|
الشخصية الفنية للمبدعات التشكيليات المصريات
سوزان التميمي
الحوار المتمدن-العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 17:34
المحور:
الادب والفن
عند دخول المرأة إلى المجال الفني كانت قد تركت وراءها مرحلة طويلة من الإبداع الفلكلوري ودخلت مباشرةً في معترك التحول الفني والمدارس الحديثة والتقنيات التجريبية. فبدأت من حيث وصل الفنان الرجل، أي أنها بدأت من الحداثة، لا بل حملت قضية الريادة في الحداثة الفنية على عاتقها، فقد تجرّأت وجرّبت وخاطرت، وكان لها موقف خاص حيال قضية التراث التي شغلت الفنان الرجل طويلاً. وانشغلت بقضية الحداثة وكأن ما كانت ترجوه المرأة في المجال الاجتماعي قد امسكت به وتمكنت منه في المجال الفني. إن دخول المرأة العربية عامةً والمصرية بخاصة إلى مجالات الفنون قد بدأ يظهر واضحًا جليًا في منتصف القرن العشرين.. أو قبله بقليل، وإن كانت بأعدادٍ قليلة ولكن كانت بثقة وقوة ميّزت الشخصية الإبداعية النسائية آنذاك، وتميزت بتفرد موهبتها وبإسهامها الأكيد في كتابة تاريخ الفن التشكيلي المصري منذ القرن الماضي. وقد سُجِلَتْ هذه الخطوة بعد النتقال المرأة من وراء اللوحة (أي كملهمة) إلى أمامها (كمبدعة) لتتحول بهذه النقلة إلى فنانة تصوغ بنفسها ملامح صورتها الفنية، أولاً كامرأة فنانة مبدعة أمام لوحتها، وثانيًا كصورة مُتخيلة داخل اللوحة أو العمل الفني، ثم زاد عدد الفنانات النساء بالتوازي مع افتتاح المعاهد الفنية ودخول الشابات بعددٍ متنامي إليها. إن قراءة الشخصية الفنية للفنانات المصريات في هذه المرحلة من خلال لوحاتهن و منحوتاتهن يستلزم أولاً النظرة إليهن كحضور مستتر في أعمال الفنان الرجل لنجد أن هناك تحولاً كبيرًا، فلم تعد المرأة حيت ترسم نفسها ذلك الجسد الذي يُسْتَرق النظر إليه، أو أنها مجرد حضورٍ حسي وثوبٍ تراثي أو رمزٍ اصطلاحي، بل أصبحت ألوانًا وخطوطاً ومكعبات وحالة إبداعية لتبتكر بذلك ملامحها الجديدة المستمدة من النظرة الاجتماعية المُستجدة عليها والتي استمدت منها تلك الرؤية عن ذاتها ونوعها. والاهتمام بإبداعات المرأة المصرية أمر مرغوب ومطلوب بذل الجهد من أجله، وفي هذا الإطار نجد صورة مشرقة لمبدعات عانين من أجل حقوقهن و حقوق أجيال من المبدعات أتت بعدهن وسِرن على نفس الدرب فقد كانت إسهامات المرأة المصرية المبدعة في منظومة العقل الإبداعي والفكري والمجتمعي تحديًا أمام عزلها في دائرة تصنيفها الفسيولوچي، وكانت نافذة لإشهار طاقاتها في زمنٍ تصيح فيه بعض الأصوات إلى الانتقاص من قدرها، وتعمد إغفال دورها بل وحشرها في زوايا ضيقة من شئون حياتية أدنى إنجازًا وأضعف اتصالاً مع الآخر. والحقيقة أنه ليس من المهم أن نقر بوجود (الفن النسائي) المميز ونعترف بأنه جزء من الحركة الفنية والتشكيلية فالأمر الذي يُسَجَل للفنانة التشكيلية المصرية هو أنها اقتحمت مجالاَ بالغ الصعوبة وهو"الفن التشكيلي" فصعوبته ليست نابعة فقط من حاجته إلى موهبة ودارسة، ولكن قيود المجتمع الشرقي وضوابطه على هذا الفن أولاً وعلى المرأة ثانيًا، فلا جدال أن المرأة المصرية والعربية بالرغم من كل إنجازاتها التي حققتها بكفاحٍ وجهد كانت ومازالت تواجه بقيود المجتمع العربي المعروفة للجميع، ويظل نجاح المرأة في الإبداع والتميز في الفن التشكيلي هو الإنجاز الحقيقي لها سواء اعترفنا أو لم نعترف بوجود فن نسائي. يُسَجَل أيضاً للفنانة التشكيلية العربية المصرية أنها حين اقتحمت هذا المجال الصعب وكان ذلك في فترة كانت القيود فيها في المجتمع كثيرة، بل كان الظلام مخيماً على بقاع عديدة في العالم العربي وهي فترة الثلاثينيات قبيل الحرب العالمية الثانية، ويُسَجَل لها هذه الريادة في قبول التحدي ودخول الصراع. وأصبحت رائدات هذه المرحلة نجوماً ساطعة في سماء الفن التشكيلي، وصرن رائدات في مجالاتهن ويُضاف إليهن بعض الهاويات اللائي مارسن الفن بجهود ذاتية. تتجلى هنا صلة وثيقة بين دخول المرأة إلى الحقل الفني وبين قضية تحرر المرأة في القرن السابق، فقد تحررت المرأة في البلاد العربية من القيود التي كانت موضوعة عليها وخرجت من بيت الحريم لكي تمارس الحياة الاجتماعية كباقي النساء. والواقع أن احتجاب المرأة ليس قديمًا في البلاد العربية، فلقد كانت المرأة دائمًا تقوم بنشاطها الاجتماعي والأدبي والسياسي في التاريخ الحربي جنبًا إلى جنب مع الرجل، واستمر كذلك حتى عهد العثمانيين حيث احتجبت المرأة بتأثير عاملين: الأول: هو المحافظة على الشرف وعدم الظهور بمظهر الغانيات .
والثاني : تقدم الحياة البورجوازية وانصراف المرأة إلى خدمة زوجها الوجيه أو الثري في بيته. تم ذلك في المدينة فقط وليس في القرى والنواحي. ومازالت المرأة في القرية تعمل أكثر من الرجل في الزراعة. ولقد بدأت حركة تحرير المرأة في مصر منذ زمن بعيد، فمنذ عام ۱-;-۹-;-۰-;-۸-;- ظهر كتاب لقاسم أمين وفيه أول دعوة تحررية، ولقد رفدت هذه الدعوة من قبل طلعت حرب الاقتصادي الإصلاحي ثم ظهرت هدى شعراوي كأول زعيمة نسائية في الشرق، وشكّلت أول حركة نسائية، ثم ظهرت "درية شفيق" لكي تؤسس جمعية (بنت النيل). وفي عام ۱-;-۹-;-٥-;-۱-;- انتُخبت المرأة المصرية لأول مرة كعضوة في البرلمان، وبدأت المرأة تطالب بمنع تعدد الزوجات وحفظ حقوقها الأسرية وتطالب بالمشاركة في جميع الأعمال أُسوة بالرجل. وعلى الرغم من الظروف المحافظة التي كان عليها المجتمع العربي ككل حتى بداية هذا القرن، إلا أن المرأة العربية دخلت عالم الفن، وكانت "عفيفة توفيق" أول طالبة تسافر في بعثة للتصوير في انجلترا عام ۱-;-۹-;-۲-;-٤-;-، ثم لحقت بها "زينب عبده"، وكان المعهد العالي لمعلمات الفنون في الأربعينيات هو المصدر الرئيسي لتغذية الحركة النسائية التشكيلية من خريجات المعهد اللاتي أصبحن نجومًا في الستينات وكانوا في رعاية الفنانة "زينب عبده" عميدة المعهد آنذاك، وذلك بعد عودتها من بعثتها في انجلترا والتي درست فيها الفن وعادت لتشارك بإبداعاتها وأعمالها وأثرَت الفن التشكيلي النسائي بأجمل اللوحات بخامة الألوان المائية والتي برعَت وتميزت فيها. ثم جاءت بعدها "كوكب يوسف" والتي درست الفن في انجلترا أيضاً وعادت لتُدَرِس في المعهد العالي لمعلمات الفنون، وقد اهتمت في تصويرها بالألوان المائية بتصوير مشاهد الطبيعة والبيئة والوجوه. أيضاً نجد الفنانة "عايدة عبدالكريم" والتي عملت أستاذة بكلية التربية الفنية وكانت دائمًا ما تُسهم بنشاطها الإبداعي في معارض النحت والخزف وهي قرينة الفنان"زكريا الخناني" الذي عُرِفً بإبداعه في فن الزجاج، هذا إلى جانب الفنانة "زينب عبدالحميد" والتي أبدعت في مجال التصوير، وكانت من الدفعات الأولى التي التحقت بالتدريس في المعهد العالي لمعلمات الفنون ثم في كلية التربية الفنية وأصبح لها بصمة تميزت بها في أسلوبها الفريد في التصوير، وهي قرينة الفنان الراحل"عزالدين حمودة". وجاءت "عفت ناجي" هاوية الإسكندرية"، التي نشأت مع خالها الفنان الكبير"محمود سعيد" لتشارك الطريق مع شقيقها الفنان "محمد ناجي"، وكانت هي راعية ذِكراه بعد وفاته وزوجة الفنان "سعد الخادم" رائد الفن الشعبي والذي فتح الأبواب نحو هذا الفن بثرائه وبلا حدود، وأصبحت منذ ذاك الوقت "عفت ناجي" علامة على الطريق ولها تلاميذ ورواد. منهن أيضًا الفنانة الكبيرة-;- -;-"تيسير فريد"-;-، -;-والتي تجاوزت علاقتها الفنية بزوجها الفنان-;- "-;-منير فريد-;-". -;-ورغم أنها بلغارية الأصل من مدينة صوفيا إلا أنها مصرية الرؤية والتناول-;-.. -;-بأعمالها تعاطف وإيمان بالإنسانة المصرية البسيطة خاصة المكافحات منهن، وكأنها تمجد فيهن حياة اجتماعية دافئة-;- -;-دافقة-;-. والفنانة "نعيمة الشيشيني" التي تخرجت في كلية الفنون الجميلة بالأسكندرية عام ۱-;-۹-;-٦-;-۹-;-، والفنانة "فاطمة العرارجي" التي تخرجت في كلية الفنون ثم عملت أستاذًا مساعدًا ثم رئيسة قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالأسكندرية والتي اهتمت في أعمالها بعمل مكنونات موحية للبيئة المصرية في أسلوب التجريد التعبيري. وممن سافرن أيضًا لدراسة الفن"اسمت كامل" و"ألكسندرا غبريال"، ثم جاء دور"إنعام سعيد" و"عدلات صدقي"، وهؤلاء جميعًا أصبحن مدرسات للفنون وفنانات لمعت منهن "زينب عبده"و"كوكب يوسف" و"فيسيلا فريد"والتي حصلت على دبلوم أكاديمية الفنون الجميلة ببلغاريا. ومنذ عام ۱-;-۹-;-٣-;-۸-;- تأسس في القاهرة المعهد العالي للفنون الجميلة للمعلمات وأيضًا من خريجات هذا المعهد "نازك حمدي" و"تحية كامل" وغيرهن ممن برزن في عالم الفن في مصر.ومن فنانات الحركة التشكيلية في مصر على طول تاريخها أسماء كبيرة لرائدات منهم : "مرجريت نخلة" ـ "خديجة رياض" وغيرهن .. ومعظمهن مصورات للحس الاجتماعي المصري والروح الشعبية واضحة في أعمالهن الفنية . وتلمع معنا أيضًا نجمة تضوي في عيوننا أضواء إبداعاتها وهي الفنانة "جاذبية سري" وكانت من أبرز خريجات المعهد العالي للفنون الجميلة للمعلمات، وعملت كأستاذة للتصوير بكلية التربية الفنية، فمن خلال معارضها العديدة في الداخل والخارج أصبحت نجمة في سماء الفن التشكيلي النسائي المصري والعربي ولها حضورًا في كل المجالات الدولية بأسلوبها الخاص الذي تميزت به. لذا كانت ومازالت التجربة النسائية الفنية في مجال الفن التشكيلي تجربةً غنية و وجديرة بالنظر والتحليل والنقد، خاصةً وأن رائدات الفنانات التشكيليات في الفن المصري الحديث قد واجهن الكثير من التحديات في تلك البدايات، تحديات كان منها ما هو فني ومنها الثقافي والمجتمعي والسياسي.
#سوزان_التميمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أثر البيئة الاجتماعية والموروث الحضاري في الأسلوب الفني
-
عزيزي الرجل الشرقي
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|