محمد إبراهيم حجازي
الحوار المتمدن-العدد: 4374 - 2014 / 2 / 23 - 10:22
المحور:
القضية الفلسطينية
إشتغل الفلسطينيون بكل مستوياتهم كثيرا في إنهاء الإنقسام , ولم يدخروا جهدا في سبيل تحقيق ذلك , لكن رغم ذلك فشلوا في إستعادة وحدتهم السياسية , و أصبح مشروعهم السياسي متشظيا بين كيانين منفصلين لكل منهما خصوصيته .
مضت اكثر من سبع سنوات على بداية الإنقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة , في البداية ظن الكثير من السياسيين و المثقفين أن لا أمل أمام حماس في المضي قدما في تفتيت وعزل غزة عن المشروع الوطني وفصلها عن الضفة الغربية و بالتالي عن مشروع الدولة الفلسطينية , كان هناك قدرا كبيرا من الثقة و التفاؤل أن تعود حركة حماس إلى رشدها و تدرك أن مغامرتها أثقل من أن يتحملها الفلسطينيون وخاصة أهل قطاع غزة , كانت خطوة في الإتجاه الخاطئ لا يمكن تبريرها أو القبول بها .
أدرك الفلسطينيون متأخرين بأن قرار السيطرة على قطاع غزة الذي إتخذته حركة حماس , لم يكن قرار من وليد الصدفة أو خيار كانت حركة حماس مجبرة عليه لتحسين موقعها السياسي أمام خصومها و خاصة حركة فتح , أم جاء نتيجة لجملة من المتغيرات التي حدثت في التركيبه السياسية للسلطة الفلسطينية إلى جانب علاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية التي جرى تهميشها .
لم تستطع حركة فتح و قوى منظمة التحرير الفلسطينية من بناء سلطة وطنية في أراضي الدولة الفلسطينية تنال على رضى الفلسطينيين , حيث رافق إنشائها فوضى سياسية عارمة أولا في وظيفتها كسلطة بأن تكون جسرا نضاليا للوصول إلى دولة مستقلة يعترف فيها العالم , أو لدورها في توفير المتطلبات الحياتية للسكان وهي في بعدها السياسي إنتقال الولاية التي كانت إسرائيلية إلى ولاية فلسطينية , هذه الولاية التي تحولت إلى أجهزة و مؤسسات متعددة ,كانت متخمة بالموظفين و أفراد الأجهزة الأمنية , ومنذ لحظاتها الأولى تحولت إلى عبء سياسي إقتصادي على الفلسطينيين وعلى مشروعهم السياسي , بقيت إسرائيل تمارس عملها كقوة إحتلال من دون أن تتحمل التكلفه الإقتصادية والسياسية .
إن عدم تمكن الوطنيين الفلسطينيين من إنجاز البرنامج الوطني الفلسطيني , بإنشاء الدولة الوطنية على أراضي عام 67 و عاصمتها مدينة القدس , لأسباب عديدة تبدأ من الأداء الإداري و السياسي مرورا بتعقيدات القضية الفلسطينية , وفي مقدمته الطبيعه العنصرية الإستيطانية للحركة الصهيونية , أضعف الوطنيين الفلسطينيين بمختلف تشكيلاتهم وخاصة حركة فتح و بالتالي إضعاف و بهتان صورة السلطة الفلسطينية و منظمة التحرير صاحبة مشروع الدولة الفلسطينية , هذا الفشل و الإجراءات الإسرائيلية على الارض التي كانت بإستمرار تقوض عمل السلطة و خاصة الإستطان في الضفة الغربية و مدينة القدس و مصادرة الأراضي و هدم البيوت ومعاقبة السلطة عن أي نشاط نضالي , و في ذروة ضعف السلطة الفلسطينية و حركة فتح , كانت حماس جاهزة للسيطرة على قطاع غزة , فقد كان حلمها وجزء من عقيدتها الوصول إلى السيطرة و الحكم و إقامة كيان ذو هوية إسلامية بحسب برامج حركة الإخوان المسلمين التي رأت في ذلك إنتصارا لخطها و لجناحها في فلسطين حتى وأن فازت بالإنتخابات التي جعلتها مقيدة بالتركيبة السياسية للسلطة الواقعة تحت الإحتلال و بالإتفاقيات الموقعة " أوسلو و ما بعدها " , وهنا إلتقت رؤية حركة حماس مع السيناريوهات الإسرائيلية و التي باتت معروفه للجميع بشأن الإنسحاب من قطاع غزة وتسليمه لحركة حماس القوة الصاعدة و الطموحه لإنشاء كيان أو دولة حتى ولو كانت بحجم قطاع غزة , حيث الكثافة السكانية و الفقر والعزلة الدولية , حققت إسرائيل حلمها بتقسم التمثيل السياسي الفلسطيني , وبخلق منافس قوي ذو خلفية إسلامية دينية لمنظمة التحرير أي خلق كيان بهوية دينية في الجنوب يبرر قبول العالم بمبدأ يهودية الدولة وخاصة بعد أن بات العالم العربي يتحول إلى دول طائفية و مذهبية حتى لايكون شكل الدولة اليهودية غريبا في المنطقة , بإختصار تم عزل قطاع غزة عن خيار الدولة الفلسطينية , وهذا ماسعى الإحتلال الإسرائيلي إليه منذ زمن بعيد ونجح فيه .
