شعوب محمود علي
الحوار المتمدن-العدد: 4362 - 2014 / 2 / 11 - 23:06
المحور:
الادب والفن
شعوب محمود علي
رواية
ذهب ولم يعد إإ ؟
مرّة اخىرى منيريرى نفسه واقفاً
امام المحقق ويجهل متى ستنتهي هذه اللقاءات؟ غير السارة , نعم منير لقد طلبت منك في الايام ,السابقة اسماء بعض الاصدقاء وانت تنفي ان يكون لك اصدقاء . انا اريد ان اسهّل لك المهمة وانت تصر على تعقيدها وأقول لك حدث العاقل بما لايعقل . اذ كيف لا يكون لك اصدقاء خاصة وانت تسابق الريح ايام نزولهم للشوارع , وطرح شعاراتهم في اسقاط الوزارة الفلانية وغير ذلك . وفي مهرجاناتهم واندفاعاتهم الطائشة , وميولهم للفوضى , وتعشقهم للخروج على القوانين , وتدخلاتهم في ألغاء المعاهدات المبرمة , والمطالبة بالخروج من الالتزامات الدولية , واسقاط ما لا يجوز اسقاطه. كل هذا الضجيج الصبياني الذي افتعلتموه في الايام الماضية وانت انت طالب الكلية تدّع ليس لك اصدقاء وتحاول ان تضع لك سياجاً , وحماية لرفاقك والشرور لا تأتي الا من نوافذ كليتكم مع الرياح الوافدة , وانت تقول ليس لي اصدقاء
حتى الاصنام الحجرية لو وضعت في الكلية لاربع سنوات لوجدت لها اصدقاء في مثل تلك الاجواء الحميمة , والعنيفة ومع كل نفثة بركانية حجركم يبقى تحت الرماد. وفي مثل تلك الاجواء العنيفة , والمتسمة بالثقة , واتساع المدارك . كيف لايكون لك
اصدقاء . منير قل ولا تتردد . اقسم لك سيكون ذلك لصالحك من هم اصدقاؤك الذين يقيمون الدنيا ويقعدونها في الكلية ؟ ابني ليس لدي ما اضيّعه او اهدره من الوقت . قل لي من هم اصدقاؤك ؟
ليس لديّ فرصة اسمها الوقت احرقها بخوراً مع الاصدقاء. سيدي انا حريص على ان انهي دراستي ملحقاً الليل بالنهار , وذلك لكي احقق امنيّتي . ماهي امنيّتك . انتشال عائلتي مما هي فيه من الفقر . اتمنى ان يكون ذلك صحيحاً . سيدي انت تعرف كوني طالب مجد وانا بحاجة الى الوقت لاصرفه على الدراسة لا مع الاصدقاء . كان المحقق يرصد منير وينظر اليه بنظرات ماكرة ثم قال والدك نجار , ووالدتك ربة بيت على حد قولك وهما سيحتاجان عونك في قادمات الايام فلا تضيع الفرصة بانتظار الفرصة. انت الان في مقتبل العمر والمستقبل يفتح ابوابه لك ولامثالك ونحن سنعدّ لك عملاً يناسبك , ويكفل لك العيش , ولعائلتك وبذلك ستخفف عن والدك عبأ معيشتكم ومع اعطائك فرصة الاستمرار في دراستك للفلسفة ليكون لنا سقراطاً عراقياً نفخر به ويفخر بنا . ولا تنسى انك ستتقاضى راتبك الوظيفي وانت قيد الدراسة , وستفتح امامك الابواب الموصدة , وحين تلتحق في وظيفتك سوف لن تدور حولك الشبهات . ومثلما انت الان , والحياة عبارة عن سلّم متدرج ولا مكان لطفر الموانع , وحرق , المراحل وقد قيل في الامثال امشي شهراً ولا تطفر نهراً ابني هذه هي طبيعة الحياة , ولا تصدق ما يقوله البعض تحت سقف الكلية .
وفي تحركات بئر الدبابير اللاسعة ممن شربوا ماء (الطريقة) وبالاصح سُم طريقتهم الملتوية . جهلة ,واميون يحلمون بهدم العروش , وقيام مجالس (دوما)فوقها . مالنا ومالهم لهم مثلهم ولنا مثلنا
وانا اطمح بك بالذات كونك تسير وانت على ابواب انتزاع قصب السبق
, واخشى مااخشى عليك السحر الاحمر .
وانا ارثي لمن يصابون به ,
واستغرب قبول الناس , والاستسلام بهذه السرعة
فافكارهم الساخطة , والمشبوهة كيف تجد لها مكاناً في قلوب الناس ؟
اسمع ابني منير
عندنا لك وظيفة وهي لا تتعارض مع دوامك , وذهابك للكلية فيكونا معاً في قطع المسافات الطويلة مثل فرسي رهان ,
وعند ذلك ستشعر باالنشاط والحيوية ,
وتفخر على اقرانك من الطلاب كونك خدمت الوطن ,
والملك , والعلم قبل ان يحين التكليف الاجباري ,
وستكون مثل النبات الطبيعي , وقد اثمر في الشتاء ليعطي مردوده الرائع والنافع قبل الخروج عن الطوق واكتمال اللوحة تحت فرشاة الرسام , والوانه الزاهية
فان قلت نعم فسيغلق التحقيق , ويتلف الملف
وتصبح صحيفتك نقية كنقاء قطرات الندى ,
وينتهي كل شيء , وستكون في بيتك الليلة ,
وستفرح والدتكَ , وستفر عنها طيوروساوسها ,
ووالدكَ بحاجة الى الهدوء والصفاء .
فهو رجل اتعبته الايام , واستهلكته الليالي وهو بحاجة الى الاتكاء . لقد اعطاك مالم تعطه انت فكن رحيماً بهما والله يوصيك بأن لاتقل لهما افّاً .
اجل قل وانا اتكفل ذلك .
منير ما طبيعة العمل , واسس, وشروط هذه الوظيفة ؟
الضابط : لاتسال عن القشور وطبيعة العمل , وما يحيط به
فالجوهر هو الاساس والمردود المالي الذي يكدح الرجل لاجل الحصول عليه . انا استغرب كونك لم تسال كم ستتقاضى من مبالغ
مقابل جهدك .
باختصار سيدي ما نوع الوظيفة ؟
الانتساب الى دائرتنا
ودائرتنا لايستطيع الانتساب لها كل من هبّ , ودبّ
بل هي لا تضم الاالصفوة من شباب العراق الطموح .
الآخرون يتدافعون بالمناكب للحصول على شرف الإنتساب إليها
وكونك طالب كلّية , ومن دارسي قسم الفلسفة
تمنّيت لك تلك الوظيفة , مع كونك متورّط ..
ودائرتنا لا تقبل إلاّ الأنقياء,
وقلت مع نفسي أكون لك غطاءاً لأجل خدمة عائلتك المسكينة
ولوجه الله إإ؟
وإن وافقت فسوف لن نربطك بوقت معيّن ,
بل سيكون الوقت كلّه لك
أينما تكون :
صباحاً ومساءً
ليلاً ونهاراً
أقول لك بصراحة
عملنا سوف لن يتعبك
سواء كنت في الشارع , أو في السينما ,
أو المقهى , أو في الحدائق العامة
فلا نريد منك سوى ان ترى وتسمع
وذلك لتحيط الدائرة علماً
بما رأيت .. وسمعت ..
لا أكثر ولا أقل
على راحتك ,
ولا جهد يبذل , ولاهموم ليوم قادم
هذا هو جوهر عملك
لا يد تتسخ بالدهون والألوان
ولا بشيئ من الحمل الثقيل
أو قذف الطابوق إلى الأعلى
ولا تعبيد الطرق بالإسفلت
فإن قلت نعم فستكون بعيداً عن جميع المتاعب مع فرصة غلق الملف
وعندما ستكون عيناً فسوف لن تكون عيناً لأحد, بل ستكون عيناً لوطنك ,
ولجلالة الملك المعظّم , وكذلك تكون مرشداً للناس قبل سقوطهم للهاوية
وهم يجهلون درب الهاوية . لم يألف منيرمثل هذه المناورة , ولكنّه توجّس
وراءها ما وراءها وقد أصابه الغثيان , وأحسّ بالتعب والإنهاك حدّالإنهيار
وخيّم عليه الحزن , وكأنّما حملته سحابة سوداء بعيداً عن عالمه الّذي ألفه
وقد إمتعض , وتضايق حدّا لإختناق , وقال للمحقّق ما معنى
أن أكون عيناً ؟
المسألة بسيطة جدّاً : ما تراه عيناكَ وتسمعه اُذناكَ في الكلّية ,
وعند ممارستكَ لهذه المهنة ستتطوّر, وتتّسع مواهبكَ أكثر فأكثرمع الأيّام
وستكون هوايتكَ المفضّلة في الحياة , وستشعر بالتفوّق على أقرانكَ
في الكلّيية, خاصة وأنت بين الطلّاب , وستخبرنا عن الّذين صبؤا وهم يروّجون الأفكارالوافدة , والمحظورة .
سيّدي لم تكن بين الطلّاب أشياء من هذا القبيل , ولم أسمع منهم أفكاراً وافدة وإذا كانت هناك أفكاروافدة فأنا لم أسمع بها ولايوجد هناك من يعمل على نشرها . أفهم من قولك إنّك تتهرّب من الموضوع . سيّدي لم ولن أتهرّب . بل ترفض التعاون معنا . نعم أرفض ماتسمّيه تعاوناً ,
وأرفض أن أكون عيناً على الناس في بلدي
و ذلك كوني لا أستطيع أن أكون في مكانك
لا أفهم ماذا تعني
أعني إنّي لا أستطيع أن أضع غيري من الأبرياء في مكاني
وأنا اُخاطبه , واُحقق معه حيث أحتل مكانك .
