أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور الدين الناجي - أين أنت يا أنا ؟















المزيد.....

أين أنت يا أنا ؟


نور الدين الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 4370 - 2014 / 2 / 19 - 16:07
المحور: الادب والفن
    


الوقت صباحا، الجو بارد،الفراغ شاسع. تتشكل دائرة عشوائية من جدران بشرية تقف بلا حراك كآلات صدئة تتأمل في هدوء قاتل حالتها المأساوية، فجأة انبثق شاب قصير القامة له ملامح طفولية و بنية جسمانية ضعيفة، ملابسه رثة تفتقد للتناسق وعيناه غائرتان تعلوهما نظرة حادة. انبثق كقمر في الليالي المظلمة الدامسة، كأمطار باردة في فصل الصيف، بشجاعته و جرأته و عقله التقدمي المتفتح الذي تترجمه نبرات صوته الجريئة، كالمحارب الشجاع ليكسر الصمت و يطرد الخوف من القلوب الصدئة المتهالكة و يحيي الأمل و يسافر بالجميع إلى عوالم غير معروفة بالنسبة لمجتمعنا المتحجر، عوالم النضال و الكفاح، عوالم الشجاعة المقدسة و العدالة المنشودة و الحريات المسلوبة.
كفاح من أجل لقمة العيش من أجل استبصار معالم طريقنا المظلمة الضبابية التي اقتدنا إليها كما تقتاد الحمير إلى الإسطبل لترويضها و الانتفاع منها، الفرق بينها و بيننا بسيط فهي تطعم و تقتات لاستمراريتها، و نحن تمتص دمائنا لنصبح حيوانات هزيلة من نوع آخر.
لقد أثبت للجميع أن المظاهر خداعة و أن الرجولة ليست بالمظاهر.
انطلقت المسيرة المجهولة المصير، الشاب قصير القامة أعطى الانطلاقة بعد أن اتخذ لنفسه دور المسير أو الأجدر بالقول القائد.
يدخل شاب تلو الآخر و كل يدلي بدلوه في موضوعهم الشائك البعض ينفعل و أخر يلقي أشعار ، و بعضهم سرد لهم وضعه البائس عفوا بل وضعنا البائس.
استمر النقاش الدائري و الشاب قصير القامة ينتقل هنا و هناك يجيش الجماهير المنكوبة و يحثهم على النضال ، النضال من أجل حقوقهم المشروعة التي سلبت عنوة. قرروا في الأخير أن يقاطعوا الترويض و أن يخوضوا معركتهم الضارية التي لا رجعة فيها، نساء و رجال انضووا تحت لواء واحد همهم واحد مصيرهم واحد و قائدهم الواحد ( العربي).
يلتحق آخرون من هنا و هناك بقطار الحياة، يتقدم المسيرة العربي و ثلة من الفرسان الشجعان تظهر عليهم ندبات الخبرة و التجربة خلفتها معاركهم السابقة التي عادوا منها يجرون ذيول الإهانة.
سلاحهم الوحيد هي صيحاتهم الضعيفة و التصفيقات التي تحدثها أيديهم الهزيلة المتضعضعة، لكن سرعان ما تتخذ أسلحتهم هذه مظهر القوة ساعة تكتلها و اتحادها تحت صوت واحد تقشعر له الأبدان و تتزعزع له الجدران و تهابه نفوس الطغيان. غابت الفوارق و ذابت الهرمية فأصبحت لا تميز بين صوت ذكر و صوت أنثى و لكن فقط مجموعة من البؤساء قرروا أن يشيعوا جنازتهم.
ينتقلون هنا و هناك و بشريات ترمقهم بنظرات الاستغراب و أخرى بنظرات الشفقة في حين استهزأ آخرون و سخروا.
يصرخ "العربي" وتردد من وراءه الجموع المضطرمة يقتحمون الأماكن و يجوبون الأروقة مطالبين بالمستحيل ، اقتحمت الجموع الغافرة الإدارة الملعونة و توزعت بشكل دائري مشكلة حلقية من جديد يقف العربي القائد في وسط الحديقة الزاهية المزهرة يندد بالظلم و الجور بقوله " واك واك ا عباد الله"، يرثي حالة الطلبة المساكين يستحضر بكل جوارحه معاناتهم من الجوع و الكبت، يبرز قلقهم من مستقبلهم الملفوف بالغموض إنه القائد يقاتل في مقدمة الجيش لكن الخصم يخشى المواجهة يعتمد المكر و الخداع و يتجنب المواجهة رجلا لرجل. تستمر المعركة من طرف واحد القتال على أشده و المقاتلون متحمسون سلاحهم هي حناجرهم المبحوحة، و لما تأكدت الجماهير المنتفضة من جبن الخصم قررت الانسحاب بعيدا لتفكر في إستراتيجية حرب ثانية لعلها تروي ظمأ المجهول.
كالمعتاد شكلوا دائرة و بكل ديمقراطية ناقشوا الحلول، و خاطبهم العربي بلغته الشعرية قائلا:
يأيها الناس، إذا رمتكم الأقدار بين الكلابِ
فكونوا أسودا وأحسنوا أكل العظامِ
فالكلبُ بن الكلبِ و الكلبُ جدهُ
و لا خير في كلبٍ تناسل مع كلبُ
هي الأيامُ و العبرُ عند اللهِ المقتدرُ.
