أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المولدي الأحمر - في معنى ثورة الكرامة















المزيد.....



في معنى ثورة الكرامة


المولدي الأحمر

الحوار المتمدن-العدد: 4381 - 2014 / 3 / 2 - 14:02
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في معنى ثورة الكرامة من كتاب "في الثورة" ، تونس 2011

الموضوع الذي طُلب مني أن أتكلم فيه يتعلق بأسباب الثورات العربية و بأهدافها و بدورها في التأسيس للديمقراطية. وكأكاديمي أقول إن هذا يفوق طاقتي و يمكن أن يكون موضوع كتاب ضخم يدلي فيه كل مختص في العلوم الإنسانية بقوله. لكنني قبلت الدعوة على كل الحال، و ما سأقوم به هنا هو محاولة اختزال قاسية جدا لما أعتقد أنه يدخل في باب الإجابة على هذا السؤال. سأتحدث في الأسباب التي جعلت الثوار يعتبرون أن ثورتهم قامت من أجل الكرامة
في البداية أحب أن ألاحظ أنه من الناحية الأكاديمية سيكون من قبيل التهور و الجهل الادعاء بأنه بالإمكان الإحاطة بجميع الأسباب التي أدت إلى ما حدث في البلدان العربية من ثورات سياسية خلال الأشهر الماضية. و مقولة الأسباب هذه مقولة وضعية، تفترض أنه يمكن في شروط مخبرية معينة حصر جميع العناصر التي تدخل في تركيبة شيء ما، والتعريف بالكيفية التي تؤثر بها هذه العناصر بعضها في البعض الآخر ضمن شروط محددة ، ثم تحديد مسار التسلسل السببي المعقد الذي تخضع له هذه العملية بما يمكن في النهاية من إعادة تركيب الكل، و إثبات أننا متى حيدنا عنصرا من تلك العناصر أو غيرنا من تركيبته بطلت العملية برمتها، أو على الأقل أعطى تفاعل تلك العناصر نتائج مختلفة.
من سوء الحظ، و ربما من حسنه، لا يمكن فعل هذا مع الثورات، فهي ليست كائنات بيولوجية يمكن تشريحها، و ليست مواد كيمياوية يمكن ردها إلى مكوناتها الأولية البسيطة. و مما يجعل هذه العملية غير ممكنة –حتى لو أحصينا كل شيء عددا- هو أن الأسباب المادية التي يمكن تحديد البعض منها ثم إعطاؤها –كما نفعل عادة- قيمة أكبر من باقي الأسباب، لنقول مثلا أنها محددة أو أساسية ..إلخ، لا تكتسب أية قيمة إلا إذا تكلم عنها الفاعلون المعنيون بالثورة بوصفها حقائق معيارية، أي إلا إذا تبلورت في أذهانهم، و هم يخوضون نشاطهم اليومي، في شكل معاني و قيم ذات شحنات تصارعية يعبرون عنها عند اللزوم بشكل احتجاجي. فمثلا يمكن للبطالة أن تكون عنصرا هاما نفسر به الثورات، لكن البطالة و الفقر و التهميش وجدت في كثير من الحالات في نفس المكان و الزمان و بمعدلات مرتفعة دون أن يؤدي ذلك إلى ثورات. و الاستبداد استمر أحيانا أحقابا طويلة يجثم على نفوس بعض الشعوب التي لم تخض ثورات من أجل التخلص من ذلك الاستبداد.
