أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - أَطراف آخر البساتين














المزيد.....


أَطراف آخر البساتين


ابراهيم زهوري

الحوار المتمدن-العدد: 4381 - 2014 / 3 / 2 - 14:06
المحور: الادب والفن
    


نادراً ما يزورني أبي وهو الرجل المسن المتعافي من وعكة ٍصحية في هذا الوقت من صقيع زمهرير الشتاء حيثُ عليه قطع نصف المسافة من وسط المخيّم المكتظ صوب جهة الغرب عند إلتقاء تمدد البيوت الجديدة مع أطراف آخر البساتين المهجورة , تاركاً ورائه حارة "الحاووظ" بتاريخها العريق المُنحل وهجرة أغلب عائلاتها نحو رغد العيش في الأحياء الجديدة, لم يبق غيره صامداً كبناء قلعة في الريح , يربي الحيوانات الأليفة كتذكار الحياة الريفية التي لاينفك في الحنين إليها كسائحٍ يغلبه الشوق لحكايا مكان الزمان الأول , هناك حيث وطأت قدماهُ لأول مرة تراب حواري حارة "الوَطا" أعلى وادي الليمون غرب سفوح مدينة صفد, هناك رسمت فتوة ساعدية خرائط بساتين أبيه أشتالاً للزيتون المصفوف خطاً مستقيماً وراء خط , هاجسه الأسطوري لصيد السمك في مياه الينابيع العذبة.. قيادة حلقة الدبكة في الأعراس ودوام المدرسة , مفردات اللغة الإنكليزية وخطب الزعامات المحلية عن آخر إضراب , مغموراً برؤى قصص شجرة العائلة , نُطف سلالات دمنا وفاطمة بنت النبي.. زيارة الأقارب في المدن الساحلية ,ركوب الحصان الأشهب ومطاردة الضبع الهارب في الأدغال حتى النهاية ,وهنا في قعر غياهب اللجوء حيث تتراكم محطات آخر العمر, ظل العدم في عامود الخشب , يزين هاوية وحدته رمادُ أشباح الجدران المتسخة الزرقاء .. سوء الألم في نوافذ الغياب, تنهكه تفاصيل العالم الغريب , خيمة الفأس وقطع الحطب ..صديق المطحنة الجديد ومشاكل سيارة الأجرة الصفراء , المشاركة في تعزية آخر قتيل ..هنا حيث يبدو البعيد قريب كمفاتيح البيوت العتيقة , يحاكي صمت أخيلة الماضي بعنف شظف العيش ويتنهد ... تجتمع حوله هرولة الدجاجات و تتناثر كحبات المطر من يديه كل أصناف الحبوب ميعاداً ثابتاً لوقت علف الطيور , " الأَوزة البيضاء وضعت بيضتين كبيرتين " كما يحب أن يعلن ويصرح عن آخر المستجدات " والديكُ الفرنسي اللعين كسر رجله اليمنى تحت وطأة ثقل حجرٍ بغيض وانحناء قضيب حديدصدئ",أبي الواضح البسيط فعلها هذه المرة بإصراره على الخروج من كهف شرنقته مساءً وكأنه يعود مستسلماً ثملا ًلبقع ضوء حياته المبعثرة ...يدخل مبتسماً خجولاً كعادته ويحمل بيده قرصاً كبيراً من حلوى "المشبك " الساخن ليهديه لحفيديه الصغيرين عربون تواصل وفاتحة تمتين أواصرْ وإن بدت له أنها جاءت متأخرة بعض الشيء مشفوعةً باعتذارِ قبلة تُطبع على وجنتي كلٍ منهما, يصمت ساعة من الزمن ويغفو ساعة ويتقلب على جنبيه كلما استغرقت حواسه بئر الرحيل نحو حواف أرضٍ يعرفها عن ظهر قلب لتمتصه لحظات حيرة واندهاش لتساؤلات يقين عينيه الدامعتين , يتنصل جسده من ضجيج الكلمات ويبتكر وحده رحيق الأسى لحديث الذكريات عنقوداً يتدلى من عرائش دالية كرومه المُحاطة بالحواجز و الأسلاك , يُطيع هُدْهد أَسراره ويُفصح لأول مرة في حياته ويقول :