شكل الدائرة يختلف حسب أحجام الهياكل الواقفة في الجوانب، منهم من يسترق السمع من الخارج و منهم من ينصت في هدوء و منهم من اغتنم الفرصة ليروح عن النفس و ينفتح على الجنس الآخر بنقاشات مفتوحة على كل الاحتمالات مع، و لم لا فكل شيء وارد و المعركة هي معركة حياة أو موت و الغنائم من حق الجميع, نظرات التناتوسية - الأيروسية تقتحم الجسد الأنثوي و تطير به إلى كوكب الظلام حيث لا أحد سوى التأمل و الأحلام الواعية فيما ينبغي أن يكون.
هناك في الجانب الآخر يقبع الخصم الجبان الذي أغوته مفاتن النساء و ركوب السيارات الفاخرة و طيب المأكولات و حلاوة المساكن و المفروشات. فغدا جبانا خائفا من أي مغبة محتملة أو هجوم مباغت يعصف بكل شيء، يفكر في صمت بدهائه الماكر و قوته المادية في خدعة ينهي بها الأمر و يصفي الحساب، انعقد الاجتماع السري في القاعة المغلقة المتوارية عن الأنظار. و ما كان اجتماعه هذا إلى تجديد وفائهم لخطتهم الكلاسيكية الصالحة لكل زمان و مكان و المتمثل في زرع الألغام بواسطة الخونة من الكلاب البرية المطيعة، ولا شك في أنها ستعطي أكلها و ستعصف بهذه الهياكل البشرية إلى "الجيحة الكحلة" بلا ضرر أو ضرار في ذلك فهم جاءوا من العدم و سيعودون إلى العدم ، مصيرهم العذاب الأزلي.
نفذ الأمر في الحال و خرجت الكلاب البرية المطيعة بعد أن ملئت بطونها من بقايا طعام و اتجهوا صوب الحلقية مدعيين وفائهم و إخلاصهم للحق العام بغرض زرع الفتنة وخلق البلبلة و ضرب المعنويات.
النقاشات مستمرة، الخطط متنوعة، و القلوب مضطرمة و الضمائر حية واعية. توزعت الكلاب على جوانب الدائرة تتحين الفرصة المناسبة و لا أحد يدري ما تنوي في خلدها.
اللحظة المناسبة هي تلك التي قفز فيها كلب على دراية تامة و تدريب جيد، و فجر أول القنابل، قنبلة عقلية منطقية وجهها للعربي متهما إياه بأنه يركب الموج و يقضي مصالحه الشخصية على حساب الصالح العام.
و بأنه حامل لإيديولوجية مخالفة للمعتقدات الدينية أي أنه زنديق مارق.
دافع العربي عن نفسه بتحضر و لباقة و نفى الاتهامات الباطلة . تدخلت كلبة أخرى وهي تفجر هي الأخرى قنبلة ذرية خلخلت عقول الجماهير الساذجة و تبين فيها أن المصلحة في التدجين و أن الإعانة النتنة قادمة لا محالة. كلب بعد آخر، تكالبوا فأصبحت لا تميز بين هذه الحلقية و حديقة الحيوانات، العربي المسكين و قف متجمدا في مكانه يتجرع مرارة الخيانة يكابد الآلام و المآسي يقاوم دموعه الهائجة و يواري هزيمته غير المتوقعة يحاول أن يجد تفسير لمصدر هذا الغدر القاتل، يشاهد جيشه وهو يتبخر كما تتبخر قطرات الندى من على الورود اليافعة المتفتحة، يتصدع كما تتصدع قصور الرمال التي بناها الصغار على جانب الشاطئ، يتشتت كما تتشتت الأمواج العاتية على الصخور الصلبة السهامية، خرت قواهم و ذابت أمانيه وضعف حماسهم فاستسلموا للهزيمة المدلسة.
يراقب العربي عن كثب تشتت أطراف روحهم المبتورة بفعل القنابل الغادرة. فكيف له أن يسعفهم جميعا و قد سلمت عقولهم الساذجة الطيبة بالاستسلام وتوهم الهدنة، وتعطشت أجسادهم المتهالكة لراحة الإسطبلات الوسخة و للإعانات النتنة.
كيف له أن يفعل كل هذا وحده و الإنسانية قاطبة قد اختفت مخلفة ورائها جنديا معتلا و ضوءا خافتا يحرسه.
وهو في حالته المأساوية هذه باغتته إحدى الضربات الغادرة من الخلف لم يتحملها جسمه الضعيف فأجهزت عليه في الحال. ذهول جماعي صمت مخيف ارتباك وحيرة انتابت الجماهير المنكوبة لم تعرف كيف صار بها الحال إلى هذا الوضع البائس، مأتم صامت على ما جرى، وملء جوانحه خوف وتوجس مما يدبر في الخفاء.
في هذه اللحظة انسحبت الكلاب في هدوء منتشية بفوزها العظيم راجعة إلى أسيادها الطغاة ليطعموها عظاما وجلودا.
تبخرت جثة العربي في السماء كما تبخرت روحه الطيبة الطاهرة، روحه التي اشتاقت إلى الخلاص روحه التي خنقتها نتانة هؤلاء الحيوانات المتوحشة ، روحه التي قاومت دائما جلدات المروض، روحه التي لم ترضى بالذل فتفتحت كوردة جميلة يافعة في فصل الصيف وسط الحشائش اليابسة الضارة، روحه التي ذهبت الآن لتستريح في مكان ما بالأعلى، ربما ستعود في يوم من الأيام و ربما تبعث في إحدى أجسدنا الخنوعة، و إلى ذلك الحين يبقى العالم مظلما و نحن حيوانات منكوبة .








#نور_الدين_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرصة مقاوم
- رحلة إلى عالم العراء
- ظلام الأنانية
- كارلي


المزيد.....




- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور الدين الناجي - أين أنت يا أنا ؟