|
الشهر الذي اُنزل فيه النفاق
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 08:31
المحور:
كتابات ساخرة
عدة شهورٍ فقط تفصلنا عن أحداث مهزلة سنوية تستمر لمدة شهر كامل..مهزلة تمارسها الأغلبية و يتعفف عنها البعض..قد يعتقد البعض أني بكلامي هذا أحمل عداوة شخصية لشهر رمضان و لكني سأخيب ظنهم لأعلنها أني أحبه و لكني لا أحب ما تحول إليه كأكبر مسرحية هزلية في عامنا ذو الشهور الإثني عشر.
في رمضان لا يُرهقني الصيام بقدر ما ترهقني الأقنعة..و لنبدأ منذ الصباح الباكر..عندما تقرر أن الوقت قد حان لكي تنهي معاملاتك الورقية في بلد يعشق البيروقراطية حتى النخاع فتذهب إلى أي مكتب حكومي أو وزارة حكومية لتنهي أوراقك أو معاملتك فتجد أن المكاتب كالشوارع خالية لا تكاد ترى فيها إنسيا..تنتظر فيأتي الموظفون متأخرين كعادتهم و البعض الآخر لا يأتي إلا بعد صلاة الظهر..تخبره أنك كنت تنتظره منذ ساعات فيرد عليك قائلاً بكل برود:"رمضان كريم"!!!..و لكنه في النهاية ينهي معاملتك دون أن يطلب منك مالاً كالعادة فتشكر الله الذي هداه في هذا الشهر الكريم و حفظ عليك أموالك من الانتقال الفوري و الاعتيادي من جيبك إلى جيوبهم.
تخرج من ذلك المكتب فتسمع صوت الآذان فتذهب إلى الصلاة فتجد أن منظر المسجد يبدو كسوق القات اليومي..الحمد لله لقد أدرك البشر قيمة صلاة الجماعة و روحانيتها فجأة و دون مقدمات..صلاة تمت بخشوع و دون استعجال كالعادة للهرولة للحاق بركب "المُخزنين"..و بعد أن تنهي صلاتك و تخرج تجد حذائك -على الأغلب- كما هو و لم يذهب مع الريح..فتشكر ربك أن الصلاة كانت كما يُقال عنها طبيب الروح فكف الناس عن استغلال لحظات غفلتك بها ليسرقوا حذائك من أمام جامعها.
بعد الصلاة تجري اتصالا مع شخص يدين لك بالمال منذ شهور طوال و تحدد له موعداً للقاء فيأتي قبلها بخمسة دقائق و أحياناً بربع ساعة بأموالك كاملة دون تجزئة..و تتذكره قبل رمضان و هو يستنزف أعصابك و أنت جالس بانتظاره و هو يراجع نفسه هل يأتي متأخراً نصف ساعة أم ساعة كاملة ليقرر في الأخير أن "طفلي مريض و لن أتمكن من الحضور"!!.
تسير بسيارتك في أي شارع و تنظر إلى مرآتك كما اعتدت في كل مرة تمر بها من جانب شرطي المرور لتتأكد من أنه لا يحرر لك مخالفة ظالمة كالعادة و لكنك تجده لا يكاد ينظر إليك مقتنصاً لأرقام سيارتك بقدر اهتمامه بتنظيم حركة السير..يبدو أنه نسى دفتره المُقدس إما في البيت أو أنه قرر أخيراً أن لا يظلم به أحداً..هنا تحمد الله على أن سجل مخالفاتك سيتوقف لشهر على الأقل عن التضخم كما هو اقتصادنا.
بعد الإفطار تذهب مرة أخرى إلى الجامع فتجده يكاد يختنق بالمصلين..و ترى أناس تكتشف للمرة الأولى أنهم يسكنون في ذات حيك!!..بل و يمارسون أداء الصلوات الخمس أيضاً!!..و تتعرفهم لتجدهم أناس هم الرقة و اللطف و الصدق مُجسداً..بعدها تفكر بالتنزه قليلاً مع صديقك فتجد أن الشوارع مزدحمة بالنساء فتستغرب أن وجودهن في المساء و حتى إلى ما بعد منتصف الليل يُعد أمراً عادياً لدى الجميع و لا تجد صديقك يُعلق هامزاً و لامزاً كما المعتاد كلما رأى فتاة تسير في الشارع بعد السابعة مساءاً..و تبرر الأمر لنفسك بأنه لعل الله أختاره في هذا الشهر لكي يُراجع نفسه و يكف عن سوء ظنه بالأخريات و بعفتهن.
