أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع الناقد والشاعر فاروق مصطفى















المزيد.....

حوار مع الناقد والشاعر فاروق مصطفى


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 14:05
المحور: الادب والفن
    




الشاعر فاروق مصطفى

"في هذه المدينة سأتسكع وفيها سأهرم"
حاوره:سعدون هليل

فاروق مصطفى شاعر وكاتب"له حضوره المتميز، ولد في كركوك 1946 وهو خريج جامعة بغداد- كلية الآداب –قسم اللغة العربية.أُوفد الى القطر الجزائري للعمل في سلك التدريس لمدة ست سنوات من 1968 ولغاية 1974 عشق مدينته منذ الصغر وحاول أن يخترق أسرارها من خلال الوصول الى أذهان معظم كتابها المعروفين, عاصر شعراء وكتاب "جماعة كركوك" متأثرا بكتاباتهم الادبية أمثال: الشاعر "سركون بولص" "فاضل العزاوي" "محي الدين زنكنة" "زهدي الداوودي" "يوسف الحيدري" جليل القيسي" "صلاح فائق" "مؤيد الراوي"وغيرهم من الكتاب. الشاعر والكاتب مصطفى له حضور واسع في الاماسي والندوات الثقافية التي تشهدها تلك المدينة العريقة الغنية بالثقافات من مختلف القوميات الموجودة فيها.اصدر أكثر من عشرين مطبوعاً.وتضمنت إصداراته مجاميع شعرية وقراءات نقدية. نذكر منها "قمصان الغيوم المتدلية" "أرصفة الدفلى" "جماعة كركوك- الإستذكارات الناقصة" "جماعة كركوك" "باقة من أزهار الخباز" "ذاكرة كركوك" "قراءات في الأدب القصصي" "مصطبة وحيدة أمام القلعة" "أطراس المدائن" "في الطريق إلى الشاعر المهندس طيب جبار" "أدباء وشعراء ومقاهٍ في مذكورات كركوك" في حوارنا معه يتوغل الكاتب في استعادة وجوه الذين رحلوا من أصدقائه الكتاب والشعراء وتسترجع ذاكرته معالم من مدينته الآثارية التي أندثرت عبر تقادم الزمن.
* المدينة كركوك واماكنها الشغوفة والطفولة الدارجة في مرابعها والأصدقاء والأُدباء الذين عرفتهم وصادقتهم؟ ماذا يعني لك هذا كله؟
فتحتُ عيني في محلة شعبية تدعى "جرت ميدان" وتعني بالتركمانية "ميدان الخيل" تنتهي عندها سوق "القورية" الشهيرة, ومن المعالم البارزة المحاذية لها مقبرة "سيد علاوي" والممتدة إلى أسوار بساتين "كاوور باغي" التي شهدت إضراب عمال النفط عام 1946وإنتهت بمجزرة دامية وسقط فيها شهداء عديدون, هذه المعالم المكانية تركت بصماتها على تضاريس كتاباتي, وحفرت عميقاً في أساسيات ذاكرتي, المنطقة أناسها بسطاء, ولكنم أكابر في نبلهم ومودتهم وتسامحهم، يعرضون عونهم على الآخرين بكل طيبة نفس, فمنهم تعلمت أُولى الدروس في الصداقة والمحبة وإحترام العلاقات الإنسانية, مارست الكتابة من مرحلة المتوسطة حيث البداية من المجلات الحائطية, في هذه المرحلة درسني إستاذان قديران هما: محمد صابر محمود في اللغة العربية وأنور الغساني في مادة التربية الفنية, وبدأت أُراسل جريدة "الأخبار" البغدادية وكان محررها الثقافي انذاك زهير محمد القيسي, وقد اثنى كثيراً على مقال أرسلته إليه ونشره في الصفحة الثقافية وكان يحمل عنوان " القنديل المنطفئ وفؤاد التكرلي" تعرفت على صحبتي "جماعة كركوك" عام 1964وجان دمو هو الذي عرفني عليهم وبدأت معهم مرحلة جديدة في القراءة والكتابة والتسكع والتجوال في طرقات كركوك والتصعلك في مقاهيها الأليفة واستمرت إلى عام 1968 حيث أوفدت إلى القطر الجزائري وهناك بدات مرحلة حياتية جديدة في التجوال والعمل في مدن الشمال الأفريقي.