أنا لم أطلب منكَ جلب الأبرياء.
قاطعه منير, وقال أنا واحد منهم وأنت تضعني بين قوسي الإتّهام
وأنا أقف أمام إمتحان الخوف من الّله , والخوف من اللّه هو طبيعتي . أنت إذاً تضيّع فرصتكَ الذهبيّة ,
وقد تنتظر فرصتكَ في رحم الغيب .
أنا لاأنتظر ما يجول في مدار شكوكَ . او ما تفكّر به .
أنا طالب جاد أخرج إلى الكلّية صباحاً وأعود من دوامي
ولا يشغلني سوى دروسي التي هي مستقبلي وهدفي الأوّل والأخير
ألم تتعرّض سابقاً لإعتقال من قبل الشّرطة في تهمة سياسّية كلاّ حتّى لم أدخل مركزاً من مراكز الشرطة طيلة عمري .
لاأصدّقك .. هذا شأنكَ إن صدقت او لم تصدّق فلديكم
(فايلات) , ومعلومات عن كلّ فرد فارجع لها
اقول لك أنت برئ إن خانني الحدس وكذبت تصوّرات المنجّين .اسمع ابني منير . قد تكون ضحية وشاية ولكن بحكم عملي .ايضا" اطلب البرهان على براءتك لكي اخلي سبيلك , وقد طرحت عليك موضوع التعاون وانت ترفض وتصر في كونك تخاف الله . وكأنما نحن لانخاف الله . واذا ألححت على طرح مثل هذه الصيغ .معنى هذا انك تقيّدنا . ومن خلال هذه القيود نكون قد ضيّعنا الوطن , وتركنا الاسماك للتماسيح ,
والطيور للصقور, والنسور الكاسرة
والانعام للذئاب , والضواري المفترسة ,
وانت تنسى من يعملون على سقوط الاساطين ,
والعمل على الاطاحة بالعرش الملكي المقدس .
وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه المقدّس : (واطيعوا الله , والرسول , واولي الامر منكم ) . فمنهم اولي الامر غير الملك , واركان نظامه ؟
لو فكّرت , وغصت للاعماق , لوصلت للب ,
و الجوهر , و لتيقّنت نحن كنا , وسنكون في رضا الله , وسندا" للحكم القائم , ولنفترض انك قِطعَة قماش ابيض لم تتسخ بعد , ولم تلامس سخام القِدِر , ولم تطف برأسكَ نزوة طيش لكي تنزلق في الطريق المحظور لتدفع ضريبة الخروج عن القطيع , وفي مثل هذا الوضع عليك ان تعتبر نفسكَ في امان طالما كنت بعيداً عن الّتيارات الكاسحة , والمناهل السامة والتي تسبح فيها الاسماك الغريبة داخل حدود الوطن . ولكن الاسماك ليست غريبة بملامحها وجلدها وقد التقطت طعماً خالطه سحر احمر
فاصاب ما اصاب من اسراب السمك في مياهنا الداخلية
ولا اريد لاسماكنا ان تتاول الطعم المسموم , او المسحور,
والعابر بلا بطاقة موافقة , او جواز سفر لما يفرزه فلاسفتها ومنظورها ,
ولا نسمح للعاشقين , والمصابين بعمى الالوان , والمدفوعين بقوة الزلزال
, والمولعين بسحب البسط من تحت الاقدام
وهم الذين يزرعون القلق , ويسحرون الفقراء , ويرسمون لهم الفردوس خارج محيط التيجان..
ان الحسد , وانعدام القناعة , والسماح للشر في حرية غير مقيدة تنمو في اعماق الجهلة حيث جعلتهم يتطاولون على قاعدة الموروث الراسخ واللاصق بتاريخ الامة الى جانب تجاهل الاعراف , وتسفية القوانين منذ حمورابي , ولمطلع القرن العشرين والتي حفظها لنا الاجداد المباركون فقراؤهم واغنياؤهم . حكماؤهم وسفهاؤهم انها الفرصة في ان التقيكَ دون ان تلتق بالكواسج , والحيتان .
وربما خارج سيرك اللعبة التي يسمونها السياسة . نعم ما هي الكتب التي تستهويك خلال الآلاف من العقول المرصوفة على رفوف المكتبات : وهي تنتظر من يحاكيها , وبالاصح هي تفتح نافذة على الضمائر ومن حسن حظّك ان يلتقيك صنم من اصنام السياسة , وعَلَمَ من أعلامها بعد ان حصل له التغيير فأفضل لكَ الف مرة مما لو التقاكَ واحد من اصحاب العقول غير المتنورة , والتي هي في حالة انغلاق صندوق الصدر, وقفل الفم , والتظاهر بعدم معرفة كل شيء , فيلجأ الى العنف لانه من اقرب الطرق المؤدية الى روما .. نعم يلجأ الى العنف للحصول على الاعتراف تحت غطاء الغاية تبرر الوسيلة ..
ما علينا :
من اجل ان اصل إلى الطين الخالي من الشوائب , وذلك لانقاذكَ من الغرق
( عود على بدء ) قراءا تكَ للكتب : ما هي الكتب التي تتناغم وابعادك .
لنقل البؤساء ..
لمن تقرع الاجراس ..
الام لمكسيم غوركي ..
راح يحدق في وجه منير ليغوص اكثر فأكثر الى الاعماق , وهو يحدّق من وراء نظّارته الطبية .
منيرغارق في البعيد لايرد , ولا يدخل في حوار مع المحقق .
الحوار قد يعرضه الى كشف شفرته , او اجندته السرّية .
بعد صمت طويل : نطق المحقق
منير ان النهر الذي يسري من تحت , وجريانه لا يسمع له هدير إلا إنّي أرصده بحكم ممارسة المهنة , ولكن لا اريد ان أهوي بالقبضة الحديدية ..
لاني اطمع في ان تلين , وان لا تدع الهوس يركب رأسكَ حيث تضيع وتضيّع من وراءكَ الذين ينتظرونكَ ..
لنعد مثلاً هل استهواك غوركي في كتاب الام .؟ وما ادراك ما كتاب الام ان ثمرة الشجرة غير المنظورة في الظلال البعيدة
نحن ندفع ثمن طلعها الزقومي
من خلال المحاكات اليومية بين انفجارات الطلبة , وبراكين العمال ,
ومنشوراتهم التي تحلق , لتطيرالى عيون القرّاء في الظلام ,
مثل الخفافيش تماماً . منير قل قبل ان افقد صبري معكَ .
اعلم ان للصبر حدوداً وشفيعكَ كونكَ زائراً جديداً
ولربما اصابك غبار الطلع
منير ان سرّ نجاحكَ هو الطريق الذي ستشقه خلال جدول الحياة السوية للمواطنة الصالحة وانت ترى موقفي منكَ يبن العطف والتحامل .
كان المحقق ينظر, ويتفحص منير وهو يقول
نعم منير قل ما يدور في وجدانكَ . ليس لدي ما اقول , المحقّق يستقرئ اجندة منير السّريّة , ويمسح خارطته ليقرأ التضاريس ثم قال لا اكتمكَ سراً في حياتي الوظيفية , كنت وما زلت اتطير من طلاب الفلسفة , وطلبة علم الاجتماع فكيف تقنعني كونكَ لست من مروّجي الافكار التي يمنعها القانون ؟ منير تصوركَ حول الفلسفة , وعلم الاجتماع على خطأ ما بعده من خطأ . كيف ؟ منير انا اجيبك , وسأثبت خطأ نظرتكَ هذه , ان جميع ما دبّج من نظريات , وافكار كانت في الغالب تصب في الروافد التي يقوم عليها العالم الان .
لا النظريات التي تنبت في مزرعة الشك الذي يركب رأسكَ .
منير انا متأكد انّ غبار الطلع قد اصابكَ وانت في موكب النخيل .
سيدي ما كنت يوماً في موكب النخيل , وانت تتحدث عما يناسبكَ
وما لا يناسبكَ يغيضكَ .
ما الذي يغيضني ؟
الذي يغيضك هو ان يقول لك احدهم ممن تلتقيه وانت تناوره :
لااريد قميص يوسف الذي لطخ بدم كذب , بل اريد قميصاً لاغبار عليه , وهناك من هو عابر طريق لا يريد السير على جهة اليمين
ورغبته في ان يسير في الجانب الاخرمن الطريق .
هوينظر للجانب الاخر من القمر, ولقاع المحيط .
واذا بك تنسب له كلما يخطر بذهنكَ من الاضداد
كالتمرد
والثورة
وغير ذلك من المستحيلات .., ثم تتصور انّكَ تقرأ الاخرين مثل كتاب مفتوح . نعم انا باستطاعتي أيّاً منكم أقرأه مثل كتاب مفتوح , وخاصة امثالك ممن يدرسون الفلسفة , وعلم الاجتماع . سيدي الفلسفة , وعلم الاجتماع هما ايضاً دعامتا الانظمة المختلفة , وكل نظام له فلسفته ,
وقناعات الذين يقفون على عرف الديك .. اشار المحقّق بيده الى الرجل الواقف قرب النافذة المطلة على نهردجلة وقال اصطحبة الى فندقه المريح .
0 0 0
كان جمال من الوجوه القديمة , المعروفة لرجال التحقيقات الجنائية , وقد اعتقل قبل منير , والتحقيق معه جارٍ .
وفي ساعة من ساعات التحقيق , ولحظة من لحظات الحرب النفسيّة
سمع اسم منير عبد القادر وهو بين الوعي , والغيبوبة . عاد المحقق يسأل . ماعلاقتك بمنير عبد ؟ القادر .