المدينة الفاضلة أليس كذلك؟؟..و لكن الشهر سينتهي..و كل ما كان يعود ليكون..أموالك ستُستنزف لدى كل موظف حكومي سيُشرفك بتوقيعه على أي ورقة مهما صغُرت..المساجد ستُهجر كما سيفعل أي شاب مع أي فتاة سلمت له نفسها..شرطي المرور سيبحث عنك أنت دون غيرك لينير بأرقام يسيارتك دفتره متجاهلاً "الشيخ" و المرافقين..حذائك لن تجده كلما خرجت من المسجد..من سيعدك سيخلف و من سيستدين منك سيتهرب..و صاحبك سيشير إليها قائلاً:"رأيت بنت فلان اليوم تخرج في الليل و الله أعلم إلى أين كانت ذاهبة!!..ستر الله على أعراضنا"!!..و لكي يقضي عليك الآخرون بهزليتهم سيخبرونك في آخر يوم فيه و بكل خشوع و بعيون دامعة:"يا رب أبلغنا رمضان القادم"!!.
شهر رمضان هو شهر ينتحل فيه الأغلبية أقنعة التُقى و يكونون على اقتناع بأن تلك حقيقتهم..البعض يأتي رمضان و ينتهي و هو كما هو لا يتغير..و هذا الأمر سيء "نسبياً" لأنك لم تتغير و لو قليلاً رغم روحانية الشهر و ظللت على جمودك..و البعض الآخر يأتي رمضان و هو بحال و ينتهي و هو على حال آخر و بتحسن نسبي و لن أبالغ لأقول جذري..و هذا مقبول فنحن بشر نهوى ممارسة الخطيئة كما لو كانت واجباً وطنياً و عقيدة نؤمن بها..و لكن الأغلبية يأتي عليها رمضان و ينتهي فقط لتمارس فيه النفاق على ذاتها قبل الآخرين و من ثم تعود إلى سيرتها الأولى..فيصبح شهر رمضان يملؤك بالغثيان من أغلب من هم حولك لأنك تعلم أن أقنعتهم أجمل من أن تكون حقيقية..و لأنك تعلم بأنها لو كانت حقيقية ما كان هذا حالنا طوال الإحدى عشر شهراً الباقيات!!.
رمضان ليس بالحل السحري لذنوبنا التي نرتكبها -في الأغلب- بإرادتنا طوال العام..و ليس بصك الغفران الذي سيمنحك الطُهر الذي سيشجعك من بعده على إعادة تسويد صفحاتك بعد أن أعدت تكرير أوراقك خلال أيامه..رمضان شهر كبقية الشهور في رأييَّ و إن كان سيمتلأ بالنفاق طوال أيامه فهو سيكون أسوءها و لكن إن كان سيمتلأ صدقاً فهو أفضلها..فليس اسمه ما سيحدد مكانته بل ما نفعله به و نوايانا أثناء ذلك.
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيخ الخصيان – 5
-
شيخ الخصيان - 4
-
شيخ الخصيان – 3
-
شيخ الخصيان – 2
-
شيخ الخصيان - 1
-
بنت الشيخ
-
باسندوة ماشفش حاجة
-
لماذا زين جوزيف؟؟
-
غير طبيعية؟؟..طبيعية جداً؟؟
-
كل شيءٍ هاديء في الضالع
-
تتزوجها؟؟
-
كل عامٍ و محمد بلا نسب
-
التحرش الجنسي في اليمن
-
قُبلة يهوذا
-
دستور و مثلَّية و سرير – 2
-
دستور و مثلَّية و سرير - 1
-
لا عذراوات في بلدي
-
لو كان الله رجلاً
-
اغتصاب سلفي
-
أولويات مريم العذراء
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|