و لكن قبل أن أتقدم في التحليل عليَ أن أشرح المسألة التالية: ليس هناك مفهوم واحد للثورة بل عدة مفاهيم، و هي تختلف بحسب طبيعة الظاهرة و سياقها و أهدافها و إطارها الزمني و محيطها الثقافي وبحسب المعنى الذي يعطيه لها أصحابها أو حتى من يتكلم عنها. فالثورة بمعناها الاجتماعي تتجاوز بكثير الأحداث المؤطرة في زمان و مكان محددين ( مثلا سقوط نظام بن علي أو حسني مبارك في تونس و مصر سنة 2011)، و من ثم فهي تشمل كل المسار الاجتماعي البطيء والمتذبذب الذي يفكك على سبيل المثال الأراضي القبلية و القروية الجماعية و الروابط الحرفية التقليدية، و يعطي فرصة للأفراد و العائلات كي يمتلكوا بشكل خاص أدوات عملهم و يفسح المجال للدولة، التي تستحدث بهذه المناسبة إدارة عقارية تعطيها اسم دفتر خانة، و تسن قوانين و تبني محاكم مستقلة عن الجماعة المحلية تفصل عن طريقها في النزاعات المتعلقة بملكية هذه الأراضي و استغلالها، ما يسمح لها بتعويض القبيلة أو القرية في حماية هذه العائلات و هؤلاء الأفراد. و من هذا المنظور يمكننا أن نقول إننا في الحقيقة نعيش في تونس مسارا ثوريا اجتماعيا انطلق منذ أكثر من قرن، و ربما يصدق علينا من هذه الناحية ما قاله ألاكسيس دو توكفيل ساخرا من مؤرخي الثورة الفرنسية الكلاسيكيين: الثورة الفرنسية التي تقولون أنها حدثت سنة 1789 أنجزت قبل ذلك بوقت طويل.
أما من الناحية السياسية فإننا نستطيع أن نعتبر ثورة تلك الأعمال الاحتجاجية السلمية أو العنيفة التؤدي إلى إسقاط نظام سياسي معين واستحداث آليات حكم جديدة مكانه تحقق أهداف الثوار مهما كانت ثقافتهم( و لذلك توجد عبارة الثورة المضادة)، وهذا حتى لو كان قسم من النساء المشاركات في هذه العملية يؤمن، في السياق الثقافي العالمي الذي نعيش فيه اليوم، بحق الرجل في أربع زوجات مثلما يحدث الآن في اليمن. و لهذا السبب فإن الكثير من الباحثين و الملاحظين السياسيين يتفادون خلال النقاشات الأكاديمية استعمال كلمة ثورة ويعوضونها بمسار ثوري قد يحقق في آخر المطاف نقلة فارقة في الشأن السياسي لبلد ما أو لا يحققه.
لنعد الآن إلى موضوع تفسير الثورات. في تاريخ الفكر السياسي و السوسيولوجي جرى تقديم عدة فرضيات كبرى لتفسير الثورات الاجتماعية العظيمة التي عرفها العصر الحديث. فنحن نعرف مثلا أن الماركسيين يعتقدون أن الثورات الكبرى، سواء كانت عنيفة أو سلمية، تحدث عندما تعجز العلاقات الاجتماعية السائدة (سواء كانت عبودية أم إقطاعية أم رأسمالية..إلخ) عن استيعاب التطورات الجارية على مستوى قوى الإنتاج (أي قوى العمل ووسائله و منظومة التوزيع والاستهلاك..إلخ)، و هذا تفسير عام و هيكلي يترك مسألة الفعل السياسي و احتمالات تأثيراته اللامتناهية في غير متناول الفهم، أو هو على الأقل يضطرنا إلى محاولة البحث في الروابط الفكرية و السيكولوجية التي ينبغي أن توجد، عبر عمل الفاعلين الاجتماعيين، بين الحدث و البنية، و هذه عملية غالبا ما تؤدي إلى الابتعاد عن الفرضية الأم فتضعف من قيمتها و جدواها رغم أهميتها.
لكن هناك فرضيات كبرى أخرى تحاول أن تفسر الثورات الحديثة من خلال البحث في خصائص موضوع هذه الثورات في حد ذاته. و هذا هو مثلا حال بارنغتون مور الذي مازال كتابه "الجذور الاجتماعية للدكتاتورية و الديمقراطية" يطبع باستمرار رغم أن صاحبه قد كتبه منذ أزيد من أربعين سنة. و فرضية هذا الباحث الأنجليزي هي التالية: العصر الحديث هو عصر الصناعة و العلوم علاقات الإنتاج الرأسمالية بقيمها و نخبها السياسية و الثقافية المميزة. و لذلك فإن موضوع الثورات الرئيسي كان إعادة ترتيب العلاقات بين هذه النخب الحديثة و البنى الفلاحية التقليدية بقيمها المتداعية و نخبها الريفية المحافظة، و من ثم صهرها في المجتمع الرأسمالي الصناعي الصاعد الذي تطلب تطوره ونجاحه إعادة صياغة الدولية فكريا و مؤسساتيا.
