أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علال كوزة - هل هناك قيم كونية تجاه البيئة















المزيد.....



هل هناك قيم كونية تجاه البيئة


علال كوزة

الحوار المتمدن-العدد: 4383 - 2014 / 3 / 4 - 19:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



Dieter Birnbacher
ترجمة:عــلال كٌــوزة
تقديم النص والكاتب (*)
المقال الذي قمنا بترجمته هو في الأصل عرض باللغة الإنجليزية شارك به الأستاذ "ديتر بيرنباخر" في الندوة التي نظمتها "الأكاديمية الأوروبية لدراسة الآثار المترتبة عن التطورات العلمية والتقنية " أيام 21 - 23 شتمبر1999، في موضوع "البيئة عبر الثقافات"، ونشر سنة 2003 في المجلد 19 من منشورات هذه الأكاديمية. و ترجمه إلى اللغة الفرنسية" لورنت فيرميرشLaurent Vermeersch " ونشر بالمجلة الفرنسية "جغرافيا وثقافات" عدد 37 سنة 2001.
ونظرا للمكانة التي أصبح يحتلها موضوع البيئة ضمن اهتمامات الفكر الفلسفي المعاصر، الذي أصبح يأخد على عاتقه مهمة تحليل الجوانب الفلسفية للأزمة البيئية التي عرفها العالم نتيجة التدهور البيئي المتزايد،ارتأينا أن أن نقدم للقارئ العربي وجهة نظرالأستاذ ديتر بيرنباخر باعتباره أحد المهتمين بالموضوع، والذي له مكانته الفلسفية الخاصة في هذا المجال وفي غيره من المجالات الفكرية، سواء في اوروبا أو في أمريكا.
ولد ديتر بيرنباخر Dieter Birnbacher سنة 1946 بمدينة دورتموند بألمانيا. درس الفلسفة والإنجليزية واللسانيات في جامعات دوسيلدورف و هامبورغ وكمبردج بالمملكة المتحدة . حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من هامبورغ سنة1973و التأهيل من إيسن سنة1988 ،و في سنة1993 عين أستاذا للفلسفة بجامعة دورتموند، ومنذ سنة1996 وهو يدرس الفلسفة بجامعة "هاينرش هاينه" بدوسيلدورف Heinrich-Heine-Universitä-;-t Düsseldorf . والدكتور بيرنباخر يهتم بالأخلاق، والأخلاقيات التطبيقية(أخلاقيات البيئة ،أخلاقيات المستقبل،أخلاقيات الطب،أخلاقيات وسائل الإعلام ) والأنتروبولوجيا، و فلسفة التيكنولوجيا، وديداكتيك تدريس الفلسفة. كما أنه عنصر فعال في المجال الجمعوي الفلسفي والطبي والبيئي حيث إنه نائب رئيس جمعية شوبنهاور بفرانكفورت أم ماينFrankfurt am Main ، وعضو في لجنة تحريرالمجلة الألمانية "أخلاقيات الطب" . Ethik in der Medizin و عضو الأكاديمية الفلسفية والسياسية ببون. كما أنه عضو في العديد من لجان علوم الحياة بما في ذلك اللجنة الدائمة حول ـ زرع الأعضاء ـ لفدرالية الأطباء الألمان.وتتمحور موضوعات بحثه في هذا المجال حول الأونتروبولوجيا ، والأسس الأخلاقية لاستخدام الطب الحديث:( زرع الأعضاء، ، طب الإنجاب ،العدالة في توزيع النظام الصحي، بحوث الخلايا الجدعية، الهندسة الوراثية). وقد كتب العديد من المقالات والكتب العلمية والفلسفية، المنشورة إما بالألمانية أو الإنجليزية أو الفرنسية، وهو صاحب كتاب " المسؤولية تجاه الأجيال المقبلة" ، المنشورسنة1994 ضمن مجموعة :الفلسفة الأخلاقية ، لمنشورات المطابع الجامعية الفرنسية PUF.
خلاصة: Abstract
تفترض الحركة البيئية وجود نوع من التوافق بين الفاعلين الاجتماعيين، لكن هذا لا يوجد على مستوى المبادئ، وذلك لأن القيم البيئية تقابل بين وجهات نظر كل من المركزية الأنتروبولوجة ( التي تركز على القيمة الخارجية للطبيعة ) و المركزية الإيكولوجية (التي تركز على القيمة الذاتية للطبيعة). في هذه الحالة يمكن للطبيعة أن تقوم إما لصالح مكوناتها الفردية أو على مستوى مكوناتها المعقدة التركيب. إن القيمة الذاتية لأشياء الطبيعية يمكن أن تكون مرتبطة بالصفات التي تحملها هذه الأشياء أو بالأفراد في فرديتهم الملموسة. إن تنوع القيم لا يمنع تحقيق توافق ولو جزئي في الآراء. ألا يتقاسم الناس، الذين ينتمون إلى أنظمة مختلفة، العديد من القيم؟
إن توافق الآراء يمكن أن ينتج عن فعل تداخلها، و أن يظهر في إجراءات عملية تركز على الملموس أكتر من تركيزها على المبادئ. إن مبدأ اليقظة مقبول من طرف الجميع لكنه لا يجنب الخلاف كليا.
المفاهيم الأساسية: Keywords : المركزية الأنتروبولوجية، التوافق، المركزية الإيكولوجية، الأخلاق،الطبيعة، البرجماتية، القيمة، اليقظة.
===========================
تـنـوع القـيـم تـجـاه الـبـيـئـة.