*هناك جماعات ادبية وشلل ثقافية عرفها العراق وكذلك تجمعات أدبية عرفتها كركوك , فهل تجد نفسك منتمياً إلى واحدة منها؟
إنفتحت على الجميع واحببتهم وتفيأت مودتهم وغدوت أموسق خفق قلبي على أنفاسهم, وادخل عوالمهم إلا أنني لا اطيق البقاء فيها وإنما أُغادرها إلى عوالمَ أُخرى,محاولاً أن أجد إيقاعي وأدوزن خطاي على نغماتهِ, أحببت الكل، وفاءَهم ,إبداعهم وتفانيهم, وفي نفس الوقت ِعاشرت الكثير من الأدباء والتشكيليين والمسرحيين في العقد الستيني من القرن المرتحل, وجايلت على وجوه جماعة كركوك وإمتدت علاقاتي إلى مابعد هذه الجماعة, وللأن موائدي ممدودة إلى الجميع, ادعوهم إليها وأستاف أزاهيرهم وأستطعم بوحهم ولا احلم في الأخذ إلأ أن استلقي على مصطبتي المواجهة للقلعة, هناك أتأمل الساعات والأيام التي تكتهل وتشيخ, ثم تتطاير من بين أغبرة الأقدام وهي تستسلم إلى اصابع غير مرئية أتخيلها تمتد من طرقات الضباب.
* القصيدة فن أم صناعة ؟ هندسة أم شيء آخر؟
مهما تحدثتُ عن القصيدة لا أستطيع أن ألم بأسرارها وأضيء أغوارها الجوانية وسيكون حالي كالرسام الذي يحاول أن يعبر عن فكرتهِ فلا يحقق ذلك مهما صَبّ من ألوان وأقام من خطوط وشيد من عوالم على قماشتهِ, وفي الأخير يقول أحسن شيء لي أن أترك لوحتي بيضاءَ فهي تغني عن القيام بأي جهد في آخر المطاف بأنها اللوحة الكاملة, ومن الطبيعي فالقصيدة فن وأنه بحاجة إلى صفة وإلى إمتلاك ناحية اللغة وادواتها المختلفة, بل تفجير هذه اللغة للوصول إلى لآلئها وحناياها, وهندستها بكل ما هو جديد ومغاير وخارج عن المألوف,فهي تعيد لنا بناء العالم وتغيير الحياة ,تجدد الروح وتمنح الجسد الدفء والثراء.
* ماهي طبيعة علاقتك بجماعة كركوك وكيف كانت إرهاصات البداية؟
تعرفت على جماعة كركوك عن طريق جان دمو , جَوّاب الشعر والجوال الدائم والمتسكع الأبدي , ما زلت أتخيلهُ وقدماهُ تضربان طرقات كركوك متابطاً كتبهُ الخوالد, بعد أن عرفتهُ في شارع الرشيد ببغداد, ثم تجدد اللقاء بيننا في كركوك, وفي أحد الأيام صعدنا إلى مقهى"النصر" ويشتهر عند أهل كركوك بـ"مقهى المدور" كان ذلك في العام 1964 إقتربنا من مائدة كان يجلس عندها الراحلان –جليل القيسي ويوسف الحيدري-و وبعد ذلك تجددت اللقاءات بيننا , عرفت بعدها الشاعر "مؤيد الراوي" وهو في سلك التعليم ثم "سركون بولص" وهو دائماً يأتي الجماعة ممتطياً دراجتهِ الهوائية وصلاح فائق يصلنا دائماً متحمماً بأمطار الشتاء, أما أنور الغساني فقد عرفتهُ من أيام التلمذة في المتوسطة فقد درسنا مادة التربية الفنية طوال ثلاثة أعوام من سنة 1959 وإلى سنة 1961.
