|
في الحقيقة والواقع...لم تعد هناك حقيقة ولا واقع !!
عمر الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 4384 - 2014 / 3 / 5 - 16:22
المحور:
كتابات ساخرة
قبل سنتين دعيت لندوة او مؤتمر نظمتها جمعية اجنبية غربية لبحث جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبتها الانظمة المجرمة،، دعي اليها شخصيات مشهورة كثيرة في العراق والمنطقة،، انا اسكن في مكان بعيد عن مكان انعقاد الندوة او المؤتمر سرت وصديقي المدعو الاخر بالسيارة وقضينا خمس ساعات في رحلة مارثونية ووصلنا الى المكان قبل افتتاح الندوة بربع ساعة،،، المؤتمر لم يفتتح كما هي العادة بآي من الذكر الحكيم،، افتتحت بكلمة من رئيس الجمعية الغربية المنظمة للمؤتمر اتبعها كلمة سفير الدولة الغربية التي تنتمي اليها الجمعية،، قال فيها بأنه سينهي كلمته في دقيقتين لانهم شعب يحترمون الوقت!!..يريد ان يقول لا تصيرون لوجة ولغوجية واحترموا الوقت!!..وظل السفير يلغي لربع ساعة متباهيا بانجازات دولته في مساعدة فقراء العراق وكردستان!!..ثم تكلم قاضي غربي عمل سابقا في محكمة جرائم الحرب في لاهاي وقدم الى الحضور على انه يترأس الف قاضي في دولته!!..وقالها المترجم بشكل اكثر وضوحا،، وقال،،، يعني يشتغل جوه ايده الف قاضي!!..لكن المشكلة ان المترجم الثاني كان مصريا وترجم كلمة القاضي الى مستشار!!..لان المصريين يقولون للقاضي مستشار ولا يستعملون كلمة قاضي، وهنا بدأت المشكلة عندي!!..تذكرت على الفور مستشاري الدفاع الوطني في كردستان ايام حكم الثمانينات وكيف انهم كان ...جوه ايد كل واحد منهم حوالي الف جحش؟!!..،، الكردي الذي كان يحارب الكردي تحت امرة المستشارين هؤلاء كان الكرد يطلقون عليهم اسم الجحش ويسمى الواحد منهم ب جاش اي صغير الحمار!!..قلت في نفسي ربما كان هناك في برلين جاش ايضا؟!!..وظل المستشار يلغي لنصف ساعة مستعرضا نفسه،،، بعدها تكلم خبير في ال dna عن جهوده وبطولاته في المساعدة في التعرف على جثث ضحايا المقابر الجماعية في البوسنة والعراق وظل اللوجة هذا يتلوج لساعة!!..ثم جاء الدور على الهيبة المحلية،،، وكيل وزارة عراقية بشارب كث مصبوغ بعنف وسواد الشارب والشعر ينبأك بأن الصبغ هو صبغ الاحذية لا صبغ شعر!!!،، في البدء بدأ كلامه بعبارة،، في الحقيقة والواقع،، ثم قدم طلبا غريبا الى الحظور، حيث استسمحهم بأن يعذروه لكثرة اعماله للمغادرة بعد القاء كلمته!!..وقال،،، في الحقيقة والواقع ارجوكم ان لا تؤاخذوني لاني في عجالة من امري وسألقي كلمتي في دقيقتين،، لانني في الحقيقة والواقع قد جاءتني مخابرة هاتفية تقول بأن هناك مقبرة جماعية جديدة تم اكتشافها قبل لحظات ويجب عليه الذهاب بنفسه الى هناك!!..اشدعوة عمي هذا الاستعجال؟!..قابل الرفات والعظام راح اتطير؟!..لو يبوكونها؟!..وظل يتكلم،، في الحقيقة والواقع والحقيقة والواقع!!..كل جملة من جمله الغير المفيدة لم تخل من الحقيقة والواقع!!!..وظل يتكلم لحوالي الساعة والنصف وسرد خلالها تاريخ نضاله الشخصي!!..واستعمل لعشرات المرات عبارة...في الحقيقة والواقع..!!..والتي اصبحت العلامة الفارقة في ذلك اليوم!!..وبعدها نزل من المنصة وعاد ليجلس مكانه!!!..ناسيا انه في عجالة من امرها لاستخراج الرفات من المقبرة الجماعية التي ابلغوه بانهم اكتشفوها..ودلا الجميع بعد ذلك بدلوه،،، كل يذهب الى المنصة ويبدأ القول،، ب في الحقيقة والواقع!!..