|
سلالة الطين : الكاتب ، والكتاب
خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 1244 - 2005 / 6 / 30 - 14:19
المحور:
الادب والفن
بتول ، في " سلالة الطين " ص 467 صدر موخرا ، عن المؤسسة العربية للدرسات والنشر، في بيروت كتاب " سلالة الطين " لمؤلفه الاستاذ عطا عبد الوهاب : الشخصية الوطنية المثقفة المرموقة . تتناول صفحات الكتاب ، بوضوح ، وبلغة انيقة مميزة ، تشي الى ظهور اسلوب خاص في الكتابة ، تتناول احلام وآمال .. ومأسي حياة هذه الشخصية العراقية بامتياز ، والتى عكست حوادثها مجرى الاحداث المتنوعة والدرامية التى شهدها العراق في الفترات الاخيرة ، تلك الاحداث التى اثرت تبعاتها تأثيرا عميقا وتراجيديا على مصائر مواطنيه الكثيرين ، ولاسيما المخلصين منهم التواقين لرؤية بلدهم بلدا مزدهرا ديمقراطيا وتعدديا ، يحترم جميع حقوق مواطنيه . والكتاب لا يتعاطى مع صيرورة سيرة ذاتية عادية ، بل يسرد حوادث معينة وهامة في تاريخ العراق ، مترعة بنكهة الذكريات التى لا تنسى ، لكن اغلب تلك الحوادث هي وقائع غاصة بالالام والمآسي الحزينة المفجعة التى صادفها المؤلف في حياته المديدة ، وهي لهذا ليست محض سيرة ذاتية ، وانما هي بحق كما دعاها المؤلف " سيرة مأساة " : - وهو العنوان الفرعي للكتاب ، الذي اعتبر صدوره بمثابة صرخة بوجه الظلم والظلامية ، ايا ً كان مصدرهما .
(1 ) الكاتب سمعت باسم عطا عبد الوهاب قبل ان اتعرف عليه شخصياً . في نهاية الثمانينات ، وبداية التسعينات ، تكررت زياراتي الى دار جعفر علاوي بالمنصور – المعمار العراقي الرائد ، الذي فجعت بخبر وفاته مؤخرا . كنت مهتما ً ( ولازلت ) بالعمارة العراقية الحديثة : منجزها ، وشخوصها ، خفاياها وحكاياتها الحقيقية .. وغير الحقيقية ؛ ولم يك بدا ً من الذهاب الى " الينابيع " الرئيسية لتلك الظاهرة ، التى لم تبحث ، للاسف ، بشكل موضوعي ، ولم يكتب عنها دراسة ًً شاملة ورصينة ً ، دراسة تتعاطى مع موضوعها بجد واخلاص : بداياتها وانجازاتها ، وخصائصها واضافاتها وتأثيراتها ومؤثراتها ... والينابيع – هم المعماريون الاوائل الذين واكبوا مراحل مسار تلك العمارة ، وجعفر علاوي ، بشخصيته المحببة المرحة ، وحبه للعمارة وللثقافة بشكل عام ، يمثل ، في رأي ، احد تلك الينابيع المهمة . مرة ، سالته من هو جاره الذي يشغل مسكنا تؤم مسكنه ، والمصمم من قبله . ورد سريعا وبدهشة : - عطا عبد الوهاب ... الا تعرفه ؟ - لا . وقص لي ، بتعاطف جم ّ قضيته المأسوية ، مختتما كلامه عن محنته التى وجد نفسه منفردا في زنزانة اعدام لفترة تزيد على اربع سنوات ( للدقة، ووفقا ّ لما سيذكره عطا عبد الوهاب في " سلالة الطين " ، كانت المدة : خمس سنوات واربعة اشهر ! ) ؛ كان كلما سمع طقطقة خطى السجان ، وصوت مفاتيح تفتح الزنازين ، يشعر بانه المقصود للاعدام ، وهذه الحالة تتكرر يوميا ، ولمدة تزيد عن اربع سنوات ... طار، فجأة ، تأثير " الويسكي " ، الذي كنت احتسيه ، وبهت لجملته الاخيرة مرعوبا ً .. وسمعته يقول بصوت بدا لي وكأنه آت من مكان بعيد : - الله لا " يشوّف " محنته لاحد ! ؛ ... الله يساعده !