* وماذا عن الحركة الأدبية في كركوك إبان العقد الستيني؟
معظم صحبي في الجماعة كانوا مستقرين بكركوك بإستثناء فاضل العزاوي, حيث غادرها عام 1960 للتتلمذ في كلية التربية- قسم اللغة العربية ولم يكن الأصدقاء قد هجروا كركوك إلى بغداد, كنا نجتمع في بيوت الصحْبِ وفي محل لصياغة الذهب يعود إلى أحد أشقاء "القيسي", نقرا القصائد والقصص, ومرات ينقل الأصدقاء نقاشاتهم إلى المقاهي ,كانت المكتبات منتشرة في المدينة والكتب تصلنا بإستمرار العربية والإنكليزية, الشاعر "قحطان الهرمزي" كان مبعداً إلى البصرة ,نقرأ قصائده على صفحات مجلة "الأخاء" ونلتقي بالشاعر "عباس عسكر" في أحد مقاهي الأوقاف.
*الصفحات الثقافية في الصحف العراقية والكركوكية هل تتابعها؟وماذا تقول عنها؟.
أتابع الصفحات الثقافية في جريدة الصباح وكذلك ملحقها الأدبي والثقافي،وجريدة الطريق الثقافي الذي يصدر في ثوب أنيق،وملاحق جريدة المدى ولاسيما ملحق"أوراق" الذي يعنى بالاصدارات الثقافية والأدبية،وفي عين الوقت أتابع صفحة"ثقافة وفنون"في جريدة الاتحاد البغدادية وأنشر فيها آخر كتاباتي وجريدة"الأديب" التي تحولت إلى نصف شهرية والصفحة الثقافية في جريدة الصباح الجديد،الشيء الذي يغري المرء في الاقدام على هذه الصفحات،المواد التي تنشر فيها والتي تتميز بطرافتها وحداثتها وجدتها،وكذلك عدم تكرار الأسماء التي تكتب فيها،ويلعب الاستكتاب دورا مهمّا في تطوير وانضاج تلك الصفحات،وفي عين الوقت متابعة أخبار الأدب والثقافة والابداع في العالم وعدم التركيز على أدباء العاصمة وإنما الانفتاح على أدباء المحافظات حتى لا يحسوا بالتهميش والاقصاء،أما الصحف الكركوكية فبعضها توقف عن الصدور وما تبقت من الصحف التي تصدر في المدينة أتمنى أن تدعمها أقلام أدبائنا ومبدعينا ومن كل قلبي أدعو لها الازدهار والنماء في سبيل ارتقاء الأدب في المدينة.
*ما الأشياء التي تدفعك إلى الكتابات المندرجة تحت أدب المكان على الرغم من إنك قدمت مجاميع شعرية وكتابات نقدية؟.
عندما يعيش الانسان في مكان معين ويدرج فوق تضاريسه،فثمة مناطق تنعجن بروحه وأماكن تنحفر في دخيلائه وتبصم فوق جسده وشمها الدائمي،تلك المحال التي تظل لاصقة لمعارج الروح وتضاريس الجسد،فأنفاسها تلفح وجهي،والتوق إليها يكوي القلب بلهفته الحارقة،أحاول عبر ذاكرتي ومخيلتي أن أعيد إليها النبض بعد أن اعتورها الهدم وأصابها الزوال ودبّ في شرايينها التقادم حتى يسترجع ايقاعاتها القديمة وأستطيع القبض عليها حتى لا افقد دفئها وأخسر هارمونيتها.
*انت من الشعراء والكتاب الذين يحملون ولعا وألفة اتجاه الأمكنة التي عايشوها،أخبرنا عن هذه العلامات التي تشدك إلى مدينتك كركوك؟.
