أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - كيف تحولت خديجة الى أولتيكا برودسكي..؟















المزيد.....

كيف تحولت خديجة الى أولتيكا برودسكي..؟


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1245 - 2005 / 7 / 1 - 13:14
المحور: الادب والفن
    


كيف تحولت خديجة إلى أولتيكا بوردسكي
نعيم عبد مهلهل
حمل الرجل المؤمن أدي - باد تميمته التي هي عبارة عن لوح من الفخار مدون عليها تعاليم تهدي الروح البشرية إلى طريق الآلهة وحكم دونها من فم أبيه الذي أدركه يوم كان عمره مائتي عام. وثمة متفرقات تحدث عنها اللوح بدت غير منسجمة مع التراث الذي دون في قطعة الفخار، ولكنها كتبت بعناية شغلت مكاناً لا بأس به في نهاية المدونة، وهي عبارة عن شرح واف عنوانه (كيف تقضي الليل مع امرأة؟).
كان صباح من صباحات صيف أور، حيث اعتاد أهل المدينة أن يتأخروا في نومهم، بسبب بهجة الليل وحاناته التي يقرأ فيها الجميع رغبات النهار. الشاعر يقول، والمغني ينشد، والحكواتي يقص آخر الأحزان التي واجهت جلجامش، امرأة تغمز بعينيها لجنود ثملين فلا أحد ينتبه إليها. إصغاء بعض المتطفلين إلى ملك وراء أسوار قصره يعزف موسيقى نحيب لحرب ستقع بعد أيام. كان أدي - باد قد حذر منها. فقرر قائد الجند رجمه بالحجارة أن جاهر مرة أخرى برؤاه وتحدث عما سيحصل. ولأنه فقد زوجته منذ خمسين عاماً وابناءه جميعهم أرادوا المهجر وطناً، ركب دابته العجوز وهمس لها مثلما يهمس عشيق لعشيقته: لنكمل الطريق سوية. واينما مللت مني، أتركيني وحدي وأذهبي.
هزت رأسها موافقة. وسارت ببطء يشبه تماماً البطء الذي ارتداه قطار أور يوم فكر مرة أخرى أن يحمل كتبه ويهاجر رغبة منه باكتشاف مدن الضوء. ولأنه مل مضايقات الجوع أكثر من ملله من ساعات التوقيف في مخفر الخيالة. عندما قالت وزارة الداخلية: هاتوا كل يساري. أو حتى لو يمسك كتاباً لسارتر. وعندما مسكوه آخر مرة لم يكن يمسك كتاباً يثير الشك. كانت في يده مذكرات لورنس العرب وعندما قال لضابط المخفر أنها يوميات صديقكم البريطاني الذي نال من فحولة الضابط العثماني شيئاً ما؟ رد عليه الضابط: لأجل هذا نعتقلك، لأنك تعيرنا بصديق لنا من بريطانيا العظمى.
وهكذا تكون الغربة في أحيانها الكثيرة اضطراراً تصنعه المخافر القاسية أو الشبهات المجازية، غير أن أدي - باد كان في سفره يعي فكرة السفر: إنها اتضاح الرؤيا لما يكون وسيكون بعد أن أدرك أن ايام سومر لم تكن سوى ايام الأنفاس الأخيرة. ولأنه مرة قرأ في كتب الأجداد ما قالوه في الحروب عندما تأتي فهم المغزى الذي بدأ الشعراء يبثوه في قصائدهم، من أن الوجع الكوني بخاصرة سومر هو نبوءة كهل جاء ومضى. بعضهم قال: إنها نبوءة نبي. آخرون قالوا ما سيحدث هو من تلك اللا أبالية التي يتعامل بها الملك إزاء التصرفات الماجنة للأمراء وجشع التجار وتدخلات الندماء وكاتمي السر. أقاويل كثيرة. لكنها لم تكن سبباً قاهراً لما نويت عليه أنا. فأنا زلت شاباً ولست مثل أدي - باد أمسك أطراف العمر بملقط. فأنا عندما ركبت القطار كنت أمسك رغبة التغير كما يمسك الثائر بندقيته. وعندما أردت أن افعلها وأخبئ عاصفتي في عمق الأهوار توسلت أمي بكبرياء دموعها وقالت: لا تفعلها وحدك. فسوف ينساك التاريخ مثلما نسي جدك أدي باد يوم أخذ معه سكون الصباح المبكر وذهب بلا عودة. ومعه اختفى لوح الأناشيد والرؤي الذي كان المفروض أن نرثه نحن لنعيش وجودنا الذي قدرته لنا الأرباب التي صنعت فينا حلم هذا الريف وتلك الحقول وهذا المعول.
وبرغم هذا نسيب أمي تلتف بعباءة حزنها في القرية وهي لا تدرك أبداً أنني سأغادر سرير القسم الداخلي وأودع المدينة التي كلما اشتهيت منها وردة، حال لون الطين الذي سكن أجفاني دون ذلك. ومرة قلت لواحدة جمعني بها حفل حزب يساري: أن لعينبك بريق عشتار.. قالت ضاحكة باشتهاء لا يقاوم: لو قلت بريق عيون مونليزا لاخترتك!
الآن اقف أمام مونليزا تماماً في متحف اللوفر. اكتشفت في هذه اللحظة فقط، إن علي في تلك الليلة أن أقول لتلك المندائية التي بدا صفاء عينيها مثل صفاء مرايا قصور فرساي: أن لعينيك بريق عيون المونليزا. فلربما كانت معي الآن تتدثر بفراش الود بعد ان تشهر أسلامها. لكن صديقي المندائي ماجد جمعة مريرش الذي وجدته صدفة في استوكهولم أخبرني: أن البارونة هيام وكنت أطلق عليها ذلك اللقب، ظلت من دون دافنشي يرسم ذلك الصفاء الفراتي الذي لا مثيل له إلى أن لفظ أنفاسه تحت مسننات التعذيب في مديرية الأمن ببغداد.
مشت دابة ايدي - باد ببطء. فكانت تقطع كل فرسخ بيوم. كان الكهل يقتل الزمن بتأمل حاجة الروح إلى صفاء الطريق وعندما تتعب رقبته من التوجه صوب الزرقة المفتوحة مثل جناحي نورس، يستل اللوح من كيس القماش بعناية، ويبدأ من جديد مع سطور تتحدث عن بهجة العالم لذائقة من نوع خاص. تراجم عن معرفيات البدء للذي صنع العالم أولاً. أنليل الذي مسك الماء والحجر بيديه ونطق برؤى الطريق إلى الأرض وغادر كرسيه النوراني ليخلق المجتمعات الأولى وينفخ في صدرها شهوة الشجار والحكم.
