أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله خليفة - الفكرُ المصري ودورهُ التاريخي (2)














المزيد.....

الفكرُ المصري ودورهُ التاريخي (2)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4368 - 2014 / 2 / 17 - 07:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


يقول رضوان السيد في تعليقه حول طريقة النهضويين الأوائل في عرض مشاهدات الترحال والكتابة:
(إن هذا الأمر كان معروفاً بين المعاصرين للطهطاوي، أي الاستطراد، وإدخال الأخبار والأمثال والأشعار في المؤلفات أياً تكن موضوعاتها...) لكن الطهطاوي مضى في ذلك إلى آفاق أبعد من هؤلاء جميعاً؛ بحيث تضيعُ أحياناً معالم الموضوعات التي يعقدُ عليها الكتاب في سيل لا ينقطع من الاستشهادات والاستطرادات التي تكاد لا تنتهي.)، (حضور التراث في كتابات الطهطاوي، مجلة الاجتهاد العدد 55).
وفي الواقع فإن طريقةَ الأزهريين في البحثِ هي طريقةُ التراثيين التجميعيين، والذين تنقصهم أدواتُ التحليل المركبة، أي أدوات العلوم الحديثة المترابطة، وبالتالي يغدو الموضوعُ رحلةً على مستويات مختلفة، رحلة إلى التراث والشعر وإلى فرنسا وعاداتها الطريفة وأوضاعها السياسية والحضارية المتقدمة.
أما عمليةُ الربط بين الأوضاع العربية السابقة والراهنة والرحلة، فهي أمرٌ غيرُ ممكنٍ بأدواتِ التعبير والتفسير المسيطرة وقتذاك، والتي تعكسُ طريقة في التفكير والمواقف الاجتماعية، حيث الموظف، سواء كان مثقفاً على طريقة الطهطاوي أم رئيساً للرحلة، خادماً للسيد المتواري، وهو الدولة ومع هذا كانت هذه المعلومات المنقولة وقتذاك تعتبر ثورةً للوعي!
ويقول رضوان السيد بأن طريقة التأليف هذه هي: (للتأكيد على البقاء في السياق الثقافي الكلاسيكي العربي والإسلامي، واجتراح التقدم في الوقت نفسه)، ولكنها في الحقيقة ليست مثل كل كتابات المؤلفين العرب الكلاسيكيين، أي هي بخلاف كتابة ابن خلدون التحليلية العميقة في المقدمة، فهي أقرب لكتابات الجاحظ، فهي عودة لبواكير الكتابة العربية النثرية.
إنها لغةُ المثقفين المرتبطين بسلطةٍ نهضوية مستبدة، والتي لم تتكشفْ تناقضاتها الاجتماعية والسياسية بعدُ، والتي تمسُ رؤوسَ الموضوعات الكبيرة بشكلٍ عابر، وهذه الطريقةُ تسمحُ لها بمدحِ الدكتاتور النهضوي وبجلب الموديل الغربي في جوانبه غير المضادة للشريعة.
إن الطهطاوي في رحلتهِ التي استغرقت عدة شهور براً وبحراً إلى عاصمة فرنسا، باريس، كان يقطعُ مسافةً زمانية تاريخية كبرى بين عصرين، وهو إذ يأخذُ تبدلَ أوجهَ المكانِ، لا يأخذُ سيرورةَ الزمان، وكأن الفروقَ بين القاهرة وباريس، هي فروقٌ كمية، وإنها بضعة ميزات سياسية واقتصادية من الممكن نقلها، وليس الأمر في وجودِ بنيتين اجتماعيتين مختلفتين.
ومن هنا يقومُ بعرضِ كلِ ما يصادفه من مظاهر الحياة في إيطاليا وفرنسا، من الأشجار والبراكين وطريقة الأكل والأدوية والتعليم والمدن والحياة السياسية، فتغدو الفصولُ مشاهدات، وليس مقارنات وتحليلات، ومن هنا يقومُ بعرضِ الدستور والبرلمان والحكومة كما يعرضُ قضايا الصيدلة والنظافة لكن كانت هذه هي الإطلالة الأولى للفكر الديمقراطي!