إذا كان لابد من تقويم الحالة الراهنة لأخلاقيات البيئة، فينبغي التأكيد بوجه خاص على أن التعددية و التنوع وعدم التجانس هي الخصائص الحاضرة هنا بقوة، أكثر من حضورها في أي نظام قيمي آخر. التعددية تعني تعدد القيم المختلفة التي تتعايش، ليس فقط داخل الثقافات و المجتمعات، ولكن أيضا على مستوى المجموعة والأفراد، وبعيدة عن أن تكون موحدة حول نفس المبدأ الواحد. التنوع وعدم التجانس يعنيان أن هذه القيم لها خلفيات متنوعة جدا وتنتمي إلى تقاليد شديدة الاختلاف، سواء كانت دينية أو لا دينية، ذات بعد فلسفيي أو شعبوي، والتي يمكن في بعض الأحيان أن تكون على طرفي نقيض على مستوى مضمونها وتوجهها. إن هذه القيم حتى وإن كانت تبدو متوافقة من الناحية النظرية، فيمكنها أن تنتقل بسرعة إلى التعارض و المواجهة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى وضع قواعد لتحديد أهميتها الخاصة.
تعتبر القيم البيئية أكثر تنوعا وإثارة للجدل من القيم الاجتماعية، وهذا يمكن تفسيره، على الأقل، بعاملين:
ـ أولا لأن النزعة البيئية حركة حديثة العهد، ومن ثمة فان القيم البديهية لم يتم تتبيثها بعد بما فيه الكفاية، وإقامة تقاليد من شأنها أن تؤثرـ من خلال التربية والعادات ـ على الأجيال المقبلة.
ـ ثانيا لأن تأثير الآراء الدينية وغير الدينية والمعتقدات الميتافيزيقية الأساسية تؤثر كثيرا على القيم البيئية، أكثر من تأثيرها على القيم الاجتماعية.
ما دامت هناك تعددية في الرأي، فإنه ليس من المستغرب أن تكون هناك أيضا تعددية في القيم البيئية. على الرغم من أن كلا من المؤمن وغير المؤمن يمكنهما استخدام مفهوم المسؤولية استخداما مجازيا على حد سواء، لتمييز دور الإنسان تجاه الطبيعة، فإن هذا المجاز يحيل بالنسبة لكل منها إلى مرجعيات مختلفة. بالنسبة للمؤمن المسؤولية محددة من طرف الله ،و بالنسبة لغير المؤمن هي محددة ومقررة من طرفه هو نفسه، و من قبل المجتمع الذي ينتمي إليه، أو من قبل الأجيال المتلاحقة في تجاه مستقبل غير محدد.
لقد تطورت الأخلاق البيئية بشكل متواز مع القيم البيئية، في عملية معقدة من التفاعلات. هذه الأخلاق كان لها أثر على هذه القيم، و في الوقت نفسه فإنها تتشكل منها ، إنها تعكسها وتعيد بناءها وبذلك تكشف عن مساهمتها في نقل نسقيتها.
وبالموازاة مع ذلك، فإن الأخلاق البيئية تمكن من شذب القيم المفرطة المرتبطة بها، خصوصا في تعريفها لأصنافها التي تمكن من الإحاطة بتعقيد وترابط هذه القيم ، وبالتالي من وصفها ، ومناقشتها وتقييمها. وبناء عليه ، يبدو من الواضح أن القيم البيئية تختلف اختلافا جوهريا فى العديد من الأبعاد، والثلاثة الرئيسية منها تحيل إلى الأسئلة التالية:
1.هل القيمة المسندة للطبيعة مستمدة من الطبيعة ذاتها أم من خارجها؟
2. إذا كانت الطبيعة مقومة بكيفية مستمدة من الطبيعة ذاتها، فهل هذه القيمة مرتبطة بالمكونات الفردية للطبيعة أو بالمجموعات، المعقدة التركيب، التي تتشكل منها؟
3. هل القيمة المستمدة من الطبيعة ذاتها مرتبطة بالخصائص أو بالأفراد في فرديتهم الملموسة؟
السؤال الأول يُنَاقَشُ ؛ في معظم الأحيان؛ في إطار التقابل القائم بين المركزية البشرية و المركزية الإكولوجية ، وذلك من أجل التمييز بينهما. والتمييز يكون، تقريبا ،على النحو التالي : إ ن صاحب النزعة المتمركزة بشريا يعطي قيمة للطبيعة غير الإنسانية في الحدود التي تسمح فيها للإنسان بأداء بعض الأعمال ، والتوصل إلى بعض الحالات ، وبعض الخصائص ، في حين أ ن صاحب النزعة المتمركزة إيكولوجيا يعطي للطبيعة (على الأقل لجزء منها) قيما عن طريق الإحالة إلى آثارها في التجربة الإنسانية ، و تأثير وظائفها على الخصائص البشرية. في منظور النزعة المتمركزة حول الإنسان لا يمكن للقيمة أن تسند إلا للحالات والأفعال و الخصائص البشرية. وهذا هو التقليد الذي يسود في الغرب ، متأثرا بفلاسفة أمثال طوما الإكويني وكانط. على خلاف ذلك فإن المركزية الإيكولوجية ظاهرة حديثة في الفلسفة ،وترجع أساسا إلى رد فعل عنيف ضد المركزية البشرية و متغيراتها المهيمنة "المركزية الباطولوجية" و"المركزية الحيوية".
يفترض منظور المركزية الباطولوجية سعادة وهناء جميع المخلوقات الحساسة ويتطابق هذا مع الأخلاق الشعبوية التي تسعى إلى حماية الحيوانات التي لها حساسية؛ من المعانات التي يفرضها عليها الإنسان. بسبب التأثير القوي للمركزية البشرية المسيحية ،دخلت هذه الأخلاق الشديدة التجدر ، في الفلسفة منذ روسو وهيوم وشوبنهاور والفلاسفة النفعيين.