ليس لي علاقة به .
الا تعرفه ؟
اعرفه وهو بالنسبة لي لايعني شيئاً ,
ومعرفتي لاتتعدى سوى السلام العابر.
ماذا تعني بالسلام العابر ؟
اقصد علاقتي به مثل اي عابر طريق تخصه بالسلام
دون ان تكون لك به اية علاقة0
0 0 0
محمد عبد الباقي الذي القي القبض عليه في مظاهرة تدعم اضراب عمال السكك , وقد تعرض الى اصناف التعذيب في ليال قاسية , ومريرة 0
كانت تجربته مع هؤلاء الاوباش مؤلمة 0
ولم يستطع قطع مشواره , والدورة حول القمر 0 سقط محمد عبد الباقي بين مخلب الذئب , ومنقار النسر 0 فأعطى معلومات كاملة , ودّل على شفرته السرية , وعرّض اوراقه الخصوصية لخرق ابجديته منذ ان التحق بموكب الحرية , واشكالية التجاوز , لخلاص الشعب , وتحريره من القيود الاستعمارية , واصنامها الحديثة في مرحلة جاهلية ثانية , اقرب الى الجاهلية الاولى حيث انفتحت بشقيها , ومدت ذراعاً استقر تحت سنابك الروم , وذراعاً استقر تحت اعقاب الفرس .
وهكذا يعيد التاريخ نفسه , ولكن بقميص جديد , وصياغات منمقة ,
ورموز خادعة يسندها الطابور 00 من المنتفعين ,
وحارقي البخور حول , الجيف النتنة 0
نفطنا تشربه الحيتان ,
وقطارنا ليس له محطة استراحة : وهو يكمل دورة انتحاره ,
ليس بالمدافع , والطائرات , بل بالاستنزاف ,
والتغرّب المادي والروحي حدّ التلاشي 0
ورغم موت البعض من رفاق الطريق 0
كانت الامهات ترفد الحزب بولادات جديدة 0
قال جمال في دخيلته 0
في مقبلات الايام ستفتح نوافذ جديدة ,
وستنشط شخوص اخرى تتحرك على خشبة المسرح السياسي ,
وستقرأ الشعوب فصول الرواية الدامية التي تدور حوادثها فوق ارض السواد , ولا ضير أن تسقط بعض الاوراق من غصون الشجرة النضرة.
0 0 0
دخل منيرالغرفة فالتقى رجلاً بديناً تلوح على وجهه الحمرة ,ويتدفّق
حيوية ونشاطاً . كان الرجل أنيقاً في هندامه .
صار يطالع وجه منير, ويركّزعليه كمن يقرأ ما تحت الملامح , مثل ما يقرأ كتاباً مفتوحاَ . قال لمنير إقترب , وإجلس وأشار إلى كرسي وبعد أن نظر إلى الأوراق
أمامه : ثمّ راح يطيل النظر ,ويدقّق بوجه منير .
قال مغالطاً وموغلاَ في تكرار ما سبق من الأسألة .
هل زرتنا قبل اليوم .
كلاّ إنّها المرّة الاوُلى لما ذا المرّة الاُولى ؟ وأنت أنت .
قلت لكَ المرّة الأولى
وأنا الآن أقف أمامكَ بلحمي ودمي , وبالصورة الّتي تراني فيها , ولا أعرف سبباً
مبرّراً لوجودي هنا , إذن أنتَ لا تعرف السبب ؟
أم تتجاهل السبب ؟ أما نحن : نعرف السبب ,
ونعرف المولود وهو في الرحم , والبيضة قبل تلقيحها ماذا ستفقّس ,
دجاجةً ام ديكاً , ومهمّتنا هي الحفاظ على الوطن من شروركم
وما تبيّتون لمدن أرض السواد , و لأهلها المساكين .
الملك هو سقفنا , ولانريد نظاماً جمهوريّاً , ولا علمانيّاً نرسم عليه
المنجل والمطرقة .
لقد عانا أجدادنا من فعل (الصعلوك عروة بن الورد)
ومن شرور القرامطة .. , وزنج البصرة .., وها أنتم تريدون بنا القهقرى .
ألم ترتوا من الدماء .
إنّي ليأخذني العجب من فعلكم :
فهذا تاريخكم مُلك نزواتكم ..
لا تستقرّون على خليفة ’ أو ملك :
من أين نجئ لكم بحكّام تقبلونهم
والله لا يستقر معكم على كرسي الحكم إلا (إبن جلّى وطلّاع الثنايا .)
ولّكن .. من أين نجيئكم به
عروة الدمقراطيّة تمسكون بها ك(عصا موسى) ع
وهو يهشّ بها على غنمه .
روسيا تبعد آلاف الأميال , بل ملاين الفراسخ . تفصلنا عنها البحار, والجبال , والصحاري . (حزب الباشا نوري السعيد أحسن , وأعدل من حزب البلاشفة .
أبوصباح خبزنا , والماء , والهواء الّذي نستننشقه .
القائد السياسي المحنّك .. ورأس الحكمة .. للأسف أنتم الشباب اصحاب العقول النيّرة , و رجال المستقبل تنساقون وراء الجهلة والغوغاء , هم يخدعون البسطاء من الناس , ويقولون لكَ ولأمثلكَ
عندما نقيم نظامنا الإشتراكي ستستقرّون في ظل جمهوريّتنا الحمراء ,
وسيحصل كلّ فرد منكم على بيت وسيّارة , وزوجة .
إبني إسمعني جيّداً . كل هذه (الخزعبلات والفبركات )
عبارة عن خداع إبن آوى , أنا أرثي لكم أنتم الشباب .
أمامكم المستقبل وأنتم تديرون قفاكم للفردوس , وتكفرون بنعمة الوطن .
تتركون مجرّتكم العراق , وتركضون خلف السراب
وتسمّرون عيونكم على النجم الأحمر , ربّما يأتي الغد وأنتم تجلسون على كراسي السلطة والمجد , فلماذا تصعّرون خدودكم عن الوطن , وتستقبلون الشيطان بوجوه تطفح بالبشر.
ألم تروا الملصقات على الجدران : ستالين يريد النفط , وحزبه طامع في بلادكم , والشيوعيّة خنجر في قلب الإسلام .
إصحوا على زمانكم , واشطبوا على الإفتراءآت والأكاذيب الّتي تفوّت الفرص , والغاية منها توريط الناس , وخداعهم . والحقيقة هم يسرقون أموالكم بصيغ شتّى : إحداها التبرّعات , والإشتراكات الّتي يصرفونها على موائدهم . هؤلاء سكنة السراديب , والأقبية , وحتى العمّال المساكبن أصحاب الدخل المحدود يعطون نقودهم تحت هذه العناوين, وغيرها.
و أفكارهم تسري مثل النار في الهشيم , ومن يريد أن يرتق منكم فهناك أحزاب محترمة وخلفها سلطة وقيادات تحفظ كرامتكم.
(لاجاك الحرامي ولا جاك الذيب) ولا تحزنون .
لنتحدّث بصراحة لو جنحت قليلاً إلى الدرب السويّ أنت ورفاقكَ بإتّجاه النعيم .. الّذي يبعد عنكم الكوابيس , والأشباح
فلن تكون بعد هذا ملاحقات من قبل أجهزتنا
أو من قبل الشرطة , ولتزول أمراض الشقيقة من رؤوسكم , ولتختفي وساوس الخوف في قلوبكم من الغارات الّيليّة
ومن له طموح في ان ينزع جبّة الرعب
كما تنزع الأفاعي جلودها ليعيش حرّاً في وطنه السعيد .
اللهّم إشهد فقد نصحت , وبلّغت إإ؟
نعم منير الا تراني في مكان الناصح لكَ .
خرج منير من غيبوبته , وقال للمحقق سيّدي كل الّذي قلته صحيح ,
وكل الّذي ورد على لسانكَ صحيح , وجيّد ولكن ثمّ سكت .
المحقّق ولكن ماذا ؟
سيّدي أقصد الّذين يعنيهم الأمر .
أنا لا يعنيني من بعيد أو من قريب
المحقّق انا تحدّثت عن السلّم التصاعدي خلال المطامح الّتي ستصلها بعون الله ,
وجهودنا على سبيل المثال , حول الأحزاب بالذات أطرح البدائل .
كالحزب الدستوري , وحزب الأمّة الإشتراكي و مادمتم تريدون الإشتراكيّة
وتلهثون وراء البلاشفة (المسقوف) وأعود فأقول لكَ عصفور باليد أحسن
من عشرة عصافير على الشجرة .
سيّدي لا يهمّني ولا يشغلني في الحياة سوى دروسي .
لاأدري كيف تضيّع فرصكَ الحقيقيّة .