و هناك أيضا فرضيات أخرى لا تقل تعقيدا عما استعرضته حتى الآن. منها أن محرك الثورات الحديثة ليست سوى الثورات الثقافية والتقنية العظمى التي أنتجتها النخب الحضرية في إطار المجتمع الصناعي الناشئ، سواء كانت هذه النخب تحمل فكرا دينيا (مثل الأفكار البروتستانتينية في فجر الثورات الحديثة) أم وضعيا (مثل أفكار هوبس و في ما بعد منتاسكيو و روسو وسان سيمون قبل و بعد الثورة الفرنسية)، و أن الثورات هي قبل كل شيء ثورات فكرية، يتبناها الفاعلون السياسيون و يستخدمونها في تفكيك البنى التقليدية، كما ظهر ذلك سياسيا في الثورات الليبيرالية التي جرت، على سبيل المثال، في أوربا الشرقية قبل دخولها في فلك المعسكر الشرقي، أو في تونس من خلال مشروع النخب التحررية -التحديثية خلال مقاومة الاستعمار.
هل يمكن أن نفسر ما يجري حاليا في البلدان العربية، حيث أسقطت الحركات الشعبية الاحتجاجية النظم السياسية القائمة، على أساس إحدى هذه الفرضيات الكبرى؟ بتعبير أدق هل ما يجري حاليا يعبر عن حالة تصادم طبقي يبحث عن تجاوز ذاته؟ هل هو مثلا صراع بين العمال و الفلاحين و الطبقات التي تستغلهم بقطع النظر عما إذا كان هؤلاء الأخيرين رأسماليين وطنيين أو كمبرادور بلا طعم و لا رائحة كما يُنعتون عادة؟ هل نحن بصدد ثورات عميقة يقوم بها المجتمع الصناعي الحضري الصاعد و قواه الحية ضد المجتمع الفلاحي بعلاقاته و أفكاره و نخبه المحافظة؟ هل نحن أمام ثورة ثقافية واضحة المعالم، سواء كانت دينية نقدية أو وضعية تحديثية، لها نخبها وطروحاتها و قيمها و أهدافها ؟ بعبارة واحدة ما هو عنوان الثورات العربية التي نحن شاهدون عليها و فاعلون فيها ؟
سياق تاريخي جديد
لنبدأ بهذه النكتة الأنثروبولوجية ذات المغزى العميق. في كتابه "حروب الفلاحين في القرن العشرين" يذكر إيريك وولف أنه خلال الثورة البلشفية سنة 1917 اعتقد العديد من فلاحي أعماق روسيا الآسيوية لفترة أن لينين، قائد الثورة البروليتارية البلشفية، هو المسيح العائد لتخليص الإنسان من كل خطاياه و من وزر الحياة الدنيا الفانية. بعد قرن من ذلك الحدث أصبحت الثورات تُصنع على الفايسبوك و تشاهد مباشرة على شاشات التلفزيون من قبل فلاحي الدنيا. و أحب أن أستغل هنا هذه الفرصة لأعطيكم مثالا تطبيقيا من تونس عما تعنيه ظاهرة انتشار وسائل الاتصال الحديثة في الأرياف، و ما يمكن أن تغيره من وقائع مادية و ذهنية على الأرض يمكن أن تدخل في بنية الثورات الجارية حاليا، و ذلك حتى قبل انتشار الهاتف الجوال والفايسبوك: في سنة 1989 كنت أقوم ببحث ميداني في ولاية الكاف، و كان علي أن أقابل حوالي ستين عمدة في مختلف مناطق الجهة. فاستغللت الفرصة و سألت هؤلاء العمد واحدا واحدا عن أهم شيء تغير في علاقتهم بمنظوريهم، فأجابني جلهم بشكل يكاد يكون متطابقا: العمدة لم يعد مصدر المعلومات، اليوم الشبان المتعلمون هم الذين يأتون إليه بالأخبار الجديدة حول المشاريع التي تعتزم الحكومة إنجازها في منطقته، و هم الذين يرشدونه عن الجمعيات التي تنشط في الجهة.