يأخذ منظور المركزية الحيوية بعين الاعتبار كل كائن حي، وبذلك فهو يشكل اليوم المقاربة الأكثر نفوذا بين دعاة حماية البيئة ، أمثال: "ألبير شفايتزر Albert Schzeitzer " وهانس يوناس Hans Jonas وبول تايلور Paul w.Taylor " حتى لا نذكر إلا الأكثر شهرة.
و السؤال الثاني يتعلق بالأشياء التي تسند إليها قيمة أصلية مستمدة منها هي ذاتها،
ان دعاة الفردانية يعطون قيمة لما يكون الفرد فقط ، بينما دعاة الكلانية يعطون قيمة للمجموعات؛ كالمدى الجغرافي، والنظم الايكولوجية، والأنواع البيولوجية( التي تعتبر كيانات جماعية متزامنة) مجموعات لا تتحدد قيمتها بتجميع القيم المرتبطة بالكيانات الفردية التي تتشكل منها . إن مناصر النزعة الكلانية المعتمد في مجال الأخلاق البيئية اليوم هو الأمريكي" ألدو ليوبولد Aldo Léopold " الرائد في الأخلاق البيئية الذي يقترح: أن الشيء يكون صائبا عندما يميل إلى صون تكامل و استقرار و جمال المجتمع الحيوي،و يكون خاطئا حينما يحصل العكس( ليوبولد 1949 ص 224).
أما السؤال الثالث فلا يقل أهمية(عن سابقيه)، إلا أنه لم يثر اهتمام المهتمين بالأخلاق البيئية إلا مؤخرا. لقلت ظلت الأخلاق البيئية تهيمن عليها إلى حد كبير ما يمكن أن يطلق عليه المقاربات الأكسيولوجية، هذه الأخير تعطي قيمة للخصائص العامة للكيانات الطبيعية (للأنواع ،والوظائف ،والعلاقات)، وليس للأفراد كأفراد.إنها تسند قيمة للكيانات الطبيعية الفردية باعتبارها إمكانيات من الخصائص والمهام والعلاقات، ولكن غير مبالية تماما بوجود الأفراد كأفراد ، ومن هنا فإنها ترفض واحدة من الأفكار المحركة للحركة البيئية وهي الحفاظ على الكيانات الطبيعية لذاتها أو لهويتها الملموسة.
الفكرة الكامنة وراء هذا الصراع هي مسألة الخاصية المنطقية للقيم كما هي ممثلة في المقاربات الأكسيولوجية. هذه الأخيرة تعتبر القيم كصفة ، كشيء يحدث على الخصائص الوصفية . إذا كان كيان فردي طبيعي، في لحظة ما وفي مكان ما، يعتبر من حيث الجوهر جديرا بالحماية، وهذا حسب النظريات الأكسيولوجية، فذلك نظرا للخصائص العامة التي يمتلكها هذا الكيان . يمكن مثلا أن يكون هذا الكيان مرشحا للحماية، لأنه يساهم في الجمال والتكامل والاستقرار الشامل للنظام الإيكولوجي. إن ما يميز هذه القيم هو أنها ليس لديها سوى علاقة قليلة مع الفردية الملموسة للأشياء التي تثبتها. فعلى سبيل المثال ، إذا كان هناك كيان محمي فلأنه يشارك في مستوى من التنوع البيولوجي (أيا كان تعريف التنوع البيولوجي) وهذه القيمة ليست لها صلة بأية خاصية فردية إن لم تكن تلك التي تجعلها تختلف بما فيه الكفاية، عن كيان طبيعيي آخر على مستوى النمط الوراثي ، والنمط الظاهري أو شيء آخر. مبدئيا، كل كيان يمكن استبداله بكيان آخر له نفس الخصائص أو خصائص متساوية القيمة. إن كل استبدال لكيان بآخر يكون مشروعا، إن لم يكن ضروريا، شريطة عدم الانتقاص أو الزيادة في القيمة الإجمالية للطبيعة.
إذا كانت الأخلاق البيئية، حسب القاعدة العامة، تمنح قيما اعتمادا على خصائص فهناك أصوات معارضة أمثال "دافيد إهرنفلد(1998) David Ehrenfeld أو إريك كاتز(1985) Eric Katz" التي ترفض الاستبدال بين الأشياء الطبيعية، بنفس الكيفية التي رفضت بها الفلسفة الكانطية الاستبدال بين البشر، و التي تنص على أن كرامة الإنسان لا يمكن مقارنتها بقيمة أخرى، حتى وإن كانت كرامة إنسانية لشخص آخر قائمة أو محتملة .
أي احـتـمـال لـظـهـور تـوافـق فـي الآراء ؟
إن تعدد القيم لا يساهم في ظهور توافق في الآراء، كما أنه لا يجعل من المستحيل إقامة هذا التوافق. وعموما كلما كانت التعددية موجودة في نظامين متميزين من القيم، كلما كان من المحتمل أن تنتمي بعض القيم للنظامين، كما يمكنها أن توفر قاعدة مشتركة بينهما.هكذا و كما في علم النفس الاجتماعي ، فإن التعدد يميز نظم قيم معظم الناس ، ومن المتوقع أن تتداخل هذه النظم القيمية بوضوح على مستوى بعض القضايا ، وإن تباينت على مستوى أخرى.
