أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - مع باولو كويللو في الصحراء















المزيد.....

مع باولو كويللو في الصحراء


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4376 - 2014 / 2 / 25 - 08:28
المحور: الادب والفن
    


لماذا وأنا الذي يعيش في هذه البلاد منذ سنين سبع لم أزر الصحراء
تساءلت وأنا أقرر ما الذي سأفعله نهار جمعة من الجمع؟ حسناً سأذهب إلى الصحراء، سأعاين على أرض الواقع كيف كان يعيش هؤلاء قبل أن تصبح بلادهم مقصداً لجميع جنسيات العالم ومكاناً يعج بناطحات السحاب وأفخم الفنادق والسيارات.
امتطيت صهوة سيارتي ( وهي ليست من أفخم السيارات) ، توجهت إلى مكان قصي لا تبدو منه سوى الرمال، بحر واسع من الرمال.
ركنت السيارة، حملت زجاجة الماء وهاتفي وهممت بالنزول.
أصوات قهقة ملأت رأسي، من هذا الذي يضحك علي؟
إنه جدي، إنه محمد عرفته من الصورة الموجودة في غرفة أبي، إنه هو.. كما في الصورة بالأبيض والأسود، يقف حافياً لكنه هنا في رأسي.. يضحك، يضحك بقوة
ـ لماذا تضحك يا جدي
لم يجب، ثم سمعت صوت ضحك آخر، من هذا الرجل الذي يقف قربه ويشاركه الضحك، لا بد أنه حازم الأول، لا بد أنه أباه، لماذا يضحك هذان الجدان علي، ولماذا جاء أبي ليشاركهم الضحك؟
في زاوية رأسي الثانية كان ولدي زوربا يقف حزيناً وهو يسمع صوت ضحك أجداد أبيه على أبيه..
الآن فهمت.. إنهم ولا شك يضحكون على حملي لزجاجة ماء وهاتف نقال لأنني قررت أن أمشي قليلاً وحدي في الصحراء، لا بد أنهم يسخرون مني ويقارنون حياتهم القاسية في أعالي جبال الساحل السوري بحياتي وأنا لا أجرؤ على المشي قليلاً في الصحراء دون ماء، لا بد أن أبي يكرر إسطوانته المعروفة كيف كان يمشي تحت الثلج عشر كيلومترات ليصل إلى مدرسته.
لا تقلق يا زوربا الغالي، لا تقلق يا حبيبي، لن أسمح لهؤلاء المجانين أجدادك أن يسخروا من أبيك.. رميت زجاجة الماء.. وضعت الهاتف داخل السيارة.. وانطلقت.. توقف صوت الضحك.. ابتسم زوربا الملك.
لعل درجة الحرارة فوق الأربعين، جيد أنني أحضرت قبعتي، ما هذه الصحراء، ما سرها، طبيعة هذا الكوكب تغريني.. البحر الوسيع يغريني.. وهذه الصحراء الوسيعة تغريني.. كيف كان هؤلاء القوم يعيشون بدون مكيفات أو سيارات؟
لا دليل واحد على الحياة رأيته خلال ربع الساعة الأول من المشي، رمال فقط..
قال باولو كويللو: ما مقدار شجاعتك للمضي أبعد
لماذا يخاطبني هذا البرازيلي الآن؟ ولماذا يتحداني؟ لعل الخيميائي هو السبب.
تجاهلته.. ليس من الحكمة أن أخوض في هذه الصحراء دون ماء ودون هاتف نقال وتحت أشعة الشمس الحارقة حتى لو كان من يتحداني واحد من أفضل روائيي هذا العالم.
صحراء.. رمال ذهبية على مد النظر.. حتى الرياح عندما تهب تأتي ساخنة تلسع الوجه.. يجب أن أعود أدراجي وأن أحافظ على الشارع الرئيسي تحت مرمى بصري... إن تهت عنه.. سأضيع هنا ولا شك.