على طول مسافة الطريق الذي يتحرك مثل نملة، حرك الشيخ المسافر أجفانه وراح يدخل في دهاليز المفردات يشكل في ذاكرته أوصاف الحروف ورقة المعاني فيجد الوجود أمامه متسعاً للحقيقة الغائبة: كيف نعيش الحياة وفيها من يتقن القسوة ويجني على هدوء المتأمل ويقهقه ساخراً من جلسة الظل التي كان يطيل بقاءه فيها أمام المعبد حد الذي أطلقوا عليه لقب أقدم المتسولين لكنه برغم ثيابه الرثة ونظراته الغائبة في البعيد الذي لا يرى لفت انتباه الأميرة الساحرة نرين - سين وكانت تراه في عودتها المسائية من المعبد وقد رسم الذهول في عينيه رغبات عن علم أو فلسفة ما أرادت أن تكتسبها ما دامت هي عكس أخواتها اللاهيات تهتم بما تريده الألواح وتقوله. وعندما أتوا به أمامها أصاب عينيه سحر بريق عيون الأميرة فخر مغشياً عليه، في ظن منها أن هذا الشيخ كان مرعوباً وهو يدخل القصر الملكي لأول مرة في حياته. وعندا رشوا عليه ماء الورد وأفاق. كان وجهها الجميل يطبع على شيخوخته ذكريات صبا لاه بين حقول الرز وقهقهات بنات الهور حيث ولد أدي - باد في قرية تسمى قرية السمك الفضي. وحين هاجر إلى أور لأول مرة رغبة من ابيه لينذره في خدمة المعبد رفض الكاهن الأكبر هذه الهدية الريفية وأرسله ساقي ماء في المدرسة التي يتعلم بها أبناء أور الموسيقى بعد أن أمر شولكي بجعل الموسيقى درساً إجبارياً في المدارس الابتدائية. ربما هي ذاتها الموسيقى، ولكنها بثقافة جديدة. حيث استمع إليها الآن في قاعة البولشوي. وأمامي مثل فراشة عمرها يومان، وبساقين مثل ساقي الزنبق ترقص أولتيكا بروسكي. تلك المونليزا التي تشع بضوء الثلج وهي تهتف في فراشي بشعارات الم الفحولة التي فاقت ألف مرة فحولة ذلك الضابط العثماني وهو يولج غضب سلطان الأستانة في جوف لورنس الذي كان سبباً في اعتقالي أول مرة ومغادرتي حقول الرز بذات الدابة التي سافر عليها أدي - باد لأول مرة.
وكان سفره قد شكل في رغبة الرجل بحثاً عن مدن أخرى تود أن تقيم مجداً للفقراء دون الخضوع إلى رعب العسس الذين دربتهم سومر لأجل ان يفرضوا نظام الاصطفاف والخشوع عندما يمر موكب الملك ليقدم ولاءه المادي والروحي للآلهة التي نزلت اليوم إلى أرض أور بعربات تجرها خيول بيض وبجانبها يسير الغمام الشفاف الذي ما أن يلامس الأرض حتى يتحول إلى قمصان بيض ترتديها أميرات سومر وهن يقمن بخدمة تقديم الشراب إلى الآلهة التي ضيفها الملك في قصره الصيفي فيما رفضت نرين - سن أن تذهب وتمنح بكارتها لآنو الذي تقول عنه الألواح أنه أشد آلهة سومر حباً بالنساء.
ولأن أدي - باد ساقي الماء في مدرسة الموسيقى يخشى من أن ينال الغضب أميرته التي حنت عليه واقامت معه فصولاً من علاقة حميمة تبدأ من الإنصات لملاحظات الشيخ بعزفها الساحر إلى مداولات الكلام حول وجودنا في ظل مزاج عشرات الآلهة.
قالت أولتيكا وهي تفرش ساقيها على ذلك الشرشف الجميل الذي أتت به والدته إليه يوم كان موقوفاً في سجن الخيالة، ويتذكر أن أمه يوم أخاطته قد طرزت وسطه شمساً ووسطها طفلاً يحمل مشعلاً. وعندما سألها الشرطي الذي يفتش الأغراض الداخلة للسجن عن معنى الرسم المطرز إجابته كمن يثق بنفسه: إنها الحرية يا ولدي.
- ما دامت الحرية هنا فلا يحق لها أن تدخل سجن ما دامت هي بالسجن أصلاً.
انتفضت أمي بغضب. وقالت سأدخلها رغماً على شاربك. وإذا كانت في السجن حرية واحدة فأنا في بيتي أستطيع أن أطرز ألف حرية كل يوم.
قال الشرطي بوقاحة: لو كان عندنا نساء سجينات بعمرك لرميتك الآن معهن.
قالت أمي: أن فعلتها ساشج رأسك بهذه الحصاة يا ابن..! عرف الشرطي جدية أمي. ورأى استهزاء زملائه بطروحاته التافهة مع أمرأة عجوز فصمت. وأمامه دخلت أمي وهي تفتح الشرشف لتري الجميع الحرية الثانية التي جلبتها إلي ومعها كتاب خبأته في طيات ثيابها هو (مذكرات جيفارا).
لقد حرصت على أن يكون هذا الشرشف معي في كل ترحال. وها هي أولتيكا تمتد مثل مجرى نبع نحيف على الشمس التي رسمتها أمي رحمها الله. وشيئاً فشيئاً بدأ الدفء يسكن المكان فيما كانت بحيرة البجع تطلق للريح موسيقى السحر السومري الذي سكن بهجة أميرات سومر وهن يتمنين أن يصبحن بجعات كي يطيرن بعيداً عن ثمالة أولئك المصنوعين أصلاً من طين الضفاف الفراتي.
لا أدري لماذا لا أريد الذهاب بعيداً في المشهدين لأن هذه القصة لن تنتهي.. لو حكيتها كلها لصار طولها ألف ذراع. ويبدو أن نهاياتها قد حسمت. آدي - باد سرقت تميمته من المتحف يوم دخول بغداد أنا كنت أتخيل لأنني لم أشاهد باريس وموسكو بحياتي. وأولتيكا ربما هي خديجة زوجتي.. وداعاً.



