أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الشلغمي - سيكولوجية الإنتاج الإبداعي و المرض النفسي: الشاعر أرنست هرباك نموذجا














المزيد.....

سيكولوجية الإنتاج الإبداعي و المرض النفسي: الشاعر أرنست هرباك نموذجا


حاتم الشلغمي

الحوار المتمدن-العدد: 4370 - 2014 / 2 / 19 - 16:42
المحور: الادب والفن
    


في كتابه "النظرية العامة للأمراض العصابية" أعطى فرويد تحليلا موسعا للتساؤل هل توجد علاقة بين الإبداع و المرض النفسي, اذ يشير فرويد إلى إن المرضى تشغل بالهم أفكار لاتهمهم في الواقع ، وتمثل في أنفسهم محرضات تبدو لهم غريبة شاذة ، ويجدون أنفسهم مدفوعين إلى إعمال لا يعود إليهم الإتيان بها بأي متعة ، لكنهم لا يستطيعون منها فكاكا ، وقد تكون الأفكار المتسلطة عارية من المعنى بحد ذاتها ، أو عديمة الأهمية بالنسبة إلى الشخص المعنى ، غالبا ما تكون سخيفة وعبثية وتستثير في كل الأحوال نشاطا عقليا مكثفا ينهك المريض ولا يقوم به إلا على كره ومضض ، فهو مضطر رغما عنه إلى التفحص والتقصي وإعمال الفكر.
في هذا الإطار يجسّد الشاعر النمساوي أرنست هرباك* (1920-1991) مثالا و نموذجا متميزا لتشكّل العلاقة بين العمل الإبداعي و المرض النفسي من خلال رابط متداخل.
ففي قراءتنا لسيرة هرباك الذاتية يتجلّى لنا قول الكاتب و المتخصص في العلم النفسي "فيليب ساتديلوم" في كتابه الشهير "المرض و الإبداع" بأن أهم الخبرات المرتبطة بالإبداع هي خبرة الألم...
أرنست هرباك الذي قضّى معظم فترات حياته في مصحة نفسية بالنمسا على اثر إصابته بمرض خلقي سبّب له إزعاجا و ألما نفسيا عميقا لم يمكّنه من المواصلة في أي مجال دراسي أو مهني. و لكن رغم هذا الشرخ الذي تمكّن منه و الذي أوصله حتى إلى حالات الشيزوفرينيا, تمكّن هرباك من رفع التحدّي –بوعي أو بدون وعي- من خلال فعل التفكير و نظم مئات القصائد, الشيء الذي مكّنه من افتكاك موقعه الرمزي في الساحة الأدبية.
يقول الشاعر "نوفاليس" الذي رحل عن سن لم يتجاوز 28 ربيعا "لا يمكن أن يكون المرض وسيلة للتكاليف الأرقى حساسية, حساسية قوية يمكن تعويلها إلى قوى أعلى" و هذا القول يتماشى مع المدرسة الرومنطيقية الألمانية في إن المعاناة هي جوهر الإبداع, عكس ما يتبناه شعراء المدرسة الرومنطيقية الانكليزية الذين يعتبرون إن نجاح العمل الشعري يقوم على الصحة الجيدة للشاعر.
فالعمل الإبداعي –بحسب نوفاليس- إذن هو نتيجة لانغماس المبدع في حساسية مرضية ليس لها مخرج سوى نجاح ذلك الانجاز. أبعد من هذا التعبير نجد قولة الروائي مارسيل بروست الذي وضعه تقييم النقاد في قمة الإبداع الروائي في العصر الحديث خصوصا في تقييم روايته "البحث عن الزمن الضائع" إن كل شيء عظيم في هذا العالم أبدعه العصابيون.