درجت في بيت كان بمثابة مشغل حكائي فيه مشافهة أو تلقى علينا قراءة من كتب مثل"ألف ليلة وليلة"،الكل يتبارون في إلقاء هذه الحكايات،فعندما كنتُ أتحرّك في الدار أتعثّر بها ومرات ألتقطها من تحط البسط والزوالي،هذه الحكايات أخصبت مخيلتي ومنحتني القدرة على الحلم وصناعته،وصادف أن مدرستي الابتدائية التي تعلمت فيها كانت واقعة في أحضان بستانٍ مطلسم،فكنت أعانق كل صباح أشجار الزيتون واتغطى تغاريد الطيور واستاف ضوعات مختلف الأشجار،وخلف البستان كانت تستلقي محطة قطار كركوك والطريق الذي اسلكه إليها طريق مفروش بشجيرات الدفلى والتي كانت تصدح ازهارها وتتموسق معي،وأنا اقطع هذا الطريق المدخل وقد تأبطت كتبي بحثا عن دفء عربة القطار للقراءة،ومن مقهى والدي الذي عشقت تخوته واسطواناته الغنائية القديمة وظلال نعاساته الحزينة،ومن عشق هذه التخوت انتقلت إلى عشق المصاطب في المتنزهات،فأحبُّ مكانٍ لي أن أقتعد مصطبة وأتأمل الأشجار وانظر الطيور وهي تحلق في رفرفاتها المنغمة،والآن مع الكهولة التي تحيطني من الجهات كلها،الكثير من المشاهد التي تعودتُ عليها في طفولتي وصباي اضمحلت وتلاشت،فأنا أريد أن أمسك بتلابيب هذه الأشياء الجميلة،التي تنزلق من بين الأصابع،أريد أن أقبض عليها وأحسها وأشمها وأعيد بناءها في مخيلتي المبتدعة وأخلق لها شكلا جديدا،وفي كل هذا عزاء لي وسلوان من قادمات الأيام المدججة ببردها وخراباتها.محاولاتنا الادبية ومرات كان هو يتحفنا بكتاباته الحداثوية، مقهى أخر يجلس فيه الشاعر"عباس عسكر" في شارع الاوقاف الآن اقيمت مكانه دار العدالة ومقهى محطة القطار، هذه المقاهي كانت اماكن صالحة وحسنة الألفة وكثيرا" ماشهدت مناقشاتنا وقراءاتنا واحلامنا.
* ما هو جديدك على صعيد الاصدارات المقبلة ؟
الكتاب الجديد الذي في نيتي تقديمه الى الطبع في الايام المقبلة يحمل عنوان "الاشجار تتعاشق في مرايا كركوك" ضمته مجموعة من النصوص التي تلقى فيها الشعر والسرد القائمين على استذكاراتي الكركوكية ورسمي بالكلمات صورا" لادباء كركوكيين عرفتهم وحاببتهم واحببتهم.
*السينمات الكركوكية والحنين الحارق اليها يحتل مساحات كبيرة من كتاباتك , حدثنا عن تلك المعالم التي منحت الكركوكيين البهجة والادهاش والفرح طوال عقود؟
فتحت عيني على دور السينما منذ صغري اذهب اليها برفقة اخواني الكبار وبكر الايام اصبحت جزءاً من حياتي واقتحمت شخصيات الافلام مخيلتي, اتنفسها واتقمصها, كنا نتردد على تلك الصالات الشائقة في طقوس خاصة, نتهيأ ونتهندم بأبهى حللنا ونستقل عربة من تلك العربات التي تجرها الخيول, نصل صالة السينما كأننا نجيء صديقاً اثيراً على القلب, والالفة التي استغوتني اتجاهها كانت الفة جميمة, ترعرعت وانا اعد تلك الدور الزوايا والاكثر انارة والابهج اضاءة وبيوتاً من الاحلام المجنحة وتوقاً الى معانقة ما نبصر ومالانبصر, فهي ترينا ما خلف الجدران وتدخلنا الى الغرف الحميمة, وتجوب خفايا المكنونات, كانت المدينة تملك خمس صالات شتوية, تضاف اليها ثماني صالات صيفية مما كانت تضفي على كركوك معلماً مرونقاً ومشهداً باذخاً, ان السينمات والمقاهي والاندية مجتمعة كانت تؤسس عوالم البهجة الكركوكية, وبذهاب الاماكن الحميمة هذه برسم الانقراض والهدم والتقادم انطفأت في المدينة عيون جذلها وشحت ينابيع مسراتها, وبالرغم من تشييد دارين للعرض السينمائي في السنوات الاخيرة حيث شيدت صالة "القلعة" مكان سينما اطلس الصيفي وشيدت صالة جديدة لسينما العلمين بعد ان هدمت صالتها القديمة, وقامت صالتها الجديدة في شارع الزجاجين الذي يخرج من شارع الاوقاف وينتهي بشارع اطلس الا ان النجاح لم يحالفهما وانطفأت الاضواء من جديد في واجهاتهما.