من بعيد رأيت صخرة كبيرةغريبة اللون والمظهر.. هل أذهب لأطالعها وأسترح في ظلها قليلاً...
إنها كبيرة ولا شك لتبدو من هذه المسافة.. قال باولو
ـ إخرس.. كنت سأذهب بدون استفزازك.. أسرعت خطوي لأصل فالعرق غمر جسدي وقد امتزج داخل حذائي بالرمل ومع الحرارة العالية شكل كل ذلك مصدر إزعاج يضاف إلى العطش والحرارة اللاهبة.
أي صخرة هذه.. حسناً.. سأجلس في ظلها قليلاً
ـ هل تعلم أن على الإنسان أن يثق بأسطورته الشخصية؟
ـ نعم أستاذ باولو أعلم، علمت من حضرتك، أما الحياة فقد علمتني أشياء أخرى لم تذكرها في رواياتك، كأن تعيش في سجن كبير ومفروض عليك أن تقوم بذات الأعمال يوميأً كأنك عبد من أولئك الذين كانوا يبنون الأهرامات على أكتافهم.
أين أنت؟ أي رفيق في الصحراء هذا الأبله البرازيلي؟ يظهر ساعة يشاء ويغيب ساعة يشاء
نظرت خلفي.. ما زال الشارع الرئيسي باد علي.. جيد، ليس مستحباً أن أتوه في هذا المكان..
صوت فح خفيف.. هذه المرة الصوت ليس في رأسي.. إنه صوت وقد سمعت مثله لكن ليس على أرض الواقع وإنما في التلفاز.. سمعته في إحدى برامج ناشيونال جيوغرافيك.. سمعته من قبل..
بينما أتذكر.. أصلّي كي لا يكون ما أتوقعه.. أرجوك لا تكوني أنتِ..
نظرت يساراً وعروقي تكاد تجف، ليس من الحر وإنما من الخوف.. لم تصغ لرجائي.. كانت هي.. أفعى بطول متر ونصف تطل من طرف الصخرة.
مشاعري تجاه هذا المخلوق متداخلة جداً، فأنا أحترمه احترامأً كبيرأً.. إنه قوي جداً.. مرن جداً.. يهابه الجميع، لكن في ذات الوقت أخافه.. المعركة معه ليست عادلة.. هو يملك نابين وسماً قاتلاً وأنا لا أملك سوى أسناناً نصفها مهترئ ولثة تعيسة.. إن قمت بعضه سأدغدغه.. وإن قام بعضي.. سينهنهني.
تمالكت نفسي.. لم أحرك ساكناً.. وقفت بهدوء شديد وأنا أراقب هذه الأفعى.. اللافت في الأمر أنها لم تعرني انتباهاً وكأنها تركز مع أحد آخر..
على الرغم من المنظر المهيب لها وهي تزحف على الرمال الذهبية، إلا أنه لا يخفي جمالاً وقوة.. وربما كان التعبير الملائم.. هيبة.
ـ هل تعلم أنها تطارد سحلية ربما وسيكون منظر افتراسها لها فرصة لا تعوض لرؤيته مباشرة؟
ـ أرعبني الصوت في رأسي.. إخرس يا باولو يا ابن كويللو.. لا أعلم ولا أريد أن أعلم
أريدها أن تذهب كي أذهب.. إخرس.. إخرس.
ـ هل تعلم أنك إن تبعتها بهدوء دون أن تزعجها لن تقترب منك فهي مشغولة بصيد شي تستطيع ابتلاعه لتأكل؟
ابن الملعونة لعب بعقلي.. حقاً ما الذي سأخسره إن تبعتها لأراها وهي تصطاد.. باستثناء حياتي إن لم يعجبها ذلك طبعا.
سأتبعها.. أين سأحظى برؤية هذا الصيد سوى هنا.. حسناً أعلم أن بإمكاني رؤيته مع المدموزيلات على التلفاز.. حارب الطنطتة في داخلك..
تبعتها... رحت أمشي رويداً رويداً وراءها.. بعد خمسين متراً ظهر مخلوق صحراوي زاحف بحجم راحة اليد، لا أعرف اسمه.. لقد كانت تطارده حقاً.. ما أدهشني هو التحمل والصبر عندهما.. هو يعلم انها تطارده ولا يسرع كثيراً ربما كي لا يتعب.. وهي كذلك.. لقد كان مشهداً غريباً رغم أني رأيته كثيراً على الشاشة من قبل.. على أرض الواقع.. وفي هذا الجو المشحون بالخوف والحر.. أمر مختلف.