لملمت اغراضي سريعا وخرجت ، كان خروجي يمّر لصق الجدار الفاصل بين المسكنيّن ، وشاهدته عبر السياج ، كما كنت اشاهده دوما، عند زيارتي الى استاذ جعفر ، كهل عادي ، ضعيف البنية ، اقرب الى القصر منه الى الطول ، في بنطال قصير ( شورت ) ، منهمك ، كعادته ، في رش مزروعات حديقته التى بدت غاية في النضارة والتنظيم . اربع سنين ، في زنزانة اعدام ؟، هذا يعني حوالى 1500 مرة ، كل يوم تشعر بان حياتك قد انتهت ! – شئ ، مذهل ، مخيف ومرعب ، ومفجع ومأساوي ، هل ثمة كلمات اخرى تصف الحال ؟ وكيف تمالك نفسه كل ذلك الوقت ، من دون ان ينهار ؟ كان مجرد استذكار ما قاله جعفر عنه ، يملء نفسي هلعا وذعرا وخوفا لا يوصف ؛ حتى اني اعتبرته ، بحكم ما قاساه ، مخلوقا ً خارقا ً ، اقرب الى شخصيات الاساطير القديمة ، منه الى انسان عادي ! ... انكيدو ... او احد ابطال المآسي الاغريقية ، اللذين بمقدورهم ولوحدهم تحمل آلام ومعاناة يتجاوز تحملها قوة احتمال البشر! . كنت ميال الى تحاشي الكلام معه اجلالا وتقديرا لما كابده ، بيد انه بالفته وحميميته ،كان يظهر بعض الود تجاهي ويغريني بالحديث معه ، ويرشدني ضاحكا ً باستمرار المداومة على طرق باب جعفر ، عندما اشعر بان لا احد في الداخل يستجيب الى طرقي . وعلى ما يظهر فانه قد سأل جعفرا عن شخصية زائره المتردد عليه، في الفترات الاخيرة كثيرا ، وفي وقت محدد . ويبدو ايضا ً انه قد قرأ لي بعضاً من المقالات التى كنت انشرها في وسائل النشر المحلية . وبمرور الايام ، واثر لقاءات عديدة في مناسبات ثقافية ، كـّنا نتبادل الاحاديث ، واحيانا نتناقش في الشؤون الثقافية ، والمعمارية على وجه الخصوص ، وكان اهتمامه وسعة معرفته بالاخيرة ، تثير لدي دائما الدهشة .. والارتياح . لكن عطا بدا قريبا ً لنا ، نحن المعماريين ، عندما ظهر كتاب " الاخيضر والقصر البلوري " لرفعة الجادرجي ( 1993 ) ، والذي صاغه عطا عبد الوهاب ، باسلوبه الممتع والخاص والمميز ّ . كان ظهور الكتاب ، بمنزلة حدث معماري مهم ، يماثل في رأي ، ظهور مبنى بتصميم استثنائي ؛ فلاول مرة يصدر في العربية كتابا ًمعماريا ً بهذه السعة والشمولية والاخراج والاناقة ، واللغة ، اللغة الجميلة التلقائية المعتـنية بالتفاصيل ، والمؤسسة لنص قلما ُقرا سابقا ً . والكتاب ، كما هو معروف ، كتب في سجن " ابي غريب " ، عندما كانا الاثنان : عطا ورفعة نزيلين فيه . والامر الذي يبعث على الحيرة بان عطا لم يذكر ، ولا مرة واحدة حادثة كتابة نصوص الكتاب ، في مؤلفه " سلالة الطين " . ، وكل ذلك يثير الدهشة والحيرة ، ذلك لان تأليف الكتاب واسلوب لغته ، ومناسبة صدوره ، تعد حدثا بارزا في الثقافة العربية عموما ، وتعد امرا غير عادي في مجمل الخطاب المعماري العربي . هل فات عطا حادثة الكتاب ؟ ؛ ام ان صمته المعبّر يشي الى دلالات معينة ، تومئ الى وقائع من نكران وجحود صادفهما كثيرا وباستمرار على امتداد سنين حياته ؟ لكن قمة " عطاء " عطا عبد الوهاب " المعماري " ، كان في ترجمته كتاب " لو كوربوزيه " ( المودولور ) ( 1995 ) ، وانا هنا اتناول جانبا من شخصيته الثرة المتنوعة الاهتمامات ، عالية الثقافة ، وهو جانب الاهتمام الثقافي بالشأن المعماري ، الشأن الذي يشكل الاحاطة والمعرفة به جزءا من مهنتي وشخصيتي ، واعزو له ، بالاساس ، حيثيات تمتين اواصر المعرفة فيما بيننا . واللافت في الترجمة ، اضافة ً الى حضور اللغة الانيقة ، نوعية الاختيار ، فالكثير من القراء العرب ، واتجاسر واقول العديد حتى من المعماريين العرب ايضا ً ، يجهلوا تأثير واهمية هذا الكتاب على مسار تطورّ العمارة عموما ، وعلى منتجها المادي الملموس . ومع ان كتاب " المودولور " ، صغير الحجم ، فانه حافل بمصطلحات هندسية ومعمارية كثيرة ، وكل مصطلح فيه يدل على معنى محدد وواسع ، واي اخلال في ترجمة المصطلح ، سيفضي الى اضطراب في المعنى المقصود . بيد ان نتيجة الترجمة جاءت على درجة عالية من الكمال ، والاتقان ، يزيدها بهاءا الاسلوب اللغوي المصطفى ، ونوعية اختيار المفردات ، وهو ما اشرت اليه ، في مقالة منشورة ، تعود الى سنة 1995 ، اشيد بها صوابية اختيار الترجمة ، ولغتها الرشيقة البارعة . ... في عمان ، الاردن التى انتقل اليها من بيروت ، ومحطتي الاولى بعد خروجي من سجن العراق الصدامي البعثي ، في منتصف التسعينات ، تقابلنا مرة اخرى ، وزرته في بيته بمعية خالي ماجد النهر- جاره في المنصور ببغداد سابقا ، وجاره الحالي بعمان . كان ، دائما ، وكعادته مسكون بالهم الثقافي ، ونشاط الترجمة ، الذي كان يمارسه وفق طقس خاص من الصرامة والضبط العاليين . لم يكن في بحبوحة من العيش ، كما تفصح عنه نوعية شقته واثاثها المتواضع ، بيد اني لم اسمعه قط يشكو وضعه المعاشي على امتداد خمس سنوات ، وهي الفترة التى عملت فيها استاذا في جامعات الاردن ، وظل رجلا متحصنا ومترفعا قلّ نظيره ! . وينبغي علي ّ ، الان ، الاقرار بجميله ومعاضدته لي لنشر كتابي < رؤى معمارية > ( 2000 ) ، عند صديقه الناشر ، الذي ساهم حضوره الشخصي لمكان اجتماع الناشرمعي ومتابعته المؤثرة ، الى سرعة تذليل معوقات كثيرة .