و لكن ليس هذا هو العنصر الوحيد الذي أعطى للسياق التاريخي الذي نعيشه حاليا أهم ملامحه، فمعظم الذين خرجوا في احتجاجات مصر و تونس و قاتلوا كتائب القذافي في ليبيا ليسوا فلاحين فقراء، وليسوا عمالا فلاحيين أو صناعيين يقولون إنهم يرزحون تحت الاستغلال. و لذلك فإننا لم نر طوال أيام الثورات العربية أي تنديد بالمستغلين الرأسماليين "مصاصي الدماء" كما يقول زعماء الثورات العمالية عادة. لقد كان الثوار شبانا متعلمين عاطلين عن العمل أو ضعاف الدخل، يسكنون مناطق أو مدنا أو أحياء مهمشة، و الأهم من الكل أنهم كانوا يشعرون بأنهم محرومون سياسيا و فكريا من وسائل التأثير على القرارات التي تُتخذ بشأن تنظيم حياتهم المدنية. و هؤلاء الثوار –و هذا يصدق خاصة على تونس– لم ينشطوا في أطر سياسية منظمة، بل كانوا يتحركون ضمن زمر تتجمع و تتفكك حسب تطور الأحداث، يحكمها الانتماء إلى الحي أو الزمالة المهنية أو الصداقة، ويقربها من بعضها اتحادها ضد عدو واحد هو النظام الاستبدادي القائم. صحيح أن هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس، على سبيل المثال، كانت بمثابة المظلة التي احتمى بها جزء من المتظاهرين، و صحيح أيضا أن بعض الأحزاب كان لها وجود ما في المناطق التي اندلعت منها الثورة و شجعت الشباب على التظاهر، و صحيح كذلك أن المتظاهرين ما كانوا ربما يتشجعون و يواصلون احتجاجاتهم، خاصة في تونس ومصر، لو لا الدعم السياسي و الأخلاقي الرمزي الذي مدتهم به جمعيات حقوق الإنسان و المنظمات الوطنية لسلك المحاماة و القضاة و النقابات، و لكن الخاصية العامة للذين واجهوا الرصاص بصدورهم العارية في تونس هي أنهم كانوا شبانا متعلمين، منفتحين على كل ما يجري في العالم، و يقفون أفرادا خارج كل أطر التنظيم السياسي التي تحمي عادة الناشطين السياسيين. و من المهم هنا أن نلاحظ أنه في حين لم تلعب الأطر القروية و الإثنية و القرابية و الدينية الطرقية في تونس و مصر دورا مؤثرا في حماية المتظاهرين و تأطير تحركاتهم، كانت هذه هي الأطر التي اشتغلت في ليبيا و اليمن بمجرد أن ظهر الإفلاس السياسي للمجموعة السياسية الحاكمة و كذلك المعارضة.
و هناك أيضا خاصية أخرى جديدة تميز بها السياق الاجتماعي الذي ظهرت فيه الثورات العربية، و هي ذات طابع أنثروبولوجي سياسي إن صح التعبير. و تتمثل هذه الخاصية في ظاهرة فراغ الساحة السياسية العربية، خلال العقود الأخيرة، من أي صنف من الزعماء، غير أولئك الذين نصبوا أنفسهم في هذا الموقع من خلال استغلال أجهزة الدولة و ليس من خلال اكتساب حظوة قيادية لدى الجماهير. و قد وصفت هذه الظاهرة في كتابي "الجذور الاجتماعية للدولة الحديثة في ليبيا" من خلال عبارة سيادة مبدإ "احتكار انتاج الزعامة ". و ما أعنيه بهذه العبارة هو أن الاستبداد السياسي الذي جثم على صدور الشعوب العربية خلال عشرات السنين الطويلة التي مضت قد قام أساسا على تدمير كل ما من شأنه أن يساعد على ظهور فاعلين سياسيين مستقلين، قادرين على تعبئة الجماهير حول قضايا محددة، و على ترجمة مطالبها إلى مشاريع سياسية منافسة للتوجهات التي يسير عليها الحكام، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو الوطني. و ما نتج عن ذلك هو أن ثقافة الرموز السياسية التي شيدتها حركات التحرير و الإصلاح قد دمرت.
نستنتج مما تقدم أن من خصائص السياق الاجتماعي العام الجديد، الذي اندلعت في إطاره الثورات العربية، أن التحولات الاجتماعية العميقة التي عرفتها هذه البلدان قد أضعفت، بشكل متفاوت، الروابط الأولية التي اعتاد الناس على توظيفها في حماية أنفسهم و في الاندماج الاجتماعي بصفة عامة، مثلما يظهر ذلك من خلال مقارنة الحالات الشاخصة أمامنا هنا و هناك. لكن هذه التحولات أدت جميعها إلى بروز فئة شبابية تخطت هذه الروابط، على اختلاف قوتها، من خلال نسج علاقات جديدة افتراضية (عبر الهاتف و الفايس بوك وغير ذلك)، استخدمتها في حشد الطاقات و توجيه الفعل السياسي، و ذلك رغم أنها لم تجد خلال ثورتها- كما هو حاصل في اليمن و ليبيا- ما تحتمي به أثناء الثورة سوى البنى التقليدية. و هذا يُعد من مفارقات دولة الاستقلال التي فككت أو همشت أغلب المؤسسات الأهلية التي بنتها شعوبها خلال حركات التحرير، تحديدا من أجل تشييد الدولة الديمقراطية الحديثة.
