|
قراءة في الإنسان.
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4386 - 2014 / 3 / 7 - 04:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بين الواقع و الرغبة في عيش القناعة بحرية، يجد الإنسان نفسه في مُعضلة حقيقية، فهو يعلم أمرا ًو يريد أن يحيا بمقتضاه، لكن واقعا ً مُحيطا ًيبدو تغيره إما صعبا ًجدا ًأو يتطلب سنوات طوال لا يتسع العمر لها، و إن اتسع فقد خار الجسد و لم يعد يصلح لتأديه المطلوب منه، أعود فأفول لكن واقعا ًمُحيطا ًيفرض عليه نمطا ًمعينا ًمن الحياة هو لا يريده أصلا ًو يسعى جاهدا ًللابتعاد عنه، و يبقى الحل في التمسك بالقناعة و تطويرها بفهمها الفهم الصحيح و مراجعة نواتجها بعد تفاعلها مع العوامل المؤثرة و الظروف المحيطة، و إعادة النظر فيها على ضوء الساحة الإنسانية كاملة ًو ليس على ضوء الواقع فقط لأنه قد يكون مُضلِلا ًأو مُضلـَلا ً (بالكسر و الفتح) و كلاهما في آن معا ً، و السعي الجاد و الحثيث لعيش هذه القناعة بالمثال و العمل و الفكر.
و لاشك أن الأمل و الرجاء سلاحان قويان يشحذان كل همة و يستتبعان بالضرورة قوة تستديم بقاء القناعة و تطورها حتى لو عاندت الظروف و قسى الواقع. بهذا يتميز الجنس البشري عن سواه من الكائنات التي تستجيب لظرفها المادي بحسب طبيعة معينة لا تتغير، و بهذا يتميز المفكرون و المُصلحون و أصحاب المبادئ و و أرباب الإنسانية و المكينون عندها في المنزلة و القدر و القيمة و هي أي القيمة ما يُقاس بمقدار ما يقدمون لإخوتهم البشر و ينفعون به البشرية و الناس و الأرض والأحياء و الجمادات حتى. و يكون الحل أيضا ً في أن يجتهد الإنسان لأن يحيا هذه القناعة على شدتها و تعارضها مع الواقع بحسب درجتها أو درجة الظروف و المتغيرات، فلا ينفصل عن واقعه و لا يفقد قناعته،
و هذا الزواج و التزاوج ضروري للبقاء، أساسي لاستمرارية الإنسان، لأنه في النهايه جسد و عقل و طاقة روحية أضعف ما فيه أول ثلاثهم و أقوى ما فيه ملموسا ً الثاني، بينما الثالث مُحرك ٌ و وعي ٌ ملموسان بالأول و الثاني بدون أداة علمية تقيسهما. و يبقى في النهاية أن نقول أنه بدون الارتقاء في الوعي و القيم والمفاهيم و على رأسها الحرية، لن يكون هناك ارتقاء للجنس البشري، لأن الحرية تُنتج الاختيار و الاختيار يُنتج الإبداع في القول و العمل و التطوير و التحديث و المراجعة، و الإبداع يرتقي بالجنس البشري لتغير واقع يعيشه مليارات البشر على كوكب يموت فيه في كل يوم سبعة عشر ألف طفل نتيجة الجوع أو أمراض ناتجة عن سوء التغذية، و يرزخ مُعظم سكانه تحن أنظمة توتاليتارية شمولية سياسية أو دينية أو كليهما، فلا هو وصل للرخاء الإقتصادي المنشود و لا هو قادر أن ينفض عنه ركاما ًثقيلا ًمن عقائد و خرافات و خزعبلات و قوانين و تابوهات تبقيه في فلك غير فلكه و تنزع عنه أجمل ما فيه: إنسانيته.
لا يستطيع الإنسان أن يعيش في انفصال ٍ عن واقعه و مجتمعه، لكنه لا يستطيع ُ أيضا ً أن يتخلى عن سمو قناعاته حينما يكتشف أن المجتمع أصبح َ عبدا ً لتلك النزعات الأولية للمأكل و المشرب و التفاعل الإجتماعي دون سعي ٍ حثيث لتقوية النفس و تساميها و الصعود فيها للأعلى، و تتفاقم المشكلة كلما أدرك أن هذا القطار يمضي على سِكَة ٍ لا نهاية َ لها، كأنها في مسار ٍ حلزوني ٍ دائري ٍ لا ملامح له، كل نقطه هي محطة، و كل محطة هي كسابقتها إلا في الإسم لكن لا في المعنى.
هذا المجتمع مقتول ٌ بالأيدولوجية، كل ما فيه ِ أُنثى مذبوحة، من أول إناثه المُغطاة بالقماش إلى آخر ذكوره المُغطاة بالحق الإلهي، كلُّهم مخدوع و كلهم ضحية و كلهم جان ٍ على نفسه و على الآخر. في كل ٍّ منهم إنسان، و أمام كل إنسان ٍ منهم إله ٌ و جيش ٌ من الملائكة و زمرة ٌ من الشياطين، و في عقله ِ كتاب و على قلبه كتاب، و يختفي كل ُّ شئ ٍ ما عدا خوفه من ساعةٍ يقف فيها محشورا ً مُنتظرا ً كتابه.