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من القاص العراقي محسن الخفاجي الى الرئيس الأمريكي جورج ...
- عشق وحرب وطفولة
- حوار مع الشاعر البحريني قاسم حداد ..دلمون القصيدة بمعطف القر ...
- خريف المدن الجنوبية
- خريف المدن الشمالية
- واقع وليس خيال ...طشت الخردة
- اسبوع التضامن من أجل أطلاق سراح القاص العراقي محسن الخفاجي
- ليل وطني أغنية للعشق وإناءاً للبن الرائب
- قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل
- الميثولوجيا من نارام سين حتى بول بريمر
- بهجة الورد ثوباً ازرقاً لمراة
- رسالة انترنيت الى دراويش تكية 11 سبتمبر
- المندائية انباء جاوي وقبعة الملكة اليزابيث
- الثقافة بين التأويل والتدويل
- تواشيح مندائية تناشد الأب الروحي للطائفة
- متصوفة الورود الحمر .قلوبهم أثرية ودموعهم قيثارات
- الكتابة في حدود الرغبة والتحرر من الصفر المطلق
- المهاتما يقرأ في كتاب الغروب البابلي
- الشعر والثمالة ورامسفيلد ومايحدث الآن
- المراة بين اناء العسل وروح الكائن المطيع


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - كيف تحولت خديجة الى أولتيكا برودسكي..؟