لكن لا ينبغي أن نبالغ في هذه الأولوية، حينما نتساءل عما إذا كانت هناك قيم بيئية كونية فنحن لا نبحث عن توافق في الآراء بشكل جزئي أو كلي بين هذه القيم . إن الخلافات وعدم التوافق بين نظم القيم لا تنجم عن اختلاف القيم ولكنها تنجم عن الأولوية المعطاة لهذه القيم.كون شخصين أو ثقافتين يقيمان نفس الشيء لا يعني أن منظومة القيم التي تحكمهما تكون متطابقة : كل واحد منهما يمكنه أن يعترف بنفس القيم ولكن في نظام مختلف من الأولويات ، وذاك ما يشكل ذريعة وجود خلاف بينهما .و بالموازاة مع ذلك فإن اختلاف شخصين في الرأي لا يعني أن منظومات قيمهما مختلفة تماما. إنها يمكنها أن تتداخلا إلى حد كبير، و وتصبح في الأخير متقاربة جدا.
إن نظم القيم؛ على مستوى الممارسة؛ نادرا ما تكون لها حدود دقيقة وواضحة. إن الفرداني غالبا ما يقبل قيما خاصة بالكلانيين، كما أن الكلاني يقبل بعض القيم الفردية. لكن هذا لا يمنع نشوب خلافات بينهما ، لذلك يجب اتخاذ قرارات و إجراءات عملية ملموسة. يمكن لسياسي أن يسلم بصدق القيم البيئية غير المتمركزة بشريا مثل القيم المرتبطة بالتنوع البيولوجي دون اتخاذ أي قرار من شأنه حماية قيم التنوع البيولوجي قبل القيم المتمركزة بشريا كالتنمية الاقتصادية. عندما يتم اعتباره كشخص قليل الميول إلى الدفاع عن القيم غير المتمركزة بشريا فإن هذا السياسي يمكنه من الناحية النظرية أن يكون نزيها، لكن دعمه لهده القيم ليس فقط مجرد فرصة للظهور مادام كل قرار يجب أن يتخذه يفترض قيام صراع مع قيم متمركزة بشريا لها الأولوية بالأساس . علاوة على ذلك ، سيكون من الخطأ التفكير في أن علماء البيئة الذين هم ضد الاتجاه الذي يركز على الجانب البشري، أمثال "دافيد إهرنفلد David Ehrenfeld أو إريك كاتز Eric Katz "، لا يكثرتون بنداء القيم الإنسانية مثل الرفاهية الاقتصادية ، والحرية الفردية، أو العدالة الاجتماعية. إن همهم ليس هو تغيير أو استبدال القيم ، بل هو تغيير ترتيب الأولويات بين القيم التي تركز على الجانب البشري وتلك التي لا تركز عليه،و هكذا يتم تغيير التقاليد الغربية الراسخة.
هل الخلافات العديدة القائمة بين الثقافات والمجتمعات تجاه الأولوية التي يجب إعطاؤها للقيم، تتعارض مع توافق محتمل في الآراء؟ لا، ليس قطعا. هناك على الأقل نموذجان يبينان أنه من الممكن التوصل إلى توافق في الآراء بين نظامين مختلفين من القيم. وحسب هذين النموذجين، ليس هناك إلا اتفاق جزئي في الرأي مطلوب لضمان نجاح السياسات البيئية الوطنية والدولية، تاركا للتفاوض و للتصويت، أو للقرارات على المستوى المحلي، جميع الأسئلة التي لن يشملها هذا التوافق الجزئي في الرأي.
نموذج توافق الآراء عن طريق التداخل
استنادا إلى النموذج الأول ، الذي يمكن أن يسمى بنموذج توافق الآراء عن طريق التداخل ؛ مشيرين هنا إلى "راولس Rawls "و إلى استخدامه لهذه العبارة في الفلسفة السياسية (Rawls ، 1993) فإن التوافق في الآراء حول احترم القيم العليا يكفي بالنسبة للحالات العملية. مادامت هناك بعض القيم العليا المشتركة (بصرف النظر عن الأولوية المعطاة لها) فالتوافق في الآراء قوي بما فيه الكفاية لمتابعة الأهداف البيئية المشتركة وفقا لهذه القيم.
هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه المقاربة يمكن أن تكون إلى حد ما على الأقل ناجحة.إن عدد المعاهدات الدولية التي تم التوقيع عليها خلال العقدين الماضيين، حول حماية البيئة والطبيعة، لخير دليل على إمكانية وجود توافق واسع في الآراء فيما بين الثقافات والمجتمعات الأكثر تنوعا. لقد حمل لنا تحقيق ميداني حول القيم البيئية، نشر مؤخرا من قبل أمريكيين من دعاة حماية البيئة هما (مينتر Minter و مانينManning 1999) العناصر الأولى عن هذا التوافق في الآراء. اعتمدت الدراسة على عينة تمثيلية من السكان في ولاية ( فيرمونت ( Vermont بالولايات المتحدة الأمريكية. عينة من الأسر، تم اختيارها من دليل الهاتف، توصلت باستبيان حول القيم التي يعتقدون أنها يجب، أن تكون أساسا للسياسات البيئية. لإعداد الاستبيان، تم استخراج 17قيمة متعلقة بالبيئة من الأدب المختص، و تم تصنيفها إلى 5 فئات، تمتد من المواقف المضادة للبيئة إلى الحالات المميزة للاتجاه البيئي الأصيل. أظهرت الدراسة أولا أن هناك في الواقع تعددية مفرطة تجاه القيم البيئية، حتى في وسط سكاني متجانس كما هو الشأن في منطقة (نيو إنغلند). وبالإضافة إلى ذلك، فإنه ليس من المستغرب أن تأخذ القيم المتأثر بالدين (مثل الطبيعة باعتبارها خلق الهي ، والطبيعة مقدسة) أهمية خاصة هنا. مع ذلك ، وهذا أمر أساسي هنا ، فان نتائج الدراسة تبين أن القيم الثلاث التي تم ذكرها في أغلب الأحيان بالاسم والتي تحظى بالكثير من الموافقة ،هي أيضا القيم الثلاث الأكثر قيمة من حيث الأهمية النسبية ، وهي: "الأجيال القادمة" (مع عبارة الطبيعة ستكون مهمة بالنسبة للأجيال القادمة، و "(نوعية الحياة" (مع عبارة الطبيعة تساهم في نوعية حياتنا ، مثل الترفيه ، الهواء الطلق ، الجمال الطبيعي) و"بقاء البيئة" (مع عبارة بقاء الجنس البشري يتوقف على الطبيعة والعمليات الطبيعية ).هذا التوافق في رأي ، يقودنا إلى استنتاج مفاده أن مبرر حماية البيئة يمكن أن يكون أكثر فعالية باعتماده على قيم ذات نزعة تركز على الجانب البشري ، وتتسم بالسخاء ، والفطنة عموما : قيم من أجل التدبير ، و الاحتياط، لضمان بقاء سلامة الطبيعة للأجيال المقبلة. كما هو متوقع يبدو أن القيمة الجوهرية للطبيعة، ليست ربما هي الدافع الغالب لحماية البيئة، ولكنها القيمة الخارجية التي هي في خدمة الإنسان من أجل تحقيق راحته وهنائه وسعادته.