لا أدري ما هي المسافة التي قطعتها وراءهما.. أدري أن الصخرة لم تعد تحت مرمى نظري.. وأن الطريق لم يعد تحت مرمى نظري.. وأنني إن لم أعد باتجاه الصخرة بشكل سليم.. ورحت أمشي بالطريق الخاطئ.. فستكون كارثة حقيقية.
مر على وجودي في قلب هذه الصحراء قرابة الساعة والنصف.. دون ماء.. دون هاتف نقال.. فقط أنا وحدي.. الرمال.. الشمس الحارقة.. أفعى تطارد كائناً لا أعرف اسمه و..
ـ هل تعلم أن المرء إن رغب بشيء تتآمر عناصر الكون كلها لتحققه له؟
ـ يا ابن اللعينة يا باولو كويللو.. منذ نعومة أظفاري وأنا أرغب أن أضاجع مونيكا بيللوتشي ولم يتآمر عنصر واحد من طبيعتك الخرقاء ليحقق لي رغبتي.. إخرس إخرس إخرس.
أي أحمق أنا.. تائه في بحر من الرمال وأفكر بمضاجعة مونيكا بيللوتشي؟ هل هذا عقل إنسان طبيعي؟ بدلاً من الماء وبدلاً من رؤية الطريق تفكر في جسم الإيطالية اللعينة..
شفتاي بدأتا تتشققان.. والمشي أنهكني.. وهذا الهضاب الرملية التي أراها أمامي لم تكن موجودة من قبل.. أي لعنة حلت علي؟ يكاد الأمر يبدو في البداية كمزحة ثقيلة.. إلا أنه ليس كذلك.
ـ ما الذي تعرفه عن نفسك؟
ـ لا أعرف عن نفسي إلا أن باستطاعتي قتلك لو أنك أمامي أيها الأبله الهيبي.. كف عن تمثيل دور الواعظ وأرشدني إلى الطريق اللعين.
ـ هل تعلم أن لاعب الشطرنج يخسر في اللحظة التي لا يحترم فيها خصمه؟
أفكر في هذا الأمر كلما خسرت وأنا ألعب مع صديقي الشطرنج.. لطالما خسرت لأنني اعتقدت أن اللعبة محسومة لصالحي.. هل سأخسر مع هذه الصحراء لأني لم أظهر مزيداً من الاحترام لها؟
هل أغضبها تذكري للجسد العاري أمام هول العطش والحروق في القدمين.؟
مذاق حلو في فمي!! بصقت.. السائل الأحمر اللزج لم يخيب ظني.. بدأت أنزف من شدة الحر..
ـ آمن بأسطورتك الشخصية...
بدأ التعب ينال مني.. وراحت هلوسات الصحراء تتراءى أمامي فتداخل نهد مونيكا بيللوتشي بشجرة النخيل والماء العذب
ـ لا تلم نفسك.. أوليست الحياة اثني عشرة دقيقة؟
ـ اللعنة عليك أيها البرازيلي الأخرق.. اللعنة عليك
أوشكت على الجلوس فلم أعد قادراً على المشي أكثر.. قلت في نفسي سأصل إلى أعلى هذه الهضبة الرملية هناك..وبعدها إن لم أبصر شيئاً... مهلاً.. إنه دخان أسود
ركضت بما تبقى من قوة لدي... إنه الطريق السريع.. سيارتي الحبيبة هناك
لقد تضافرت قوى الطبيعة لتحقيق رغبتي في النجاة من هذه الصحراء على أمل أن تتضافر من أجل تلك الرغبة..
ـ ثق بأسطورتك الشخصية.. غمز البرازيلي... ثم غاب في الصحراء مبتسماً



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصطفى الأعور
- لا أشرب المتة مع الرئيس
- هذه ليلتي
- إغواء
- عطر امرأة
- معاون شوفير
- أثر الفراشة


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - مع باولو كويللو في الصحراء