(2) الكتاب جاء كتاب " سلالة الطين – سيرة ماساة " ، الصادر سنة 2004 في بيروت ، بـ 616 صفحة ، وبغلاف سميك . ويعبر شكل غلافه ، الذي صممه " سينا عطا " ، ابن المؤلف ، يعبربرمزية لاذعة عن محتوي الكتاب ؛ اقول يعبر ، ولا اعني الاختزال . اذ لا يمكن اختزال نص يحكي مضمون ، من خلال كلمات مغموسة بوجع انساني ، سيرة آلام ومعاناة لا تصدق . يمكن فقط سرد بعضا ً من وقائعها في مكان معين وفي زمان معين ، توطئة لسرد ، لاحقا ً ، التالي منها ، حتى تكتمل فصول تراجيديا العذابات والاوجاع والمآسي التى اوجدها " نظام " قتلة وفتاكين ، كان جل ّ مرماهم اغتيال " منظومة " الحياة العادية لملايين العراقيين ، الذين وقعوا ، في غفلة من الزمن ، بين ايديهم ، ومن ثم التلذذ بعملهم المشين ! . ثمة رسالة عاجلة ، بيد انها مؤثرة ، يرغب المصمم ايصالها لنا عن محتوى الكتاب ، ومكابدة الكاتب . فيلجأ الى استحضار المعنى من خلال تأكيد الرمز ، وينزع الى تغييب ملامح الشخصية ، طمعا في ضمان حضور الهوية . فما نراه محض " بورتريه " على خلفية ملونة؛ بيد ان مساحتها طاغية ، يوحي لونها الجوزي الضارب للاحمر ، الى " الطين " ، الذي تستمد منه ، عائلة " عبد الوهاب " سلالتها ! ؛ لكنه هنا ، يتبدى وكأنه طين < حرّي > ؛ طين يعد نوعه من انقى انواع الطين العراقي ، كناية عن حقيقة نظافة ايادي رجال ونساء تلك العائلة الكريمة ، ونقاء سريرتها ! . تدلل سيماء صورة الغلاف " البورتريتيه " على شخصية رجل مفعم بالامال ، الامال التى نرى رموزها فتحات نوافذ مشرعة امامه باسلوب منظوري ، موحية الى تنوع مجالات الرجاءات والاحلام المفتوحة امام ذلك الرجل ، وهو في كامل اناقته وجمال زيه ؛ بل ان اناقته المعبّر عنها " بالسدارة " الفيصلية ، وقميصه الناصع البياض بربطته الانيقة ، هي التى تلوح لنا ، اكثر وضوحا ومغايرة ، مقارنة بضبابية بعض التفاصيل الاخرى للصورة التى تلاشت قسماتها مع ملامح " فاصل " الخلفية . على ان لسعة المفاجأة تكمن في الصورة الاخرى ، صورة الغلاف " الاخير " ، والتى تظهر قسمات رجل بالكاد تدلل على شخصيته . لكن تلك القسمات ،على عموميتها ، تظهر نوع من التحدي المثير للتعاضد ، والذي بسببه خرج الرجل - الذي نراه الان متشحا بالسواد - ؛ منتصرا على هول ما مرّ به . ثمة ملامح مشتركة ، يمكن للمرء ان يلاحظها بين الصورتين ، بيد ان " الفاصل " الزمني الغاص بالفجيعة والالام ، يعمل عمله ، ومع هذا فان العين لا تخطئ في نسب شخصية الصورتين الى عطا عبد الوهاب – كاتب " السيرة المأساوية " .
يحاول عطا عبد الوهاب ان يعزو سبب محنته التى بدأت بمطاردته ومن ثم اختطافه في دولة اخرى، ونقله الى العراق خلسة ، وتعذيبه واعدام اخيه والحكم عليه بالاعدام ، ومن ثم سجنه لمدة تفوق على ثلاث عشرسنة ، بدون ادنى مبرر ، فيجدها في تضافر ظروف " على نحو ٍ لا يحتمل وقوعه الا بنسبة واحد الى مليون " ص (493 ) . لكن جواب تساؤله المرّ على استفهام مزدوج < لماذا ؟ لماذا ؟ > ، الوارد في صفحة 488 من الكتاب ، يمكن ان يكون صحيحا ً بالطبع . بيد ان الاشارة والتأكيد مرة ، ومرات ، على طبيعة النظام ، الذي وجد العراقيون ، فجأة ، انفسهم محاصرين بمصيدته ، لينصب عليهم بعدئذ ٍ عنفا غير انساني ، وارهابا فجا ، وقتلا مجانيا ، وكل ذلك ترادف مع ضياع المقاييس ، والاعلاء من شأن الوحشية والتدمير الشامل لكل ماهو خير وصحيح وصائب في سلوكية الافراد ، يمكن ان يكون جوابا لذلك الاستفهام الذي طرحه ، فجميع العراقيين كانوا وقودا ، لتلك الممارسة الشاذة وغير العقلانية التى مارستها عصابات القتل والجريمة ، على امتداد عقود من حكم نظام البعث الصدامي . عندما كنت اراجع ، مرة ، رفوف كتب مكتبة الجامعة الاردنية بعمان ، اثار انتباهي كتاب متواضع الحجم لمؤلفه عبد الكريم