سيكون من المثير للاهتمام أن نرى نتائج مماثلة من الأبحاث التي أجريت في أنحاء أخرى من العالم لمعرفة ما إذا كانت لدينا ، في حالة "فيرمونت Vermont "، أولويات محلية محضة أو عالمية حقا. ننتقل إلى افتراض أن هذه الاستطلاعات التي أجريت في البلدان الأخرى والثقافات الأخرى من شأنها أن تؤدي إلى نتائج مشابهة ، وذلك بكل بساطة لأن هذه القيم التي تعظم الفطنة إنها الأكثر وضوحا بالنسبة لكل واحد منا ولأنها لا تتطلب أكثر من تحقيق الفائدة لصالح الخلف.
النموذج البرجماتي
يمكن لهذا النموذج الثاني أن يسمى بالنموذج البرجماتي( أو العملي)، وذلك لأنه يركز على العمل، وعلى معايير الممارسات ،وعلى استراتيجيات تستمد من القيم بدلا من التركيز على القيم نفسها . الفكرة الكامنة وراء هذا النموذج هي أنه ليس هناك ما يتعلق أكثر بالقيم النهائية، سواء كانت مبادئ أو تقاليد، إلا العمل البيئي الملموس. حتى مع المبادئ الأساسية المتباينة ، من الممكن التوصل إلى توافق في الآراء يمكن أن يكون وسيطا في مستوى من التجريد ، وبالأحرى ،على مستوى الممارسة. و على هذا المستوى الوسيط تبدأ الفلسفة البيئية وتترك المبادئ الأساسية للتنوع اللانهائي للتقاليد الثقافية والإيديولوجيات الاجتماعية والمعتقدات الشخصية. بما انه يبدو من المستحيل أن يكون سحر نظام فلسفي سليم واحد يمكن ان يتغلب على تعددية ونسبية هذه المبادئ ، فإنه لا يوجد بديل للمقاربة العملية. هذه المقاربة تعتمد على قواعد استقرائية عموما تستنبط جوهر أوليات الاتصال العامة من إيديولوجيات مختلفة. وتهدف هذه المقاربة إلى استخلاص نتائج من صميم التوافق في الآراء ؛ بدلا من البحث عن مبادئ أساسية تكون حتما أكثر هشاشة حتى وإن اعتمدت هذا التوافق.
أصبح هذا النوع من المقاربة العملية ، في أخلاقيات الطب الإحيائي، المقاربة النموذجية لحل المشاكل في مجالات ذات أهمية متشابهة، و تتميز أيضا بخلافات عميقة حول المبادئ الأساسية، خلافات كثيرا ما تتفاقم بسبب رفض الرأي المعارض والإدانة الأخلاقية للمعارضين. إن كتاب (توم ل. بوتشام وجيمس ف.اتشايلدرس (Tom L.Beauchamp et James F.Childerss الذي يقترح هذه المقاربة العملية لم يصبح معروفا في الميدان فقط، ولكنه أصبح أيضا نموذجا لحل عملي للمعضلات دون إثارة جدالات أخلاقية عميقة.عنوان هذا الكتاب" مبادئ أخلاقيات الطب الإحيائي "Principles of Biomedical Ethics (.Beauchampو Childress1994) يمكن ان يساء تفسيره بسهولة.المبادئ التي يشرحها ويناقشاها( بوتشام و اتشايدلرس) ويطبقانها على طائفة واسعة ومتعددة من المفاهيم المتعلقة بدراسة أحوال الضميرالأخلاقي ليست بديهيات أخلاقية أو مبادئ أساسية بالمعنى التقليدي ، وإنما هي خطابات للأماكن العمومية ،أو مفاهيم متعلقة بالاتجاهات التي تمس الخطاب الوعظي العام.
من جهة أخرى ، فان للمؤلفين وجهات نظر مختلفة على مستوى الأخلاق الأساسية ـ الواحد نفعي و الآخر أدبياتي ـ ومع ذلك ، فإن لهما على الأقل قناعات مشتركة ، تجمع بينهما. إن نيتهم الصريحة والمعلنة؛ هي تعليق القضايا الأساسية، بكيفية تقليدية، في مركز الأخلاقيات ،وبداية مستوى من الخطاب الأخلاقي يقوم على الإجماع والتوافق .
