|
تزوير مسيحية يسوع – 23
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4367 - 2014 / 2 / 16 - 15:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظة: هذه المقالة تُعتبر كتكملة لسلسلة المقالات السابقة تحت عنوان (تزوير مسيحية يسوع – 1 إلى 22)، ويجب أن تُقرأ المقالات السابقة كمقدمة أساسية وضرورية لهذه المقالة.
"إن العادة التي ركن إليها بعض الناس لمدة طويلة من خلال اعتقادهم بأنه ليس هناك شيء خاطئ أو مثير للشبهة، يُعطيهم شعور اصطناعي ووهمي بأن كل شيء صحيح وعلى ما يُرام. وهذا ما يجعلهم يقفون سداً منيعاً في وجه البداهة والمنطق وللدفاع عن ما اعتادوا عليه. ولكن الزمن كفيل بتحويلهم تدريجياً إلى المنطق والعقلانية". توماس باين (Thomas Paine)
يُشير المسيحيون إلى كتابهم على أنه (الكتاب المقدس)، ولكنهم في نفس الوقت يحاول العامة منهم مع بعض لاهويتييهم المعاصرين أن يبرروا (التزوير الواضح وغير القابل للنقض في نصوص العهد الجديد مع تناقضاته وأخطائه ووضوح تلاعب مؤلفيه في النصوص اليهودية المقدسة التي اقتبسوا منها) بأنهم لا يعتبرون تلك النصوص على أنها (نص مُنزّل من الله)، كما هو الحال عند المسلمين مثلاً فيما يخص القرآن، ولكنها مكتوبة بأيدي البشر ومِنْ دون وحي إلهي كما هو في العقيدة الإسلامية، وبالتالي لا بأس من وجود مثل هذه الممارسات، سواء في النص اليوناني أو الترجمات، وهذا بدوره، كما يقولون، لا يجب أن يؤثر على "الحقيقة المسيحية" سواء في يسوع أو الخلاص. بالطبع، وكالعادة، هذا التبرير المتهافت هو (كذبة مسيحية أخرى تضاف إلى سلسلة الكذب والتزوير الذي ابتدأه بولس في رسائله واستمرت ممارسته حتى هذه اللحظة في تلك الديانة). والغريب في هذا التبرير المتهافت أنه (يُقر ويعترف ضمناً بوجود التلاعب والتزوير والتناقض في كتابه المقدس) ولكنه في نفس الوقت يُشرعن له ولا يراه ناقضاً لموضوع الإيمان المسيحي في يسوع حتى وإن كانت قصص العهد الجديد كلها مزورة وخضعت للتلاعب والتنقيح والخداع. إلا أن مشكلة هؤلاء المسيحيين، الأغلبية الساحقة منهم على الأقل، أنهم يعانون من جهل واضح فيما يخص عقيدتهم ذاتها، وبالتالي مفاهيمهم عن عقيدتهم هي أيضاً واهمة وخاطئة ونتاج خيال شخصي لا أكثر. فالإنسكلوبيديا الكاثوليكية، على سبيل المثال وليس الحصر، تُعرّف (الكتاب المقدس) على أنه:
"مجموعة الكتابات المُعتَرَف بها من كنيسة الرب على أنها نتاج إلهام (inspired) [...] هذه الكتب المعترف بها التي أُعطيت للكنيسة المسيحية كسِجِل كتابي (للوحي الإلهي) (Divine revelation). وحقائق (الوحي المسيحي) (Christian revelation) قد عرفها الرسل إما بواسطة المسيح أو بواسطة الروح القدس [...] وبعض هذه الحقائق قد تم كتابتها بواسطة إلهام الروح القدس وأُعطيت لنا في كتابات العهد الجديد [...] إن الكتاب المقدس، كسجل للوحي، يحتوي على كلام الله، وهذا يعني أنه يحتوي على الحقائق التي تولاها وحي الروح القدس وشاء لها أن تُكتَب [...] إن عصمة الكتاب المقدس وخلوه من الأخطاء (inerrancy) ناتج من كونه مؤلفاً إلهياً. وكلما كتب الكاتب المقدس [يقصد مؤلفي رسائل العهد الجديد] جملة على أنها له، فإن هذه الجملة هي (كلمة الله) (word of God) وهي (الحقيقة المعصومة) (infallibly true) مهما كان موضوع هذه الجملة". [انظر: Catholic Encyclopedia مادة (The Bible)].
