أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - خريف المدن الشمالية














المزيد.....

خريف المدن الشمالية


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1240 - 2005 / 6 / 26 - 09:09
المحور: الادب والفن
    


في الشمال تفتح قلوبنا نوافذ جيدة لتقبل هاجس أن تكون الطبيعة بخريفها الماطر شجنا من الحزن عندما يجتمع هذا الفصل الماطر والحرب في سلة واحدة .
تتحكم المدن بكامل مشاعر أهلها لكن حكمة الزائر تركن في أنطباع واحد . حدائقها وجمال الإناث فيها ..
تشعرنا المدن بمشاهد لعين جديدة وتمد الشوارع رغبة السير والبحث عن متعة ما وهذا لا يكون جميلا إلا عندما يكون هناك برد .
في الحرب لاتهتم المدن بأناقتها كثيرا بقدر ما تهتم بأحلام الجنود وهم يعبرون أزقتها ويذهبون إلى جبهة القتال وطالما حدثت عاطفة شهوانية بين جندي وزهرة بحديقة فغفت أجفانه ونسى أن له رفقة يموتون في الحجاب الأيمن من جبل هرزلة المطل على حوض بنجوين وحين يفتح عينيه يجد فرق الموت واقفة على رأسه لتتلو عليه تهمة التخاذل ويرمى بالرصاص .
كنت أرى دموع المدينة تتساقط سهاما من اللوز وشلالات من الفضة وهي تشاهد شاباً جميلا من أهل أور وقد عصبوا عينيه بخرقة حمراء واطلقوا صوبه غيمة من الرصاص ثم رفعوه ورموه في حوض الناقلة العسكرية وقد علقوا على صدره ورقة صغيرة تقول : .. والحقيقة أنه سهى في غفوة عشق تحت ظل شجرة ورد هائلة لا يعرف أسمها تصورها امرأة ونام وسط أحضانها لحظة.
مثل هكذا موت يلون المدن بكآبة رومانسية ويجعلها تفتش عن شاعر محترف كي يقرا مشاعرها ويكتب قصيدة عن لحظة التصاق عيون الجندي بعيون المدينة قبل أن يطلق عليه أوباش فرقة الإعدام الرصاص .
تفكر المدن بالموت بنفس الكم الذي تفكر به عندما تريد أن تعشق وإزاء هكذا رومانتيكية تمضي بنا الحرب إلى أقدار لا نتوقع فصولها ولكننا نعيشها بلحظات ملونة فيها التأمل والرمي والشكوى من الثلج وآلام ظهورنا من صعود الرواقم والشوق عندما يرغب أحدنا بجلب خيال صورة والدته أو حبيبته أو أصغر أبناءه.
على رواقم لبست فرو الثلج الأبيض تتسع الرؤية وتولد جمل التبجيل لهكذا كون ، ترتفع فيه الأرض بمستوى الغيوم وتهبط بها الودية إلى عمق عاطفة من يشتاق إلى امرأة دافئة في ليل يكون فيه الثلج سريرنا وعصف الريح وسادة فلا يداوي هكذا اغتراب سوى قدح الشاي .
الخريف هنا مطر ثقيل وتواريخ لسرايا تأتي وتذهب وليس لها من أثر سوى جمل الذكريات التي يحفرها الجنود على لحاء الشجر وهي واحدة من كتب التسلية التي أمتع بها ذاكرتي وأنا أقرا في سذاجة الغرام والشكوى لبشر لا أعرفهم سوى أنهم يمتلكون نبل عاطفة الكائن الإنساني ورغبته بالعودة إلى بيته سالما معافى .
وهكذا يصبح هذا الفصل بعضا من شجن العاطفة التي قدر لها أن ترتدي قبعة الحرب وتركن إلى أزمنة التمني أن لاتكون نعوش البلوط أسرتنا قبل أن نمل من التلذذ بزبدة النساء وقشطتهن الكاملة الدسم .
خريف المدن الشمالية هو خريف لحزن الجنوب . خريف مليء بقصائد البحث عن سعادة لم تعد تمتلك أثاثا في غرفة الأمنيات المليئة بتوابل الطبخ وصور عارضات الأزياء وصفوف الرصاص المعلقة مثل أجساد متصوفة غلبهم شوق الرصاصة على شوق الحبيب فقرروا الموت بخوازيق الفتنة وصلبان المودة ومقاصل الشوق ليصير المكان جزءاً من حياة بشر ينتظرون الشروق بلهفة نهاية الصقيع وبداية ربيع الإجازة هناك حيث تنتظرهم جهات ترتدي الدفيء بناطيلاً وسراويل قصيرة . هناك الماء والنخل والسمك والصبيات الحافيات اللائى يبتهجن مع صوت الخلاخيل فيعطين شهوة النظرة طاقة مضافة للانتصاب ليقول دون خجل وراء مشيتها البتهوفنية : دعيني أنام تحت أجفانك .
ترد بدلال الكمانات وهي تنشد رقصة العشب : أجفاني ليست فندقا سياحيا ولاربيئة فوق جبل .
ثم تردد بذات الدلال كلمات الأيزابيث باريت : أجعل حبك أكبر لتكبر قيمتي .
فيرد : وهل هناك حب أكبر من هذا الذي يود أن ينام تحت أجفانك .
وتقول وهي تبتعد وتهز وركيها كما أرجوحة : هناك أكبر، فتش عنه وستجده .
وهكذا نبقى نفتش في الخريف الداكن بزحمة الغيوم والثلج والبرد ونايات الرعاة .
فصل يريك تبدلات الميتافيزيقيا في كل لحظة . أنامل كونية تمسك فرشاة التغيير لتحول الأخضر إلى أصفر ولتدفع الورق كي يسقط من أحلام الشجر وتذبل ذاكرة العصافير ويدب الخمول في كل شيء حتى هاونات الرمي .
وحدهن النساء في الخريف تتضاعف لديهن قدرة المواددة برغبة أن الدفيء يصنع المودة وان نار الموقد هي فاكهة الشتاء .
وبين الورق الأصفر وقبلة المرأة وناي الراعي ونحافة نقار الخشب وكآبته وهي تنظر بدمعة ثلجية لنعش شهيد أراح ذاكرته إلى خلود الشظايا وفكر بالعودة إلى هور الصبايا والطفولة تنمو مدن الشمال وتتسع وتتشابك الممرات والقمم والقرى الصخرية . تصعد فلول وتهبط أخرى . يموت العزاب ويعيش المتزوجون .
الحياة معادلة لا تنكمش بحزن خريف وعاصفة ثلج ومدن الشمال قد لا تعنينا لحظة بوق النفير بقدر ما يعنينا أننا نأمل أن تنتهي محنة الحرب وتعيش تلك المدن مع أحلام رعاتها وفصولها . أما نحن فلنا مدن تنتظرنا .
مدن تشع خيالا بأجفان الكتب ورسائل الحب وقراطيس حكاية الجدات . تنتظرنا بأدعية كتبت بلغة مسمارية وننتظرها برغبة أن لاتكون المعركة القادمة هي خاتمة لما نتمناه في عودة الأزل إلى بيوت الطين وقامات القصب الناعم كخد الحمامة .
بين خد الحمامة والخريف خطوة ترتعش ووسادة خط عليها بأحمر الشفاه شعرا عاطفيا متوردا وبحميمية خضراء يقول :
لكل خريف معطفه .
وخريفك يا حبيبتي معطفه موتي ..

