حُسام كصّاي
الحوار المتمدن-العدد: 4362 - 2014 / 2 / 11 - 21:37
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يشهد لنا التاريخ الحديث والمعاصر إن العرب لم يكن لديهم اهتماماً بالغاً او رغبة في تكوين "دويلات طوائف" قائمة على أسس مذهبية وعرقية ضيقة, ونزعات عدوانية تناحرية, حتى إن رفضوا فكرة "الوحدة العربية" كتوحد قومي, .. لكنهم رفضوا _ نقيضها _ الشتات والتقسيم على أسس عرقية ومناطقية, فالمسيحي قَبَّل بالمُسلم في ظل دولة وطنية, .. والشيعي المسلم قَبَّل ان يتعايش مع اخيه السني دون ضير او توجس, .. فكان نظام "دولة الطوائف" سياق مرفوض وخيارٍ لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال.
لكن التداعايات المحلية والأقليمية والدولية لعبت دوراً بارزاً في تحديد ذلك المسار وتغيير جهته لصالح جماعات وكوادر حزبية تريد موطئ قدم لها في المعترك السياسي مستغلة التوظيف السلبي للدين في العمل السياسي .. وعوامل داخلية كانت ألاشد خطراً والأكثر دفعا في التحول الفكري والبنيوي في سياقات الدولة والمجتمع في العالم العربي, .. تتمثل بعوامل الفشل العربي في الاندماج في عصر الديمقراطية والدخول في مرحلة التحديث السياسي للبنى والمؤسسات السياسية الوظيفية, .. مع تنامي قيم الاستبداد الستاليني مع زيادة فاعلية تهميش شرائح كبيرة من المجتمع كانت مجبرة _ في النهاية _ ان تميل وتتكئ على جماعات معارضة للسلطة لها فاعليه توظيف الأحداث وتبويبها لصالحها, وهو ما تقوم به جماعات الإسلام السياسي (الحركات الأسلامية) من توظيف للشارع باسم الدين والمقدس من اجل ضرب النظام بالشعب مما يفسح لها المجال للوثوب على السلطة والتشبث بتلابيبها, وهو مات تمخض جلياً في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي بشكل واضح وجلي.
إذ أن الأمة العربية قد أُصيبت بخيبة أمل كبيرة وهي ترى الديمقراطية في العراق تعيد امجاد اوروبا الظلامية من حكم المرجعيات الدينية (الكنسية) وإعادة تشكيل المذاهب سياسيا وتجييش الشارع عن طريق اللعب على اوتار الطائفية والانقسامات التاريخية وما زاد الطين بله هو مجيء عصر ثورات اربيع العربي الذي أطاح بالديمقراطية ونال منها _ خلافاً لما كان مرجو _ وهو ما جعلها تشكك في كل الديمقراطيات, .. إذ ان عيب العقل العربي انه لا يميز بين جوقة الديمقراطيات خصصاً تلك الديمقراطيات المقترنة بمسميات (الكولونيالية, الإمبريالية, الاستعمارية, العولمية, الاشتراكية, الليبرالية, وغيرها).
وان مرحلة الربيع العربي لم تكن بمقام المعنى, لأن الربيع يؤتي ببوارق الأمل والتحوّل نحو التقدم, .. والأمور تقاس بنتائجها, لا بطروحاتها وشعاراتها, ونتائج الربيع العربي لم تكن نتائج ربيعية بل خريفية قاتلة ومؤلمة من سيطرة منطق الميليشيات وجماعات العنف المسلح, .. وهيمنة قوى التطرف والراديكالية على أكثر مفاصل دول الربيع, ثم هيجان ظاهرة اللا استقرار السياسي في أغلب او كل دول الربيع العربي وهي ميزة مازالت تحتفظ بها أغلب دولة المنطقة العربية كسمة رسمية لها .. وهيمنة منطق الدولة الميليشاوية والمعارضة المسلحة, بل اصبح السلاح والقتل ثقافة وشعار الجميع ضد الجميع.
اذن فالطائفية هي ابنة الغياب الحتمي للديمقراطية .. وثورات الربيع العربي (المسروقة) لم تأت بالديمقراطية فكانت ذات ابعاد عرقية وطائفية .. فما حدث في دول الربيع العربي لم يكن تحول نحو الديمقراطية او تجلياتها بقدر ما كان تحولاً مأساوياً كارثياً لثلة تحاول دوماً التستر وراء حجاب الدين وإعتلاء منصته النطق باسمه على انها وكيل الرب والمقدس من أجل الوصول الى محيط ذلك المدنس المتمثل بواجهة السياسة والسلطة والنفوذ والمال.
