|
نجم السبوبة في إطلالة بمكتبة الإسكندرية
مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 4371 - 2014 / 2 / 20 - 00:57
المحور:
الادب والفن
مشهد آني: سألت الحارس خارج المسرح عن دورات المياه، فأشار لي ناحيتها، فانطلقت وحين استقبلتني روائح "الفنيك" الرخيص، كان ذلك أكبر محفز لأخرج ما في معدتي في قاعدة المرحاض، واستمرت عملية "الإووووووووع....إوووووع"، حتى أنها استدعت بإزعاجها لهدوء الممر ، أن يأتي الحارس ومعه زميل يلازمه ويقف على الباب الآخر من الممر، وعلى وجههما علامات الريبة، هرعا نحو بمجرد رؤيتهما منظري الصادم، "أنت كويس يا أستاذ"؛ فهززت رأسي بآخر "إووووع"، وبدات في غسل رأسي ووجهي في محاولة لتنشيط دماغي، وأملا في استعادة توازني، وكرر أحد الحارسين السؤال: "مالك يا أستاذ؟ أنت أكلت حاجة وحشة؟"، نفت حركات رأسي ان أكون أكلت "حاجة وحشة"، لكن فقد سمعت صوتي يأتي من مكان ما، يقينًا ليس من جسدي، ويقول "سمعت حاجة وحشة قصدك"، ثم أشارت إليهما بإشارة تعني الإنصات للصوت الذي أقصد، وكان وقتها يصرخ بكلمات ما كلها ذات "لدغة" واضحة في حرف الراء، ولحظتها صدرت عن أحد الحارسين "إمممممممممم" كبيرة، وكأن زومته تلك تشفي فضوله في معرفة السبب "هو أنت كنت بتسمع الخــ.......؟!!".
فلاش باك سريع: أشرف بالمشاركة مع صديق في بحث يتطور حول الإبداع والكتابة منذ سنوات، واقتضى الامر الذهاب إلى مكتبة الإسكندرية بالأمس لحضور ما اتفقنا –انا وصديقي- على تسميته ظاهرة "هشام الجخ"، ولمن لا يعرف، فكلمة "الجخ" في عامية بعض المصريين وأنا منهم، تعني "الفشر" أو "الكذب مع سبق الإصرار والترصد"، ونظرًا لمعرفة زميلي الباحث المشارك له في بحثه وما يفهمه من طبيعتي العصبية، فقد ألزمني بقسم قبل الدخول إلى قاعة المسرح أن ألتزم حيادية الباحث مهما سمعت أو شاهدت، وأننا في بحثنا لا يعنينا ما سيقوله "الجخ" قدر ما يعنينا ردود فعل الجمهور، وهو ما نود رصده في البحث. حاولت التأكيد له على حياديتي، فاكتفى بالابتسام، ثم دخلنا إلى المسرح بعد تدخين سيجارتين في هدوء، وانتبهنا إلى عشرات الشباب في سن لا يزيد في كثيرة عن الخامسة والعشرين، لكنه لا ينفى تنوعات عمرية وسط الجمع الغفير، ثم دخلنا قاعة المسرح الكبير بالمكتبة... في قاعة المسرح وقبل أن تبدأ الندوة، انشغلت مثل مئات بمتابعة موقع التواصل الاجتماعي وآخر أخبار الشباب المصري المفقودين في جبل سانت كاترين، وتخيلت كثيرين مثلي لا يمنعهم الحضور عن متابعة أخبار هؤلاء الشباب في ريعانهم، وما يعتمل في داخل الكثير من غضب إهمال وتاخر عمليات الإنقاذ لهم.
في رحاب آل البيت: لعل أروع ما حدث في تلك الامسية السقيمة والعاقر عن الأدب والشعر، ما كان في افتتاحيتها من إنشاد ومدح فرقة للإنشاد ذات مستوى متواضع فنيًا، لكنها أضفت بهجة، وصارت –فيما بعد- أبهج ما حدث في ليلتي تلك. ومع دوران شابين في تنورتهما أخذت الصرخات "ووووووووه.... ووووووووه" تتزايد وتنتشر، زادها بعض ملاحة في صوت المنشد المتواضع للغاية، والذي أفسد إيقاع إنشاده حركات الإضاءة التي جاءت بلا معنى، وبلا رؤية فنية لما يحدث على خشبة المسرح، واكتفت بتكرار رتيب للإضاءة، سرعان ما تكتشفه حين تجلس لرصد المكان والإنشغال بمفرداته، فتعرف أنه مبشر بمهزلة ستكتمل –فيما بعد- بخروج المؤدي في نطاله الجينز وتي شيرته الأبيض، في خروج مصحوب بعزف الفرقة الشعبية والمزمار، وبحركات مسرحية تجعلك تتساءل إن كنت تحضر ندوة للشعر أم مسرحية أم عرضًا لفن "ستاند آب"، وهو ما نفاه صديقي فيما بعد، حين أكد أن الفن الأخير "ستاند آب" فنًا له أصالته وأصوله، وهو ما يختلف عما سيحدث من مهزلة شعرية وأدبية.
النجم المشخصاتي: دخل النجم، كما أحب صديقي أن يسميه، وللعلم صديقي من أصحاب الجنسيات التي لا تجامل، ويُضاف إلى كونه يلتزم حياد البحث بشكل مُدهش، فقد كان شديد الوضوح في وصفه: - "استمتع يا عم بالمحترف بتاع الجمهور.. ههههههه" - "أهو.. النجم دخل"، - "قصدك الشاعر"، - "لا دا دخول نجم مش دخول شاعر للمسرح.. شفته دخوله بالمزيكا والأداء المسرحي؟!" أخذت الفرقة تغزل بعزفها المتواضع مع تقطيعات ومربعات ألقاها "النجم"، وسط صراخ الشابات، ومنهن من صاحت: - "I love you.. يا هشاااااااام.. وووووووه". وكلما زادت الصرخات في جنبات القاعة المسرحية، كلما زادت حركات النجم المسرحية، وأتقن آداءه المسرحي بشكل مبالغ فيه، وإن كان محترفًا، لكنه لا يخلو من بعض الابتذال والافتعال المشين، وانتهت بإذعانه للفرقة المسكينة التي خطف النجم صرخات الجمهور منها، وخرجت من خشبة المسرح في شبه ارتباك.