هذا من المنظور المحلي الداخلي. أما على المستوى العالمي فإن ما يميز العصر الذي نعيش فيه هو ما أصبح يعرف بالعولمة. و ما أعنيه بالعولمة هنا هو تلك الإمكانية القانونية و الثقافية غير المسبوقة في التاريخ، التي أعطتها المؤسسات الدولية الحديثة للدول القوية في العالم، كي تتدخل بصفة شرعية في ما يجري في البلدان الضعيفة حينما تحدث داخلها مستجدات ترى أنها تهدد مصالحها الإستراتيجية. لا يعني هذا أن الشأن الداخلي للبلدان الضعيفة كان في الماضي في منأى عن التدخل الخارجي، إنما أعني أن هذا التدخل أصبح يحضى بالشرعية الدولية، سواء كانت عادلة أو ظالمة.
و الذي يهم في هذه المسألة هو ما ترتب عنها على مستوى إدارة مجريات الثورات و تحديد توجهاتها في الدول العربية. و من هذه الناحية بين المثال الليبي كيف أن الثورات التي تعرفها شعوبنا الآن، أي في سياق العولمة، لم تعد شأنا داخليا، و هذا ربما حتى على مستوى تفاصيلها الدقيقة. فالكل يعرف على سبيل المثال أن من جملة المواقف التي حسمت في اللحظات الأخيرة مصير زين العابدين بن علي و حسني مبارك و معمر القذافي و في الأيام المقبلة بشار الأسد هو سحب القوى الدولية العظمى، و بالتحديد أمريكا، الثقة من هؤلاء. و يمكننا أن نلاحظ في سياق نفس الفكرة أن ما يطيل بقاء علي عبد الله صالح في السلطة هو أن هذا البساط الدولي لم يسحب بعد من تحت قدميه، و ربما أن سبب ذلك يعود إلى موقف السعودية التي ترى أنه لا سبيل إلى التقدم على طريق حل المشكلة اليمنية إلا إذا تحققت من ضمان مصالحها الإستراتيجية السياسية في المستقبل.

على ماذا ثارت الشعوب العربية؟

لقد ذكرت في مقدمة هذه الورقة أن الإحصائيات حول البطالة و التهميش و الاستغلال تساعدنا على مشاهدة تفاصيل التحولات الكمية التي تطرأ على هذه الظواهر، و على بناء فرضيات بشأن العلاقة بينها وبين الظاهرة الثورية ، و لكنها لا تمكننا من النفاذ إلى المعاني التي تأخذها تفاصيل هذه التحولات عند الفاعلين الاجتماعين، و إلى الأبعاد المعيارية التي يمنحونها إياها فيحولون من خلال فعلهم المفعم بالشعور الأرقام الأكاديمية إلى معان و مطالب سياسية.
لفهم هذه المسألة نحتاج إلى الاقتراب أكثر من المجريات العملية للظاهرة الثورية كما انطلقت في البلدان العربية. وسواء كنا في تونس أو في مصر أو في ليبيا أو في اليمن أو في سوريا تبدو الكلمة السحرية التي شحنها المتظاهرون أكثر من غيرها بما يعتمل في أبدانهم و أذهانهم وذاكراتهم من شعور بالحرمان و القهر و الذل هي كلمة "الكرامة". وقد رفض معظم التونسيين عبارة "ثورة الياسمين" التي استخدمت في وصف ثورتهم، بالضبط لأنها لا تتضمن أنطولوجيا العلاقة التي يقيمونها بين تجربتهم الاجتماعية المريرة التي ولدت الثورة وبين كلمة الكرامة التي تحتوي على مشروع الانعتاق من محددات تلك التجربة.