في الأخلاق البيئية، هذه المحاولة المعروفة لإقامة توافق في الآراء حول القيم والمعايير على مستوى ما من التعميم، تطابق " فرضية التقارب " التي اقترحها البيئي ( بريان نورتون .( Bryan Norton والتي تؤدي إلى وجهة نظر أكثر مرونة وأكثر تسامحا. بتأويلها الأكثر مرونة ، تقترح أن تكون النتائج المترتبة على اعتماد معايير بيئية متمركزة إيكولوجيا غير منفصلة عن النتائج المترتبة على اعتماد معايير متمركزة بشريا. وفي التحليل الأخير، فإن اختيار هذه المقاربة أو تلك حول القيم الأساسية، غير دي جدوى. إن صاحب النزعة المتمركزة بشريا يعتمد ويدعم نفس الاستراتيجيات البيئية كصاحب النزعة المتمركزة إيكولوجيا، حتى لو بررا هذه الاستراتيجيات بمبادئ متعارضة كليا . من يركز على العامل البشري يبرر المحافظة على الانظمة الإيكولوجية ، والحفاظ على الأنواع البيولوجية بحجج قائمة على الاحتياط ، مشددا أيضا على استخدامها في المستقبل و على الأخطار البيئية المحتملة التي تفترض انقراض الجينة البشرية الحالية ، في حين أن من هو ضد المركزية البشرية يبرر نفس الإستراتيجية عن طريق الإشارة إلى القيمة الجوهرية للتنوع البيولوجي ، أوالى واجب الإنسان لكي لا يحدث خللا في وجود الكائنات الحية ، أيا كانت.
ونحن لا نعتقد أن هذا البديل الصارم لفرضية التقارب لا يمكن الحفاظ عليه. ومشكلة هذا الخيار ، تبدو مرة أخرى أنها تكمن في حقيقة أن أصحاب المركزيين الأنتروبولوجيين و المركزيين الايكولوجيين ـ حتى وان كان يمكنهم إتباع نفس الاستراتيجيات العامة ،والاشتراك في نفس البرامج البيئية ـ لهم أولويات متباينة وتعطي وزنا مختلفا بشكل كبير للمشاكل البيئية ، وفقا لتصورهم للاقتصاد أو لغيره من المصالح الإنسانية.لا أحد من المركزيين االأنتروبولوجيين مثلا، لا يمكنه الانخراط بأمانة في مبدأ صارم لحماية التنوع البيولوجي ، من أجل الحفاظ على نوع قليل الأهمية إنسانيا و بيئيا (سمك snail darter) ، أصبح مهددا بالانقراض من قبل مشروع (سد تيليكو Tellico) قبل الفوائد الاقتصادية الكبيرة التي يفترض أن يحققها مثل هذا المشروع .ورغم أن صاحب النزعة المركزية الأنتروبولوجية ليس مكترثا البتة بالقيمة الجوهرية للتنوع البيولوجي (كما أن صاحب النزعة المركزية غير الأنتروبولوجية غير مكترث بقيمة الرفاه المادي) ،فإنهما سيختلفان عندما يتعلق الأمر بتحديد المفاضلة بين هذه القيم . في الوقت ذاته فإنهما غالبا ما يتعارضان في حالات ملموسة حيث تعارض قيم المجال الطبيعي قيم المجال الإنساني.
إن أقل درجة من فرضية التقارب تبدو أكثر قبولا، أي افتراض أن هناك توجاها نحو تحقيق التقارب بين أصحاب مذهب المركزية الأنتروبولوجية وأصحاب مذهب المركزية الإيكولوجية من حيث المبدأ ، وهو ما يعني أن "التوحيد"الذي يهدف إليه "نورتون Norton وبعض البرجماتيين البيئيين ، ليس في متناول اليد ، كما يقترح التفسير الصارم ، ولكن هناك على الأقل وجود احتمال كبير أن مثل هذا التوحيد هو الذي تحقق في الاستراتيجيات الملموسة وفي القرارات. إن ضرورات الحفاظ على القيمة الجوهرية للطبيعة ،و والراحة الاجتماعية ،والتعقل، تلتقي على المدى البعيد عموما، لكن ليس على الصعيد العالمي.
هناك العديد من العوامل التي تدعم هذه الدرجة من فرضية التقارب:
اولا ،إن التوافق في الآراء على الحفاظ على الصيرورة وحماية التنوع هي المبادئ التي تعطي للاستراتيجيات البيئية ما يميزها عن غيرها من الاعتبارات.قليل من المركزيين الإيكولوجيين (على الرغم من وجود البعض) يعتقدون أن الصيرورة والتنوع يجب أن تعطى لهما قيمة غير مشروطة.إن القضاء النهائي على مرض خطير مثل الجدري يمكن أن يمنح إغاثة حقيقية ، وبنفس الطريقة ، فمن المفضل أن لا يوجد فيروس "الإيبولا Ebola" الا في عدد قليل من الأشكال و الأصناف المتعذر عدها. من ناحية أخرى ، فإن معظم أصحاب النزعة المركزية الإيكولوجية سيعترفون بمزايا المطالبات، من اجل الأجيال المقبلة، بالإبقاء على أكبر قدر ممكن من الإمكانات للتنوع البيولوجي (مع أنواعها و المكونات الجينية للنظام الايكولوجي) خصوصا و أن قدراتنا تبقى محدودة لتقييم هذه الإمكانات بتنبؤات ايكولوجية ، وبقدر ما نعرفه اليوم من خسارة دراماتيكية في الأنواع البيولوجية و الأصناف الجينية. ومن المقدر" أن الوثيرة الحالية للانقراض ، والإفقار الوراثي لا يمكن استدراكها في غضون الخمس ملايين سنة القادمة "(Jakobson جاكبسون وDragun دراغون، 1996 ، ص. 60).