إن إنهيار وفشل حكم الإخوان المسلمين في مصر , أخذ معه مشروعها الإسلامي في المنطقة العربية الذي تفاهم عليه إخوان مصر مع الإدارة الأمريكية , حماس كانت تعتبر نفسها جزءا من مشروع إسلامي كبير , بل و أكثر من ذلك إعتبرت نفسها منطلقا لهذا المشروع , وسيطرتها على قطاع غزة جاءت وفق هذه الرؤية , ولكن ظن الكثير من الفلسطينيين إن إنهيار حكم الإخوان في مصر , سيجعل من حركة حماس ترتد إلى الوراء و تعيد حساباتها بإتحاه إصلاح ما أفسدته من تقسيم للنظام السياسي الفلسطيني . وسادت أجواء التفاؤل بين الفلسطينيين , إلى أن جاءت خطب و كلمات السيد إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة حماس ورئيس مجلس الشورى للحركة في القطاع , التي تحدث فيها عن إجراءات لتهيئة أجواء " المصالحة " هكذا فهمت في حينه , و إنفتحت الحركة على ممثلي مؤسسات المجتمع المدني وبعض من أساتذة الجامعات و الكتاب الفلسطينيين , وطرح الشراكة في حكم القطاع , و تسهيلات في قضايا الحريات العامة وخاصة بإجراء الإنتخابات للنقابات و للبلديات و إرجاع المؤسسات المدنية التي صودرت و تم الإستيلاء عليها " لم ينفذ منها أي وعد ولم يتطرق إلى ذلك أي أحد " , وجرت عدة إتصالات بين الرئيس محمد عباس و الأخوين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة و إسماعيل هنية رئيس وزراء حماس , و جاءت الوفود الفتحاوية للقطاع , كل هذا ولم تحدث " المصالحة " المنشودة بل تراجع التفاؤل لدى الفلسطينيين بفعل التصريحات الأخيرة من قبل الطرفين .
مالذي حدث هل بات قرار إنهاء الإنقسام قرارا إسرائيليا , بإعتبارها اللاعب الرئيسي في المعادلة الفلسطينية , أم أن حركة حماس إختارت أن تناور و تكسب الوقت إلى مابعد الإعلان عن فشل المفاوضات , التي بدأت بشائر فشلها تصل إلى مسامعنا لتقدم نفسها مرة أخرى بديلا عن منظمة التحرير أو الإستيلاء عليها و أسلمتها أم أنها أي حركة حماس تريد كسب الوقت و المناورة على الزمن , ذلك لأنها مازالت تراهن على نجاح مشروعها من خلال عوده مظفرة لحكم الإخوان في مصر . أو أن هناك قوى سياسية و إجتماعية إستفادة من الإنقسام و أن مصالحها باتت مرتبطة بذلك في كلا الطرفين .
أم أن حركة حماس إختارت أن تدير أزمتها في قطاع غزة وتشتري الوقت " كما رجح بذلك معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي " , بدل من حلها و الذهاب إلى إنهاء الإنقسام و إستعادة الحياة الديمقراطية في فلسطين على قاعدة الشراكة الحقيقية . أسئلة تبقى برسم الإجابة , و بإنتظار ما سيحدث في الشهور القليلة القادمة .
#محمد_إبراهيم_حجازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