وتبحث في الظلام عن الأحزاب ,والتنظيمات السرّية الهدّامة,
والملحدة , والمتنكرة لتراب الوطن
قبلكم (إخوان الصفا ) .لم يحصلوا على السلطة
ولم يتركوا لنا غيراللّغو, وثرثرة التصوّر ,وعالم الخيال 0
إبني لاتخف واعتبرني بمقام والدكَ , وافتح لي قلبكَ وأنا كفيل بإنقاذكَ من هذه الورطة 0
سيّدي أنا أجهل كل الّذي تتحدّث عنه , ولا أعرف شيئاً عن هذه المواضيع 0 بدأت تتغيّر نبرات الصوت المموسق واعقبها إنشداد الأعصاب , وبحّة في الصوت مع إختناقات متقطّعة 0
لا تضطرّني لأن أكون معكَ .., ثمّ سكتَ 0وبعد هنيهة نطق بصوت يمتاز
بالحدة والحماقة وقد خرج عن طوره وقال إعترف ولا تسلك طريق الندم 0
قلت لك لا أعرف عن كلّ الّذي تتحدّث عنه 0
إسمع إنّكَ تقول لا أعرف شيئاً 0
ومعلوماتنا تقول إنّكَ طالب كلّيّة , واختصاصك قسم الفلسفة , وأنت في نفس الصّف الّذي شغل دائرتنا وأتعبها , ومن خلال الطلّاب الّذين دأبوا على إشعال الفتيل , وتحيّنوا الفرص لخلق الإضطرابات , ولشل الحركة في الشارع , وداخل حرم الكلّيّة وأنت تعرفهم وفي طليعتهم جمال , وأمثاله
وقد مسكنا منشورات حزبكم بحوزة أحد عمّال الحدادة في منطقة السباع 0سيّدي كلّ هذا الكلام لا يعنيني 0
بل يعنيكَ تماماً وسترى باُمّ عينيكَ كيف يعنيكَ 0 ومع هذا لا اُريد أن ينقش إسمكَ في قائمة المشبوهين السياسيّين ونحن ننشد
لكَ النصح قبل حجركَ مع القطيع المصاب بالجرب الأديولوجي ,
والعوم في محيط الأفكار الوافدة علينا من بلاد الدب الأبيض , والعابرة من وراءالستارالحديدي , وما يطلق على صانعي إكتوبر بعمالقة القرن العشرين وهم قتلة القيصر , ومقوّضي الكنائس ,وهادمي دور العبادة
نحن لم نلبس نظّارات ملوّنة
نراكم حيث تكونون , وجلدكَ بعد لم يعضّه القراد , واستناداً لمعلوماتنا لا نريد ان نضيف جنديّاً واحداً لفرقتكم الحمراء .
ومن باب الحكمة ان نسدي لك النصح لكي لا تتعبنا , ولا نتعبكَ في المستقبل . فأنت ابننا , وما دمت لم تعط ولاءكَ لدولة اجنبيّ . سيدي انا لااعرف اي طالب في كليتنا اعطى ولاءه لدولة اجنبية , واسم العراق لم يسقط عن لسان الطلبة , ونجمه لم يغب عن عيونهم , وخارطة الوطن مرسومة على دفاترهم , وترابه المقدس يعفر وجوههم .
اذا كان قولك صحيحاً فلماذا يمجدون ثورة البلاشفة , وحزبهم . ذلك غير صحيح . انفعل المحقّق وضغط على الجرس , فدخل احدهم مسرعاً , وادى التحية . واشار بيده وقال للرجل احضر لنا الموقوف . اي موقوف سيدي .الموقوف الذي وضعتموه في الانفرادي . سيدي تقصد الطالب الذي طمر منذ مدة في حديقة الرواد .
نعم نعم . ابتسم منير بسخرية لهذه التسمية الغريبة , و لتلك الزنزانة الكريهة . سيدي قبل وقت قليل تم نقله مع القطيع .
قهقه المحقّق وقال على مهلك خوف ان ينزعج طالب الفلسفة لهذه المسميات . ولكن اسالك اي قطيع , قطيع خنازير البلاشفة سيّدي اجاب وهو يبتسم اقصد جماعته . اذن احضره سواء كان في الانفرادي او مع الجماعة . سيدي تقصد جمال وقبل ان يكمل اسم الموقوف . قال نعم اقصد جمال ولا اقصد غيره .
غاب الرجل , وبعد دقائق فتح الباب فدخلا الاثنان معاً واذا بـجمال يظهر , وشعره غير مصفف , وقميصه ملطخ ببقع الدماء الجافة , وربطة عنقه متسخة وقد طال شعر وجهه : حلت المفاجئة , ونزلت مثل الصاعقة
على رأس جمال :
التقت العينان بالعينين في جوف الصمت المشحون بالحوار الباطني المقلق
ولكن ليس باللسان , ولا بالصوت , بل بلغة العيون . نطق الرجل , وقال نعم جمال . ان عصافيرك التي اطلقتها وقعت في فخ الصيّاد , وقد جعلتَ ضحيّتك عامل الحدادة محمد عبد الباقي وقبل ان يكمل المحقق الموضوع , وينسرح في سرديته قاطعة جمال قائلاً عن ماذا تتكلم .نهض المحقق عن كرسيه واقفا على قدميه , وهو في ذروة غضبه ,
وقال ديدنكم الكذب , واللف والدوران .
جرمك بين اصابعك الاثمة نتلمسه , وانت تنكر , وبشكل صليف .
ثم جلس بعد ان تبددت ثورة غضبه . قال للرجل احضر لنا محمد عبد الباقي عامل الحدادة . سيدي هو في زنزانة اخرى .
احضره وان كان تحت الارض .
امرك سيدي . المحقّق , ولماذا هو في زنزانة اخرى . سيدي لكي لا يلتقيان فينسقان احاديثهما قبل التحقيق , او يفوّتان علينا فرصاً تخرجهما من قبضة القانون , وكذلك الامور التي تخل بسير التحقيق . احضره على وجه السرعة امامي . خفّ الرجل باتجاه الباب , وقد غاب عن عيون المحقق ثم عاد ومعه محمد عبد الباقي وهو يرتعش والخوف والهلع يطبع وجهه وجسده مثل سعفة ضربتها ريح عاتية
بخلاف جمال. المحقق لمحمد عبع الباقي ابردان انت . نعم سيدي . جمال الجوليس بارداً بحيث يجعله بهذه الحالة الزمهريرية . ولكن مبرداتكم الليلية , واساليبكم الناعمة هي التي جعلته يرتجف . لينطق محمد بنفسه نعم لقد ضربوني بعصي الخيزران وها هي اقدامي امامك تنزف , وكذلك علقوني بالمروحة السقفية , وسكبوا علّي الماء الحار . والالم يكاد يقضي على حياتي وها هي اثار الكي كانوا يغرزون جمر سجائرهم واراد ان يخلع قميصه عن جسده غير ان المحقق قال لاداعي لان تريني . هذه الاثار لصالحكم انتم البسطاء وذلك لاخراج الفراديس الحمراء من ادمغتكم الفارغة الا من الاشتراكية , وهلوسة الاضطربات , وعنجهية المظاهرات , وقيام المهرجانات يادعاة الثورة التي تحرق الاخضر واليابس . قبلكم فعلها لنين في روسيا وفعل ما فعل مع قومياتها المصادرة . قل من سلمك هذه المنشورات منشورات الحزب الشيوعي حول اضراب عمال السكك قال محمد عبد الباقي جمال سيدي وهذا الثاني واشار باصبعه الى منير لا اعرفه منذ متى تعرفت على جمال. منذ عام نظر المحقق الى جمال وقال انكم تمررون الماء من تحتنا , وتسحبون البساط ونحن في سبات ولكن عنايةالسماء هي التي حرستنا ومنذ متى يا جمال وانت تعبث بنا وبعيوننا وتتجاوز كل الخطوط الحمر , ونحن في قفص زجاجي مثل ببغاء ترى وتسمع ولاتفقه والا كيف نجوت طيلة تلك الايام وانت تصول وتجول . تسوسنا ونحن سادة الفروسية وها انت تسبقنا باشواط واشواط . انت بفردانيتك الصاخبة ونحن بغفلتنا اللعينة والا كيف اكتسبت هذه المهارات , واللعب على حبال السيرك امام دولة بكل مستلزماتها الامنية ,وباستخباراتها وانت تدور بكل حرية في محورك الاحمر , وفلكك الواسع . لم ينبس جمال بشيء . المحقق لمحمد عبد الباقي قل من سلمك منشورات الحزب الشيوعي حول اضراب عمال السكك . جمال سيدي اذن انت تعرفه . نعم انا اعرفه وهو المسؤول الحزبي بالنسبة لى سيدي . المحقق لمنير تذكر ان لنا معك وقفة قد تطول .