فالموقف اللاهوتي المسيحي من نصوص العهد الجديد هو أنه (نص معصوم)، و (وحي من الروح القدس)، خالٍ من الأخطاء، يحتوي على الحقيقة الإلهية. (فعقيدة المسيحيين في نصوص العهد الجديد هي ذاتها عقيدة المسلمين في القرآن، ومماثلة لها تماماً) حتى ولو أنكر ذلك (العامة ومحدودي المعرفة منهم)، فإن إنكارهم هذا لا يُلغي حقيقة اعتقاد اللاهوت المسيحي الذي ينتسبون له. هذا بالإضافة إلى أن (الروح القدس) يلعب ذات الدور في المسيحية الذي يلعبه (الملاك جبريل) في الإسلام، إذ هو واسطة الوحي. فـ (الكلمة المقدسة) في النص الإنجيلي هي أداة الحقيقة تماماً هو هو الحال في الإسلام، وإلا بماذا يؤمن المؤمن المسيحي وعلى أي أساس يؤمن ويَقَبَل؟ فكل الادعاءات المسيحية التي ترى أن أدوات لاهوتها مختلفة في أساسها عن الدين الإسلامي هي ادعاءات (كاذبة) إن كانت عن سابق معرفة، أو ادعاءات (جاهلة) إن كانت بسبب محدودية المعرفة بتفاصيل دينها وعقيدتها. لكن المشكلة الثابتة غير قابلة للشك في العقيدة المسيحية هي أن نصوص العهد الجديد مليئة بالأخطاء وتعاني من التزوير بأيدي مؤلفيها ذاتهم، ثم أكمل مهمة التزوير الكَتَبَة والمترجمين المسيحيين، ولا شيء حقيقي تقريباً وتاريخي بخصوص شخصية يسوع، وإنما أغلبها أساطير وثنية رومانية واقتباسات دينية يهودية ذات منشأ فريسي تم نسبتها إلى يسوع. فالنص المقدس المسيحي هو نتاج أوهام وأخطاء وأساطير وتزوير، والعقيدة المسيحية التي تدافع عن هذا النص هي نتيجة جهل وأوهام، وما بقي هو (الحقيقة الساطعة) التي تُبرهن على أن هذا النص ليس أكثر من عملية خداع تولاها بولس وانتشرت من بعده على أنها (عقيدة ودين). (تلك هي الحقيقة التي لا تقبل النقض إطلاقاً). موضوع هذه المقالة هو نماذج من التزوير المسيحي في النص المقدس وذلك بغرض تزوير مسيحية يسوع.
مما لا يعيه أكثر القراء هو أن عملية (تزوير النص المسيحي) هي (عملية مستمرة حتى هذه اللحظة) ولم تتوقف إطلاقاً منذ بروز هذه النصوص المسيحية إلى الوجود. وفي سبيل إثبات هذه النقطة، أي تعمد تزوير النص المسيحي حتى في يومنا هذا، سوف أتطرق إلى مثال قد ذكرته بالشرح والتحليل في أحد مقالاتي خارج هذه السلسلة، ولكن هذه المرة سوف أستخدم ملاحظة الكاتب (فراس السواح) التي ذكرها بشأن هذا المثال في كتابه (الوجه الآخر للمسيح). ففي سبيل إثبات أن مؤلفوا الأناجيل الأربعة لم يكونوا إطلاقاً من سكان فلسطين، على عكس تلاميذ يسوع الذين صحبوه، وبالتالي فإنهم عند كتابتهم لأناجيلهم قد ارتكبوا أخطاءً جغرافية فادحة لا يمكن أن يرتكبها أي ساكن لهذه المناطق، لجأ فراس السواح إلى القصة الشهيرة في إنجيل مرقس عن وصول يسوع وتلامذته (عبر البحر إلى كورة الجدريين) [مرقس 5: 1]، فأتى يسوع إنسان (به روح نجس) [مرقس 5: 2] (دائماً ليلاً ونهاراً في الجبال وفي القبور، يصيح ويجرح نفسه بالحجارة) [مرقس 5: 5]. وبالطبع تشخيص يسوع لهذه الحالة المرضية النفسية هو أن الشياطين قد تلبسته (!!!) وأنه سوف يُخرج الشياطين من جسد هذا الإنسان، فابتدأ يسوع بمخاطبة هؤلاء الشياطين: (قال [أي يسوع] له: اخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس. وسأله: ما اسمك؟ فأجاب قائلاً: اسمي لجئون، لأننا كثيرون. وطلب إليه كثيراً [أي طلبت الشياطين من يسوع بإلحاح] أن لا يرسلهم إلى خارج الكورة. وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى، فطلب إليه كل الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذن لهم يسوع للوقت. فخرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحر. وكان نحو ألفين، فاختنق في البحر) [مرقس 5: 8-13] [وانظر أيضاً لوقا 8: 26-33]. يشير الكاتب فراس السواح أولاً إلى أن كورة، أو ناحية، الجدريين هي نسبة إلى بلدة (جدرة) الجليلية، ثم يقول بنبرة لا تخلو من السخرية: "والمعروف أن بلدة جدرة كانت تقوم على مسافة بعيدة جداً عن بحر الجليل بحيث إذا أرادت الخنازير أن تصل إليه كان عليها أن تطير لا أن تقفز" [انظر: الوجه الآخر للمسيح، فراس السواح، ص 15]. إلا أن فراس السواح في نهاية جملته الأخيرة تلك يفتح هامشاً ثم ليكتب فيه الآتي: "قامت الترجمة الكاثوليكية الجديدة [يقصد الترجمة الكاثوليكية الجديدة للعهد الجديد الصادرة في بيروت سنة 1969] بتغيير موقع هذه القصة من بلدة جدرة البعيدة عن بحر الجليل إلى بلدة جراسة الواقعة على شاطئه، فقالت: (في ناحية الجراسيين) بدلاً من (في ناحية الجدريين). وهذا نموذج آخر عن استمرار عملية التحرير في العهد الجديد" [انظر: المصدر السابق، هامش رقم 1، ص 15].