- " كان بودي طرد هذا المأفون اللعين .!! لكن العادات تحكم يا بني , هو كان في بيتي حينها وليس من شيم فضائلنا طرد الضيف ,لكن الذي يدعو للعجب أَنه كيف يجرؤ بعد كل هذه السنين ويأتي من منفى لجوئه اللبناني لزيارتنا وهو الذي كان ينافسني على طلب يد المرحومة أمكلكني حينها قطعت بشهامة الفرسان الطريق عليه وهو لم ينس ذلك , وكيف لا وهي بنت عمي أصلا ً",-وهنا يُشدد على وقْع ِحروفه ومخارجها - ويضيف" من المؤكد أن وسواس ضغينة نفسه الأمارة بالسوءكانت سبباً في حدوث بعض المشاكل وذلك نتيجة دسِّ الرقى المشبوهة "الحُجب"التي كتبها عند شيوخ الشعوذة الأفاقين لينال من هناء حياتنا الزوجية , ألا يعرف أن الزواج قسمة ونصيب !! لذلك في نهاية أمره وقع في قاع الحفرة التي حفرها ومات ذميماً مشلولاً يلوك طعم الألم من عصارة كبده المتفسخ "بدا أبي متأثراً جداً رغم مطالبته لي بأن أحفظ سره ولا أقوله لأحد وكأن عنفوان شبابه المفقود في دهاليز روايته استعاد الآن روح التحدي وقوة التصميم , يروض فجور طبقات العجز لينفض صادقاًغبار ما صادرته مواثيق سجون الخضراء سيدة الأرض المتحيزة من وهج أقمارٍ لا تُنسى ولا تُستعاد, هكذا يغوص بساط شوقه السحري شواطئ أمجاد أزمانه ... يطير هارباًبوح قلبه المفتوح نحو ضفاف خلاصه الوجودي رغم غروب شمس نهاراته رويداً رويداً, وبات معروفاًبأَن أبي لا يعرف تسلية من أي نوع .. لا يدخن ولا يلعب الورق , لا يرتاد المقاهي ولا حتى تستهويه قضم موالح المكسرات كل ما يعرفه هو الإهتمام الدؤوب بشؤون غيره مثل نُبل ِالقديس الصدوق الذي يحمل طواعية بين جوانحه جبل إيثارٍ لا يُفنى , تؤرقه كلما تعثرت قدميه على دروب بقايا الحلم القادم من عهد طفولته الحزينة ضيق زنزانة الغربة وأنها كما ذكر مرة ًقبيحة لا تحفلُ بالمسّرات التي يمكن أن تُذكر , يناديه آذان العشاء كآية فناء العاشق لتأدية صلاة فرضه, وقبل أن ينهض ويغادر لا تسعفه كلمات الوداع التي ينتقيها بحرص ٍشديد لذلك يوصيني دون تردد كاشفاً الغطاء عن آخر أُمنية "عندما يأخذ الباري أمانته .. إدفنونيبجانب قبر أمك في الفسحة الضيقة قرب شجرة الورد " , أشدُ أَزْرهُ بالدعاء صراحة ًله بدوام البقاء وطول العمر ولا أصمد أمام نيران عاطفتي وهي تلتهمني كَلحنِ فريستها الوحيدة, عائداً من وراء الباب يُنْشد بكاء قهري " المنفى , المنفى !!..هي الروح التي تنأى بنا عن أرضنا نحو الحبيب " .

مخيم النيرب / حلب
4/ 2 / 2014



#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشوة الخروج من نبرة التفاصيل
- مواقيت شفق , بَلَلُ طين التجوال
- -طاسة الرعبة- آيات قدسية ... وحضنُ أمي
- اللبيبُ من الإِشارة يفهم
- مَدائِحُ أَحصنة وكآبة العُمْرِ القصيرْ
- أَكثرُ من شخص في صورة ٍواحدة
- على متنِ الرملِ .... مذكرة احتجاجِ آخر العصافير
- تفاصيلُ رَجْمِ الموتى وشارِعٌ يَستّحِقُ الغِناء
- شفيرُ ضوءٍ يأْتي ... رِجْسُ رُقاد
- دورانُ خاتمة الكسوفْ وجرحُ أَريجٍ يَشْهَدْ
- حَطَّابُ الوَقتْ
- ناعمةً أَصابع الوردة وكهفُ الشوق خَشِنْ
- ندم نصف الليل
- - ثلجٌ حار-
- يَسْتَّرِدُ البحرُ أَسْرارَهُ طريداً أَكتمُ أَنفّاسِيَّ ضفائ ...
- لا تُسعِفهُ النايّات... نَفْحُ خُيولْ والقلبُ أَخرسْ
- سيد العدم , قاع رماد حرب , وانقلاب الناي على سرير الفراشة
- -إيثار- وغزالة كنعان على صدر الجرمق*
- مخيم اليرموك
- إلى الأمام ..إلى الأمام حصاد نهاية السنة


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - أَطراف آخر البساتين