بعد شهرين من التحققيق مع جمال ومحمد عبد الباقي ارسلوا الى المحكمة وصدر الحكم على جمال لثلاث سنين مع سنة مراقبة يقضيها بعد انتهاء محكوميته . وصدر الحكم على محمد عبد الباقي بالحبس لمدة سنة مع ايقاف التنفيذ وذلك جاء مشفوعاً بتوصية من قبل مديرية التحقيقات الجنائية . كان بعض الحكام كنجوم آيلة الى الانطفاء وهي تدور في فلك الدائرة التي لها المقام الاول في النظام . أقتيد جمال الى السجن المركزي ببغداد الى القسم السياسي . كانت الحياة داخل السجن جميلة بقدر ماهي كئيبة والسجناء يعيشون كخلية نحل
0 0 0
كانت القرية اشبه بجزيرة يتيمة يعزلها محيط مترامي الابعاد
عن الناس , وعن الوضع الحضاري . همس احمد وانغمر في لغته الباطنية وقال ان هروبي التصوري في محيط الخيال قد جعلني مثل اسفين ينغرس في طين القرية البائسة , وفي كل الاحوال لامناص من الطلاق الخلع لاهرب من قريتي , ولامحو ذكرياتي من دفتر الايام0 ان تاريخي المرتبط بالقرية يوجب عليّ ان اوقف قطاره على سكة ايامي القاسية وسأقطع شريط تسلسل الاحداث في زمنيتها المجحفة 0 فأما ان تزول القرية من جغرافيا تصوراتي وأما ارحل بعيداًعنها واغوص تحت التراب
0ربما سأنهي حركتي واعري الاسماك التي تلبس جلوداً مستعارة في بواكير حركتها وهي تعوم في محيطها الابجدي 0
كان احمد يقف على وسط القنطرة التي تربط القرية بالمدينة حيث تجلبه اساطير ما صّور على المدينة وبهرجها الخلاب وعن ورودها الاسطناعية وعطورها المستوردة وفساتينها التي تكشف عن مفاتن الجسد 0
كان احمد يحاول الهرب الى الماضي البعيد او يهرب الى المستقبل ليولج عالم التصورات القريبة والبعيدة , وفي بعض الاحيان وعندما تحاضره الرؤى يقفز الى صدر الاسلام لحظة استيقظ العرب من سباتهم حيث مزقوا مواثيق كسرى , واحرقوا عهود الروم المفروضة عليهم ايام كانت كل قبيلة تقف تحت خيمة مسمياتها العصبية وقد يغيب عن بالها اهمية الاصطفاف الى جانب جارتها التي على ضفاف الموالات لخيمة رومية , او تحت مظلة كروية 0
كانت القبيلة قبل الاصطفاف , والتلاحم , وقد تصطف مع قبيلة اخرى ولكن لا لصالح السرادق العربي , بل لصالح الغريب وقد وصل بالعرب الامر حد الاقتتال , وعبور الخطوط الحمر من اجل رايات خفقت خلف تخوم شبه جزيرة العرب وها هو احمد الذي قد يحسب من الصف الثالث , اوالرابع وقد حاول ويحاول الخروج من القوقعة 00,
وعند استقرائه للوحة التاريخ , وشكبة التصورات المحبطة وهو يمخر الحاضر للوصول الى مرفأ الغد الذي قد يخلو من المعوقات للخروج من الدوامة التي قذفت بالتتار, والعثمانيين 0 ودّ احمد لو يستطيع الرجوع لما قبل حصول الكوارث يوم كان الانسان حراً في ظل مشاعية حيث الارض
وما فيها ملكاً للجميع والدخول لاية بقعة لاتتطلب جواز مرور , ولا فائض قيمة يمارسها زيد مع عمر , ولا بائع لقوة عمله , ولا مشتري , ولا تيجان , ولا قياصرة 0 وقد كان الانسان حراً يولج ويخرج دون مصدات وعلى ضوء التدرج , و ترتيب الالهة للمقايسس ووضع الفوارق بين الافقي والعمودي حسب الدرجات للاصطفاف الطبقي , ولجدولة ابجدية المجتمع , ومناشيء الارتقاء , والهبوط مثل تباين الملائكة والشياطين حيث يجد الواحد مقعده وحدوده , والفلك الذي يدور فيه بين الرجم , والتكريم
وحسب قوانيين الافعال وردودها و ما يخص العبيد والسادة , وتحميل اثقال الفرد اكثر عندما يكون على شاكلة اسبارتاكوس ما دامت هي المضامير وتقليدهم وسام العقدة , عقد اوديب , ولكي لا ينسوا مواقهم في الصفوف الخلفية كونهم بشر من الصنف الثاني وقد رسمت مقاديرهم سلفاً بريشة العبودية بعيدة عن مظلة قيصر , وشرفة , امير , وقبة ملك ومع تلاحق الفصول , لتجاوز المسافات , ولدخول مدينة المستقبل السعيد رغم القلق الذي يساور احمد وهو اسير خيمة عنكبوت القرية التي يستنشق منها الهواء , ويذوي بلفح حرها مثل غصن رطيب يقتحمه الجفاف ليجعل الحياة ضامرة وكئيبة يصدّعها الجدب على مدى الايام حيث يجف الحليب في شجرة التين 0
واحمد مثل من يدخل حلبة الصراع الروماني ايام تمرد اسبارتاكوس لتحقيق ثورة العبيد على الارض متجاوزاً مجتمع السادة الذي ينفث سمومه بشكل ضبابي ليغلف احلامهم بالاحباط , ويجعلهم يمدون ايديهم الى القيود مثلما تمد الماشية رقابها الى القصاب , وليضع تلك الطبعة على جباههم كوشم ازلي يحدد اقدارهم , ويجعلهم في الصفوف الخلفية من الطابور البشري
نام احمد تلك الليلة الليلاء بين تيارين من الخوف العاصف , والفرح الغامر 0 دلف في عالم الاحلام بين الكوابيس المرعبة , وعوالم الانس الجميلة مثلما ترسمها قصص الف ليلة , وليلة 0
ظل احمد يتقلب في فراشة بين شواطئ الحلم , وصحراء اليقظة 0 سمع هتاف الديك يتردد مثلما العابد يردد تسبيحاته الى الله الخالق العظيم 0 كانت تزدحم في افقه الصور , وتختلط عليه الرؤيا وهو يسبح في تصوراته لانه لايستطيع محو خارطة القرية التي مضت بايامه , واستقرت في ضميره 0 ومع كل العذابات , والفقر المدفع , والعوز الدائم , والكدح المضني , وساعاته التي هي فوق طاقة البشر , وغياب القيم الانسانية , ومصادرتها , وجعل الانسان آلة صماء لايجيد غير الحركة العشوائية الى ان يستهلك ثم يذهب الى القبر غير مأسوف عليه 0 وفي الصباح خرج احمد مبكراً , وطاف في القرية وهو يطيل النظر بكل ما يقع عليه بصره وهو يفكر مثلما يفكرون رواد الفضاء عند مغادرتهم الارض وهم تحت سطوة القدر .. , وكذلك احمد يفكر باللاعودة مع فارق اكبر , لانه لم يكره الارض لذاتها , ولكن كرهها لتفرد سيدها , وجلاوزته الذين اجهضوا قصائد ومعلقات
عشق الارض في ضمير ه , ووجدان الفلاحين , وجعلو افقهم داخل اطار الظلام الخالي من قلائد النجوم , وغبش الافراح . فهو يكره التراب لكونه مداساً لاعداء الحياة في حيّز قريته المنكوبة بتواجد تلك الزمر الغارقة ,بالقسوة , والتجاوز , والاستبداد الكريه الى النفوس الثائرة . ان جلاوزة الفرعون قد خرجوا بالقرية عن قبول العذر , وبسط الغفران ساعة عجز الخيول عن الركض في مضامير الحياة 0وقد تحققت اسطورة طوفان ثاني قد يبتلع القرية بمن عليها من الحثالات, والكلاب السائبة التي تنتظر ما يلقى أليها من فضلات القارون القوارين 0 كانت قدما احمد تتحرك وهو سادر مثل مسافر تسوقه الرغبة في خزن ما اودعه في طيات الذاكرة قبل المغادرة ومع كونه ابن هذه الارض التي جبل فيها وحبلت فيه الا ان الرغبة تولدت لديه الان حيث اقترب من تحقيق المغادرة وربما مغادرة بلا عودة .
شعر احمد بمهمازخرج من النار وغار في جرحه القديم 0
كان يسير وكأنه يرى جميع من في القرية والقرية وما يحيط بها وكأن الاشياء كلها جديدة ولم يرها من قبل 0 استهوته اصوات الماشية بل وحتى نعيق الغربان ذلك النعيق المشؤوم في مساءات القرية الى جانب نهيق الحمير , وهتافات الديكة , وزقزقة العصافير , وجريان الماء في السواقي , ومدرسته التي هي الكوكب الدريّ في محيط ظلامه وكان الاستاذ فاضل العاني المعلم قد نظّم حلقة الحواريين , وربط العربات بالماكنة على سكتة الايام الحزينة في قريته النائية والمجهولة والتي لم تشر اليها خارطة ارض السواد 0 كان احمد يقترب من ديوان الفرعون ليعلن عن رحيله الا انه تراجع لكون الوقت غير مناسب , وقد اقترب المساء وظل يدور حول ناعور حياته 0
قال في نفسه لم العجالة وانا امتع نفسي بمعانقة القرية وما فيها . وما دمت لم اشبع من عطرها ومظلات نخلها , بل وحتى لفح لهيبها الجهنمي . اخيراً انكفأ الى كوخه وهو منقم على نفسه , مع رغبة جامحة تدفعه للرحيل العاجل , واخرى تشده الى الارض التي استهلكت اسلافه من قبل . وهكذا بقي حائراً مثل من يتعلق بين السماء , والارض وهو يهمس في وجدانه يجب ان ادوس على عواطفي , وسأقطع الحبل السرّي الذي يشدني الى القرية . منذ استنشاقي عطرها , وتذوقي ملحها , ونومي تحت سعفها , نخيلها وفوق ترابها ايام البرد القارس , وحيث يحرقني لهيب صفيها مثل شحمة في مقلاة , ومع هذا تمازجت كل ذرة من جسدي في ذراتها , وها انا الان اعمل جاهداً لفك الاشتباك , سأقطع وريد الحب الذي تجري فيه دماء الشوق العاصف , والذي هزّ , ويهز كياني . بعد هذا الفيض الذي يشكل زخم المشاعر لهذه القرية التي هي مطافي ومحبتي , وفي المقابل يتجسد بي الضيق , ويغدق السنبل بحبات قمح الكراهية , ولكن ليس للتراب , بل لمن يمشي عليه مرحاً , ومصعّراً خده بغطرسة ذميمة , وهو يقف امام المرايا المكبرة التي تحول الاقزام الى عمالقة حيث تقودهم من وهم الى وهم قبل الشروع بالاستيقاظ من السبات المزمن , وما ان وصل كوخه الذي شهد طفولته , وشبابه العابر حتى توارى عن الطريق ودخل كوخه وهو في دوارٍ وغثيان .
