|
ماذا يعني فوز السيسي برئاسة مصر؟
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن-العدد: 4371 - 2014 / 2 / 20 - 22:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية لابد ان نقر بأن ثورة 25 يناير 2011 الشعبية كانت تحقق تقدماً وإن كان متواضعاً يوماً بعد يوم في مجالات عدة من أهمها حرية التعبير بشكل غير مسبوق منذ انقلاب عام 1952 ، كما نظمت أول انتخابات رئاسية تعددية وشهدنا أيضاً أول مناظرة رئاسية في تاريخ مصر ، كما بدا لنا أن قبضة الأمن الحديدية على كل مناحي الحياة بدأت في التراخي. ولكن الأمور تغيرت تماماً بعد ما سمي بثورة 3 يوليو حيث عادت المنظومة الأمنية بشكل غاشم ومتوحش ليس فقط ضد الإخوان المسلمين وأنصارهم ولكن ضد كل الأصوات الليبرالية التي تطالب بإبعاد الأمن والعسكر عن معترك السياسة وإرساء دعائم دولة القانون والنظام الديمقراطي الذي يضمن حرية الرأي والاعتقاد والأمن للجميع وأن يكون الشعب هو مصدر السيادة والتشريع وليس العسكر ولا الأحزاب الدينية التي تسعى للسيطرة والحكم تحت راية الدين مثل حركة الاخوان المسلمين والسلفيين.
نعم تمت مصادرة كل مكتسبات ثورة 25 يناير بشكل تدريجي وسريع بعد 3 يوليو وأولها حرية الرأي والتعبير وهذا شيء لا يحتاج إثباته الى الكثير من الجدل حيث يجمع عليه كل العالم الحر ماعدا التليفزيون المصري والجرائد الحكومية وجرائد رجال الأعمال والفلول. لقد أنهى نظام 3 يوليو كل أشكال التعددية التي عرفتها مصر بعد 25 يناير 2011 ، مطلوب الآن أن نجتمع على رأي واحد وفكر واحد وفرعون واحد ، وإذا ما اختلفت مع هذا التوجه الواحد فأنت إرهابي والمكان الوحيد الذي يمكن للنظام الجديد أن يستوعبك فيه هو السجن وقضاؤنا الشامخ جاهز بالأحكام. والشاهد أنه ما أن يكتب أحدنا أي مقال موضوعي مناهض للعسكر أو السيسي أو الممارسات القمعية التي تتم حالياً وإلا تنطلق أجهزة إعلام الدولة كالكلاب المسعورة خلفه ولا تهدأ إلا بإسكاته تماماً أو اعتقاله حتى أصبحت السجون ومراكز الاعتقال في جميع انحاء مصر تعاني من زحام غير مسبوق من أصحاب الرأي المستقل، والمؤسف أن المعتقلين من خيرة شباب مصر الذين جرأوا على التظاهر السلمي للمطالبة بالإصلاح والمشاركة في الحياة السياسية. أي أمة هذه التي تغتال زهرة شبابها وحلمهم في حياة أفضل؟
الآن السيسي المتردد قادم لا محالة بعد أن ورط نفسه بإبداء رغبته في النصب الرفيع قبل أن يعي المخاطر التي تحيط به من كل جانب، وانتخابات الرئاسة سوف تكون عملية شكلية للاستهلاك المحلي والعالمي لتتويج الواجهة الجديدة لنظام مبارك القديم ومن يعرف كيف تسيطر أجهزة وزارة الداخلية على كافة مفاصل الدولة المصرية وعلى أي انتخابات تجرى في مصر يعرف أن أي مرشح للرئاسة غير السيسي لا أمل له بالمرة في الفوز بانتخابات الرئاسة القادمة. وباختصار شديد فإن وزارة الداخلية هي التي تنظم الانتخابات منذ عهد مبارك ولها شبكة واسعة من رجال الاعمال الكبار والصغار في كل مدن مصر من ذوي القدرات المالية التي يوظفونها لشراء الذمم الرخيصة والفقيرة وما أكثرها في مصر هذه الأيام، هذا ناهيك عن جيوش من البلطجية القادرين على اشاعة الرعب والهلع في أي لجنة انتخابية قد تثير الشك بأن مرشح آخر غير مرشح الداخلية ربما يتجه إلى الفوز ويخل بالقسمة التي تعدها الداخلية سلفاً. أما في القرى والنجوع فإن الداخلية تسيطر على المراكز الانتخابية هناك من خلال نظام العمد وشيوخ البلد ونقاط الشرطة وجميعهم يعملون في صمت عادة ودون جلبة لتنفيذ الأوامر وإرضاء اللواءات الكبار في القاهرة لضمان الترقية. وفي ظل هذه الأجواء الكئيبة فإن السيد حمدين الصباحي (الذي قرر الترشح للرئاسة مؤخراً) إما إنه يضيع وقته أو إنه يلعب دوراً مرسوماً له مقابل صفقة ما. وقد كان الاستاذ عبد المنعم أبو الفتوح حكيماً في قراره بعدم الترشح لمعرفته بهذه الحقائق الفجة.