إن القيمة التي ينسبها معظم المركزيين الإيكولوجيين للوجود المجرد للطبيعة، ولمكوناتها؛ سوف تعود إلى الظهور في علم القيم المركزي الإيكولوجي من خلال المعنى الذاتي الذي ينسبه المدافعون عن هذه القيم للوقاية من ضياع، لا يمكن تداركه ؛ للأنواع والنظم الايكولوجية .
ونفس الشيء ينطبق على التنوع، حيث إن المركزيين الإيكولوجيين يعطون قيمة للتنوع لأسباب عديدة منها : أنه غاية في حد ذاته ،و لأنه ينتمي إلى الخلق، ولأنهم يرفضون غطرسة الرجل الذي يسمح لنفسه أن يقرر ما ينبغي أو لا ينبغي الحفاظ عليه. أما المركزيون الانتروبولوجيون فيعطون قيمة للتنوع لأسباب جد مختلفة: التنوع بالنسبة لهم هو شرط لجمال الطبيعة إنه يتيح التجارب في ـ مع ـالطبيعة (بيملوت (Pimlott,1974,p .60. إن حماية التنوع تعني في الوقت نفسه حماية وسيلة محتملة للاستخدام والتجريب من طرف الأجيال القادمة، أجيال يصعب علينا أن نعرف نوع الطبيعة التي سيقدرونها .إن تقليص التنوع يعني المساهمة في خطر التدمير الإيكولوجي على نطاق قد يكون خطيرا على الإنسان ، حتى وإن كان هذا الخطر ضئيلا بالنسب لأنواع هامشية، أو مهددة بالانقراض نظرا لهامشيتها. بيد أن هذا الحد الأدنى من المخاطر ، إضافة إلى التهديد الدائم ،يشكلان حالة من حالات القوة القاهرة ، حتى بالنسبة للمركزي الأنتروبولوجي ، لاتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة، بوصفها مبدأ المعيار الأدنى للأمن (Safe Minimum Standard)، الأمر الذي يتطلب الحفاظ على أكبر عدد من الأنواع البيولوجية الممكنة؛ وبأعداد كافية ، ما لم تكن تكلفة الحفاظ عليها مرتفعة.
ثانيا ، هناك تداخل كبير بين المركزين الأنتروبولوجيين والمركزيين الإيكولوجيين فيما يتعلق بالقيمة الجوهرية للطبيعة. على الرغم من أن ، الطبيعة بالنسبة للمركزي الإيكولوجي هي أكثر بكثير من كونها مجرد مورد للبشر ، فأنه سيتقاسم مع المركزي الأنتروبولوجي جميع القيم المتصلة بإمكاناته ـ للخبرة والموارد التي تقدمها ـ بما في ذلك "قيمتها الملازمة لها" ، هذه القيمة التي تملكها الطبيعة لا باعتبارها وسيله؛ ولكن باعتبارها شيء يكون الغرض منه التجربة الإنسانية للإيستيتيقا ، وللعلوم وللدين.
إن القيم المركزية الأنتروبولوجية و القيم المركزية الإيكولوجية غالبا ما تلتقي بكل سهولة في مجال الإيستيتيقا: فبينما يعطي المركزي الإيكولوجي قيمة لجمال الطبيعة بوصفها القيمة الكامنة في الأشياء الطبيعية ، يعطيها المركزيون الأنتروبولوجيون قيمة نظرا للارتياح ، الذي تمنحه التجربة الإنسانية كعينة من "القيم التحويلية" (نورتون Norton) ، أي القيم القادرة ، ليس فقط على إشباع رغبات الإنسان ، ولكن أيضا على تحويلها وتوليد مفاهيم جديدة وعميقة من الحياة. ومع ذلك ، فان التخمينات بالنسبة لصاحب النزعة المركزية الأنتروبولوجية ؛غالبا ما تكون أكثر ملائمة.إن إخلاصه للاستراتيجيات البيئية لا يقل بدافع فكرة أن زيادة الرفاهية المادية ؛ والسكان؛ وتدخل الإنسان في الطبيعة ؛ والقيمة المعطاة لجمال الطبيعة سوف تميل إلى زيادة – وليس إلى نقصان - في المستقبل. ومن بين الأمور التي أصبحت نادرة بسبب للتنمية الاقتصادية، التجربة الطبيعة في حالتها الأصلية، ذات الجمال الطبيعي الأصيل، وإن كان يمكنها أن تكون أكثر قيمة في عالم أكثر سكانا، و أكثر تحضرا وأكثر تصنيعا.
هل اليقظة نقطة التقاء أم نقطة اختلاف؟
إن اليقظة هي واحدة من بين الأفكار التي يمكن أن تستخدم كنقطه التقاء في المبادئ التوجيهية المتعلقة بالقيم ـ ليس فقط بين الإيديولوجيات المتصلة بالبيئة ، ولكن أيضا بين الأمم والثقافات ـ ، والتي تطرح، كمبدأ، الحفاظ على رأس المال الطبيعي ،والاجتماعي والبشري و / أو الثقافي ، كل جيل يحدد استعماله للطبيعة بقدر ما تظل متوافقة مع الحفاظ على النظم الطبيعية، ومع صيانة أو تطوير اقتصادي للوضع الراهن. إن فكرة اليقظة هذه جذابة لأن لها ميزتين:ميلها نحو إيجاد الحلول التي تتطلب الحد الأدنى من الوسائل والجهد، وانفتاح محتواها الدلالي.