الى ان استبد بي التعب والارهاق والجوع،، ستة ساعات في الاستماع الى عبارات،،، في الحقيقة والواقع،، لا تغني عن التعب ولا تسد الجوع!!..بل تزيدك ارهاقا وانهاكا..رئيس الجمعية قال على المنصة الان نبدأ استقبال الاسئلة!!!..ايوووو ه؟!...وبدأت سيل الاسئلة والملاحظات التافهة والمترجم الكردي الثاني يترجم كالببغاء،، واحدة لا تملك شيئا ترفع يدها وتقول نحن نشكركم،،، انتم الالمان اخواننا!!..اود ان اقول بأننا الكرد آريين وانتم آريين!!..يعني اخوان!!..دكعدي خايبة،،، بالله هاي مداخلة امؤتمر مال جينوسايد؟!!..ويطلعلك واحد يتفلسف ويقول...في الحقيقة والواجب ان جرائم الابادة الجماعية هي جرائم تندى لها جبائن الانسانية!!..وشنو هاي؟!..خبر عاجل لو خبر عاجل؟!!..اي طبعا تندى لها الجبائن خو مو اتبجلها واتقدسها؟!!..وتوالت التوافه من الاسئلة والمداخلات وكنت ارمقهم بغضب،، ويبدو ان رئيس الجمعية الغربي لاحظ امتعاضي من الغباء فسألني هومشيرا بيده الي!!!..وانت ايها السيد اليست لديك اسئلة مداخلة، ملاحظة،؟!..اراك منذ سبع ساعات صامتا؟!!..قمت وقلت،، نعم لدي السؤال الى المترجمين الاثنين هذين!!!..الم تتعبا من الترجمة؟!! وضحك رئيس الجمعية وفض المجلس الى اليوم الثاني ودعونا بعد الفض الى تناول الغذاء الذي تأخر الى الرابعة عصرا !!..ودخلنا قاعة كبيرة فيها مائدة طويلة عريضة عليها طعام تكفي جياع افريقيا ومن شتى الصنوف والانواع!!..ولكن نسيت ان اقول لكم..انا ايضا خايب،،، نعم خايب!!..على تلك المائدة اللئيمة تناولت فقط برتقالة وتفاحة وموزة واحدة فقط!!..على اساس داخاف على ايماني وديني وبعبقريتي فطنت الى ان البرتقال والتفاح والموز خالية من مشتقات دم او دهن الخنزير!! يا سلام على العبقرية؟!..تجالس الخنازير وتخشى من دم ودهن الخنزير؟!!..المهم كان القوم قساة جدا على الاكل والطعام اصبحت ساحة حرب حقيقية،، الاخت الآرية كانت تأكل بيدين وكأنها خارجة لتوها من المجاعة!!!..الافندي ابو المقابر الجماعية المستعجل كان يأكل قرب فتاة المانية شقراء غريبة الجمال وكان اجتماع خصلات شعرها الذهبي واقترابها من شعرات شاربي الافندي التي كانت تشبه (سيم غسل المواعين) تحكي قصة افتقاد العدالة!!..كان يأكل ويتجشأ ويصدر اصواتا غريبة من فمه ما حدى بالحسناء ان تبتعد عن الوحش ويدها على فمها في محاولة اخفاء ثورة ضحك مضمومة!!..الجميع اكل واكلوا بنهم ووحشية!!..اقتربت من الوحش لاذكره بأنه نسي تنفيذ واجبه المستعجل...فقال لي همسا،،، اسكت اردت افهامهم بأن بلادنا مليئة بالمقابرالجماعية!!!..اردت كسب ودهم!!..اننا مقبلون على تأسيس دولة!!...هؤلاء سينقلون كلامنا الى الغرب!!!..في اليوم الثاني لم يختلف الكثير،، كل ما في الامر هو ان عدد الضيوف المهمين زاد عما كان في الامس..وبدأت سلسلة التلوج واللغوة الجديدة،،، لم يقدم احدا دراسة موضوعية،،، لم تقدم رؤى واضحة..كلها كلام سطحي و مزايدات و المثاليات!!..في تلك اللحظات تذكرت ابن عم والدي العم ...رضا الداوودي،، الذي كان يملك قرية كاملة،، ولديه ثلاثة زوجات وثمانية عشراولدا وبنتا وحوالي سبعمائة رأس من الغنم الابقاروارضا زراعية واسعة كانوا يزرعونها وكانوا ملوك زمانهم في قريتهم في منطقة الداوودة القريبة من كركوك وكيف اكلهم غول الانفال وكيف قضى عليهم جميعا؟!!..وكيف فرهدت الاته الزراعية وكيف عاد من نكرة السلمان في صحاري العراق بعد سنتين ونصف من الاعتقال وكيف كان يروي لنا حكاية ولده الصغير الذي مات في حضنه داخل القلعة الحصينة وكيف دفنوه في ليلة ظلماء وكيف رآى في الفجر من فتحة نافذة قديمة من بعيد الكلاب المتناوبةعلى جثة الصغير المنبوشة القبر؟!!..