فكرى عمر
الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 23:46
المحور:
الادب والفن
لم يبق في المكان غير اثنين: أنا وهو، وبعض الأحراش البنية والخضراء على منحدرات الرمال التي تحجرت.. على خط الرصيف البعيد شجرة رفيعة وعارية، وذرات من الضوء تتراقص فوق السراب. كنت أرتدى الأبيض الباهت المترب من العرق والرمال، وهو بالأزرق الذي حال صفاؤه إلى الرصاصي الكئيب. من أعلى تشاهدنا بعض الملائكة وهى تدور حولنا. تنشر بين رفيف أجنحتها هواء يلطف اللظى؛ فهي تحب الهدوء والعزلة، وترك مهمة التفكير والألم. أما الشياطين فلم تكن حاضرة؛ لأنها تدمن عرق الأجساد في الزحام. قلت:
- لم يبق سوانا.
قال:
- سيكون ممتعًا أن ننفض تراب العداوة أخيرًا.
قلت:
- يمكن أن نتبادل الأدوار. ما رأيك؟
رأيت عينيه تدوران، وتلمعان بالفرح. قال:
- سترى أخيرًا بعيني، وأرى بعينيك. وقد نتفق.
قلت:
- وهناك متع تنتظرنا، ونساء أيضًا لا زلن ..
فأكمل ممسكًا الخيط من فمي:
- والأشجار وارفة، والثمار طازجة، والأنهار تجرى تحت شعر اللبلاب هناك.
لا يفصلنا الآن إلا بضع خطوات. في اللحظة التالية بعد السكوت المضطرب دوت طلقتان في المسافة الفاصلة بيننا. كان كلا منا قد سحب مسدسه الذي أخفاه وَوَجَّهَهُ للآخر.
اتسعت نظرة الذعر في عيوننا الملتهبة بعرق المباغتة. لو يراد أن تلتقط صورة دقيقة للمشهد فلا أقل من عدسات كثيرة تكفى لصنع دائرة حول الجسدين اللذين سقطا متجاورين. اختلط دمنا باذخًا؛ ليضيف وهجًا لونيًا لقفر الصحراء. لم يبق في المكان حينئذ إلا أشجار هزيلة تمشى على قدمين، ورمال تنبت زهورًا حمراء، وأرض فرحة؛ أسنانها بارزة كثعبان يستعد للنهش.
#فكرى_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