والنظام القديم العائد بقوة وعنف يدفع بثلاث مرشحين عسكريين دفعة واحدة: المشير السيسي، الفريق عنان والفريق شفيق والثلاثة من تلاميذ مبارك ومن ثم فإن الرسالة واضحة. والسيسي بالطبع أفضلهم لأن يده نظيفة ولأنه يتمتع بتأييد شعبي كبير خاصة وسط السيدات والبسطاء والفلول والأقباط.
أما عنان وشفيق فهما ورقتان محروقتان لدى الداخلية والمخابرات ولكل منهما ملف أسود يحتوي على كل وقائع التربح من خلال استغلال السلطة والنفوذ. ولا أدري كيف يفكر هذان الرجلان! فالسيسي لم يقم بتجميع الناس بالملايين في جميع انحاء مصر وقلب مرسي من أجل أن يأتي بأحدهما كي يرأسه !!
ولكن ماهي التبعات المتوقعة لفوز السيسي برئاسة مصر؟ للإجابة عن هذا السؤال فإنه لابد من إجراء نوع من التحليل لشخصية الرجل وكيف يفكر. ولأن السيسي مجهول نسبياً ويمثل وجهاً جديداً على الساحة السياسية في مصر فليس هناك معلومات موثقة عن توجهاته السياسية ولكن يمكن إجراء تحليل مبدئي لشخصيته من خلال الكلمات والمواقف التي نقلت عنه مؤخرا ونتذكر هنا مقولته الشهيرة بأن "مصر أم الدنيا وحتبقى قد الدنيا " كما أن له جمله شهيرة أخرى يقول فيها للمصريين " إنتوا نسيتم انكم في عنينا ولا أيه؟ " كما أن له حديثاً خاصاً تم تسريبه الى الإعلام وهو يتحدث مع مجموعة كبيرة من كبار ضباط الجيش يقول فيها ما معناه " أنه يلزمنا بعض الوقت للسيطرة والتأثير على الإعلام ونحن نعمل بهمة لتحقيق هذا الهدف ونحن نتقدم كل يوم "
المقولة الأولى تعكس فكر رجل إما أنه داهية أو رجل حالم بعيد عن الواقع لأن مشاكل مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية كبيرة ومن ثم فإن كلامه لا يعبر عن الحقائق على أرض الواقع وباختصار شديد فإن مصر دون مساعدات دول الخليج تعتبر دولة مفلسة ودون أي احتياطيات نقدية وباعتبار ان مصر تستورد أكثر من نصف احتياجاتها الغذائية من الخارج فإن المشكلة خطيرة كما أن نصف شباب مصر القادر على العمل يعاني من البطالة الصريحة هذا ناهيك عن البطالة المقنعة وهذه قنبلة موقوتة ، وحجم الدين الداخلي وصل إلى 1500 بليون جنيه مما يضطر الحكومة إلى توجيه البنك المركزي بطباعة المزيد من النقود غير المغطاة بموارد حقيقية لخدمة هذه الديون وتغطية الانفاق الحكومي المتزايد في أبواب المرتبات والدعم ، وتؤدي هذه السياسة العشوائية الى اشتعال الاسعار وزيادة معاناة ذوي الدخول الثابتة وأرباب المعاشات . والتضخم يكوي الجميع دون رحمة في وقت تتجه فيه الحكومة الى رفع الدعم الضخم الموجه للوقود وهذا يهدد السلام الاجتماعي، أما التعليم والخدمات الصحية والمرافق العامة فهي تتجه من سيء لأسوأ للأسف الشديد.