فرحان ، وهو ابن بلدتي ، لا اتذكر عنوانه بالكامل ، بيد اني مازلت ، وبعد مرور تلك السنين العديدة ، ارتعش رعبا ً لمجرد تذكر ما قرأته في صفحات ذلك الكتاب ، وما صادفه الكاتب من جور وظلم وتسعف وضيم واجحاف في قصر النهاية ، " القصر" اياه الذي وجد عطا ، نفسه به وقاسى ما قاساه . ثمة عراقيون كثر كابدوا ما كابدا عطا وعبد الكريم ، لكننا لا نعرف عن معاناتهم كثيرا ًً . الشئ الاكيد الذي نعرفه، هو ان ظلم وارهاب النظام البائد كان شاملا وعاما ، وانه لم يبخل بهما على احد ! . استلمت كتاب " سلالة الطين " بالبريد ، على عنواني في مدرسة العمارة ، مرسل من الصديق عطا ، الذي رجوته ان يبعث به اليّ . وحالما استلمته فتحته على القسم الثالث . وبعد قراءة صفحات فصل < الى الهاوية > ، قلت لاخرج من مكتبي الى جوار المدرسة ، بالقرب من مبنى الاوبرا المشيد حديثا ، ضمن البرزخ البحري الذي يفصل جزيرة مدرستنا عن كوبنهاغن ، وامامي قصر الملكة ،كما يمكنني ان ارى برج البرلمان المميّز من بعيد ، وجموع من الناس الاحرار السائرين بمرح ، لتكثيف الشعور بالطقس السياسي ، الحافل برموز الديمقراطية ، وشواهد الثقافة الرفيعة ، حتى يزيد كل هذا ، من تأثير جرح قراءة نصوص المأساة التى تفصح عنها كلمات المؤلف البليغة ، ولتأكيد هشاشة ، وسخافة التهم المفبركة ، التى لا يمكن لها اطلاقا ، ان تخطر على بال اياّ من اولئك الذين انظر اليهم عن بعد ، وعن قرب ؛ التهم الكاذبة الوهمية التى ادت تبعاتها الظالمة الى تشريد وسجن واعتداء وتعذيب العديد من رجال العراق المثقفين المخلصين الاوفياء. تثير قراءة نصوص كتاب " سلالة الطين " تعاطفا جما مع محنة المؤلف ، كما تغوي تلك القراءة ، الى التنديد الشديد بالظلم والظلامية اللذين خيما على العراق عهد النظام الاستبدادي الشمولي البائد . على ان قراءة محتوى الفصل الاول الخاص بالاسفار ، اثار لدي تعاطفا اضافيا مع نوعية شخصيات ورد ذكرها عرضا في الكتاب ، شخصيات ادت واجباتها الوظيفية والوطنية على اكمل وجه ، وضاع جهدها ومآثرها في خضم التباسات وتقييمات ايديولوجية وفكرية ، غلفت الحياة السياسة العراقية ردحا طويلا من الزمن . واعني بهم رجال الطبقة الوسطى العراقيين ذوي الثقافة التركية ، ودورهم الكبير والمهم في ترسيخ مبادئ الضبط الاداري ، والاعلاء من شأن قيم الانتماء الوظيفي ، والامانة على المال العام ، والسلوك النزيه المتجرد من المنفعة الشخصية فيما يخص قضايا الشأن العام . انهم امثال اؤلئك الذين يتكلم عنهم ، عطا عبد الوهاب بمودة ومحبة كبيرتين في مستهل القسم الاول من كتاب " سلالة الطين " . وانا هنا ، لا اعنى رجال الطبقة السياسة العليا ، فتقييم سلوكهم ذاك رهناً بما انجزوه ، وانما اعني الموظفين العادين من الصف الثاني ، وربما الثالث ايضا ً : المهندسين والضباط واخصائيي الطابو والموظفين الاداريين والفنانين والمعلمين ، الذين بفضلهم نال العراق سريعا ، تلك المنزلة الرفيعة التى تبّوأها في التقدم والعمران ، بعد ان كان سابقا ، مجرد ولايات متأخرة في منطقة جغرافية مهملة . يتكلم عطا عبد الوهاب عن العلاقات الحميمية ، التى تربط اعضاء تلك الاسر وسلوكياتها المهذبة ،عالية الثقافة ، ويصف لنا حال مدن عديدة شغل اولئك الموظفين بها ، مناصبهم وتنقلوا من مدينة لاخرى في طول العراق وعرضه بدون كلل او تذمر ، وكانوا دائما يرسون تقاليد وسلوكيات جديدة وحديثة في تلك المجتمعات المحلية التى صادف وجودهم فيها اثناء ترحالهم المستمر ، ويتصادى نهجهم هذا ، مع طموحات كثيرين في رؤية بلدهم بلدا ً متقدما ومزدهرا . بيد ان جهود اولئك المخلصين الشرفاء ضاعت وفقد ذكرهم ، واخذوا بجريرة خطايا السياسة العثمانية البغيضة ، والاجندات الخفية لبعض الساسة المحليين والاقليميبن ، ولف دورهم النسيان .
