك كل منهما بتلابيب الآخر ، وفجأة أخرج الشيخ مدية ، سكينا ، بل سيفا وبدأ يلوح به في السماء وهو يكبر ويهلل ، ويسب ويلعن الكفار والفاسقين ، . دامت المعركة أزيد من ثلث الساعة ، قبل أن يتمكن فاعلي الخير من الركاب ، من تجريد الملتحي من سلاحه وتهدئته ومحاولة معرفة سبب كل ذلك الهيجان ، والذي عرفنا بأنه يتهم الشاب بتصوير زوجته بمحموله ، الشيء الذي نفاه المتهم جملة وتفصيلة ، صائحا في الجميع بالله عليكم هل في هذه الكومة السوداء ما يصور ؟؟؟ سؤال أثار ضحك الركاب ، بل دفع بالكثيرين للقهقهة المدوية ، ما زاد من حنق وغضب الملتحي .. أمام مثل هذا الموقف الطريف وغيره من المشاهد الساخرة ، التي كثيرا نصادفها خلال السفر على متن القطار .. ألا تستحق قطاراتنا أن تركب رغم ما يُعرف عنها من مشاكل .. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكل جهنمه !!(4)
-
مداخل مدن أم مفارغ زبالة ؟؟
-
التعيين العائلي في الوظائف العمومية !
-
خائن من يعتصب ورود مدينتي !
-
لكل جهنمه 3
-
المجتمعات الاستعراضية ، رياء ونفاق !
-
لكل جهنمه !!!(2)
-
فضائح أئمة المسلمين الجنسية !
-
الحكامة في المشهد السياسي !
-
لكل جهنمه !!!
-
حوار ودي مع نقابي متميز على هامش يوم دراسي .
-
معاناة المعالم التراثية العمرانية الحضارية والتاريخية للمدن
...
-
لماذا رثاء المهندس خالد الغازي؟
-
رثاء المهندس خالد الغازي
-
وداعا المهندس خالد غازي .
-
كفى فتنة ، فقد بلغ السيل الزبى!
-
الحملات العنصرية الخاسرة للإسلاميين ضد الأمازيغ .
-
كل عام و -رجال العام - ، بكل خير !
-
الويسكي والشمبانيا في ميزانية 2014 للحكومة الإسلامية !
-
كل عام وانتم بالف خير ...
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|