و فكرة الثورة من أجل الكرامة -و هي الفكرة نفسها التي عبر عنها الجزائريون منذ تسعينيات القرن الماضي و لكن بطريقة سلبية عبر مقولة الثورة ضد "الحقرة"- تحيل إلى معادلة لها جذور أنثروبولوجية عميقة جدا و منغرسة بقوة في التراث الأدبي و الأخلاقي العربي. فكلمة "الكرامة" تحيل إلى مفردات أخرى مثل الكرم و الكريم. والكرم من الناحية الأنثروبولوجية-السوسيولوجية هو وصف لحالة من الفعل الإنساني مرتبطة بظاهرة اقتصادية-ثقافية معقدة، هي ظاهرة التبادل التي تجري بين البشر، أفراد و جماعات. و هذا التبادل لا يجري فقط من أجل توفير الحاجات و إعادة توزيع الثروات، إنما أيضا من أجل إقامة علاقات إنسانية غير مادية تدخل ضمن حاجة هذا الإنسان إلى التواصل، بوصفه مخلوقا اجتماعيا له ثقافة و رموز. و بما أن جزء مهما من هذا التبادل و التواصل كان في فجر الإنسانية يقع في إطار الهدية، إذ لا وجود للسوق و للعملة كما نعرفهما اليوم، فإن الكرم بالمعنى الذي ذكرناه كان إحدى أهم الآليات التي يقوم عليها التبادل، فبدون كرم ليس هناك هدايا أي ليس هناك ضيوف و لا مبادلات سلمية و لا النموذج الإنساني لحاتم الطائي و لا شعره الرائع في الكرم.
و التبادل عن طريق آلية الكرم يعني أن هناك دورة كاملة من التبادل لابد و أن تحدث: يتكرم الكريم بشيء من عنده لغيره ("يبداها كريم ولا زعيم")، فيقبله الآخر و يعتبره دينا في عنقه و عقدا لابد من التقيد به –إن أنت أكرمت الكريم ملكته- إلى أن يحين موعد رد الهدية –أي موعد تنفيذ شروط العقد- فيرده بمثله أو بأحسن منه . و من ثم فإنه بقدر ما يكون الشخص مستعدا للرد على الكرم بالكرم فإنه يبقى دائما شخصا موضوع ثقة، و هو ما يحفظ له شرفه و كرامته و يجعل منه شخصا حرا جديرا بأن تعقد معه العقود. أما في الحالة التي لا يرد فيها من أخذ الهدية بمثلها أو بأحسن منها فإن ذلك يعني أن دورة التبادل السلمية تواجه خطر التوقف، و أن متلقي الهدية يتصرف تصرف اللئيم الذي خان الأمانة-إن أنت أكرمت اللئيم تمرد.
في الشأن السياسي الحديث تجري الأمور في الوضعيات الديمقراطية كما لو أنه يقع صهر جميع عقود التبادل السارية بين مختلف الأفراد و المجموعات –عمال و رأسماليون، مزارعون و ملاكون عقاريون، موظفون و مؤسسات عامة، بنوك و عملاء مدينون، نساء و رجال، طلبة وأساتذة، أولياء و أبناء...إلخ- في عقد واحد هو عقد التبادل الذي يقيمه المواطنون مع من يكلفونهم بالحكم (بعد أن يطلبه هؤلاء عن طريق الترشح للانتخابات)، و هو عقد ثقة مشروط يمنحون بموجبه الحكام شرعية أخلاقية و مؤسساتية تعطيهم الحق في إدارة شؤونهم العامة –بما يترتب عن ذلك من حصول هؤلاء على مزايا مادية و معنوية يصفها ابن خلدون بأنها لذيذة- مقابل الخضوع للقانون والطاعة النقدية. و بما أنه يمكن في مثل هذه الوضعيات أن نغير الحكام دون أن تتعرض مجمل عقود الثقة التي تقوم عليها علاقات التبادل الأخرى إلى الإهتزاز بشكل كبير، فإن عقد التبادل السياسي بين الطرفين يحافظ غالبا على وظيفته وشرعيته مولدا الثقة في العمل السياسي و الشعور بالكرامة لدى المواطنين.