*لمن قرأت؟ ومن هم الكتاب الأكثر تأثيراً على تجربتك؟
مع اولى قراءاتي الادبية تعرفت على مصطفى لطفي المنفلوطي فابحرت معه في كتاباته الموضوعة والمنقولة, ثم انتقلت الى العملاق جرجي زيدان بهرني واعيا مخيلتي القرائية كيف استطاع ان يجمع كل احداث التاريخ العربي الاسلامي ويصوغ تلك الروايات الشيقة , ثم غدوت اسير رواياته انهي كتاباً ثم اقع على اخر, ثم جاء الساحر جبران خليل جبران وكيف ان لغته الشعرية المحلقة كانت تولد في مساماتي قشعريرة ورعشات تلقيني عند ضفاف بعيدة وبعد ذلك تعرفت على اشهر كتاب العقد الخمسيني امثال جودت السحار, محمد عبد الحليم عبد الله , يوسف السباعي, احسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وهذا الاخير هو الذي بقي تاثيره علينا ساريا في السنوات اللاحقة لانه استطاع ان يكتب بتقانات حديثة ويطور ادواته الفنية فيما بعد انفتح امامي افق الكتاب الروس وفي مقدمتهم الكاتب الساحر "دوستويفسكي" هؤلاء بحق اساتذتي لانني نهلت الكثير من ادبهم ومن سيرهم, وفي العقد الستيني من القرن المنفرط راجت موضة الادب الوجودي وساعدت على ذلك مجلة "الاداب" البيروتية حين تعرفت عبرها على جان بول سارتر والبير كامو واحببت الثاني كثيراً لانتمائه الى بلاد الجزائر فأدبه في معظمه مستوحى من شمس وبحر وغابات الجزائر. ووقعت على الكاتب الامريكي "ارنست همنغواي" فنان الفشل البطولي في رواياته وداعا للسلاح والشيخ والبحر ولاتزال الشمس تشرق وأخيرا سرت طويلا مع الفرنسيين "اندريه مارلو " و "سان انطوان اوكزبري" في علاقاتهما الانسانية ووقوفهما مع الانسان وهو يتخبط في دهاليزه ومتاهاته بحثا عن بصيص الامل الذي يوصله للخروج من النفق المظلم الذي يتخبط فيه.
* كيف تنظر الى الواقع الثقافي في كركوك ؟
الثقافة في كركوك غنية على عدة صعد فكيفما تنظر الى هذه الصعد تجد غنى الثقافة وثراءها الحضاري بوجود القوميات المتآخية وانصهار وذوبان ثقافاتها في مصهر حبها, هذا الالتقاء ثم هذا الانصهار يمنحان كركوك ميزة روحية مشرقة ثم تجد ان كتابها بالاضافة الى اتقانهم اللغات المحلية الكركوكية يجيدون اللغة الانكليزية التي تفتح امامهم النوافذ والكوى في الاطلالة على ثقافات العالم الفسيح, قلعتها المدروشة ونهرها العجائبي ونيرانها الازلية في "باباكركر" التي تتسنبل في فضاءات ليلها حدائق من القرنفل الاحمر الريان, وتلولها الحزينة التي يرين عليها حزن سرمدي غير مفهوم, اليست كلها صحائف نقرأ فيها العجيب والمدهش والمبهر ثم دلوني على مدينة مثل كركوك التي لاتتعب من انجاب شعرائها وكتابها ومبدعيها فدائما نجد عند كورنيشها شعراء جدداً يرتاضون ويتأملون قلعتها المعشوقة وامام مكتباتها قراء يبحثون عن اخر الكتب التي صدرت لمبدعين عراقيين او عرب او عالميين.
* في اي الاوقات تتعاطى عملية الكتابة ؟
عندما تأتيني فكرة تظل تتسكع في مخيلتي ضاربة جدران الرأس ثم تهبط الى داخلي وبعد ذلك تظل مختمرة عند ذاك احاول ان اكسوها بثياب الكلمات, اما الوقت المناسب للكتابة عندي فهو ساعات الظهيرة بعد ان اصيب شيئا من القيلولة المخدرة اجلس الى منضدتي المتواضعة وامد الاوراق مسترسلا في الكتابة ومقولة الكاتب الروسي "باسترناك" تتكسر في مخيالي "الكتابة عذاب والاسترسال فيها اليم".