تذكرت دموع وفقر عمي رضا...تذكرت رفضه للصدقات التي يقدمها اليه الناس!!..تذكرت عودته للقرية وزواجه وهو في عمر السبعين من جديد من امرأة بكماء..تذكرت معجزته الشبيه بمعجزةابراهيم في رزقه ولدا وبنتا وهو شيخ كبير من امرأة مسنة وبكماء!!..تذكرت حرثه وزرعه واعادة بناءه لبيت طيني بسيط من جديد،، تذكرته بشدة،، تذكرت يوم كنت اصاحبه مشيافي احدى الاسواق وكيف ارتفع صراخه فجأة داخل السوق وهو يمسك بيد رجل وهو يصرخ به،،، مجرم،،، سفاح،،، قاتل،، هذا هو قاتل اولادي!!!،، ولما سألوه عن الامر اشار للجميع الى الساعة التي يرتديها الرجل في يده قائلا،،، انها ساعتي،،، انها ساعتي،،، لقد اخذوهامني جبرا في نكرة السلمان!!!...اي يا عمي قابل هي ساعة بسمارك؟!..غريب امر عمي،،، تذكر ساعته ونسي اولاده!!..لم يترك الرجل الذي كان يتوسل اليه ويغلظ له الايمان بأنه اشتراها في بغداد قبل اشهر!!!..تذكرت العم رضا في وقت كان علية القوم هناك يناقشون جرائم النظام السابق،، لهذا قمت الى المنصة وقدمت كلمتي،،، وبدأت كلمتي ب...في الحقيقة والواقع،،، لم تعد هناك لا حقيقة ولا واقع!!..لا ادري ما دهاكم؟!..اين حقوق الضحايا؟!..انتم فقط تبحثون عن المقابر الجماعية!!..اين حقوق العم رضا الحي الباقي،، الناجي من المقبرة الجماعية؟!..اين انتم من بحث دور شركات بيع الاسلحة الكيمياوية الغربية المسؤولة والمشاركة في الجريمة؟!..بصراحة تامة اقول لكم بأنكم هنا من اجل تشويش وتشويه الحقيقة...لم تعد هناك حقيقة بسببكم...لم يعد هناك واقع واضح بسببكم...وبعدها لم يتم دعوتي الى اية ندوة او مؤتمر خاص بجرائم ضد الانسانية والجينوسايد،،، وكانت اخر كلمة لي هي انكم هنا تبيعون ال خورما (التمر) في خالص!!..انكم هنا تبيعون الجوز في هورامان!!..وعم صمت تام في القاعة،،، لا تصفيق ولكن بالمقابل لا اعتراض من احد!!..الوحيد الذي جاء الي ليشكرني كان رجلا اسمه كاروان على ما اتذكر وعرف نفسه لي بأنه مسؤول جمعية ضحايا القصف الكيمياوي في حلبجة،،، ولكنه قال لي بأنه اعجب جدا بعبارة،،، بيع الخورما في خالص!!!..عجيب؟!!..حتى انت تريد ان تضحك فقط؟!...اما المترجم فقد قال لي بأن الالمان ظلوا يتساءلون عن معنى العبارة....بيع الخورما في خالص!!!..وقال بأنه اضطر الى تقديم شرح طويل عن مغزى العبارة!!!...في الحقيقة والواقع اصبحت اكره الحقيقة والواقع!! لانه لم تعد هناك حقيقة ولا واقع.
#عمر_الداوودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة وصندوق والدي القديم !!
-
اي رقيب.....ليست مجرد قصيدة ؟!
-
اعطني معاشي ....فأنا مدين..ولم اعد وطنيا
-
كم يوسفا في البئر ؟!
-
رهانات خاسرة
-
القانون في قفص الاتهام !!
-
شكرا لغبائكم...توقيعي ليس للبيع..!!
-
دكتور آتيلا...صدى صوت مرتد من ألم الماضي
-
مهمة في غاية السرية !!
-
مات مرتين....او عدة مرات !!
-
انت سجين سياسي...لهذا تستحق راتبا !!!
-
الرهان الخاسر !!
-
سهم الفقراء الحالي...عالي وغالي !!!
-
لاوطنية الوطنية...ووطنية ال لا وطنية !!
-
الظل وظل الظل !!
-
حين تصبح انت القضية....ستضيع القضية!!!
-
الوطن في شواربكم!!
-
فاشل دراسيا....ناجح سياسيا !!
-
الانسلاخ والانسلاخ من الانسلاخ
-
لكل منا ..توباد
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|