|
دقائق بلا حياء.. ولا خوف
ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 23:15
المحور:
كتابات ساخرة
لكلٍّ طريقته بالاحتفال في عيد ميلاده؛ هذا يحضّر لوليمة عشاء فاخرة يختار المأكولات والمشروبات التي حُرِمَ منها طيلة شهور. وتلك تدعو شلّة من أصحابها على قالب كاتو وتبّولة وفطائر وما لذّ وما طاب.. يسهرون ويغنّون ويرقصون ويضحكون, وتتقبّل الهدايا منهم. والبعض الآخر، وربما هم الأغلبية في هذه الأزمة التي تعيشها سورية، لا تعنيهم هذه المناسبة إلا ما تعنيه لجدّي القابع في أعالي الجبال، تعلّم اللغة الصينية.. قررتُ بيني وبين نفسي اختيار طريقة لا تكلفني أكثر من ثمن باقة فجل في عيد ميلادي، أمارس من خلالها حريتي بالتصرف والقول ولو لدقائق، أتحدّث على سجيّتي دون أية ضوابط أو قيود. وأرسم بسمة على الوجوه المتعبة إن استطعت إلى ذلك سبيلا.. نهضتُ صباحاً، حلقتُ وتحمّمت، وارتديت أجمل ما أملكه من ثياب، وانطلقت إلى الشارع أفكّر كيف وأين يمكنني تنفيذ ما عزمتُ عليه. وما هي إلا لحظات حتى وجدتُ نفسي أقف بين جمهرة من الناس ينتظرون قدوم باص النقل الداخلي. لدى صعودي الباص كان الازدحام على أشدّه. جميع الركاب صامتون وسط همهمات ضجرة من بطء سير الباص بسبب اكتظاظ الشارع بالسيارات.. وبينما كنت أتسلّل بصعوبة للوصول إلى منتصف الباص، رنّ موبايلي (تعليمة) من زوجتي لتذكّرني بتعبئة وحدات رصيد لها قبل عودتي إلى البيت. قلتُ في سرّي (إجت وألله جابا) سحبتُ الموبايل من جيبي ووضعته على أذني متظاهراً بالردّ على المتصل، وصحتُ متصنّعاً الغضب بصوتٍ جهوري: (( ألو..؟ ألو..! وينك وليه.. قلتلّك طالق يعني طالق.. شو إنتِ ما بتفهمي؟ ولك آخ لو فيني طلّقك بدل التلات طلقات، ألف طلقة.. الحق عليّي اللي قتلت الصرصور اللي كان يخوّفك بالمطبخ.. أصلاً لازم كون حطّيت معه فاره، حتى تعرفي يا بنت حوّا أنو ما إلك غنى عنّي..)) كل من حولي أصاخ السمع بين مستغرب ومتعجّب ومبتسم ينصت متلهفاً لسماع المزيد وأضفت: ((أقسم بربّ العباد إذا رجعت عالبيت وشفتك فيه.. غير بإبرة الخياطة ما رح انخزك..)) وهنا انفجر بعض الواقفين قربي ضحكاً. وأحدهم صفّق بيديه متمايلاً كرقّاص الساعة، وضرب البلّور برأسه من شدة الضحك وقال لي: "يا رجل ما شفت غير هالطريقة لمعاقبتها؟" تظاهرتُ بأني لم أسمعه وتابعتُ بمنتهى الجدّية: ((ولك آخ بس لو ما في ناس بجنبي، لكنت حكيت على حرّيتي.. شايفة قمعك لوين وصّلك؟ ما بيكفي النظام صرلو مخرّسنا عقود.. لسّا إنتِ؟ يلعن أبوك لأبو هالنظام اللي حماك كل هالمدّة..)) فاصل قصير من الصمت، وكأنني أتلقّى ردّاً، ثم صرختُ بأعلى صوتٍ متاح لي: ((بدّك تشتكي عليّي للمخابرات؟ ولك شو يعني إذا كان أخوك بالمخابرات؟ انشالله مفكّرة إني بخاف منّه؟ ولك أنا ما بخاف إلا من اللي خلقني.. فهمتِ واللا شو؟..)) لحظات من الصمت أراقب من خلالها ردود أفعال الركاب وأتابع: (( بتعرفي؟ عم فكّر أكتب على بلوزتك من ورا عبارة "داعش تمثلني" برْكي بياخدوكي وبرتاح من خلقتك كم شهر.. ولا بين ما يعرفوا حقيقة الأمر.. بيكون صار وزنك قدّ نصّ وزن المرحوم غاندي..)). فجأةً غابت البسمة عن أغلب المحيطين بي. انكمش البعض مرتاباً وتململ البعض الآخر، وكأنهم يبحثون عن منقذ. تابعتُ متقصّداً عودة البسمة إلى الوجوه: ((وينك وليه سفرجلة.. قبل ما تنقلعي من البيت، اسلقيلي بيضتين وحبة بطاطا مالحة من هاي الغالية، وحطّيلي جنبها رغيف خبز طري من هاد السياحي. غنّجيني شويّة.. خلّيني اتذكّرك بشي شغلة منيحة.. هلكتي سمايي بالخبز البايت، وانتِ ما بتتزقّمي غير الخبز الطري.. لَكَنْ يا عمّي أكابر..)) بعض الركاب بدأوا يتهامسون، وبعضهم أشار بأني مجنون أهلْوس، والبعض الآخر فضّل عدم النزول لحين انتهائي من مكالمتي المزعومة وكأنهم في مشهدٍ مسرحي. واصلتُ بعد أن أشبعتُ حاجتي من التعبير عمّا يجول في خلدي: ((قهقهقه.. ولك يا غشيمة عم بمزح معك.. ما حلّك تعرفي أفلامي؟ أي العمى والله ما بّدّلك بنسوان الأرض، ولا بحوريّات الجنة. ليكي حبيبتي نص ساعة وبكون عندك.. وحياتك ما برجع عالبيت إلاّ ومعي دوا للصراصير متل ما وصّيتي.. يالله حياتي باي..)). أسدلتُ الموبايل عن أذني ووضعته في جيبي وتأهّبت للنزول منشرحاً، كمن استيقظ من حلمٍ لذيذ يتمنى أن يراه ثانيةً، وسط همسات من التعليقات المتنوعة.. وتناهى إلى سمعي قول أحدهم وهو يضحك: "بقصّ إيدي إذا هالرجل ما عم يعبّر عن 90% من سكان هالبلد..! ولك يسلم تمّك يا أصيل.."
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القطط الضامرة
-
مشوار
-
روسيا تزداد تعملقاً
-
أوباما.. يا بالع الموس عالحدّين!
-
عالمكشوووف
-
S.M.S إلى الرفيق قدري جميل
-
خريف العمر
-
من تحت الدلف إلى تحت المزراب
-
البصلات المحروقة
-
غاز.. غاز!
-
حَدَثَ في -بوركينا فاسو-
-
اللاءات الخمس و(النعمات) العشر
-
الفاكهة المحرّمة
-
الطبيب الذي لا يخاف
-
قراءة في أعمال المجلس المركزي لهيئة التنسيق الوطنية
-
رخصة بيع فلافل
-
حكايات شخصية
-
الثعلب
-
حمامة وكوسا وأشياء أخرى...
-
حين يتّسخ الضوء
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|