سنبقى من فراس السواح لنضرب مثالاً ثانياً على (عملية التزوير المستمرة حتى هذه اللحظة) في النص الإنجيلي. ففي معرض تطرقه لقصة ولادة يسوع في إنجيل متّى، يقتبس فراس سواح من هذا الإنجيل قصة اكتشاف يوسف النجار حمل امرأته فجأة مِنْ دون أن يكون قد دخل بها، وقصة ظهور الملاك له في النوم ليخبره بأن حملها من الروح القدس، ثم يقتبس من إنجيل متّى الآتي: (فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب، وأخذ امرأته، ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع) [متى 1: 24-25]. يفتح فراس السواح هامشاً في كتابه ليُركز النظر على عبارة (ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر) الواردة في نص الإنجيل، وليكتب فيه الآتي:
"ترد هذه الجملة في الترجمة الكاثوليكية الجديدة [يقصد الترجمة الكاثوليكية الجديدة للعهد الجديد الصادرة في بيروت سنة 1969] على الوجه التالي (على أنه لم يعرفها فولدت ابناً فسماه يسوع) [متى 1: 25]، وورد في الهامش تبرير لحذف (حتى ولدت ابنها البكر) مفاده أن مريم بقيت بكراً بعد ولادتها ليسوع على ما أجمع عليه التقليد المسيحي منذ القديم. وفي الحقيقة فإن مثل هذا التعديل على النص يثبت لنا أن عملية تحرير النص الإنجيلي لم تتوقف طوال ألفين من السنين، ولا زالت مستمرة إلى يومنا هذا". [انظر: المصدر السابق، هامش رقم 1، ص 21].
هذا الكتاب الذي يسمى (المقدس) عند المسيحيين، والذي يعتقدون فيه أن سجل للوحي يحتوي على كلام الله ويحتوي على الحقائق التي تولاها وحي الروح القدس وشاء لها أن تُكتَب، هذا الكتاب الذي يُسمى بـ (المقدس) مليئ بالتزوير (غير المقدس). تلك هي (الحقيقة المقدسة الوحيدة فيه).
... يتبع
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تزوير مسيحية يسوع – 22
-
تزوير مسيحية يسوع – 21
-
تزوير مسيحية يسوع – 20
-
تزوير مسيحية يسوع – 19
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الثاني
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الأول
-
تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الثاني
-
تزوير مسيحية يسوع – 17 – الجزء الأول
-
تزوير مسيحية يسوع - 16
-
تزوير مسيحية يسوع - 15
-
تزوير مسيحية يسوع - 14
-
تزوير مسيحية يسوع - 13
-
تزوير مسيحية يسوع - 12
-
تزوير مسيحية يسوع - 11
-
تزوير مسيحية يسوع - 10
-
تزوير مسيحية يسوع - 9
-
تزوير مسيحية يسوع - 8
-
تزوير مسيحية يسوع - 7
-
تزوير مسيحية يسوع - 6
-
تزوير مسيحية يسوع - 5
المزيد.....
-
اكتشافات مثيرة في موقع دفن المسيح تعيد كتابة الفهم التاريخي
...
-
سياسات الترحيل في الولايات المتحدة تهدد المجتمعات المسيحية
-
مفتي البراميل والإعدامات.. قصة أحمد حسون من الإفتاء إلى السج
...
-
إسرائيل تكثف غاراتها على غزة وتقصف المسجد الإندونيسي
-
استقبلها الآن بأعلى جودة .. تردد قناة طيور الجنة TOYOUR EL-J
...
-
منظمة: 4 من كل 5 مهاجرين مهددين بالترحيل من أميركا مسيحيون
-
جدل حول اعتقال تونسي يهودي في جربة: هل شارك في حرب غزة؟
-
عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
-
العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق
...
-
المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|