|
ساندويتش همبورجر تك أوي وإجري
حسام محمد شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 1239 - 2005 / 6 / 25 - 05:26
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
جميل أن تتناول ساندويش من الهمبورجر مع قليل من الكتشب بلونه الأحمر وبمذاقه المميز، والأجمل أن تتمتع بكوب من مشروب الكوكولا، وأنت تجلس في أحد محلات مكدونلز المكيفة. أما الأكثر متعة وأنت جالس أمام الشاشة المليئة بالمركبات والعناصر المثيرة، بمجرد ضغطة واحدة، تكون في عالم ما وراء البحار، أو ما وراء الوراء ذاته، تنسى أصدقاءك بعناصرهم الفسيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، لتبحث عن آخرين تراسلهم عبر برامج الدردشة ( التشات) وتكون غايتك في المتعة أن تشاهد صورهم على كاميرا الإنترنت أو تسمع صوتهم، وقمة المتعة هو أن تجلس ضمن مجموعة العائلة وأنت في نفس الوقت ليس معهم بفعل تأثير فيلم ثقافي أو ليس بثقافي يبث عبر الستالايت أو عبر قناة روتانا سينما التي حققت حلم المشاهد العربي ( كما ورد في نص الدعاية ).
ولما كان الإنترنت من أحد أهم هذه العناصر التي تسللت عبرالعظام فينا، عبر الدم، عبر حواجز الإحتلال من بيننا لتصبح بديل الإحتلال، فعلينا أن ندرك أننا أمام أحد أخطر المركبات الثقافية في العصر الحديث، فليس الإنترنت أن تجلس مثل شجرة ضربت جذورها عميقاً في الأرض فأصبح من العسير اقتلاعها من أمام جهاز الكمبيوتر وأنت تبحث عن نقيضك بالذات نقيضك لتحدثه في اللاشيء وفي اللامفهوم وأحياناً تتمتع وأنت تكذب وتغير في واقعك في شكلك، طموحك، عملك، فأنت عبر الشكبة ممكن أن تكون طبيب أو فنان أو مخترع ممكن أن تكون ما تريد ممكن أن تحقق حلم فاتك. ولكن أين كل ذلك إذا ما انقطعت الكهرباء فجأة أو فقدت الإتصال بالإنترنت بفعل فيروس مخرب ومجرم أو بفعل خلل تقني حقير نغص عليك لحظات الحلم الكاذب الجميل.
هذا من جانب ومن جانب آخر تفاجئنا على غفلة أو أثناء صحوتنا أكثر من 200 قناة فضائية تركز على الغناء الفاضح وتسميه فناً، ضاربة بعرض الحائط كل قيم وعادات وتقاليد المجتمع العربي، وتبث عجرميات تثير الغرائز، وتصنع لهز الوسط مدرسة وأصول ومناهج، وبخفة تتسلل إلى طقوسنا ومزاجنا الفني وذوقنا العام لتأتي لنا بهيفائيات تعكس لنا أحدث فساتين الموضة التي تدلل على أزمة القماش في السوق العالمية، إنها نقلت الكباريه والمرقص والبار وقمامات الرذيلة - من تعري ومتاجرة في اللحم الأبيض المتوسط - إلى البيوت دون أن تحتكم لأصول طلب الإذن بالدخول من أصحابها...... والمثير للانتباه أن مستوى الإقبال لدى المشاهد العربي لهذه القنوات في تنامي مستمر فهل نحن على أبواب الدخول في زمن الكفاح المشلح أم نحن غارقون فيه دون أن ندري. إن ما يبث عبر الإنترنت والقنوات الفضائية ممتع ولذيذ، ولكنه مثل لحن ضبابي مسكر، يجعلك عنصر فردي إزاء واقع ومركبات البيئة التي تعيش فيها، فـإذا أرغمنا ضعف مصنعي الثقافة المحلية أن نطور سلوك يتماشى مع تنور مطور، أو كانون حديث الطراز، أو حكايات الجدة في شكل مختلف ينسجم وطبيعة العصر الحديث. فعلينا أن ندرك كيف عمل الآخر ليكون بيننا بمركباته الثقافية ويجعلنا أن نتعامل مع سلعه، دون أن يجبرنا على فعل ذلك، لقد فهم نمطنا اسلوبنا وكان منذ البداية يعلم كيف يمكن أن يستثمر مجمل عناصر إنتاجه بيننا، إنها ليست عقلية المؤامرة كما قد يفهمها البعض، لكنها ضرورة لمن يريد أن يسطر ينتشر يكون ذاته وثقافته يكون المصنع بخصائصه القوية لا المستهلك التابع في فكره وسلوكه.
حقيقة لست مطمأناً كثيراً إننا في العالم العربي سوف نغير واقع التردي الثقافي والانجرار وراء تفاهات العولمة بالتحديد، لا إيجابياتها المتمثلة في محاكاة العلم والتطور الصناعي والتكنولوجي، بل سيبقى الحال على ما هو عليه والمؤشرات المجتمعية والميول الفردية للأفراد في المجتمع تنحو باتجاه الانغماس أكثر في تفاهات العولمة حتى الذوبان والتحلل في جوفها، لكن لا مناص من القول أنه علينا أن ندرك وبشكل أساسي انه من الواجب علينا كأفراد في هذا الوطن العربي، أن نعلم أننا عبارة عن سوق للبضائع العالمية ولشركات عابرة القارات، أما عن رواد الثقافة في الوطن العربي ما هم إلا جوزات سفر لهذه البضائع. الفقر والجوع والرذيلة حصيلة أفراد المجتمع كوننا الحلقة الأضعف في دائرة الصراع القيمي والثقافي والاقتصادي، أما المال والسلطة، وغضب الرب، ولعنه الموت الأخيرة نصيب جوازات السفر، أما البضائع ستجد سوقها والشركات سوف تسيطر على مقدرات شعوب العالم. عزيزي المواطن عندما ترى جمال صبية تتمايل أو تتحايل على الملابس لتكون أقصر، وهي ترقص رقصة الهسهسة السيكوباتية، أو تأتينا خنفسائية الطلة لتقول لنا (مش حتقدر تغمض أذنيك)، عليك أن تعلم أن من يقود الدفة هو قرد بشع يجلس خلف منضده حديثة الطراز ويقامر بلعبة النرد على مقدراتنا، فهو يدرك وبشكل كامل كيف يمكن له أن يسحب باقي الراتب الشهري الحقير من جيوبنا ويحولنا إلى أفراد سطحيي التفكير نتمتع بقدر عالٍ من الخلل في الذوق العام وتشوه في المزاج، وعطب في منظومة القيم التي تشكل صمام أمان للفرد. فإذا لم يعد لدينا القدرة أن نجلس ونتربع ضمن مجموعة العائلة أو الأصدقاء على صينية مفتول أو كسكسي، فليس بالضرورة أن تتحول طقوسنا الغذائية لسندويتش همبورجر، ونمط حياتنا الثقافية لـ تك أوي و اجري.
#حسام_محمد_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جلسة إستئناف.... لمحاكمة دسيس على اللغة
-
محاكمة دسيس على اللغة
-
الأعتداء على القيم والمؤسسات المدنية قضية رأي عام
-
الأسرة وتكويناتها
-
قرائة تحليلية لمؤتمر الشباب الأول
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|