*الثقافات الأجنبية ومدى ثأثرك بقوتها وسطوتها ؟
ليس ثمة اجمل من الوقوف تحت الامطار والاغتسال بشآبيبها الدافقة وان يفتح المرء ازرار قميصه ويترك صدره يستقبل الرياح من الجهات جميعها, هواء الغرفة المغلقة النوافذ والمسدلة الستائر راكد ويختال كل شيء جميل, فالكاتب بحاجة الى اوكسجين جديد وان لايخشى من استقبال رياح المحيطات وشم روائح الازهار البرية, ان الكاتب بحاجة دائمة الى هواء جديد وغذاء جديد فانا احلم بحديقتي الشعرية التي التقي تحت اشجارها الباسقات وهم يهبطون من مختلف القطارات القادمة من انأى المحطات وابعدها.
*هل هناك أبيات شعرية ترددها مع نفسك دائماً ؟
ثمة أبيات اثيرة على قلبي ارددها مع نفسي دائماً وهي مستلة من قصيدة المدينة للشاعر الاسكندراني "قسطنطين كفافي" هذه القصيدة التي احبها كل صحبي في "جماعة كركوك" وغدونا نرددها ونتمثلها مع انفسنا واجدين فيها دفقات من العزاء وموجات من السلوان الحميم.
"ولسوف تتبعك المدينة
في هذه الشوارع نفسها ستتسكع
وفي هذه الاحياء نفسها ستهرم
وتحت هذه السقوف سيبيض شعرك
والى هذه المدينة ستنتهي دائماً خطاك".
* هل لديك كلمة أخيرة أو مسألة تحاول طرحها عبر صفحات " الطريق الثقافي " ؟
ثمــة شيء يحزنني أن الايام تمر والبصر يضعف والجسد يضعف وفي القلب حسرات الى قراءة عشرات الكتب وخاصة الروايات الموضوعة أو المنقولة الى العربية وليس هناك متسع من الوقت واتذكر دائما الكاتب اليوناني "كازنتزاكيس" وهو عندما كان يستيقظ يدعو ربه أن يتركه يوما أخر لكتابة المزيد من الصفحات فهل هناك اجمل واعمق من الكتابة أو كما قالت الكاتبة الفرنسية "ماركريت دوراس" " الكتابة ولاشيء أخر " فيها نستعيد احلامنا الهاربة ونحاول القبض على الجمرة اللاهبة، اشكر "الطريق االثقافي" جريدة رصينة وداعمة للثقافة والابداع، كما أثني على جميع المحررين والعاملين فيها متمنيا لهم دوام الأزدهار ووضاءة التألق ووساعة الانتشار من اجل بناء ثقافة عراقية مقتدرة متمكنة من تحدي كل الصعاب والعراقيل التي تكتنف طريقهــا.



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع القاص محمدخضير
- حوار مع الدكتور أسعد الامارة
- حوار مع الاستاذ الدكتور صاحب أبو جناح
- حوار مع الدكتور الناقد والتشكيلي جواد الزيدي
- حوار مع الدكتور صالح زامل
- حوار مع الدكتور عبدالقادر جبار
- حوار مع الشاعر والناقد جمال جاسم أمين
- حوار مع الدكتور علي عبود المحمداوي
- حوار مع الدكتور حسام الآلوسي
- أطروحة الاستبداد النفطي حوار مع الدكتور سليم الوردي
- حوار مع الاستاذ الدكتور سليم الوردي
- الفلسفات الآسيوية
- حوار مع المفكر محمود شمال
- اسماعيل ابراهيم العبد ورصيد التحولات
- اليوتوبيا معيارا نقديا
- حوار مع الناقد حميد حسن جعفر
- حوار مع القاص قصي الخفاجي
- حوار مع الشاعر والناقد ليث الصندوق
- حوار مع الباحث الدكتور أحمد أسماعيل عبود
- حوار مع الدكتور فيصل غازي


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع الناقد والشاعر فاروق مصطفى