كان احمد مثل جواد في المضمار يركض , ويركض ليصل نقطة الهدف , وما زال يتخيل نفسه يتمدد فوق سطح النهر كجسر يربط بين ضفتيه , وعندما تعجز الروح عن العبور تهبط الى القعر , قعر القمقم , مثلما يهبط الجوهر , ويرتفع الزبد فوق سطح الماء . ثم عاد الى يقظته من ذلك الحلم وقال : ها انا اكتشف نفسي بعد فوات الاوان . القي الخطوة ثم ارتد على عقبي , واتهيب من نفسي في نفسي ولم اختزل المسار , وقد أحجم .., ولم اكن صاحب قرار . انا انشطر في ذاتي , واتلمس الشرخ على سطح المرايا ساعة اقاوم العاصفة , وطوراً انحسر مثل الطوفان حين يعود منكسراً في هزيمة منكرة . وبين الحلم , واليقظة احس كأني اغوص في سرة الارض , وانا تحت الشمس , وعلى خط الاستواء عند عبوري , تارة اراني في مكان شبيه بالدائرة القطبية.. اسير بين السقوط والنهوض , وربما احتاج لعملية استئصال الزائدة الدودية المتجسدة في حب القرية التي هي بين خلية النحل , وبؤر العقارب . انها المحنة للتصورات التي تتباين , وللتناقضات التي تعتمل في اعماقي . مرة اصعد الى حافات النجوم , واخرى اهبط حتى مركز الارض , وربما سألحق بالقارون وهو يهبط مع كنوزه خاسراً اخرته وكما خسر دنياه . وكأي عنكبوت يسقط عن خيمته من حالق لهاوية ليست لها قرار .
كل مفاتيح الدنيا تعاصت على قفله المضروب بطلّسم التعمية و السحر الاسود.
بعد دوران مضني انهكه جسدياً , وروحياً خلال تلك التداعيات التي طفت مرارتها على اعتاب شفتيه .
عاد متاخراً دون ان يتناول وجبة العشاء .
تمدد على الفراش في فناء الكوخ وراح يراقب النجوم في افلاكها وهو يتقلب يسرة ويمنة , وكأنّ ملحاً ذرّ في عينيه .
انهكه التعب واخيراً استسلم للنوم .
بعد وقت قصيراستيقظ مرعوباً وهلعاً وهو يرتجف ووجيب قلبه لا يفتر وكأنه يتعرض لخطر داهم . وبعد قليل هدأ ثم عاد لسيرته الاولى وهو يقول لماذا تخترقني الكوابيس دون ان ادخل في الرؤيا التي تريح الاعصاب , وتذهب بالخوف الذي يهزّ كياني ويجعلني طريداً للأشباح المرعبة . ان الرؤيا تفتح للنائم ابوب الفراديس وتحمله الى محيط من الفرح والسرور , وكذلك توحي له بتبيض صفحات كتاب الحياة , وتغمره بالاشراق , وببشائر الهداية والرضا , رضا الضمير ونقاوة السيرة بين الناس .
فالانسان في الرؤيا قد يرصد مستقبله غير الملموس . بل قد تكون الرؤيا نوعاً من السياحة الروحية خارج حدود التماس .
ولا بد لي ان اكون بعيداً عن الاشتطاط , وخارج دائرة الهذيان الذي يضعفني في عمق الدوامة . فالانسان قد يكون قاصراًعن تشخيص ما يدور حوله وبصيرته لم تخرج عن نطاق طفولة عمره وهو على ابواب المسيرة الكبرى , حيث كانت تشعل دمه وهو في دورته الحياتية بين ان يحلق مع الطيور في طيرانها اويتوقف مثل عقارب الساعة عند انتهاء فترة توقيتها .
قال احمد لنفسه وهو ساخط اراني خارج المعادلة .فعربة الزمن تتوقف بي او ترجع الى الوراء بشكل تلغي كل شفافية حياتي وتنثر الهباب الاسود على جوانب ثرياتي الكرستالية الشفافة .
كان في ساعة انقباضه يتصور نفسه في محيط زلزالي او , في شدق الطوفان وامواجه تجتاح ممالكه , وتهدده بغمر جزر القلقة في محيط الحياة وقطاره يتباطأ عن معانقة جميع محطاته اثناء تجلياته عند جرد الخطأ والصواب خلال التحرك اليومي .
0 0 0
(كانت فناجين القهوة تطقطق وقد قدمت لاحمد فشكر الساقي .
كانت الاحاديث تدور حول شحة المياه , وجدوبة الارض , وبخل السماء واختفاء السحب الحبلى بالماء , والجفاف , وكيفية تحمل اعباء العمل غير المثمر , وقلة حيوانات الحراثة , والاقل الاقل من البذور بحيث لا تسد جوع التراب الطامح لبعث النبات وكل المردود عند الحصاد يكاد لا يسد رمق الفلاحين , وحصة الصفوة عند القسمة تصبح الحصص تعجيزية :
هذه الاحاديث كانت تدور همساً وفي الغفلة من آذان السراكيل .
كانت احاديث الصفوة توحي للفلاحين , بطريقة شيطانية . كان احدهم يقول لولا همة الشيخ حفظه الله على مدار الاعوام لتشرد الفلاحون في بقاع الارض وهم يتحسرون على رغيف الشعير, ولما بقي مجتمع القرية على ما نراه الان والحمد لله .
كانت نظرة احمد ترفض تلك المفاهيم المريضة , والخاطئة .
كان يرى الارض ومن يعمل على فلحها هم مصادر الخير لمجتمع القرية ,وطفيليّاتها . والسبب الاكيد لرفاهية وسعادة شيخ القرية وحاشيته هم الذين يفلحون الأرض . نعم هم ملحها وشهدها امّا الأكاذيب فهي من صنف ليالي شهرزاد لتزويق خواطر فرعون القرية . كانت تلك التأكيدات والتصوّرات
من ردود احمد البطنيّة . .
فالشيخ العاطل عن العمل اكتسب الارض من الحكومة هبة مقابل موالاته لاسياد المدينة , والطارق الجديد ومن رضي ان يكون عيناً على من يشق عصا الطاعة , ويخرج عن الجمع . فهو الاداة القمعية والتأدبية لهذا القطيع المستسلم . وكما يقال العصا لمن عصا والا كيف تضبط هذه الجموع ولا تنفلت في ايام الازمات , ايام المجاعة والحروب خاصة عندما تتعرض الدولة الى الاجتياح , ومطامع الدول القوية والتي تعمل دائماً وابداً على تغير خارطة العالم حيث تتبدل الادوار , والرموز , وتنهار العروش القديمة لتصعد عروش جديدة , ومن خلال هذه التغيرات على الارض المتموجة تتبخر الولاءآت القديمة وتتموضع الولاءآت الجديدة لفاتحين جدد وليس لمجتمعات ارقى . وفي الماضي القريب كانت وما زالت ماثلة للعيان تلك الصور الباهتة , ولنعد قليلاً الى الوراء لنر ما حصل للموالين للنظام العثماني , وكيف ظهر الموالون للانجليز , وكيف اكتسبوا الصفة الشرعية لملكية الارض بعد طرد وتشريد من كانوا يناصرون العثمانيين في الهيمنة على القرى ومصائر الفلاحين حيث ورثوا الارض هبة مقابل الخضوع والاستكانة ولجم من يتململ او يترك الجمر تحت الرماد فالنار والهواء وما تخرج الاض من الكلآ هبة الرب للانسان وليس للمالك العاري خارج ارضية العدل حيث تحكّم بالموارد العامة وقد اعطى القليل القليل مما تفرزه الارض وما ينبت على ظهرها , وبضربة من ضربات القدر صار بيد الحفنة من الوجهاء , واصحاب النفوذ في المدن والقرى .
وقد امتطوا صهوة العراق , وراحوا يستولون على كنوزه , وجميع خيراته اما من يفلح الارض وي هوي بالمطرقة فلا مردود لهم الا التقتير المؤدي الى قطع اشواط العمر والحاجة ماسة لهم وهم تحت قوس الاهمال وجهد وعرق المجتمع بكل طبقاته يذهب لصالح القلة من الطفيليات .
كل ذلك التراكم الذي يسمى بفائض القيمة لن يصب الا في جيوب هؤلاء ولا مهرب من العرف القروي الذي يأخذ صفة القانون امام محمنة الفلاحين . ومثلما يحصل في القرية يحصل للعمال في المدينة ذلك القهر الاقتصادي مع مصادرة حرية الكلام وخاصة في مجال الحقوق تحت مظلة التاج الذي رفع على ذيل حصان الجنرال مود .. واللعبة الذكية استمرت , وستستمر وهي تستند الى القانون الوضعي الذي استنبطه الاقوياء , وساعد على ترسيخه السادة السدنة , والملوك , والاباطرة , والامراء . بعد طبخة ومعاهدة (سايكس بيكو) وقد أكدوا وجودهم كونهم ظل الله على الارض , وماداموا هم الظل فقد اكتسبوا شرعية وضع نصوصاً مقدسة في ان يسألوا ولا يسألون وبذلك الغيت الرؤى المعاكسة التي حوصرت بين نارين , وقد توجه اليها سهام المروق , واختلاق البدع , وهم يطاردونها مثلما يطاردون الاوبئة , والسحرة , والدجالين , ويضعون عليها الحرم ويغلقون بوجهها الابواب , والنوافذ التي تؤدي الى الفردوس , واشاعة الرغيف , وقدح الحليب , ومشاعية الكلا , وما تكنزه الارض . وهم يجدوّن على تغيّب الفردوس في ساعات اليقظة , وفي احلام الفقراء .
على صفحات الكتب قبل ان تكون في تماس مع فقراء الشعب ويضربون على الاقفال بالشمع الاحمر ويحرموّن الاقتراب من سلم المشاعية , وينشرون السموم في الحدائق لقتل الفراشات , ولابادة النحل الذي يفرز عسل الاديولوجية الاشتراكية .
