طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 23:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأت وثلاثة من زملائي الاطباء نذهب الى عياداتنا كل يوم .. اخذنا نقطع المسافة سيرا على الأقدام من المستشفى الى جرف النهر . كنا نقضي الوقت بالسخرية واطلاق الطرائف . كنا كباقي افراد الشعب العراقي نتناول تلك الطرائف حين تخنقنا الاحداث ويزداد فيها الخوف والقلق .. من الجرف كنا نستقل احد الزوارق ونعبر الى الضفة الاخرى من دجلة ثم تتوزع على عياداتنا ..
حين نتوسط البلم نبدأ بغسل وجوهنا بماء النهر وكان ذلك يشكل متعة كبيرة لنا ... اه انه الماء ... !! توقفت مولدات الكهرباء في المستشفى منذ اسبوع وبدأ الماء يتناقص بالتدريج ..ثم انقطع.. كانت قائمة العمليات تزداد يوما بعد يوم ، ثم ساعة بعد ساعة... كان لا بد ان نغسل وجوهنا وايدينا بعد وقبل اجراء كل عملية جراحية .. اضطررنا الى الاستعانة بالمغذيات المالحة والتي كانت عسرة عند الاستعمال فاستبدلنا الصابون بالكحول .. ثم وحين نفذت تلك السوائل اضطررنا للاغتسال بالمغذيات السكرية ! وهنا بدأت اللزوجة تغلق اعيننا وتلصق شعر رؤوسنا !! كان اخر مكان لا تزال خزاناته تحتوي على الماء هو بناية الطب العدلي!! اخذنا نتوجه الى بناية الطب العدلي لكي نستحم ونزيل ما علق باجسادنا من الدم ... كانت ثلاجات الطب العدلي قد امتلأت بالجثث التي شوهتها وأحرقتها قنابل الغربان .. وقد امتلأت أيضاً قاعات البناية بتلك الجثث المجهولة الهوية التي اصطادتها تلك الغربان على الطرق والجسور وفي المعسكرات !! كانت الجثث قد انتفخت وتفسخت بعد انقطاع التيار الكهربائي..تضاعفت احجامها وارتفعت ايدي بعضها تحت ضغط السوائل وخيل لي ان بعضها يشير الى السماء وأخرى تشير لنا .. كنا نقف الواحد خلف الاخر وكل منا يضع منشفته على كتفه ويتدلى من يده كيس يحوي عدة الحمام .. ننتظر خروج زميلين سبقونا الى الحمام .. كان منظر المستحم وهو يخرج من الحمام يثير الضحك والبكاء والرعب في ان واحد وهو يحاول بصعوبة اجتياز الجثث وقد وضع منشفته على أنفه تفاديا لرائحة الموت .. نستقبله بكلمة سخرية مؤلمة وجزع : نعيما !!
كنا ننحني على حافة البلم ونكاد ان نغرقها ونحن نقرب رؤوسنا من سطح الماء ونغسلها .. نطلب من الربان ان يؤخر وصولنا الى الجرف لكي نستمتع بالماء ونغتسل به !! هكذا تتدنى الأمنيات وتصغر حاجات الانسان ويقترب من الحيوان بساطة وسلوكا حين تضيق به الامور ونعصره الحياة .. انها الحرب .. أقذر وسيلة واحط سلوكا ينتهجه البشر ...
يتبع
#طالب_الجليلي (هاشتاغ)
Talib_Al_Jalely#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