خلال ثورات الربيع العربي كانت الشعوب تطالب باسترداد كرامتها. و يمكننا أن نلاحظ هنا أن ما عناه هذا الشعار في سياق هذه الثورات ليس هو ما عناه أيام الحركة الوطنية و الاحتلال، حيث فرض المستعمر بالقوة على هذه الشعوب بشكل جماعي علاقة تبادل غير متكافئة، يقدم بموجبها المستعمر خيراته قسرا إلى المحتل دون أن يحصل من هذا الأخير على غير الفتات. و لذلك يُنعت المستعمرون عادة باللصوص وقطاع الطرق، و يصفهم الشعراء بالظالمين طغاة الزمن، ويتحدث السياسيون عن الكرامة الوطنية. أما خلال الثورات الحالية فإن الشعور بالكرامة المهدورة أخذ بعدا اجتماعيا داخليا عميقا، حمله الأفراد قبل المجموعات خلال ممارستهم لحياتهم اليومية، و عانى منه كل واحد منهم بشكل مستقل عن الآخر.
ما هو المحتوى الاجتماعي لهذه الكرامة، و كيف أصابتها علاقة التبادل السياسية السائدة بالهدر و التلف؟
لنلاحظ أولا أن جميع الثورات العربية قد رفعت شعارات تلتقي عند فكرة واحدة أطلقها المصريون منذ عدة سنوات، و عبروا عنها بشعار "كفاية". و "كفاية" هذه تعني أن العقد السياسي الساري بين الحاكمين و المحكومين قد تجاوز أمده بدون وجه حق، و أن بقاء الحاكم في مكانه كشريك في هذا العقد لم يعد خاضعا لمبدأ الاختيار، و أن مؤسسة الدولة التي من المفترض أن تكون هي الآلية المنظمة لعملية التبادل الضخمة التي تجري بين مختلف أطراف المجتمع، أصبحت أداة خاصة يستعملها الحكام من أجل الإخلال بشروط هذه العملية، فيترشحون بدون حساب إلى الانتخابات، و يزورون الحقائق و يستعملون العنف و القهر من أجل المحافظة على موقع من يأخذ و لا يعطي (اللئيم).
كيف وجد مثل هذا الخلل الفادح في سير العملية التبادلية السياسية تعبيره المواتي في تجربة الحياة اليومية للعاطلين عن العمل والمهمشين و المحرومين من كل وسائل الحماية الاجتماعية؟ لقد بدأ الشعور بفقدان الكرامة يظهر عند هؤلاء عندما أصبحوا يذهبون إلى المستشفى فيلاقون التهاون في التعامل مع صحتهم بينما أصحاب الطرف الآخر في العقد ينعمون بكل وسائل الرعاية، و عندما صاروا يفتشون عن العمل فلا يجدونه أو يضطرون إلى التنافس على دفع الرشوة للوسيط، حليف الطرف الآخر أو زبونه، كي يفوزوا به على حساب غيرهم، و عندما أصبحوا يعجزون عن فتح أبواب و نوافذ بيوتهم في الصيف بسبب الروائح الكريهة لمجاري مياه الصرف الصحي و الناموس في الوقت الذي تُستغل أموال بلدياتهم في ترصيف شوارع مدن الحكام، و عندما صاروا يذهبون لحضور اجتماع سياسي فلا يجدون إلا الكذب والزيف و التلاعب برغبتهم في إعادة التوازن لعلاقتهم المختلة بمن احتل بالقوة موقع الطرف الآخر في عقد التبادل السياسي الذي تقوم عليه الدولة، و أخيرا عندما صاروا يخرجون في الصباح، متوكلين على الله، لبيع الخضر و الفواكه في الأزقة و الأنهج، فيسبهم موظفو قسم الضرائب الخاضعين لسلطة من يمسك بدواليب الإدارة العامة أي الدولة، و يجبرونهم على دفع الرشوة ما يفقدهم أحيانا الشعور بحب الحياة و الرغبة في الانتحار.