ماذا عن محتويات الكتاب ؟ - اعترف باني تكلمت < عن > الكتاب ، وليس < فيما احتوى > الكتاب ، اذ يظل نص الكتاب ، في راي ، نصا غير قابل للعرض ، وبالتالي للاختصار ؛ ذلك لان جميع مفرداته التى ، تسرد بامانة ، طبيعة الاستبداد ، الاستبداد الذي افرز تفكيرا اجراميا وممارسات شاذة ، لا يمكن لها ان تختصر ، كما لا يمكن ان تختصر او تنسى المآسي والاوجاع التى خلفها ذلك النظام الشرير . ولهذا فاني اناشد الجميع قراءة نصوص هذا الكتاب قراءة كاملة ، كي يمكن تصور ما حصل للعراق في تلك الايام العصيبة ؛ والعمل بجد واجتهاد على عدم تكرار امكانية حدوث مثل تلك المآسي ثانية . قد يشكك البعض ، وربما لا يصدق آخرون مدى القسوة والبطش الذيّن حلا ّ بالمؤلف ، بدون وجه حق ، كما حل ّ بالآلاف المؤلفة من امثاله ، وبدون وجه حق ايضا َ ، واذ وجد مثل هولاء الناس الفارغين والخالين من الاحساس بالتعاضد والتكافل الانسانيين ّ ، فان ذلك سيعمل حتما ، الى زيادة آلامنا آلما مضافا ً ، ويضيف الى اوجاعنا وجعا زائدا ، ويجعلنا نردد القول المنسوب الى علي بن ابي طالب : " ويل للشجي من الخلي ّ " - نعم ، ويـل للشجي ، من الخلـي ّ ! . □□
د . خالد السلطاني مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون كوبنهاغن- الدانمرك
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسعينية جعفر علاوي - العمارة بصفتها مهنة
-
مسجد ما بعد الكولونيالية
-
رسالة مفتوحة الى برهان شاوي
-
صفحات منسية من تاريخ العراق المعماري: مبنى مجلس الامة-الى ال
...
-
تحية الى 9 نيسان المجيد
-
نكهة العمارة المؤولة
-
مصالحة ام ... طمس حقوق؟
-
مقترح شخصي ، لادانة جماعية
-
المشهد المعماري في الدول الاسكاندينافية بين الحربين - صفحات
...
-
الانتخابات و - رياضيات - الباجه جي المغلوطة
-
العمارة في العصر الاموي : الانجاز والتأويل - مقدمة كتاب ، يص
...
-
تجليات العمارة العضوية : نتاج رايت في الثلاثينات - صفحات من
...
-
في ذكرى عبد الله احسان كامل
-
بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب
...
-
قضايا في العمارة العراقية :العمارة ، بصفتها منجزا ً ثقافيا
-
ثمانينية خالد القصاب : المثقف المبدع ، المتعدد المواهب يتعين
...
-
صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز ، وال
...
-
تيارات معمارية حديثة : التيار الوظيفي
-
صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز والتأ
...
-
موالي - صدام المُدَّعِية - بالثقافة - تسعى - لتبييض - سيرة ا
...
المزيد.....
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
-
-بوشكين-.. كلمة العام 2024
-
ممثلة سورية تروي قصة اعتداء عليها في مطار بيروت (فيديو)
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|