وتدليلاً لطرح ان الطائفية نتاج فعلي لغياب الديمقراطية وتحدياتها .. فأن ثورات الربيع العربي لم تأت بالديمقراطية إلا بما هي شعار يرفع في ميادين التحرير او يافطة على مبان ومقار الاحزاب التي خطفت الثورة, دون ان يتحول ذلك الشعار الى تطبيق وممارسة فعلية على ميدان الواقع العملي .. فصعود الطائفية هو مؤامرة كبرى على ثورات الربيع العربي اليوم, ومؤامرة فجة الهدف منها تغيير مسار تلك الثورات وتحجيم دورها من تحقيق اهدافها, كون الطائفية اليوم هي اداة لسحق قيمة الانسان/الفرد في طائفته .. بل زج تلك الطائفة في دوامة صراع مع الطوائف الاخرى وجعلها في حاله صدام مستمر لا يحمد عقباه وقد يمتد ليشمل مقدسات الطائفة والتنكيل والتوشيه بها, .. فالطائفة عقيدة مقدسة والطائفية سلوك مدنس وبغيض .. والديمقراطية هي وحدها القادرة على الحفاظ على قداسة الطائفة وصون كرامتها من تفوه الطائفيين, .. لأن الطائفية لن تعيش في فراغ فهي محاطه بطوائف اخرى تتقاسم معها الجدل والحدام والثروة من خلال الحراك السياسي, .. وبشاعة الطائفة وبؤسها هو أن تتحول الى طائفية .. او بالأحرى انها تتحوّل إلى طائفية سياسية مبطنة بالدين وممثلة له.
واصعب مراحل ثورات الربيع العربي انها سقطت في حبائل الطائفية المقيتة _ التي كانت تغذيها قوى ودول معادية من أصلها لثورات الربيع العربي _ وهو أمر ساهم إلى حد ما في خلط الأوراق وإضعاف جبهة التغيير وشغلها بالمعارك الجانبية .. وتمثلت تلك الطائفية بما هي خريف الثورات العربية اليوم انها أعادت ترميم الصراع على السلطة والنفوذ من خلال الزج بالطائفة والدين في ميادين هي اسمى من ان تُزج بها, فالصراع في سوريا رغم تدويله وتحكم اطراف دولية في تحديد مساره كأيران, الكيان الصهيوني, امريكا, تركيا, إلا انه في النهاية هو صراع طائفي متمثل بشيعة السلطة وسُنة الثورة والحراك, فكل طائفة تمثل طرف للصراع, وما زاد الحرب ضراوة هو طائفية ذلك الربيع الثوري .. والحال لا يختلف عن الحركات الأحتجاجية في البحرين بين سُنة السلطة وشيعة الثورة او الحراك, .. والحال لا يختلف كعمق طائفي في اليمن او ليبيا او تونس او مصر اذن ان الصراع في الدول التي لا تشهد وجود او ثقل سياسي للشيعة فهي تشهد بالوقت ذاته صراع طائفي عميق الأثر, بل انها دول تشهد صراع طائفي متمثل بين طرف اسلامي متطرف واخر علماني ليبرالي ملحد, .. أذن فالطئفية هي ليست صراع ديني وانما صراع دنيوي بحت .. وليس ديني وانما سياسي حزبي .. وليس هي خيار اغلبي وانما خيار اقلوي فئوي.
فليس الطائفية انها بين السُنة او الشيّعة, او بين الاسلام والمسيحية, .. وانما الطائفية هي الطائفية السياسية التي تحول الموروث الحضاري والثقافي للطائفة الى قمامة سلطة تتذابح على اقتسامها جميع الطوائف من اجل الفوز والهيمنة والتسلط .. وان الربيع العربي اعطى للطائفية السياسية زخماً كبيراً جعلها في مقدمة الواجهة السياسية العربية اليوم, لتُصبح النظام السياسي الأبرز لثمة دول عربية سبقت الربيع العربي, كلبنان والعراق, واليوم هي تحاول شق الصف الوطني في مصر _ التي اندلعت فيها احداث عنف طائفي فيها واعتداء على كنائس واقباط وهجوم على مقار لحركة الإخوان المسلمين وغيرها _ والحال لا يختلف عنه في تونس وليبيا واليمن, .. وفي سوريا تمهيداً لمرحلة ما بعد الأسد.
اذن فالطائفية _ بشقيها الديني والسياسي _ هي خريف الثروات العربية اليوم, وثورة سلبية ردا على ثورات الزيتون والخبز والجوع, فهي التنكيل والانتقاص من القيم الإسلامية والإطاحة بالاعراف القومية للأمة العربية .. وتبقى العقبة الكبرى امام إنجاح المشاريع الوطنية العربية لمرحلة ما بعد الثورات, .. لأن الطائفية في الحقيقة ما هي إلا النسق العام لمرحلة ما بعد الثورات العربية .. وستظل هذه المرحلة خريفاً إسلامياً او عربياً هي المسار الذي يحدد مستقبل النظم السياسية العربية وشكل الدولة وسُبل تحقيق الأستقرار السياسي والأمني العربي.
#حُسام_كصّاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