عاد احمد ليلاً وعلامات الحيرة تلوح على وجهه , وهدية ترمقه عن كثب وتخشى ان تثيره بطرح اي سؤال .
كانت تبتعد عن ضفة المحيط , ولا تدري اين سيرسو قاربهما ,؟ بل سفينة العائلة .
نطقت بصوت خفيض كي لا تخدش مشاعره , احمد هل التقيت احداً قبل مجيئك ؟ ولنقل ظل القرية . وما معنى ومغزا ظل القرية ؟
ضحكت هدية وقالت كيف تفوتك الرموز والالغاز ؟ وانت تقرأ ما بين السطور .
هدية ارجوك اعربي عما في نفسك . أليس الملك في بغداد ظل الله ؟ وهذا ظل الله في القرية . كلا لم ار احداً من الناس . عفواً التقيت الكثير منهم فكنت احيّيهم ويحيوني فقط ونحن صناديق مغلقة لا احد يعرف مافي جوفها , ومثلما الارض تخفي كنوزها وهذه سنة الطبيعة , وارى حتى الحيوان يخفي نواياه بحكم الغريزة اتجاه فريسته وانا اخفي كتاب الرحيل بكل تفاصيله المدونة في صفحات الغيب ضمن ما خططت , وما لم اخطط .
جلست هدية على بساط قديم وهي تزفر , وتطلق الحسرة تلو الحسرة ثم تحصي حركات , واحاديث احمد . قالت لقد غزلنا مساءات الانطواء , وصباحت المرارة فعدنا رئة بلا هواء نتحرك بشكل آلي وكأن ليس فينا دماء تغذي المشاعر , وتبعث الطمأنينة , لقد كتب علينا العيش في القفص مثل ببغاء ينطق ولا يفهم معنى كلماته وكأنما القرية صندوقنا الزجاجي ولا نستطيع مغادرته . بينما الطيوروالاسماك تمتلك حريّتها في البقاء او النزوح وباستطاعتها مغادرة اعشاشها و كذلك الاسماك تمتلك حريّة الرحيل وترك محيطها المائ امّا نحن فنصبح
ونمسي في صندوقنا الذي هو بمثابت قبرنا .
احمد انا لا ادخل معك في حوارمفتوح لاني اشعر بثلثي الحقيقة وقد عبرت من بين شفتيك وما يجعلنا متقاعسين هو التعلق بحبل بئر القرية , وانا مثل من يعشق السياط وجلاده , ويستمرئ الالم : والمجلود ينحني بين حب الارض وملحها الكاوي للجراح , والعبد من الصعب ان يكسره قيده ليطلق العنان لنفسه دون ان يركع ليتذوق طعم التراب قبل ان يجاوز حدود القرية التي نقشت كالوشم على شغاف القلب لقد جبلت على طينها وسبحت بعرقي ودموعي , وما زلت في الليالي الصافية اسمع نَفَس جدي وحشرجات والدي واخيلتهم تدور مثل مجرة مضيئة حول القرية المباركة , ومع اني ترددت في ان اضع خطوة الى الامام . اراني اعود بخطوتين الى الوراء . واخيراً صممت و اتخذت قراري مع ايقاف التنفيذ . وسأمرق لاحقاً مثل وميض في رحم السحابة . وفي الصباح المحمل بالبشر والفرح والبهجة لدى عامة الناس الا احمد العالق بين القرية والمدينة حيث المعادل الاصعب , والقرار المتباطئ والمتقلب مثل الطقس .
ولا يدري كيف سغادر , ؟ وكيف سيخرج من داخل الشرنقة ؟ . كانت ايّامه تمضي بلا لون , وبلا طعم . كان مستلب الارادة , يسير بلا وعي , ولا يدري
أين سيستقر ؟
مضت شهور وأحمد مثل هلال العيد يدور ولا عيد في القرية ولا يدري كيف سيغادر , ؟ وكيف سيخرج من داخل الشرنقة ؟ . كانت ايّامه تمضي بلا لون , وبلا طعم . كان مستلب الارادة , يسير بلا وعي , ولا يدري
أين سيستقر ؟
وأين سيعثر على المفتاح ؟ لفتح (مغارة على بابا ..) ليستولي على الكنز . كان النسيان بمثابت طلقة الرحمة . وفي أحد الصباحات المباركة
عضّ أحمد على لجامه وانطلق صوب عشيقته المدينة الحبيبة التي احتلّت كلّ زاوية من خارطة طموحاته .
كان مثل صوفيّ مستغرق في تعبّده لايلفت نظره كلّما في القرية وإن كانت هناك بقيّة من رفاة .. في مقبرة القرية الحزينة التي يسوقه الحنين اليها .
وهو يرى في الافق مدينة المدن التي بهرته وحوّلته الى عابد في محاريبها .كان انين المركبة هو نايه الشجي , والصحراء تهرول , وتهرول مثل ظبي مذعور : احمد يستعجل المركبة في دخيلته ,
وهي تسابق الريح مثل جواد يطوي الفيافي , ويتسلّق الروابي . واحمد همّه الدخول الى الفردوس وان كان ليس من سكنته وأخيراً انهكته التصّورات والمركبة تقطع الشوط بعد الشوط مثل عدّاء في سباق . وعند نهاية المطاف هبط احمد وقليه يخفق مثل جناح طائر ,
وأقدامه تتقافز على الارض 0
طرق الباب مثل من فقد عقله 0
التقىت عينا احمد بابن خالته ناصر 0
وبعد عناق طويل والدموع تنساب من العيون , وتتساقط على الارض مثل برد السماء الناعم 0
وبعد ان جلس احمد وتأكد كونه فوق تلك التربة , وفي زاوية من زوايا الفردوس 0 قال لناصر ارشدني اذا ما اقتحمت المجهل المائي بقاربي المثقل بهدية , وعلي , ومحمد حيث نشكل النجم الرباعي 0
ولأقل لك ان ثقتي بالله وبك , وأنت تعلم انهم افقي الميداني وكويكبات مجرتي في ظلمات الحياة , ولا اريد ان اغامر بهم وكما يعطي الموروث وريثه 0
اعطيتهم زهرة عمري , وينبوع روحي 0 ناصر انت تظهر وتختفي , و غيرك يظهر ويختفي
هذه سنّة الحياة
يعيش ويكبر الفسيل قبل موت النخيل , وفوق خشبة المسرح تتحرك الاشياء الى ماشاء الله قبل انحلالها وحيث تكتمل الرموز في الشفرة البشرية , ويتموضع الانسان تحت الشمس كي تصبح الارض وما فيها , وما عليها ملكاً مشاعاً لجميع الاجناس 0
احمد ضع ثقتك بي وبنفسك وكن في المكان الذي
تستحقه , والذي لاينطوي على التيه في المنحدر المائي
فأنا اكفل مجيئك بلا روغان : غذاؤكم , وخيمة تضمكم , وكساء يسترعريكم , وكما انت انا إسمع احمد ما سأقول لك عن نفسي وكيف كنت افكر بمن هم حولي
من اهل المدينة وفي اول عهدي بدخولها كنت خائفاً وجلاً. وعندما كنت اسير في شوارعها اشعر وكأني في قلب الغابة , وبين حيوانات مفترسة , ومع كل خطوة ارتاب , واخشى كل شئ مثل النمل حين يسير ثم يتوقف ليتحسس بمجساته الاشياء كذلك انا اخاف من المجهول , ومن المخلوقات التي تحيطني , وحيث يصحبني الهلع , اتفرس وأغوص في الطين فتظهر الإفرازات على شكل انياب مخيفة في الظلام العميق 0
عند ذاك , ترتسم امامي الصور القابيلية بدقة متناهية , وبلون الدم القاني الذي هو افقي في حركة الاشياء , ومسلسل اليقظة المصحوبة بالتحفز 0
في بعض الليالي التي يسترقها العقل الباطن , انسرح على زورق حلم يأخذني الى ضفة الفردوس الهابيلي مطمئن النفس , رخي البال 0
احمد اذهب واصطحب اهلك , واعتبر رصيدك في جيبك , وذلك لتمشية امورك اليومية 0
كلما املك هو ليس ملكي , بل انا مؤتمن عليه وستبقى معي لحين ما تفرج , وتجد عملك , وسكنك , ولسوف تعيش مثل ظافر وبقية العائلة 0
ذهب احمد وكأن الدنيا اضحت مثل تفاحة اقتطفها من شجرة الخلد 0 وكل ما يقع تحت انظار احمد من المحيط الترابي صار يراه متخوماً بالخضرة الداكنة 0
تغيرت امامه جميع الاشياء , وكاد ينسى الغاب , ولغة البراثن والأنياب , وكل الاشواك الحادة , والجافة, ىوالسامّة .
صار يرى النعومة , والطراوة والأرض التي ترتدي حلتها الخضراء في طقس من طقوس الطبيعة الربيعي0
الحياة اصبحت بنظر احمد تدور خارج امدار الارض
حيث تفيض في حضنها الفصول ,
وينتشي فصلها المميز فصل الربيع , المزحوم بالبركة المتخمة بالزهور والرياحين 0
كانت الصور تتقافز من امام احمد لحظة غيابه المادي وتطوافه مثلما تتقافز الاسماك الملونة في المياه الزرقاء
هو يعبر الصحراء مع اولئك الذين تشغلهم هموم الحياة
وهو في معزل عنهم , وكأنما ينظر اليهم من قفص زجاجي . يسمع , ويرى من خارج عالم اليقظة 0
واصل احمد مساره وهو يراوح على امل ان يخرج من تلك الدائرة التي سحرته , ونقلته الى
عوالم اخرى .
