استراتيجية العنكبوت 1970 برناردو برتولوتشي:برتولتشي يعيد تشكيل الهم السياسي

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 21:07
المحور: الادب والفن
    

استراتيجية العنكبوت 1970 برناردو برتولوتشي:برتولتشي يعيد تشكيل الهم السياسي
هل سمعة برتولوتشي تنحصر فقط في فيلم التانغو الاخير في باريس؟
فيلم استراتيجية العنكبوت فيلم قوي ومحسوب لبرتولوتشي،فهو يتضمن المسار الشاعري المألوف عند برتولوتشي...هذا الهدوء الصارم...الحبكة والمشهد الذي يقول كل شيء من دون جدوى كبيرة للكلام...هذا المسار الذي خرج عن التوقعات بالنسبة للجمهور لتضيع هذه الحبكة الضيقة والاشكالية في نفس الوقت في عالم سينمائي مكتمل...عالم برتولوتشي السينمائي.
وان كان الفيلم من انتاج عام 1970 الا انه يحمل ميزات مؤكدة لمخرج كبير يختلف اختلافا جذريا عن بازوليني...
هذا القادم الى قرية (تارا)-قرية في مدينة اميليا الايطالية-ليقف مطولا ناظرا ومتأملا بشارع يحمل اسم والده،ومن ثم قبر هذا الوالد الذي يضعون عليه تمثالا اشبه بالبورتريه(الصورة الشخصية) لهذا الميت...هذا الشاهد الذي يقبع في وسط شارع ومن فوقه ذلك البورتريه:
آثوث ماجناني،بطل قتل من قبل قنبلة فاشية
اول نقطة عن الفيلم هي استرجاع الماضي،ذلك الماضي الذي تعود للبحث عنه لاحقا الحسناء في فيلم الجمال المسروق،وان كان برتولوتشي يحاول ان يكرر نفسه بشكل أو بشكل أو آخر،ففيلم استراتيجية العنكبوت افضل باشواط من من فيلم الجمال المسروق.
عندما ينطقون باسمه(آثوث ماجناني) يتعرفون عليه بسهولة،وكأن القرية اقفلت وانتهت عند تلك القصة...عند تلك النقطة...هذه القرية تنتظر تترقب شيئا ما يشدها الى الماضي...إلى ذلك الحضور الأقوى في القرية.
هو يبحث عن (دارينا-الممثلة اليدا فالي)...امرأة في الخمسينات من عمرها،كانت عشيقة لوالده وتسكن في منزل كبير:
تجره بقوة الى الداخل...أنت جدا تشبهه...والدك قتل كرجل محلي،لقد أطلقوا النار عليه في المسرح اثناء (Rigolette-أحد انواع الاوبرا من تاليف Giusepp Verdi)...لقد قتلوه اثناء التصفيق ولا احد سمع بذلك.
يخلط برتولتشي الهم السياسي بهموم انسانية كبيرة بحيث يبدو الهم السياسي ضئيلا جدا بالمقارنة معها،مستخدما موسيقى كخلفية للمشهد على شكل شذرات وفي لحظات معينة..فيها شيء من الشاعرية...شيء عن استقبال الماضي الخفي وليس شيئا يشبه حبكة تشويقية او بوليسية.
دارينا هي من استدعته وهو قادم للتعرف على ماضي والد لايعرف حتى التاريخ الفعلي لاغتياله(1936)،ويبدو ايضا بانه على وشك المغادرة،والصورة بدت اوضح لأنه غير مهتم اصلا بالموضوع.
يشبّه والده بيوليوس قيصر قبل دخوله سيناتا...هناك ذكر لشكسبير في كثير من كلمات الحوار وهذا اليافع الذاكر لشكسبير يريد مغادرة هذه القرية فعليا والتي تبدو مليئة فقط بكبار العمر الفارغين،حتى انه يصرخ:
أليس هناك من شباب في هذه القرية....
وكأن هذه القرية انتهت منذ موت والده...والده أنشا فكرة الانقراض وهو يبدو دخيلا على هذا الزمن الذي يغيب عنه المكان الى درجة كبيرة،والعالم يقترب من الفنتازيا اكثر واكثر..
هو يبحث عن اصدقاء والده الآن...جابيازي يعرف عن نفسه :نحن ضد الفاشية
هناك اشاعة..موسوليني قادم من اجل افتتاح المسرح
برتولوتشي يلغي الحواجز بين الزمان....بين الماضي والحاضر ولكن المكان يقف مكانه...الزمان متداخل بين ماضي ذو واقع سياسي اليم،وقرية كبارمن السن ومجانين في نفس الوقت في شخصيات ايطالية معرفة تعريفا دقيقا عند فليني ،وهناك ايضا اشياء من أنتونيوني،ولكن بازوليني (كمعلم) يختفي اختفاءا تاما في هذا الفيلم،ولولا الاشكالية الكبرى التي سوف تظهر مع نهاية الفيلم،لقلنا ان الفيلم من الممكن ان يكون يتحدث عن موت متوقع لبازوليني.
عندما ينظر من النافذة على مدربي الاسود ودارينا تتحدث اليه من الخلف فهذا شيء يذكرنا بأنتونيوني بقوة.
نحن نستشعر بوحود أنتونيوني هنا ...في هذه اللحظات،ونحن لا نقول ان برتولوتشي حمّل نفسه نفس الهموم التي حملها أنتونيوني ذات مرة،ولكن الملل والفراغ هو قاسم مشترك بينهما..
في لقطة تبدو كأنها حلم في مشهد ليلي وهو يحاول الهرب من اهل القرية،ولكنه يهم بالهرب ممسكا كشافا ...
كل ذلك حمل النقاد على قراءات متعددة للفيلم،من الوعي والادراك والتحليل النفسي والسياسي،ولكن اذا كان الهم السياسي يلاحق برتولوتشي فهو مع ذلك اراد ان يجعل من السياسة شيئا آخر...
والانقلاب الذي يحدث مع نهاية الفيلم ليس تشويقي بقدر ما هو اشكالي...
ما الفرق بين البطل والخائن خاصة ان هذا الرجل ميت...من هو ماجناني:هل هو بطل ام خائن؟!!
هذه الفكرة وان كانت ليست عظيمة الاشكالية ولكنها تداعب كيسلوفسكي ...هنا يتحول الهم السياسي عند برتولوتشي الى هم خاص جدا،وكأن برتولتشي يعيد تشكيل الانسان السياسي.
إذا هذا الفيلم الذي يحمل سمات ابداعية تذكر بمخرجين كبار مقتبس عن قصة للكاتب الأرجنتيني الكبير (جورج لويس بورخس)،وإذا عرفنا ايضا ان فيلم (الممتثل) هو عن قصة للكاتب الايطالي هذه المرة البرتو مورافيا،فليس من الصعوبة عن ذلك الاكتشاف ان برتولتشي ليس عضوا قويا في سينما المؤلف فهو يقتبس نصوصه من قامات ادبية كبيرة على شاكلة دوستيوفسكي ايضا في فيلم الشريك.

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات