|
ما الذي يهدد حياتنا ؟
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن-العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 15:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
فرحتنا بالانتفاضة المصرية الشعبية النبيلة التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير 2011 لن تتراجع ولن تتأثر سلبا بكل ما يجري لأنها أزاحت عهدا من أسوأ العهود في تاريخ مصر ، كما أنها كانت أول ثورة في التاريخ تنهض على أحدث الأساليب التكنولوجية في العالم المعاصر مستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي والمعرفي الإلكترونية عبر الشبكة العنكبوتية ( النت) بما فيها الإيميلات والتويتر والفيس بوك وغيرها . لكن الهبة العظيمة على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات لم تنقذ الشعب المصري بعد من ظروفه بالغة التدني وأحواله الاقتصادية التي توشك على الإفلاس ليخوض معها بحرا من الفوضى والاضطراب غير المبرر تتدفق فيه سلوكيات عشوائية وتصريحات حمقاء وتتدافع مع جموعه الحاشدة أعداد لا حصر لها من البلطجية والمتخلفين والحاقدين ومشعلي الحرائق والساخطين ، وتتعاون معهم عن غير وعي وربما عن وعي وقصد راسخ العديد من القوى السياسية الرسمية والشعبية ،وكذلك الأحزاب والائتلافات الشبابية والألتراس ، ويكاد يعجز المتابعون والدارسون والمراقبون من المفكرين ورجال السياسة والإعلام عن فهم الموقف وأسبابه ومداه وتبعاته كما يحار الكثيرون في تصور نهايته إذا كان من المحتمل أن تكون له نهاية، وإن كان الإنصاف يقتضى القول أن الصورة الشائهة التي ألمعنا إليها في السطور السابقة قد بدأت في التراجع تدريجيا ، لكننا نظل ويجب أن نظل في محاولات دءوب لوضع الأيدى على الأسباب الحقيقية لهذه الحالة الغريبة التي تعصف بالوطن وتهدد حاضره ومستقبله وتدفع به بعيدا عن المسار الصحيح الذي يتعين أن يترسمه ويحرص عليه ليعوض ما فاته على درب النهضة والتقدم .
أكاد أزعم أن الأمر ليس عسيرا على الفهم ولا مبهما أو غامض البدايات والنتائج ، لأن ما جري وما زالت بقاياه تحاصر التجربة هو بالتأكيد نتيجة طبيعية لعدة أمور ، منها : 1 - غياب الحقائق .2 - الأطماع والأهداف الشخصية المتنوعة . 3 - تراجع أهمية الوطن . 4 - سوء الإدارة . 5 – استخدام فصائل مارقة للحشود الجماهيرية من أجل الضغط على الدولة والتأثير على صاحب القرار بما يصب في صالح أغراضها المشبوهة.
غياب الحقائق
سنتوقف في هذه السطور عند النقطة الأولي والأكثر أهمية ، وهي غياب الحقائق ؛ و تسمى في الفكر السياسي الحديث " الشفافية " ويقصد بها ضرورة توفر الحقائق عن كل موقف وكل سلوك حتى تتحدد الأهداف والخطط وآليات التنفيذ ، ويتم البناء على أسس سليمة وقواعد ومناهج علمية آمنة تحميه من الخلل أو الاضطراب . وغياب الحقائق يعني للوهلة الأولي ودون دراسة معمقة انتشار الإشاعات والعشوائيات التي تؤدى إلى الانقسامات وتدافع الفرقاء إلى اتجاهات متباينة ومن ثم النزاعات والصراعات ، فالحقائق شرط رئيسي للمجتمعات المنسجمة والمتماسكة . وسوف يتعذر فعل أي شيء أو إصدار قرار لعلاج أية مشكلة دون حقائق ، والحقائق تعنى قبل أي شيء آخر دقة التشخيص والتوصيف وإعمال العقل ، فأي مرض لن يتم شفاؤه دون دقة في التشخيص ولن يتم إصلاح ماسورة مياه انفجرت دون معرفة الأسباب ومعرفة الحالة بمنتهى الدقة . لم يعرف الشعب المصري يوما وعلى مدى التاريخ خاصة في عهود الاحتلال التي لم تتوقف شيئا اسمه الحقيقة . كل المعلومات متضاربة وكل شخص عبث بها سواء من المحتلين أو الملوك والسلاطين والحاشية والمسئولين على كافة المستويات ومن الشرطة والعسس وكذلك العامة والتجار وغيرهم . كل منهم له غاياته في تحوير الحقيقة وتبديلها . فهل شهد العالم مثل كمية الحرائق التي تحدث في مصر وهي تكفي وحدها لو لم تتم لتحقيق الازدهار الذي نأمله، وعلى العكس كان اندلاعها كل يوم يضرب الانتماء في الصميم ويدفع لليأس واللامبالاة. وحتى الآن لا نعرف أسباب الحرائق المدمرة. ومثل ذلك يحدث عقب غرق العبارات والسفن والصنادل وانقلاب الأتوبيسات وسقوط العقارات، لتبدأ التحقيقات وتنظم الجلسات ويدبج الادعاء مذكرات الاتهام ويترافع المحامون وتمضي السنوات في ركض وضجيج وتفكير وإهدار للطاقات والأموال والأزمنة دون أية نتسجة لأنه لا توجد هناك أية حقيقة يمكن البناء عليها . ومنذ اندفعت الجماهير عن بكرة أبيها في يناير 2011 لم تتوقف الشائعات ولا المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات التي راح ضحيتها الآلاف وكلها هبت لأسباب غير معلومة ، وكلما سألت شخصا قال : سمعنا أن المرشح الفلاني .. أو قالوا إن الشرطة احتجزت عشرات الشباب أو البعض شاهد شرطيا في ثياب مدنية يلقي بالحجارة وأننا سمعنا أن الحكومة تعتزم إلغاء الدعم ، وقد يقول البعض لقد وجدوا مئات الأطنان من الذهب في بيت مبارك أو صدرها أو نقلها قبل تنحيه إلى قصوره بالخارج. .. المحاكمات لا تتوقف للبحث عن الحقيقة في أحداث محمد محمود وماسبيرو وبورسعيد وامبابة وكنيسة القديسين والاسكندرية والسويس وسوهاج وأسوان .. في كل مكان ولا حقيقة .. ومثل ذلك حدث في مسرحية التمويل الأجنبي بما فيها من شخصيات وأحداث وتصريحات وعنتريات وكواليس ومواقف ساخنة ثم لا حقيقة حتى الآن. والأمر بالطبع ليس قاصرا على سلوك الحكام والمسئولين ولكنه يشمل كل الشرائح والطبقات والمهن والأعمال وهو شائع في دوائر الإعلام والفن والثقافة والرياضة ، كما هو سائد بين الجيران بما يفضى فب الختام إلى نشوب المعارك بين العائلات لأسباب مجهولة أو كاذبة أو مجرد شائعات . مأساة حقيقية يعيشها الشعب المصرى وسوف يظل يعيشها ما لم يتعلم التمسك بالحقيقة لأن الحقائق مسألة يجب أن تكون مقدسة واحترامها والحرص على مصداقيتها جزء أصيل من السمات الأخلاقية وهي عنوان الأمانة وسبيل الأمن واستقرار المجتمع وترسيخ للتعاون والمحبة والسلام الاجتماعي. والحقيقة تبدأ من المعرفة الدقيقة وما لا نعرفه لا يجب أن نذكره .. مجرد ذكر . وفي الأثر : من قال لا فقد أفتى . لكن الكثيرين لا يرضون لأنفسهم أن يظهروا بمظهر الجهلة فيعوضون الجهل بالكذب والتفوه بكلمات لا علاقة لها بالصحة والصواب . وهكذا فكل بناء معرض للانهيار وكل زيجة لا تقوم على الحقائق محكوم عليها بالتفكك ، والنتائج أكبر من أن تحصي وتأثيرها على الأجيال قاسية ، مع أن الرسالات السماوية والديانات الأرضية والكتاب والحكماء دعونا إلى التمسك بالحقيقة والاعتماد عليها لأنها طريق النجاة والعمل المنتج والعلاقات الآمنة وبقاء شمس الأمل مشرقة في القلوب . لقد آن الأوان كي نواجه أنفسنا بصدق في كل صغيرة وكبيرة ، ولا نبني أبدا أية حركة أو تصرف مهما كان بسيطا إلا على حقائق موثقة وموثوق في مصادرها .. والكلام ليس للشعب فقط ولكنه أيضا وفي الأساس لرجال الإعلام فلهم كلمة مسموعة ومؤثرة وأدوارهم بالغة الأهمية إيجابا وسلبا، ومشكلة رجال الإعلام الأولي رغبتهم العميقة في إحداث الإثارة ومن ثم لا يدعون للحديث ثقاة ومفكرين ولكن يدعون مهيجين ومستنفرين ومشعلي حرائق ومثيري فتن ، وأغلب السجالات الإعلامية تنطلق من رغبة غالبة في التجارة والتربح تم التوجه نحوها والإصرار عليها بعد التغييب الكامل للقيم التي تصون الحياة وتحمي الأحياء من التخبط والزلل والإنهاك في غير طائل .
#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
25 يناير ليست ثورة
-
عبد الناصر واليوسفي
-
كيف نقضى على التتار؟
-
- كناري - مجموعة الخميسي الفاتنة
-
السيسي ومعايير اختيار الرئيس
-
فى مديح الجمعة
-
في رحاب السيد المسيح
-
-قصة ما ئلة-
-
أيام أمى الأخيرة فصل من رواية -دولة العقرب-
-
حساب الأرباح والخسائر لعام 2013
-
الحياة ... مشكلة جمالية
-
أ رَ د تُه جَبَا نا
-
الترجمة وصورة مصر في الثقافة العالمية (2)
-
الترجمة ومكانة مصر فى الثقافة العالمية(1)
-
حب خريفي بطعم العواصف
-
دستوركم يا مصريين
-
المفتون - مقدمة الجزء الأول من سيرتي الروائية
-
الحب على كرسي متحرك
-
حبى يمنعنى من خداعها
-
أسرار رابعة2
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|