من الواضح إن هذا العرضَ بحدِ ذاته كان يمثلُ عاصفةً للوعي العربي، فهو يقدمُ للمرة الأولى خريطةَ التمدن الشاملة في أوروبا. ويتيحُ له هذا العرضُ المحايدُ البانورامي عدم الدخول في صراع مع السلطتين المهيمنتين: الدولة ورجال الدين. ولا شك إن أي عرضٍ تحليلي ومعمقٍ للديمقراطية على مستوى السلطتين السياسية والروحية، ما كان بإمكانه الظهور.
كان الطهطاوي ينسابُ مع المهمات البسيطة والصغيرة للتمدن، ولا يحفرُ في اتجاهٍ تحويلي عميقٍ، ولهذا قامَ عرضُهُ للبرلمان والدستور والديمقراطية والصراع السياسي بشكلِ أحد فصول الكتاب، لا أن يكون محور الرحلة وجوهرها ولم يكن قادراً على عرض ذلك.
ويقيّمُ الطهطاوي بإيجابية دورَ البرلمان المنتخب الفرنسي، والذي كان محاطاً بسلسلةٍ من السلطات التي تفرغُ دوره فهو يقول عنه:(ووظيفة ديوان رسل العمالات غير متوارثة، ووظيفته امتحان القوانين والسياسات والأوامر والتدبير والبحث عن إيراد الدولة ومدخولها الخ..)، وهذا التحجيم للبرلمان والذي مارسته المَلكية الفرنسية العائدة بعد هزيمة الثورة الفرنسية، لا يقوم الطهطاوي بتشريحه، فهناك عشرات الدواوين الملكية والحكومية ومجلس الأعيان الخ والتي حصرت دورَ البرلمان في مناقشة قضايا الصرف والمكوس على حد تعبير الرحالة العربي.
ولكن الكاتب بعدئذٍ يذكر المواد الدستورية التي تــُفرغ ذلك المجلس من سلطته التشريعية الحاسمة، فالملك هو الذي يستطيع أن(يبطل ديوان رسل العمالات)، أي البرلمان، ولا يسنُ شيئاً إلا إذا (رضي به الملك).
ويدرك الطهطاوي في خاتمة المطاف أن العدل (في قطر من الأقطار فهو نسبي إضافي لا عدل كلي حقيقي)، (تلخيص الإبريز).
لقد قامت المَلكيةُ العائدة في فرنسا بعد هزيمة نابليون بإعادة النظر في الدور المحوري للبرلمان، والذي تعرضَ للتقلصِ في المرحلة الإمبراطورية كذلك، وفي فترة سفر الطهطاوي لم تحلُ بعد ثورةُ 1830 التي أعادت الحياةَ الديمقراطية بشكلها الأول.
وبطبيعة الحال كان هذا المستوى من التطور الفرنسي مناسباً للدولة المصرية الملكية التي يغيبُ عنها البرلمان، وبهذا كان نموذجها الذي يسوقه الطهطاوي مفيداً لمرحلته وعصره. فهو قادمٌ من ملكيةٍ دكتاتورية إلى ملكية دستورية محدودة. ولكن الأهم هو السياق الحضاري الحديث بمختلف جوانبه الذي يعرضه عرضاً يبدو محايداً.
كان نموذجُ النهضة الذي يقدمه الطهطاوي في رحلته وفكره هو هذا النظام البرلماني المحدود والحديث، مقطوع الصلات بالتحليل التاريخي والسياسي، ومطروح كنموذج للنهضة والتقدم لأمةٍ تبدأُ في الوعي والتفتح. (يتبع)



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكرُ المصري ودوره التاريخي (1-2)
- عامياتٌ وعامياتٌ
- عناصرُ التحديث الفكرية لدى النهضويين (2-2)
- عناصرُ التحديثِ الفكرية لدى النهضويين (1-2)
- تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
- جذورُ الطائفيةِ الفكريةِ
- مخاطرُ الجملةِ الثوريةِ الزائفةِ
- أزمةُ الأريافِ العربية بين عصرين
- شعبٌ واحدٌ لا شعبان
- خطاباتٌ عابرة
- نقابيةٌ غيرُ ديمقراطيةٍ
- جاء وقتُ البرجوازيةِ الوطنية
- الانتهازيون خطرٌ على الدول
- مرحلة صناعية سياسية
- مساراتٌ ثقافيةٌ صحفيةٌ
- تحرير تجارة الأغنام
- تدهورُ الوعي العمالي
- تدهورُ الثقافةِ الوطنية
- ديمقراطيةٌ وسيطرةٌ
- الثقافة والسلطة في إيران


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله خليفة - الفكرُ المصري ودورهُ التاريخي (2)