ثوب أبيض، وبقعة سوداء: هنا تخيلت نفسي أعود إلى ذاكرة الزمن، وأتخيل رفض البناء لمبنى المكتبة قديمًا، ومنذ آلاف السنوات بأنه يصرخ فيهم رفضًا للبناء، فقد جاء اليوم الذي ستتحول فيه مكتبة الإسكندرية إلى مجرد مكان "للسبوبة"، بل يصل الأمر أن يُسجن أحد اولادها من الشعراء فتصمت، ولا تكلف خاطرها بتمويل محام للدفاع عنه، بينما تقيم الدنيا دعاية وإعلانًا لأنصاف الموهوبين، ولصوص المربعات الواوية، ليأتي وصف الحارس في ممر قاعة المسرح ملخصًا لحجم المهزلة، والتي تعكس حال الثقافة في مصر، حين قال لزميله: - "والله وجود الجدع ده هنا إهانة لتاريخ المكتبة". سيأتي اليوم أو ربما لن يأتي، لكن ذاكرة البعض لن تنسى هؤلاء الذين حولوا ديوان العرب وتاج لغتهم إلى مصدر للسبوبة عابوه على مر تاريخهم الطويل حتى على الأشعر منهم متى تنازل وفعل، وهو ما يمكن أن يطمس أيادٍ بيضاء لمكتبة الإسكندرية، فلا يبقى في ثوبها وقماشة إشعاعها البيضاء غير تلك البقع السوداء التي تُشين. لن أزايد في ختام المقال، فأقول الأسباب والرواية الحقيقية التي رواها لي المحام الشخصي للشاعر عمر حاذق –ابن المكتبة وموظفها- وهو ما أعتبره بشكل شخصي مجرد إشارة جديدة لعودة الفساد من جديد، بل ستظل مثل تلك الندوات التي يتصدرها الانصاف ولصوص القوافي وصمة عار في جبين تاريخ مكتبة الإسكندرية، وهو ما يؤكد نظريتي الادبية التي يتزايد يقيني فيها بأن ثقافة اليوم هي ثقافة الأنصاف، فنحن مجتمع "أعرج"، وسيظل يعرج ما دام يقرأ دون ان ينتبه لما يقرأ أو لتأويل تلك القراءة التي تقام لمثلها المكتبات. سأختم كما قال صديقي المشارك له في بحثنا الأدبي، حين شبهت الآداء المسحري لهذا الملق بشاعر الهويس، والذي أفردت له المكتبة ليلة من لياليها، ليزيد من إساءاته المتكررة كلما صفق له من يظن انه يقرض الشعر خاصة الفصيح منه، فتاه بنفسه تواضًا مزيفًا أراه سببًا لكل ما حدث لي في "دورة مياه المكتبة" لا "الأكلة الوحشة"، وهو ما جعل صديقي يقول بتبرم وفي خروج نادر عن الحيادية: - "والله المهرجانات بتاعة التكاتك أكثر أصالة من هذا الشعر". شاعر المقاومة درويش، وشاعر لبنان القباني، وغيرهما ممن هو أكثر شاعرية وصورة بليغة، سامحكم الله فأنتم من أسس لهذا الآداء المسرحي، ونسيتم ان الأذواق باتت تفسد وتسيطر عليها ثقافة "السلعوية"، فصار الشعر وندواته "سبوبة" تنتهجها المكتبة للأسف الشديد.
مختار سعد شحاته Bo Mima روائي مصر/ الإسكندرية
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ياقة قميصي المتسخ.
-
حدث بالفعل : زلزال في معرض القاهرة الدولي للكتاب..
-
حكموكي ما حكوكي.. بين البطل الشعبي ورئيس الجمهورية.
-
خمسة مشاهد من فيلم -البامبِرز السوداء-.. عن فيلم الشموع السو
...
-
أجب عن الأسئلة الآتية إجباريًا أو اختياريًا.. تفتكر هتفرق؟؟
-
كل هذا يدعو للسخرية يوم المولد النبوي
-
رسالة لن يقرأها الفريق السيسي، وقد يقرأها -أبانا- الذي طفحنا
...
-
زرقاء شبرا، والبيت الرمادي.. عن رواية -بيت من شبرا- ل (د/ عص
...
-
مقطع من رواية -تصلح للحزن-
-
سانتا كلوز.. محاولة كتابة نص شعري.
-
بوست الفيس المعنون : اكتب 10 أسماء 10 كُتب أثرت في حياتك
-
قراءة أولية لرواية -الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا ل: د/ طارق
...
-
هل يموت الصوت.. وداعًا يا أيها -الفاجومي-
-
إعادة التدوير، ومحمود مليجي الثورة
-
بالونات الاختبار الصفراء.
-
كيف تصنع قائدًا.. -بتصرف-.
-
كلام في الجون بس مش في الرياضة
-
من سلسلة حكاياتي مع العفاريت -حكي بالعامية المصرية-.. مقابلت
...
-
قراءة إنسانية لا نقدية في ديوان -بما يناسب حالتَك- للشاعر د.
...
-
حين ابتسم الرب في الليلة الأولى من نوفمبر
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|