و في مثل هذا السياق من اللاتوازن في عملية التبادل السياسي، لم يكن الفقراء و المسحوقون و العاطلون عن العمل و المستغلون بكل أنواعهم وحدهم من يبلغ عندهم الشعور بالمهانة و فقدان الكرامة أعلى الدرجات. ذلك أنه من شروط بناء عقد التبادل السياسي السليم، أن تضطلع بمهمة مراقبة تنفيذ بنود ذلك العقد على مستوى مجريات الحياة اليومية، أصناف من الفئات الاجتماعية منتظمة في مؤسسات مدنية مخصوصة، ترتبط بفكرة العدل و القضاء و الدفاع عن حقوق الإنسان العامة و الخاصة. و في الوضع العربي الذي نتحدث عنه، حيث فقد العقد السياسي أهم أركانه الذي هو التبادل الشرعي و المتكافئ، أصبحت هذه الأصناف الاجتماعية-المهنية تشعر بأنها تحولت إلى شاهد زور على هذا العقد المغشوش، و بما أن جزء كبيرا من هذه الأخيرة مرتبط بعلاقات شتى بضحايا هذا الغش الذي لا سند له إلا الاستبداد و البطش، فإن أعضاءها من المحامين و القضاة و مختلف المدافعين عن حقوق الأفراد و الجماعات صاروا هم أيضا يشعرون بفقدان الكرامة. وليس هؤلاء فحسب، إذ أن الاستبداد و التنكر لبنود عقد التبادل السياسي السليم يعني أن المشتغلين بالفن و الأدب، و حتى أولئك الأفراد و الفئات الأقل معاناة اقتصاديا و اجتماعيا من الاستبداد، أصبحوا هم أيضا يشعرون بالإقصاء و بفقدانهم لحقهم في المشاركة في بناء عقد السلطة السياسية، أي فقدانهم لكرامتهم التي تعني حريتهم وشرفهم.

دور الثورات العربية التأسيسي في مجال إرساء الديمقراطية

ذلك في رأيي ما تعنيه ثورات الكرامة في البلاد العربية. إنها حركات من أجل استرداد صفة المواطنة التي تعني الحق في إرساء علاقات تبادل سياسية تضمن بنودها لكل طرف الحق في الحصول على المنافع التي تنتج عن كل عملية تبادل متكافئة و متساوقة. فالثورة ضد البطالة والتهميش ومنع حرية الفكر و الاتصال و التواصل، و ضد احتكار إنتاج الزعامة السياسية و المنافذ المؤدية إلى الموارد و غير ذلك، هي ثورة على التلف القانوني و المعياري الذي أصاب العقد السياسي الذي تقوم عليه الدولة، و هو تلف سرت آثاره في كل مناحي الحياة، و ترجمته مقتضيات التبادل اليومي الجاري بين الناس عبر لغة الرشوة و المحسوبية و "الحقرة" و هتك الحرمات الجسدية و العائلية، و سد منافذ المستقبل أمام الشباب، و آفاق الحراك السياسي أمام الغالبية العظمى للناشطين السياسيين.
و من ثم فهي ثورة مؤسسة للديمقراطية: ألم يكن أول مطلب نادى به المتظاهرون في تونس و مصر و ليبيا (و المغرب ولكن عبر أسلوب آخر) مباشرة بعد سقوط أنظمة الاستبداد و الدجل السياسي هو وضع دساتير جديدة تعيد بناء قواعد العقد السياسي بين المواطنين بما يضمن لهم كرامتهم؟
بيد أن التأسيس للديمقراطية ليس مسألة هينة، إذ أنه لا يكفي لتحقيق ذلك أن نحرر قانونيا الحياة السياسية من كل القيود، و أن نبني مؤسسات دستورية تضمن عدم تداخل السلط، و أن نفتح الباب للأحزاب كي تتداول سلميا و ديمقراطيا على السلطة. ذلك أن من شروط التحقيق الفعلي (و ليس المطلق) للديمقراطية أن تجري عملية مراجعة ثقافية معيارية للمعاني و الوظائف التي نعطيها لارتباطاتنا الخاصة. فالوفاء السياسي لمتغيرات القرابة و العرق و الانتماء الديني و للمعايير التي تضع النساء و الشبان في المرتبة الثانية بعد الكهول لا يساعد على بناء مجتمع ديمقراطي حديث. و مثال ليبيا و اليمن الشاخص أمامنا هذه الأيام لا يوحي بأن هذين البلدين سيدخلان الحياة الديمقراطية بسلاسة مثلما قد يكون عليه الحال في تونس و مصر. و لذلك فإن من أوكد ما ينبغي أن تنصرف إليه المجتمعات العربية التي أطاحت بنظمها الاستبدادية هو تدريب المواطنين على السلوك الديمقراطي و تثقيفهم في هذا المجال و تدريس الفكر الديمقراطي للنشإ و الشباب على حد سواء.



#المولدي_الأحمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خصائص الانتقال الديمقراطي في تونس: راديكالية ناعمة قد تنتهي ...


المزيد.....




- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المولدي الأحمر - في معنى ثورة الكرامة