ولا يود اللقاء بالرموز التي هزمته , وتحولت امام نظراته الى اشباح شيطانية تسير على اطراف اصابعها تعالياً , وإيغالاً وذلك لسحق الاخرين وجعلهم (قرقوزات) , او ثيراناً تدور حول النواعير , بلا توقف 0 انّ جميع الشخوص المسلوبة الارادة , والخاضعة لسلطة القهر , سلطة سيد الارض , والمختطف من العيون النعاس بين هدير التقريع , وحركة العصي التي تتلوى مثل الثعابين 0 اجل هكذا انتابته الصور المزرية عن مجتمع القرية 0
كانت تتجاذبه الصور 0
تارة يهرب من مواجهتها , وطوراً يحن لأحيائها وأمواتها , وأكواخها المصنوعة من قصب البردي , يحن لنباح كلابها , ونعيق , غربانها , وأساطيرها الخرافية ,والحنين الى القرية هو امر واقع كونها ضمّت من طحنهم الموت بأسنان الفقر وقد عجزوا عن الوصول ليستقروا في تربة وادي السلام 0
وهكذا يقف الفقر في طريق الاحياء , والأموات بالتساوي 0اللهمّ الا القليل ممن استطاعوا الوصول 00,
فالفقر يقف حاجزاً في رحيلهم الاخير ليشطب على رغبتهم , مع
حرمانهم حتى في المساحة التي لاتزيد على حجم الجثة , والشاهدة الصوّة التي تدل على محيط القبر , والتأشير على بطاقة الميت , والتي تشير الى اول يوم للسكن تحت التراب , لتدل على الاثر ان بقي شئ من عظام نخرة في القبور الحزينة 0
دخل احمد كوخه وكأنه لا يمشي على الارض , بل يحلق بين السماء والأرض والفرح يطفو على محياه , وقد خنقته العبرات , عبرات الوعد 0
نظرت هدية بحيرة واندهاش , وقالت احمد ما وراؤك , اراك مرتبكاً ومنفعلاً ولست على بعضك 0
وجم احمد وبقي صامتاً لوقت طويل وبعد ان جلس والكل ينتظرون لحظة الانفراج , وكشف الحجب فيما وراء ميتافيزيقيا الغموض , والغيوم المسدلة ستائرها بين الارض والشمس .احمد قل شيئاً يفرحنا او يحزننا فنحن نتحمل وقد صبرنا مثل كيس الملاكمة لا ينفك عنا في توجيه ضرباته منذ تفتحت عيوننا ولو اني لم اسمع عن كيس الملاكمة الا منك كما تصفه لنا وكما وصفة لك في المدرسة . الاستاذ طيب الذكر فاضل 0 اجل لقد فتح لنا الاستاذ فاضل طريق العبور الى البرزخ بعد ان كنا محجوزين في منطقة الربع الخالي , ذلك المتاه الترابي , وها نحن قد صرنا على مرمى خطوات لفك الارتباط , وكسر قيد عبودية الارض التي احببناها وكرهناها على حد سواء في معادلة مفروضة بالوراثة0
لقد بُشرنا بفوز بطاقة اليانصيب التي نحلم بها , قبل القبض. اقول لك فكري بتصفية الحسابات مع الارض , وكلابها المسعورة , وفرعونها الذي حولها من ارض الاحلام الى ارض الكوابيس , والحسرات , وقلب صور الملائكة الى صور شيطانية تعبث فيها الحشرات
هدية : وكيف سنخرج تحت شمس النهار او مثل لصوص الليل ننساب مثلما تتحرك الخفافيش وهي خائفة ان يدركها النور 0
في كل الاحوال سنخرج مرفوعي الرؤؤس حتى ولو اقتضى الامر ان نخرج كما جئنا 0
هدية ما معنى كما جئتنا ؟
احمد اقصد عرايا ,
ابتسمت هدية وقالت حتى انا , ضحك احمد وقال ما اقصده ليس كما تظنين 0
انسحب احمد وهو مثقل بالوساوس , وبعيون مفتوحة مثل عيون الذئب وقد سمرت على خيمة السماء 0
تبعته هدية وهي تقول احمد لقد نفد صبري 0
ارجوك لا تدعنا معلقين بين الارض والسماء 0
انا اريد حلاً عاجلاً 0
الايام تمضي , وكذلك الشهور , والأعوام وأنت تطلق بالونات الوعود جزافاً وأحس بأنك تعلق مواعيدك على مشجب (عرقوب ) 0
احمد ينفعل , ويغضب , وتلوح الصفرة على وجنتيه , وتهزه كلمات هدية ثم ينحني استحياءاً مثل قوس قزح مستفرغ من كل الوانه , ورموزه الجميلة , والزاهية على مداخل المدن الحرة , والتي تسحر بمصابيحها الدالة على الرفعة والشموخ 0
قال احمد انا لا اكذب 0
ولكن الظروف كانت ولازالت اقوى مني وأنت تعرفينها اكثر من الاولاد 0وهل في اليد حيلة ؟
فالاقدار اقوى منا وهي تتحكم بنا 0
وعندما ترين ترددي وانا احس مثل شخص منزوع الارادة , ولا حول ولا قوة لي 0
وذلك يعود لحظي البياني 0
والله عز وجل يقول عن الجنة (وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها الّا ذو حظ عظيم)
وانا بصدد الفردوس الارضي اندب حظي دائما وابدا وانت تدركين وضعي الشائك 0
فأحس انا مثل حجر كريم تطمره دوامة الرمال الترابية , ولا تعريه رياح الزمن 0
انا لا املك الا الاماني , وارى نفسي مسمرا في الارض وليس لي جناح لا قطع به عرض المحيط الترابي , ولا قارب لي اعبر به المحيط المائي . وبعد محاق , ومحاق انتظر 0
هلال احلامي وقد يوحي بالانفراج , وقد تصل السيارة الى البئر , بئر يوسف , لتفضح اكذوبة الاخوة حول نسيج قصة الذئب , والقميص المدمّى 0
هدية حاشاك ان تكذب ولكنك متردد , ولا تقطع في الامر 0
نعم احس في اعماقي بقوتين تتجاذباني , قوة الحب , وقوة البغض . فالحب للارض , والبغض لمن يتحكم في مصائر اهلها ولا ادري لمن ستكون الغلبة . هدية ترفع يدها الى السماء وهي تردد رب يسر ولا تعسر 0
احمد آمين رب العالمين , اللهم زدني ايماناً , وزدني صبراً , وثبّت فيّ حب العزم , والتصميم , ولا تتركني اتخبط كالأعشى 0
هدية ألم تشعر بالجوع , كلا اريد ان اخلد النوم 0
تمدد احمد على فراشه وهو يطوف في عوالم وردية حيث النجوم تلمع . تارة ينساق الى ساحل البحر لالتقاط القواقع , والحصى الملوّن الذي يأخذ اشكالاً هندسية متباينة الحجوم , أوعبثية لم تمارس الطبيعة مهارة صقلها0
كان لاحمد عالمه الخاص , حلمه الذي يعجزه عن استحضار ما في بقظته ساعة يقف على ارض الواقع 0
وهاهو يوغل في احلامه الجميلة جرّاء انسياقه تحت مظلة العقل الباطن 0
وفي اكث الاحيان كانت تتراءا له الجنان الى جانب الكوابيس , والأشباح المرعبة , وأسوار المقابر, والعظام داخل الجبانة ملقاة بين القبور القديمة . بعد ان لفظتها الارض , وقاءت ما في احشائها 0
وما ان يخرج من حدود الرعب الا ويدخل في رعب جديد حيث النمور المفترسة , ومستنقعات التماسيح الرهيبة 0
ومع زحف المساء الحزين استيقظ احمد من نومه العميق , وانفتحت عيناه على الفضاء , المزدحم , والمتشابك بسعف النخيل , وغصون الاشجار , والتراب المعشب 0
نهض , وتحرك داخل فسحة الكوخ وهو يستر وجهه بكفه لاقتراب الخفافيش منه وقد تشكل تحدياً في طيرانها السريع , والقريب , والذي يكاد يوهمه كون احدهما سيصطدم بوجهه , ومع صغر حجم هذه المخلوقات ترغمك عند طيرانها على الانحراف لتحاشى الاصطدام بها 0
هناك خرافة تجعل للخفاش رهبة , وخوفاً من ان يصطدم احد الخفافيش في وجه اي من الناس فيلتصق به , ولا ينتزع الا ان يرى ظله على مرأة ماطرة 0
بإطار مطلي بماء الذهب 0
هذه الخرافة فاشية في ارض السواد 0
فما كان من احمد الا ان تناول عصا من الارض واخذ يهش بها على الخفافيش , وذلك لازعاجها له 0
واحمد ليس من هؤلاء الذين وقفوا تحت سقف الخرافة
ومع اعتقاده ببطلان تلك الاسطورة0
فقد اقلقته تلك الطيور التي ملأت الفضاء مع اول خيوط المساء , وبعد ان تعب في سياحته عبر طريق القرية .
عاد الى كوخه وهو يفكر بشكل بائس وقد اكلت ,وشربت منه السنون . ومع انه تذرع بأشياء تبعده عن حسم الموقف , كمطاردة الخفافيش , وذلك لكي يبتعد عن الغوص في عمق الدوامة , وقد تلمس الضعف في نفسه وهو لا يريد ان يفتح جبهة داخليّة تضعه كسنبلة بين حجري الرحى على صعيد محموم , ولتفتح الملف الساخن لجواز صراع الاضداد حيث يصبح عاجزاً عن امتصاص الصدمات .
0 0 0
#شعوب_محمود_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