كل ما أتى به السدنة ُ لم ينجح أن يجعل من هذا المجتمع ِ أخلاقيا ً، ما زالوا يكذبون و يسرقون و يغشون و يعدون و يُخلفون و يكيلون بألف كيل ٍ و كيل، و يبخسون الناس إنسانيتها و حقوقها معا ً. أنبياؤهم ما زالت قصصا ً في كتبهم، و نصوصهم ما زالت درنات ٍ تحت التراب سقاها مزن ُ الحياة فلم تُنبت، و انحنوا فوق ترابها يصرخون: قومي إلى الحياة، بينما وقفنا وراءهم و قلنا: لقد دُفنت مولودة ً فلنمضي إلى حيث ُ الحياة و الأمل و لندع التراب يتكفل ُ بما تحته! فصرخوا في وجوهنا: كلا و رب ِّ كل ِ ميت ٍ تحت التراب، إنها لتحيا و إنا لمُحيوها! فمضينا و تركناهم و ما زالوا يصرخون و يستصرخون.
هب أن ربَّك َ لم يشأ حديثا ً في جماعة ٍ إلا في عقل ِ نبي ٍّ و حروف كتاب، هل كُنت َ لتطرُق َ بابه و تأمره بالمثول أمام مليارات ٍ لا يرى منها أحداً؟ هل كنت َ لتقول: أنت أمرتني فصمت ُ و صليت ُ و آمنت؟ كيف تقول ما لم يقل لك و كيف تروي عن لسانه و أنت لم تسمعه و كيف يسعك أن تؤمن بالنبي؟ أنت النبي، فانظر ما يوحى إليك في قلبك في شأن نفسك و أمر بيتك و حق أخيك الإنسان، ثم اسجد في محراب الحقيقة الإنسانية، أمام هيكل الحب، حيث لا مذبح، لكن محيا، محيا الإنسان، محيا الإنسانية، محيا الحياة!
هل تصمد ُ أمام هلوسات ِ اللاهوت ِ الذي كل ُّ تفسير فيه هو مزيد ٌ من الأسئلة ِ بدون إجابات، أمام كُتب ٍ فيها كل ُّ شئ ٍ ما عدا المنطق و الإنسان؟ كيف يستقيم ُ ربُّ اللاهوت مع مليارات النجوم و الكواكب و القوانين و العلوم و البشر الجائعة في كينيا و أوغندا و جنوب إفريقيا و بائعة الهوى التي أرى الحزن في وجهها كلما خرجت ُ من الشركة التي أعمل فيها و هي تذرع ُ الشارع و وجهها في الأرض خجلا ً؟
كيف يستقيم ُ رب ُّ اللاهوت مع طفل ضربه السرطان، أجد صورته على صناديق التبرع عند الكاش حينما أدفع بعدما أشتري كل شئ لعائلتي من المول بينما هو في المستشفى لا يريد ُ سوى: نفسه؟ كيف تستقيم كلمات: الشكر لله، حينما أذكر ُ جارتنا الأرمنية التي هُجرت من العراق مع بناتها الثلاث، و ثديها المقطوع بسبب السرطان، و ضُحكتها التي كان فيها من الفرح أقل ُّ شواهد ٍ بكثير من صرخات ِ الألم ِ و الخوف.
أسأل ُ عن الله في وجوه الأطفال و حجاب الفتيات و حركات المنقبات السريعة في الطرقات و هن يمضين كالخائفات من كل شئ، شواهد حية على اغتيال ٍ للصبا و الليل الذي سجى و الحب و الحياة و الحنين إلى البراءة و الإنسانية و الانطلاق و السعادة و الصفاء. أسأل عن صدق الوحي و الكشف الإلهي حينما أرى الناس و الأسى الذي يُرافقها و اسأل أما آن لك أن تظهر؟ ماذا تنتظر؟ أين أنت؟
إن الحب هو الحقيقة الوحيدة، و الإنسان هو المقدس الأول و الأخير، و دمنا الأحمر يشهد، أننا بشر، و أن لا شئ يطال ٌ قامتنا، و لا حتى الله، فإن "هذا الأمر أعظم ُ من أن يُعلن و أظهر ُ من أن يُكشف و أعلى من أن يطاله إعراض ُ مُعرض أو مكر مكار ٍ عنيد"، أعني أمر الإنسان، أمر الحب، فهذا هو الأمر و لا أمر قبله أو بعده.
معا ً نحو الحب، معا ً نحو الإنسان!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لما ضحكت موناليزا
-
في تحرير المرأة – انتفضي سيدتي الآن
-
داعش – فرض الجزية على المسيحين في الرقة السورية
-
قراءة في القداسة – بين الجذر الديني و الاستحقاق الإنساني
-
في نفي النبوءة - رؤية في الجذر النفسي للنبوءة و نقد آليات ال
...
-
في اللاوعي الإدراكي و تأثيره على الإنسان – الحنين، و الجنة و
...
-
في نفي دونية المرأة – التكاثر الجنسي كخيار الطبيعة
-
في نفي دونية المرأة – بين داروين و العلم الحديث
-
بين الإله الحُلولي و الإله الشخصي.
-
من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب
-
الهوس بجسد الأنثى - بين فيمين و النقاب
-
قراءة في شكل الاستعباد الحديث.
-
قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 2
-
من سفر التطور – في النظام داخل العشوائية.
-
في الحب بين الذكر و الأنثى – نبؤات ٌ تتحقق
-
من سفر الإنسان – الوحدة الجمعية للبشر و كيف نغير المجتمعات.
-
من سفر الإنسان – الأخلاق و الدين
-
من سفر الإنسان - خاطرة قصيرة في معالجة مشاكل الحياة و صعوبات
...
-
الانعتاق من النص – إملاء الحاجة
-
بين داعش و النصرة و الفصائل الإسلامية المقاتلة
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|