فهرباك الذي لم يكمل دراسته و الذي لم يتمكن أبدا من قراءة كتب أدبية أو نصوص نثرية أو شعرية, تمكّن من الانخراط بلا اختيار في منظومة "الفن الفطري" الذي كان طبيبه المباشر د. ليو نفراتيل سببا رئيسا في ذلك. فكل ما كتبه ارنست هرباك من قصائد أو نصوص كانت –برغم أنها من توجيهات طبيبه- بصفة تلقائية فطرية غير ملتزمة بشروط أو ضوابط شعرية تقليدية كانت أو تجديدية. و لكن كانت انتاجاته الذي قام طبيبه المباشر بجمعها و نشرها في كتاب يحمل اسم "الانفصام و اللغة" و قد ضم 83 قصيدة و ديوان تم نشره سنة 1977 تحت عنوان "نصوص الكسندر الشعرية" محل إعجاب لدى عموم الشعراء في زمنه و لاقت قصائده صدى و قبولا واسعا لدى عموم المهتمين بالشأن الأدبي في العالم.
إن الإنتاج الإبداعي ليس سليل الصحة الذهنية أو العقلية فقط فلحظة الإبداع هي نتاج وعي بعينه يخالج العقل المبدع. فليس من دوافع الإحراج إن نسم العقل المبدع بالمضطرب لان اغلب ما نراه من إنتاج إبداعي لدى الكثير من المبدعين هو نتاج لاضطرابات معينة أو ألم معين و هذا نجده في سيرة عدد كبير جدا من المبدعين و المفكّرين و خصوصا المثقّفين و هم الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية التي عادة ما تكون سليلة وعي و إدراك مختلف لواقع معاش أو لإحساسات معينة و مختلفة بظروف بعينها. ففي كل الحالات يكون الألم أو الشعور بذلك الهّم الإنساني و فعل الإدراك بالقضية الإنسانية قادرا في أغلب الأحيان على انتاج وعي مختلف بعيد عن الوعي الجمعي فيكون نتاجا للحظة الانجاز الإبداعي.
لقد كان ارنست هرباك رمزا حيا و حقيقيا للتداخل بين العمل الإبداعي و المرض النفسي في منظومة الفن الفطري و هذا أكثر ما يميز هذا الشاعر في تجربته الذاتية و الشعرية, فكان خير مثال على أن الإبداع متجاوز للاضطرابات و الإمراض و الإعاقات و أن لحظة الإبداع هي تجسيد للحظة الوعي الذاتي في قراءة و تصوير كل الأفكار المحيطة بالعقل و النفس.
و خير ما أختم به مداخلتي هي كلمات للشاعر ارنست هرباك:
الأمل
لباقة الأمل
أمل الحظ السعيد.
الحذاء يضغط بقوة
الأمل يضغط على القلب
القلب يوجع.
أبدي هو الموت.
الذي هو جمال للأمل
لوعة الغربة
أنا لا أعاني من الحنين فقط
وإنما أكثر من هذا .
الحنين لوعة نعجز عن وصفها،
إذ لا يستطيع الإنسان المكوث خارجا،
أنا أريد العودة إلى البيت.

ألقيت هذه المداخلة في تظاهرة "تنسى كأنّك لم تكن" احياءًَ لذكرى الشاعر أرنست هرباك – نادي زوربا للفلسفة و الفكر و الفنون 25-01-2014 سوسة – تونس.
• تجدون تعريفا للشاعر أرنست هرباك على صفحة الويكيبيديا. http://fr.wikipedia.org/wiki/Ernst_Herbeck



#حاتم_الشلغمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر استفتت السيسي رئيسا لها.
- قطر مجددا ... لماذا؟
- ليس لله شريعة
- بين جينيف الايراني و جينيف السوري - مقدّمة
- جان دمّو: شاعر من زمن آخر
- في سؤال المثقَّف: قراءة في كتاب إدوارد سعيد المثقَّف والسلطة


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الشلغمي - سيكولوجية الإنتاج الإبداعي و المرض النفسي: الشاعر أرنست هرباك نموذجا