أور السومرية 24 حزيران 2005



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واقع وليس خيال ...طشت الخردة
- اسبوع التضامن من أجل أطلاق سراح القاص العراقي محسن الخفاجي
- ليل وطني أغنية للعشق وإناءاً للبن الرائب
- قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل
- الميثولوجيا من نارام سين حتى بول بريمر
- بهجة الورد ثوباً ازرقاً لمراة
- رسالة انترنيت الى دراويش تكية 11 سبتمبر
- المندائية انباء جاوي وقبعة الملكة اليزابيث
- الثقافة بين التأويل والتدويل
- تواشيح مندائية تناشد الأب الروحي للطائفة
- متصوفة الورود الحمر .قلوبهم أثرية ودموعهم قيثارات
- الكتابة في حدود الرغبة والتحرر من الصفر المطلق
- المهاتما يقرأ في كتاب الغروب البابلي
- الشعر والثمالة ورامسفيلد ومايحدث الآن
- المراة بين اناء العسل وروح الكائن المطيع
- نجمة متقاعدة وقمر في الخدمة وناسا جامع للمتصوفة
- وطن الجنرال ويخت الجنرال ورقصة الجنرال
- فتاة من التبت تحب مارتن لوثر كنغ
- أستطلاع الواقع الثقافي العراقي ..محافظة ذي قار أنموذجاً
- قيامة إبراهيم


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - خريف المدن الشمالية