خلافا للتصورات الأكثر طموحا كالنفعية ، فإن اليقظة معدة سلفا لتصبح القاسم المشترك بين وجهات نظر مختلفة حول تطور العالم ، وذلك لأنها لا تفعل شيئا أكثر من المحافظة على ثبات ما هي عليه، دون أن يتطلب الأمر تطبيق التحسينات أو التقدم النوعي. إنها تمكننا من استغلال الطبيعة شريطة أن نترك للأجيال المقبلة ، حسب قول لوك Locke " الأكثر إمكانية و الأحسن إمكانية " .إنها لا تلزمنا بالمقابل للتصورات النفعية ، على سبيل المثال ، بوضع خطط لتحسين الأوضاع المعيشية ،وبالتالي السماح للأجيال المقبلة بالتمتع بالكثير من الصحة و الحرية والتعليم أكثر من أي جيل سابق . لكن هذا ليس هو العامل الوحيد الذي يفسر قدراتها على التوحيد.إن مفهوم اليقظة اتفاق مثالي لأنه يتيح العديد من التفسيرات دون أن يفقد مضمونه. إن هدفه ، كمضمونه المحدد ، ليس ثابتين. ما يجب أن يظل ثابتا يبقى مفتوحا على التأويل : مقدار الموارد المادية ،و كم وكيف وظائفها الايكولوجية ،و كم وكيف وظائفها بالنسبة للإنسان ، و احتياطي الموارد الاقتصادية (عن طريق استخدام رأس المال الطبيعي أو المنتج) أو تحقيق إجمالي للحاجات الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب معرفة إذا ما كانت هذه القيم تنطبق على المستوى الإجمالي أو على المستوى الفردي.و في الحالة الأخيرة، حتى كيفية المحافظة على هذا الاحتياطي من رأس المال الطبيعي اللازم لنمو إجمالي للسكان، هو ابعد ما يكون عن الوضوح.
من الواضح أن هذه الدرجة القصوى من القدرة الدلالية هي نعمة يشوبها غموض والتباس. إنها تحمل في طياتها التهديد بالانشقاق، أكثر من الوعد بالمواءمة. إن تفكيكها يظهر، أن مفهومها ليس فقط غامضا جدا ولكنه مهدد بالتناقض أيضا، وخصوصا عندما يكون مرتبطا بمفهوم التنمية، كما هو الحال في تقرير" بروندلاندت Brundlandt" (اللجنة العالمية للبيئة والتنمية World Commission 1987) . هذا التقريب بين اليقظة والتنمية يسعى إلى المحافظة على هذا الوهم المحتمل بأن التنمية (التي تعني من بين ما تعنيه، التنمية الاقتصادية) متوافقة مع اليقظة باعتبارها استقرارا لرأس المال الطبيعي. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا واقعا في الظروف الحالية. بالرغم من أن الوضع العام للموارد سيكون أقل مأساوية سنة 2000 وهذا ما يفترضه تقرير مؤرخ في تلك السنة نفسها ،فإن التوقعات سواء على المدى المتوسط أو البعيد لا تؤكد تبرير التفاؤل الكامن وراء عنوان هذا التقرير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نتقدم بشكرنا العميقة للأستاذ Dieter Birnbacher الذي تفضل وأذن لنا بترجمة مقاله هذا إلى اللغة العربية ونشره ، كما نشكره على مساعدته لنا على توضيح دلالة العديد من المصطلحات والتعابير التي كان يصعب علينا في بعض الأحيان فهمها و نقلها إلى اللغة العربية.

Bibliography:
BEAUCHAMP, Tom L.et James F CHILDERSS, 1994, Principles of Biomedical Ethics, New York, 4th ed.
EHRENFELD, David, 1978, The Arrogance of Humanism, New York.
JAKOBSON, Kristin M.DRGUN Andrew K,1996, Contingent Valuation and Endangered Species. Methodological Issues and Application, U.K, Cheltenham, USA, Brookfields.
KATZ, Eric, 1985, “Organism, Community and the Substitution Problem” Environmental Ethics,n°7.
LEOPOLD,Aldo,1949,”The Land Ethics”, dans L.Aldo,A Sand County Almanach and Sketches Here and There, New York,p.201-226
MINTEER, Ben A.et Robert E. MANNING,1999,”Pragmatism in Environmental Ethics: Democracy, Pluralism and the Management of Nature», Environmental Ethics,n°21p.191-207.
NORTON,Bryan G.,1991,Toward Unity among Environmentalists, New York
PIMLOTT,Douglas H.,1974,”atHE value of Diversity”,dans J.A.Bailey, W.Elder et T.D.Mckinney,(-dir-.)Readings on Wildlife Conservation, Washington DC,p.31-43
RAWLS, John, 1993, Political Liberalism, New York.
WORLD COMMISSION ON ENVIRONMENT AND DEVELOPMENT,1987, Our Common Future, Oxford/ New York.



#علال_كوزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التراث الفلسفي وإشكالية قراءته
- هايدجر: التأويل الفينومينولوجي لنقد العقل الخالص لكانط


المزيد.....




- الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
- مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا ...
- السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر ...
- النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
- مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى ...
- رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
- -كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
- السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال ...
- علامة غير عادية لأمراض القلب والأوعية الدموية
- دراسة جديدة تظهر قدرة الحليب الخام على نقل فيروسات الإنفلونز ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علال كوزة - هل هناك قيم كونية تجاه البيئة