وبدلاً من أن يواجه الرجل المصريين بهذه المشاكل بصراحة ويتقدم ببرنامج شامل يوضح تصوره لحل هذه المشاكل آثر أن يشيع حالة من التفاؤل بين المصريين بوعد مخدر. أما مقولته الثانية فهي تعكس فكر رجل إما انه عاطفي جداً ويشعر بمعاناة الشعب أو إنه يفكر بطريقة الزعيم الأبوي التي كان يفكر بها السادات، بمعنى أنه الأب الحنون المحب والذي ينبغي أن يدين له أبناؤه بالطاعة والولاء حتى وإن كان قاسياً عليهم إلى درجة ايداع من يختلف معه السجن. أما في التسريبات المنسوبة إليه فإن ما قاله يعكس فكر رجلاً يسعى إلى بسط نفوذه على الشعب بأي طريقة كانت وهو يرى أن الإعلام هو السبيل لتحقيق هذا الهدف، وحيث أن الإعلام المصري لا يتمتع بمصداقية كبيرة وغير مستقل في مجمله فإن من يسعى للسيطرة عليه غالباً ما يحمل رسالة مضللة أو أنه يرغب في إعادة تشكيل الرأي العام المصري لتقبل واقع جديد قد يكون مؤلماً. وفحوى التسريبة بشكل عام تعكس فكر رجل المخابرات الذي يسعى عادة لتحقيق مهمته أياً كانت الوسيلة وهذا يتناقض مع شخصية الرجل الحالم أو الحنون التي يسعى لإشاعتها بين الناس. أما عن مواقف الرجل فإننا سنركز على رحلته الأخيرة لروسيا والتي اعتقد أنه لم يكن ليقوم بها لو أن أوباما قرر زيارة مصر في جولته المقررة للمنطقة والتي سيزور خلالها كل من السعودية والأردن، والشاهد أن السيسي قد استاء من هذا وأراد أن يرسل رسالة لأوباما بأن بمقدوره أن يعيد مصر إلى أحضان روسيا مرة أخرى كما كان الحال أيام عبد الناصر وأن يعتمد على السلاح الروسي بدلا من الأمريكي.
ونحن هنا نعتقد أن رد فعل السيسي كان انفعالياً وليس سياسياً وقد تكون له تبعات على كفاءة الجيش المصري القتالية بالسلب لأن التقنيات العسكرية الأمريكية أكثر تقدماً من الروسية بمراحل ولكن ينبغي القول أيضا بأن سياسة تنويع مصادر السلاح يمكن أن تكون إيجابية جدا من ناحية أخرى. وأخيرا فإن صفقة الأسلحة المزعومة تجري في وقت غير ملائم للاقتصاد المصري حيث لا تتوافر أي فوائض نقدية أجنبية لتمويل صفقات أسلحة جديدة. ولا يمكن لأحد أن يتنبأ برد الفعل الأمريكي لو أن السيسي مضى قدماً في خططه بنقل مصر من المعسكر الأمريكي إلى الروسي. وفي هذا السياق فإننا نود أن نذكر بأن علاقات الحلفاء كثيراً ما تشهد بعض التوترات دون أن يحدث طلاق سياسي وعلى سبيل المثال فإن علاقة اسرائيل بأمريكا شهدت توتراً حاداً تمثل في عدم ارتياح كل من أوباما ونتينياهو لبعضهما البعض على المستوى الشخصي والسياسي دون أن يفكر الأخير في فض علاقته بأمريكا أو معاقبتها بأي شكل ونفس الشيء حدث أيام الملك فيصل مع أمريكا إبان حرب أكتوبر 1973 وحالياً بين الملك عبد الله وأوباما ولكن السعودية لم تفكر ولو لدقيقة واحدة في معاقبة أمريكا والانتقال لمعسكر روسيا أو الصين مثلا.
والخلاصة أن السيسي في حال قبوله لمنصب الرئاسة سيدير مصر على ما يبدو مثلما يدير الجنود التابعين له، وان كنا نتمنى أن ينظر لنا السيسي كشعب هو مسئول أمامه وأن يستمع لكل المصريين وليس لرجال الأمن وحدهم وأن يتلافى أخطاء مرسي.
عندها سنكون جميعاً خلفه ودعماً له في مهمته الصعبة للعودة بمصر إلى بر الأمان والاستقرار.
محمود يوسف بكير مستشار اقتصادي مصري
#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا تعلمنا من الأزمة المالية العالمية
-
محاولة لفهم كيف يفكر السيسي
-
ليس باللحى وحدها تبنى الأمم
-
رحلة إلى السماء .....تأملات فلسفية
-
التاريخ المختصر لرئاسة مصر ومعضلة الرئيس القادم
-
الشرعية للبندقية
-
آخر التطورات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها علينا
-
البكاء على البابا والضحك مع الشيخ حجازي
-
عودة مرسي
-
حتمية استمرار الصراع في مصر
-
حول اسباب فشل الدول ( النموذج المصري )
-
الاستعدادات الأخيرة لمعركة خراب مصر
-
البحث عن نتينياهو عربي
-
تأملات فلسفية في أحوالنا الدينية
-
أسرع طريقة لإفقار أي بلد
-
رؤية لنظام حكم يصلح للعالم الإسلامي
-
حوار متمدن وعلمي وديمقراطي
-
المنهج التبجيلي واستحالة تأصيل الفكر الديني
-
مستقبل الرأسمالية - قراءة نقدية لكتاب جديد-
-
الإله والإنسان
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|